Friday, August 8, 2008

لعبة صراع النفوذ في العراق ـ 2 ـ

لعبة صراع النفوذ في العراق ـ 2 ـ

كتابات : علي الحمــداني

لعل من أكبر النجاحات التي حققتها ماكنة الإعلام للحزبين الكرديين الممسكَين بالسلطة في المنطقة الكردية من شمال العراق ، هو الإيحاء بنهوض المنطقة إقتصادياً مع تمتعها بالأمن والسلام . ووجود برلمان ممثل للشعب الكردي في ظل حكم ديمقراطي .

وإذا ماأردنا أن نربط ذلك بحقبة زمنية مقدارها سبعة عشر عاماً ، أي من عام 1991 ، عند دخول العراق تحت الحصار ، وضعف ثم فقدان الحكومة المركزية في بغداد لسيطرتها على أجزاء كثيرة في المنطقة الكردية ، وحتى اليوم بما في ذلك خمس سنوات من الإحتلال الأجنبي للعراق تعاظم معه دور الحزبين الكرديين واتسعت معه أطماعهما وتدخلهما في الشأن العراقي وخلق حالة شبه إنفصال عن العراق وبشكل تدريجي تحت مظلة الإحتلال والدعم الخارجي .

إذا ماأردنا أن نربط ذلك بكل هذه السنوات ، نجد زيف البروباكندا الكردية في إدعاءاتها ..

للحديث عن الأمن والسلام .. نقول : نعم ، هنالك أمن بالقياس الى فوضى إنعدام الأمن في أجزاء العراق الأخرى .. ولكن السؤال هو ماهي مصادر إنعدام الأمن العراقي ومن يقف وراءها ..؟

ـ هنالك الميليشيات الحزبية المسلحة
ـ وهنالك قوات البيشمركة الكردية
ـ وهنالك عصابات النهب والسرقات من محترفي الإجرام

هذه الفئات الثلاثة هي التي خلقت حالة فقدان الأمن في الشارع العراقي ، كل من زاويته ومن مصالحه الخاصة ..

الميليشيات الطائفية الحزبية ، تعمل وفق أجندة وتوجيهات أحزابها التي دخلت في تحالف مع الحزبين الكرديين منذ اليوم الأول لسقوط العراق تحت الإحتلال ، فساحة عملها إذن لاتشمل المناطق الكردية.

قوات البيشمركة الكردية ساهمت بشكل مباشر في تثوير عمليات الفوضى الأمنية في الأجزاء غير الكردية من العراق خصوصاً في محافظة نينوى ، سواء داخل مدينة الموصل من قبل اللوائين الكرديين التابعين لها والعاملين بتوجيه مباشر من مسؤول حزب البرزاني ، نائب المحافظ خسرو كوران ، أو بحدود المحافظة كما يحدث في مناطق المسيحيين الكلدوآشوريين والسريان في سهل نينوى ، وفي مناطق الشبك واليزيدية ، بغية تهجيرهم الى المنطقة الكردية ، وبالتالي تطبيق سياسة التطهير العرقي ، أو لغرض تفريغ المناطق التي تحتوي على النفط في المحافظة من سكانها لضمان السيطرة الكردية عليها وسرقة النفط وفق عقود غير قانونية .!
قوات البيشمركة أيضًا تلعب نفس الدور في محافظة ديالى بواسطة اللواء 34 ، وتعمل على السيطرة على مناطق مثل جلولاء والسعدية وحمرين وغيرها بواسطة فرض سياسة العنف والإرهاب ..
وتقوم بالدور نفسه في مناطق أخرى بغية إبتلاعها كما هو الحال فيما حدث ويحدث في كركوك ذات التركيبة السكانية المختلطة من أجل إحداث تغيير ديموغرافي مزور على حساب العرب والتركمان .
أما عصابات النهب والإجرام والسرقات فساحات عملها داخل المدن الكبيرة وخصوصاً العاصمة بغداد ، مع أن لدينا بعض الحوادث المسجلة عن عصابات سرقة سيارات خاصة في مدينة الموصل ثم تم بعد ذلك تسليمها لأصحابها في السليمانية وأربيل لقاء مبالغ مالية بالدولار .

ولعل هناك من يتساءل .. أين هو دور القاعدة إذن ..؟
الجواب بكل بساطة ، أنه لو كانت القاعدة تستهدف المحتل الأمريكي والمتعاونين معه ومنهم الحزبين الكرديين ومصالحهم ، لكنا قد سمعنا ولوعن عملية واحدة على الأقل من هذا النمط في المنطقة الكردية ! ولكن أصبح من المعروف والمؤكد لدى الجميع ، أن القاعدة ماهي إلا فبركة وصناعة أمريكية .. قلنا ذلك في السابق وأثبتته كافة الأحداث اليوم ، وأنها تعمل وفق أجندة الأمريكان بإسم الإسلام والجهاد وما الى ذلك .. ( راجع : علي الحمداني : سلسلة حلقات على " كتابات " بعنوان : الحرب على الحقيقة ، مترجم عن كتاب باللغة الإنكليزية بنفس العنوان لمؤلفه شافيز مصدق أحمد )

هذا فيما يتعلق بالأمن والإستقرار في المنطقة الكردية واسلوب إستثمار ذلك إعلامياً من قبل الحزبين العميلين .
فماذا عن الإزدهار الإقتصادي في (جنة الله على الأرض ) في ظل رعاية مسعود البرزاني وجلال الطالباني ..؟
سأختزل كل ذلك بأمثلة من أرض الواقع يكاد يعرفها كل كردي ، ولأن آثارها بدأت تنعكس على مفردات حياته اليومية . ينكرها البعض عناداً واستكباراً ، وهم عادة من المنتفعين من بركات الحزبين ومن منتفعي المنتفعين نزولاً الى أسفل السلّم ، أو أولئك الذين يعتقدون أن الكلام عن الوضع المزري للأكراد من خارج قوميتهم هو طعن وإنقاص وقضية شرف يجب الوقوف ضدها حتى لو إقتنعوا بصحتها ، وهذا حال التفكير الشوفيني .

( بعض المعلومات الواردة في الفقرات التالية عن دراسة للبروفيسور الدكتور كمال مجيد بعنوان :
An assessment of the condition in the Kurdish part of Iraq . 23 July 2008 .(


ـ خدمات الماء والكهرباء : تعاني المنطقة الكردية بما في ذلك المدن الرئيسية الثلاث السليمانية وأربيل ودهوك من إنقطاع مستمر للتيار الكهربائي ولفترات طويلة يومياً . يستثنى من ذلك بنايات تعود للحزبين كمكاتب أو شقق سكنية لأجانب بما فيهم إسرائيليين ، أو المجمعات السياحية غالية الأجور .. وكل هذه الأماكن لاتشكل إلا نسبة ضئيلة جداً من أماكن سكن المواطنين أو أماكن عملهم .

من المعروف أن محطات توليد الطاقة في عموم العراق قد تعرضت للقصف الجوي إبان الإحتلال مما أدى الى تخريبها وتعطيلها ولم تنل حظها من الرعاية والتصليح خلال أكثر من خمس سنوات لامن قبل الحكومة ولا من قبل المحتل .. ولكن لم تتعرض أي من هذه المحطات في المنطقة الكردية لأي عمليات قصف لكي تتوقف ..
الذي حدث هو عمليات السرقة من قبل عصابات تدار من قبل جهات معينة وذلك لتفكيكها وسرقتها للتوربينات والمولدات وأميال من الأسلاك النحاسية لنقل الطاقة الكهربائية ، ومن ثم بيعها داخل إيران .. وهذا إستمر منذ بداية التسعينات مما ترك محطات التوليد الرئيسية في سدي دوكان ودربندي خان ، والمحطات الفرعية معطلة ومهملة ، ولم يقم الحزبان الحاكمان بإصلاحها أو إعادة تشغيلها مع أهميتها القصوى للمواطن الكردي .

نفس الموضوع ينطبق على محطات ضخ المياه والأنابيب التي أكل بعضها الصدأ الى درجة إختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي وتلويثها وظهور حالات إصابة بمرض الكوليرا نتيجة لذلك .. ولا تزال المياه تنقل الى بعض المدن والقرى بواسطة الصهاريج !

ـ الزراعة والصناعة : إشتهرت المنطقة الكردية من العراق بزراعة التبوغ وبمعدل 15,000 طن سنوياً .. كانت الحكومة العراقية تقوم بشراء هذا المحصول من المزارع الكردي لمصانع السيكاير ، وكان هذا يدر على المزارعين دخلاً سنوياً ثابتاً .
الآن ، وبسبب عمليات تهريب السيكاير الأجنبية وخصوصاً الأمريكية والتي غزت الأسواق في العراق ، فقد توقفت تقريباً زراعة التبوغ بعد أن توقفت مصانع السيكاير الوطنية في أربيل والسليمانية .
أما البنجر ، والذي ينمو في المنطقة الكردية ، فقد كان يشكل المادة الأولية لمصانع السكر ، ودخل مالي للفلاح الكردي .
الآن ، توقفت هذه الزراعة أيضاً ، بعد توقف معامل السكر .
ومما تجدر الإشارة اليه ، أن هذه المعامل قد تم تفكيكها وبيعها في إيران من قبل أزلام الحزبين ، كذلك تم بيع معملين للأنسجة بنفس الطريقة !

بسبب تدهور الزراعة للأسباب المذكورة وبسبب تحويل مجرى نهر ( سيروان ) من قبل الإيرانيين والذي أدى الى إنخفاض في مستوى المياه في سدي دوكان ودربندي خان ، فقد هجر الكثير من المزارعين الكرد لأراضيهم وانتقلوا الى المدن مثل أربيل والسليمانية ودهوك من أجل لقمة العيش . لقد اصبحت المواد الغذائية اليوم تستورد من إيران وتركيا وسوريا وتباع من قبل حفنة من المتنفذين من التجار الى المحلات ثم الى المواطن وبأسعار خيالية !

كان هنالك في شمال العراق مصنعين للسمنت قد بنيا من قبل الحكومة العراقية ، الأول هو مصنع سرجنار ، وهذا قد تمت مصادرته في ظل حكومة الحزبين ، من قبل شركة تدعى " نوكان " مملوكة للإتحاد الوطني الكردستاني لصاحبه جلال الطالباني .
المصنع الآخر هو مصنع طاسلوجة .. أصبح في ظل حكومة الحزبين مملوكاً شخصياً للسيدة
" هيرو" زوجة جلال الطالباني وعن طريق أحد وكلاء أعمالها " فاروق ملا مصطفى " .. وتجدر الإشارة الى أن السيدة هيرو تمتلك أيضاً شبكة إتصالات الهاتف المحمول " آسيا سيل " ، وعدد من فنادق الخمسة نجوم في المنطقة ..!

ـ الفساد المالي : لايظنن أحد أن الفساد المالي موقوف على شلة الأحزاب الطائفية الإيرانية في العراق وأزلامهم في مواقع السلطة مما نسمع عنه كل يوم .. فإقليم ( كردستان ) وقادته حلفاء وشركاء نهب العراق اليوم ، لهم باع وتاريخ طويل أيضاً في الأنشطة اللصوصية .
كان الدخل اليومي لمسعود البرزاني من السماح بدخول الشاحنات التركية التي تحمل المواد الغذائية الى العراق في زمن الحصار وفقاً لبرنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة هو مليون دولار يومياً ، نعم يومياً ، ولمدة ثلاثة عشر عاماً ..!!
هذا العمل المخالف للقانون كان يتم بعلم الأمم المتحدة وأميركا ..
ليس هذا فقط ، بل حصل مسعود على مبلغ 1,4 بليون ( نعم بليون وليس مليون ) دولار من ذلك البرنامج " تقرير صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية في 10 / 12 / 2004 " .
كما حصل جلال الطالباني على نفس المبلغ تماماً .
كلا المبلغين سجلا بإسم الحزبين الكرديين ، وتم إيداعهما للإستثمار بواسطة شركة أسسها " إيد روجرز " وشركاء آخرين للرئيس الأمريكي جورج بوش .!

مدينة دهوك تخصصت بالتهريب وخصوصاً للسيكاير الأجنبية .. وهذا النشاط يعود الى أكثر من خمسة عشر عاماً .
في 18/8/1994 ، ومن مدينة دهوك ، كتب " كرس هيدجز " لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وصحيفة الغارديان البريطانية يقول " إن المنطقة الآمنة الكردية قد أصبحت سوقاً سوداء ورئيسية للسيكاير الأمريكية المهربة مثل كنت ومارلبورو وفايسروي وبعوائد تقدر بملايين الدولارات ... "

منذ 1992 ، لم تقدم أية ميزانية رسمية ( للإقليم ) ..! كما أن نسبة 17 % من عائدات النفط تذهب مباشرة الى الحزبين ..!

18,000 عضو في الإتحاد الوطني الكردستاني يحصلون على رواتبهم لكونهم أعضاء في الحزب !

المناقصات في قطاع الإنشاءات وغيرها ، تحال أولاً الى المتنفذين في الحزبين .. ويقوم هؤلاء بدورهم بإعادة بيعها الى المزايدين عليها ممن هم أدنى في السلم الهرمي للسلطة .. وهكذا !!

ـ الفساد السياسي : لم يتم إنتخاب مسعود البرزاني أو جلال الطالباني من قبل الشعب الكردي ولأي منصب أو مركز على الإطلاق ..!
رئاسة الحزب الديمقراطي الكردستاني ور اثية .. مصطفى ثم ولده إدريس ثم شقيق إدريس مسعود .!
رئاسة الإتحاد الوطني الكردستاني ، فقد تم إنتخاب جلال الطالباني رئيساً للحزب عند تأسيسه عام 1975 من قبل الأعضاء المؤسسين .. ولايزال رئيساً لحد الان ..!

تم تعيين مسعود رئيساً للإقليم ، وجلال رئيساً للجمهورية من قبل الحاكم الأمريكي للعراق ..!

ليس هناك شخص واحد من الكرد قد رشح نفسه لعضوية البرلمان .. الترشيح يتم من قبل الحزبين ومن أعضائهما لشغل المقعد النيابي .. وبإمكان الحزب طرد أي من نوابه إن شاء قبل إنتهاء مدة عضويته ..! ( ديمقراطية تتواضع أمامها ديمقراطية برلمان المنطقة الخضراء ! )

يقول جلال الطالباني لصحيفة الحياة في لندن في عددها 21/9/1996 ( إن البرلمان قد تأسس على أساس أن يتقاسم كل من الحزبين الكرديين المقاعد مناصفة وبالتساوي .. إن العملية الإنتخابية تقوم على أساس التصويت للحزب وليس للمرشحين عن مناطقهم ، وللحزب الحق في تبديل مرشحيه للمجلس بآخرين ..! )

لاأدري أين هو حق بقية القوى السياسية الكردية والمستقلين من الكرد في التمثيل ( الديمقراطي ) في البرلمان الكردي ..!؟

والى الحلقة الثالثة ..

lalhamdani@yahoo.com

www.alialhamdani.blogspot.com



No comments: