Friday, February 29, 2008

الشــــــرق ألأوســــط " قديمه وجديده " – معادلة واحدة بحلول مختلفة - / 3

علي الحمــــــــداني

ماهو مشروع الشرق الأوسط الجديد ؟ ولماذا الآن..؟ للإجابة على هذا السؤال واستكمالا لما بدأناه في القسمين الاول والثاني من هذا المقال .. نستمر في هذا البحث المختصر لدراسة العوامل المؤثرة في واحدة من دول هذا الشرق المهمة وهي : ايران ، وكنا قد تطرقنا في القسم الثاني من البحث الى العامل النفطي ودوره ، ونكمل هنا البحث في العاملين التاليين وهما الموقع الجغرافي والإنتماء المذهبي .

الموقع الجغرافي : تتمتع ايران بموقع جغرافي متميز لايمكن معه للغرب أن يفرط به كما قد سال له من قبل لعاب روسيا القيصريه والإتحاد السوفياتي أملا في الوصول الى المياه الدافئه في الخليج والمحيط الهندي وايجاد موضع قدم في قلب الشرق الأوسط . لقد كان هذا الموقع محل منافسة بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي حتى حسم في وقت مبكر وبعد سنة واحدة فقط من تحول روسيا الى الشيوعيه عام 1917 بعد نجاح الثورة البلشفيه على الحكم القيصري ودخول ذلك الحدث ضمن الحسابات السياسيه الغربيه وذلك بهيمنة وتأثير زعيمة الإمبريالية القديمه بريطانيا ثم بتركيز حكم آل بهلوي بزعامة رضا شاه الذي كان رقيبا في الجيش واستطاع الإنقلاب على الحكم وأسس ايران الملكيه الحديثة تاركا الحكم من بعده لإبنه محمد رضا بهلوي شاه ايران الذي اصبح حليف اميركا الاستراتيجي ورجلها بعد دخول اميركا الى عصر الهيمنة الإمبرياليه في أعقاب الحرب العالمية الثانيه .

تحادد ايران جغرافيا مجموعة دول مهمه ولها حساباتها الخاصة في اجندات الغرب وبالذات بريطانيا واميركا . من الغرب العراق بحدود طويله تتجاوز 1400 كيلومتر وتخضع لتضاريس ارضيه مختلفه ومجاميع سكانيه متباينه ، ففي الشمال من هذه الحدود تتلامس مع الحدود التركيه الدولة المهمه سابقا وحاليا ، ثم تنتقل الحدود الى مناطق ألأكراد في شمال العراق وتتقارب بعد ذلك مع الوسط حيث العاصمة العراقيه بغداد بحيث تصبح المسافة بينها وبين الحدود الايرانيه بضع عشرات من الكيلومترات ثم تمتد جنوبا الى مناطق الأهوار المائيه الشاسعة بحيث ان خط الحدود العراقي الايراني يمر مثلا من منتصف واحد من هذه الأهوار وهو (هور الحويزه ) في منطقة العمارة العراقيه علما ان سكان هذه الأهوار هم من الشيعة وتربطهم علاقات مع السكان الإيرانيين في الضفة الأخرى ، حالهم حال سكان منطقة البصره التي يفصل بينها وبين عبادان الإيرانيه ضمن مقاطعة عربستان او خوزستان ممر شط العرب المائي ، والبصره المدينة التاريخيه العريقة التي يسكنها السنة والشيعة العرب تقع الى الجنوب من خط الحدود وينتهي عند مشارفها بالنسبة للعراق .
الجنوب العراقي الذي يتقاسم تقريبا نصف حدود ايران – العراق هو من عشائر عربيه شيعية المذهب ، أما سكنة الأهوار ويطلق عليهم محليا مصطلح ( المعدان ) فتختلف الروايات بشأن اصولهم هل هي عربيه ام فارسيه ام هنديه والاخيرة هي الرواية المفضله لدى المؤرخين حيث بعتقد أنهم من سلالات الهنود الذين أتى بهم القائد العربي محمد القاسم بعد ان فتح الهند وأسكنهم تلك المناطق جنوب العراق واختلطوا بالطبع بمرور السنين بالقبائل العربيه في جنوب العراق وأخذوا منهم عاداتهم وتعلموا منهم وبالطبع تشيعوا مثلهم حين تشيعت ايران في العهد الصفوي وقيل وهو الأغلب أن عرب جنوب العراق اقدم في التشيع من ايران بسبب كونهم سكان المناطق التي كانت قريبة بل متداخلة مع مايعرف حاليا بمنطقة الفرات الأوسط والذي تقع فيه مدينة الكوفه عاصمة الخلافة الإسلاميه ومقر إقامة امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين والتي دفن بعد استشهاده قريبا منها فيما عرف لاحقا بمدينة النجف والتي اصبحت منارة من منارات الفقه الشيعي في الإسلام .

هذا فيما يتعلق بالحدود مع العراق ، ولكن لإيران أيضا حدود مهمة اخرى من الناحية السياسيه خصوصا بالنسبة للغرب وبالذات اميركا وبريطانيا لاتقل عن اهمية حدودها مع العراق . فهي تحادد تركيا حليفة اميركا ، وكذلك جنوب الإتحاد السوفياتي سابقا عدو اميركا الأول ومناوئها في الحرب الباردة والذي تحول لاحقا الى ماسمي بجمهوريات اسيا الوسطى والتي انفصلت عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومالت الى الغرب سياسيا واقتصاديا مثل اذربيجان وتركمستان وكازخستان وارمينيا ، كما انها لها حدود مشتركه مع افغانستان الدولة الغائبة الحاضرة في السياسة الأمريكيه والتي كانت محتلة من قبل الاتحاد السوفياتي ثم سقطت في الشراك الأمريكيه بعد انهيار الإتحاد السوفياتي واندحار رئيسها نجيب الله الشيوعي على يد مقاتلي القاعدة التي كانت مدعومة امريكيا ثم غزوها عسكريا من قبل اميركا وحلفائها لمحاربة نظام طالبان ألإسلامي السلفي المتطرف الذي كان مهيمنا بدعم وسيطرة مقاتلي القاعدة حلفاء الأمس الذين أصبحوا عنوان ( الإرهاب ) في القاموس السياسي الأمريكي ولا زالوا بالرغم من وجود علامات استفهام كثيرة فيما يتعلق بهذا التنظيم ومدى مصداقية عدائه لأميركا والغرب على ضوء معطيات كثيرة سنتناولها لاحقا . كذلك لإيران حدود مع باكستان الدولة الإسلاميه السنيه والنوويه حليفة اميركا التقليديه . أما جنوب وجنوب غرب ايران فحدودها هناك تشكل استراتيجية بالغة الأهميه فهي تقبع على الضفة الاخرى من الخليج العربي أو الفارسي كما تطلق عليه ايران مقابل مجموعة دول الخليج والسعوديه ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لأميركا ، وكذلك تسيطر بحكم موقعها على ممر مضيق هرمز الشريان الحيوي لناقلات النفط وحركة التجارة في المنطقه ، وتمتد حدودها على البحر العربي وبدايات المحيط الهندي .

ألإنتماء المذهبي : تحولت ايران الى التشيع في عهد السلطان عباس الصفوي باستثناء أقلية من السنه الفرس والكرد . وبسبب كثافتها السكانيه ومساحتها الجغرافيه فقد اصبح لها ثقلا دينيا ومذهبيا بدأ يترك بصماته على المنطقه خصوصا بعد قيام الجمهوريه الإسلاميه في عام 1979 حيث بدأت تصريحات وخطب قائد تلك الثورة الإمام الخميني تتكلم علنا عن تصدير الثورة وكان المقصود فعليا بذلك العراق ودول الخليج ، فالعراق تسكنه كثافة سكانية شيعيه عاليه وكان العراق يعيش في ظل نظام صدام حسين العدو اللدود للخميني ، اما دول الخليج فهناك سكان شيعة من العرب او من اصول فارسيه في كل من شرق السعوديه والإمارات والبحرين وقطر والكويت . وبسبب ضعف النظام العراقي خصوصا منذ التسعينات بعد غزو الكويت وفرض الحصار الإقتصادي على العراق فقد نشطت مرجعية قم الإيرانيه على حساب دور النجف المرجعي والذي يتبناه الشيعة العرب في العراق لما لمدينة النجف من مكانة خاصه دينيا وفقهيا ، وفي الحقيقة فقد كانت المرجعيه في النجف ولقرون من حصة ( آيات الله ) الإيرانيين باستثناء مرجعين عربيين ولمدد قصيرة فقط .
إن الإنتماء المذهبي ألإيراني وتنشيطه من خلال الحكم الديني للجمهوريه الإسلاميه المتمثل بولاية الفقيه امتد الى ابعد من العراق ليصبح مؤثرا في سوريا ولبنان بسبب الوضع السياسي الذي خدمه والذي كان متمثلا بالعداء السوري العراقي بين شطري حزب البعث في البلدين. وبسبب وجود أغلبية شيعية في جنوب لبنان أدى الى نشوء حزب الله الشيعي هناك وتقارب ايديولوجي سياسيا وفكريا بين سوريا وايران كحلفاء سياسيين وتقارب عقائدي بين العلويين الذين يحكمون سوريا منذ مجيئ المرحوم حافظ الأسد للحكم في الستينات وبين الشيعة الذين برز دورهم العقائدي في الحكم عند قيام الجمهوريه الإسلاميه عام 1979 . واذا ما أضفنا الى ذلك الوضع الإقتصادي الإيراني القوي كدولة نفطيه وما تقدمه من دعم مالي لحلفائها نكون قد وصلنا الى صورة النظام الإيراني الفاعل في المنطقه متمثلا بالنواحي الإقتصاديه والجغرافيه والدينية ، وذلك ما اخذ بحسبان السياسة الأمريكيه ولم تغفل عنه والذي شكل وضع العلاقة السياسيه الامريكيه – الايرانيه التي يقول ظاهرها انها حالة عداء مزمن ومستحكم ويقول باطنها عكس ذلك استنادا الى مبدأ ( المصالح ) الذي يوجه السياسة في العالم سابقا وحاليا ومستقبلا ، وهذا الموضوع بالذات سنتناوله بالبحث بعد القسم التالي من هذا المقال وهو القسم الرابع الذي سنتحدث فيه عن بقية دول الشرق الاوسط تاريخيا وحاضرا والتطلعات المستقبليه للمنطقة عموما بما يبشر به حاليا تحت اسم ( الشرق الأوسط الجديد ) .

الشـــرق ألأوســــط " قديمه وجديده " - معادلة واحــــــــدة بحلول مختـلفة 2

ماهو مشـروع الشرق الأوسط الجديد ؟ ولماذا الآن ..؟ للإجابة على هذا السؤال واستكمالا لما بدأناه في القســم الأول من هذا المقال .. نبدأ أولا ببحث مختصر للدول المكونة لهذا الشرق وستكون البداية من " إيران " .
ظهرت أهمية ايران بالنسبة للغرب منذ بداية القرن الماضي واستقطبت انظاره خصوصا بعد سقوط روسيا القيصريه وحتى قبل ذلك . وقد ابتدأ هذا الإهتمام من قبل بريطانيا اولا حين كانت امبراطوريتها تتزعم الإمبرياليه العالمية ثم انتقل الى اميركا لاحقا وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية . ولأهمية ايران عوامل عديدة أهمها :
الثروة النفطية في الجنوب الإيراني التي تشكل امتدادا طبيعيا للحوض النفطي العراقي والخليجي .
أهمية الموقع الجغرافي والكثافة السكانيه .
ألإنتماء المذهبي والصراع التنافسي التقليدي و التاريخي مع الدولة العثمانيه " تركيــا " .
وسنمر على هذه النقاط لدراستها باختصار قبل أن ننتقل الى المحصلة التي انتهت اليها في ظل الوضع السياسي والدولي الراهن ، وعلاقات اميركا بالذات بإيران سلبا او إيجابا .

النفط : لعب النفط الإيراني دورا كبيرا في اقتصاديات الغرب الى جانب النفط العربي في الخليج والعراق ، وكما ذكرنا في القسم الأول فإن سياسة الإستعمار البريطاني سعت منذ بداية القرن الماضي الى جعل مصادر هذه الثروة الحيوية التي تشترك بحوض نفطي طبيعي واحد مقسمة بين ثلاثة أنظمه وعلى اساس هذه النظرة ضمت عربستان العراقية الى ايران وفصلت الكويت وجعلتها إمارة مستقله ، وكان الهدف من ذلك حسب النظرة السياسية البريطانية بعيدة المدى هو عدم الإعتماد كليا على دولة واحدة لتجهيز هذا المصدر المهم - ويكاد يكون الوحيد - من مصادر الطاقة لعصب الحياة في الغرب وهذه النظرة انطلقت من اية احتمالات قد تحدث مستقبلا على ضوء متغيرات الوضع الدولي انذاك وما قد يسببه هذا التغيير من اضرار جمة للغرب الرأسمالي وخصوصا أن الوضع الروسي قد تغير من القيصريه الى الشيوعيه بانتصار الثورة البلشفيه عام 1917 أي بسنة واحدة قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى التي كان من محصلتها اندحار المانيا وتركيا والى البدء بتقسيم المنطقة العربيه والشرق الأوسط حيث وضعت الخريطة الجديدة للمنطقة تحت الإحتلالين البريطاني والفرنسي . هذا من جهة ومن جهة ثانية كانت فكرة الوطن القومي اليهودي في ( أرض الميعاد ) قد طرحت من قبل هيرتزل في المؤتمر الصهيوني في بازل – سويسرا في اواخر القرن التاسع عشر وبحدود اربعون عاما قبل الحرب العالمية الاولى ووجدت اذنا صاغية من قبل الاميراطورية البريطانيه ودخلت في الحسابات السياسية بوقت ليس بالقصير قبل ان يتولى بلفور حقيبة الخارجية البريطانيه ويصدر بإسم حكومته وعده الشهير بإعطاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين ، ولا شك ان من تداعيات قرار كهذا أنه سوف يخلق حالة عداء بين الدول العربيه التي تمتلك مصادر الطاقة النفطية والدولة اليهوديه المزمع اقامتها وليس بالضرورة ان تخلق حالة عداء مماثلة بين الدولة المقترحة وايران غير العربية .
لقد اثبتت هذه النظرة البريطانية صحتها فيما يتعلق بالسيطرة على مصادر الطاقة النفطيه الشرق أوسطية في اكثر من موضع لاحقا يمكن تلخيصها بما يلي :

أولا : قيام اسرائيل على ارض فلسطين عام 1948 ، وكانت فلسطين تحت الإنتداب البريطاني مع منطقة شرق نهر الأردن او امارة شرق الأردن أو المملكة الأردنية الهاشميه لاحقا وكانتا ضمن مناطق النفوذ التي اصرت بريطانيا على السيطرة عليهما في اعقاب الحرب الاولى . لقد تلى ذلك كما كان متوقعا خصوصا بعد مؤامرة انشاء اسرائيل وبالتآمر مع الأنظمة الحاكمة انذاك والتي كانت تدور في الفلك البريطاني وهي الملك فاروق في مصر والأمير عبدالله في شرق الاردن والوصي على عرش العراق عبد الإله ، حالة عدم استقرار تلت حرب 1948 بين العرب واسرائيل كان من أولها قيام الثورة المصريه عام 1952 وطرد الملك فاروق ثم ثورة 1958 في العراق ثم الحروب الاسرائيلية العربيه والبدء بالتلويح باستخدام النفط العربي كسلاح خصوصا مع تصاعد المد القومي في تلك الفترة على يد جمال عبد الناصر في مصر وظهور ونمو أحزاب قومية عربيه تحرك بكفاءة الشارع العربي ، الا ان النفط حتى عندما قلص انتاجه واوقف بعضه لهذه الآسباب استمر بالتدفق من الحقول الايرانيه الى الغرب ، بل الأدهى من ذلك تدفقه الى اسرائيل خلال فترة الحكم الشاهنشاهي في ايران ..!
ثانيا : تأميم النفط الإيراني في زمن رئيس الوزراء مصدق وانقلابه على الشاه في الخمسينات واضطراب معدلات ضخه ومستوى اسعاره إلا أنه لم يولد أثرا يذكر على الغرب بسبب وجود نفط العراق والكويت والسعودية .
ثالثا : تأميم شركات النفط البريطانيه والعالميه في العراق عام 1970 لم يهز الاقتصاد الغربي بالشكل المطلوب أو المتوقع بسبب وجود نفط ايران والكويت والسعوديه الذي تديره نفس الشركات النفطيه العملاقه والتي أممت حصصها في العراق .
رابعا : حين قامت الثورة الإيرانية على نظام الشاه محمد رضا بهلوي بزعامة الخميني عام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية وما صاحبها من تداخلات وتداعيات سنأتي على ذكرها لاحقا ، ودخول اميركا حلبة صراع (منظور ) مع ايران ، لم يفقد الغرب اتزانه بعد زيادة معدلات ضخ النفط في العراق والكويت والسعوديه . وهكذا كان النفط ورقة اللعب المهمة في يد الغرب لحسم اللعبة لصالحه ولو تغير لون تلك الورقة أو شكلها او مصدرها .

في القسم الثالث سننتقل ان شاء الله لدراسة بقية العوامل المتمثلة بتأثيرات الموقع الجغرافي والإنتماء المذهبي لإيران سواء في عهد الشاهنشاهيه او الجمهورية الإسلاميه قبل ان ننتقل لبقية دول الشرق الاوسط العربيه وذلك لإستكمال الوضع السياسي لخريطة الشرق الأوسط القديم / الحالي قبل الدخول في المتغيرات الجديدة التي ظهرت معها طروحات نظرية الشرق الاوسط الجديد التي تبنتها امريكا وتسعى لتحقيقها مع حليفتها الإستراتيجيه اسرائيل .

الشــــــــــــرق ألأوســــــــــط " قديمه وجديده "

ألحلقة الأولى علي الحمـــــداني

كثرت الطروحات في ألآونة ألأخيرة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وآخرها ماسمي ( الشرق الأوسط الجديد ) ودول المنطقه والتي آخر ما اطلق على بعضها ( الدول المارقة ) تمييزا لها ربما عن الدول ( الطائعة ) ، ولكن وبحقيقة الأمر وبمراجعات بسيطة لحسابات التاريخ والجغرافيه السياسية في المنطقة التي اطلق عليها مجازا منطقة الشرق الأوسط اعتمادا على موقعها من اوربا زعيمة الإستعمار القديم في بدايات القرن الماضي ، نرى ان الكثير من هذه الدول ( المارقة ) كانت وما زالت تشكل المفتاح الذي يحتفظ به الغرب في جيبه وهو من طراز ( ماستر كي ) Master Key والذي يستخدم عادة عند الحاجة لفتح كل الأبواب المغلقة ضمن بناية واحدة ولنعتبرها هنا دول( الشرق الأوسط ) . حرارة الباروميتر السياسي لهذه الدول ( المارقة ) في منطقة الشرق الأوسط تنبع من حرارة النفط الموجود في أراضيها وأهمية موقعها الجغرافي وتأثيره في السياسة العالمية ، ولفهم ذلك لابد من العودة الى الوراء الى أيام معاهدة ( سايكس بيكو ) التي اعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 حين خرجت تركيا العثمانية حليفة المانيا مهزومة من الحرب وفقدت سيطرتها على دول المنطقة تاركة اياها غنائم حرب للدول المنتصره ومن ابرزها في الشرق العربي كانت بريطانيا زعيمة الإستعمار الغربي انذاك والمتحكم شبه الوحيد في السياسة الدولية وكذلك فرنسا . وعلى اساس المعلومات المتوفرة لدى بريطانيا فيما يخص منابع واحواض النفط في المنطقة تم اقتسام الغنائم ومن أهمها مناطق ايران وجنوب وشمال العراق . بالنسبة لإيران تم اقتطاع الجزء الجنوبي الشرقي من العراق الذي كان يتبع للشيخ خزعل ويضم عبادان والمحمرة ليتم ضمه الى ايران ليعرف بإسم اقليم عربستان ولاحقا خوزستان . كما تم اقتطاع الجزء الجنوبي من العراق وتأسيس دولة مستقله له بدل المشيخة وعرفت لاحقا بدولة الكويت الحالية . ولعل هناك من يسال لماذا هذا التقسيم الجغرافي من قبل بريطانيا في حين ان هاتين المنطقتين المقتطعتين كانتا جزء من العراق الذي أصبح تحت الإنتداب البريطاني مباشرة ، اي تحت الإحتلال العسكري بلغة العصر ثم اصبح بعد الإستقلال في 1921 خاضعا للسياسة البريطانية وحليف استراتيجي لها . والجواب هنا ربما ينطلق من المثل الإنكليزي وهو ( لاتضع كل البيض في سلة واحدة ) خصوصا ان الدول الثلاث وهي ايران والعراق والكويت كانت ضمنا حلقة فاعلة في السيطرة البريطانية ، ولكن النظرة السياسية بعيدة المدى والتي عرف بها الساسة البريطانيون انذاك وضعت في الحسبان في معادلتها السياسيه ابقاء موضع رجل لها في أي من هذه الدول في حالة فقدانها لهذا الموضع في دولة اخرى .. وقد اثبتت الأحداث اللاحقة في اواخر القرن الماضي صحة هذه الإستراتيجيه السياسية حين خرج عن الطوق كل من العراق وايران فاصبحت الدولة الثالثة في هذه المعادلة المنطلق العسكري والإقتصادي والسياسي لإعادة السيطرة على العراق ضمن السياسة الجديدة للإستعمار الغربي وبزعامة الولايات المتحدة الأمريكيه وحليفتها بريطانيا هذه المره . هذا مايتعلق بالمثلث الجنوبي الشرقي للعراق ، أما مايخص المثلث الشمالي الغربي للعراق فيكاد نفس السيناريو يتكرر ولكن باسلوب آخر . منطقة الموصل وشمال العراق الجبلي أو مااطلق عليه منطقة كردستان العراق حاليا وكذلك السهول الممتدة بين الموصل والحدود السوريه او مايعرف بمنطقة ربيعه فله وضع مشابه . ابتداءا اسقطت مطالبة تركيا المهزومة في الحرب بمنطقة الموصل وشمال العراق بسبب حقول نفط كركوك والموصل.. وتركز التفاوض في اقتسام الغنائم بين الحليفين بريطانيا وفرنسا فقط ، لقد طالبت فرنسا بضم منطقة الموصل الى سوريا باعتبارها امتداد جغرافي وسكاني واجتماعي وكانت فرنسا قد حسمت موضوع انتدابها على بلاد الشام وهي سوريا ولبنان وقد ترك موضوع فلسطين وشرق الاردن معلقا ليحسم لاحقا على الرغم ايضا من مطالبة فرنسا ان يكون شرق الاردن هو جزء من الدولة السوريه حيث كان جزءا من محافظة الكرك السوريه .. أصرت بريطانيا على موقفها من الطلبين الفرنسيين بالرفض وان تكون الموصل جزءا من العراق ، والكرك تدخل ضمن شرق نهر الأردن وهذا ماسوف نتناوله في حلقات قادمة ، الا ان مايهمنا في هذه المقدمه هو انضمام الموصل الى العراق اي تحت الوصاية البريطانية . لم تكن فرنسا كما يبدو انذاك لتدرك بعد هذه المطالبه والإصرار البريطاني أو اسبابها الحقيقية بل اكتفت بنشوة ( امتلاك ) سوريا ولبنان . الهدف الحقيقي كان يكمن في النفط وهو نفس الأساس الذي بنت عليه بريطانيا سياستها الاستعماريه في جنوب العراق . بالقرب من الموصل تقع منطقه تدعى ( عين زاله ) وكانت بريطانيا تعلم بوجود النفط في هذه المنطقه ولكن دون معرفة بكميته او حجم الحقل النفطي هناك والذي ظهر فيما بعد انه حقل صغير نفد خلال الخمسين عاما اللاحقة لتلك الأحداث . تم ضم الموصل الى العراق واسست شركة نفط الموصل في عين زاله التي عرفت M PC أي : Mosul Petroleum Company كما اسست بريطانيا على غرار ذلك شركتي : I P C و B P C أي شركة نفط العراق وشركة نفط البصره . كان النفط اذن القاسم المشترك في تقسيم مناطق النفوذ بعد الحرب العالمية الاولى ومعها بدأت الحقبة الجديدة في خريطة الشرق الاوسط الحاليه ، وللوصول الى تطلعات الولايات المتحدة الامريكيه في نظرية الشرق الاوسط الجديد لابد ان نبدأ بعد هذه المقدمة لتناول واحدة من أهم الدول في المنطقه وأعني بها ايران وسياستها القديمة والمعاصرة والغموض والإشكالات التي احاطت بها وتنقلها مابين النفوذ البريطاني والأميركي وهو ماسيكون موضوع الحلقة القادمة ان شاء الله .