Thursday, August 7, 2008

لعبة صراع النفوذ في العراق ـ 1 ـ

لعبة صراع النفوذ في العراق ـ 1 ـ

كتابات : علي الحمــداني

لعل من أبرز مارافق الإحتلال العسكري للعراق في نيسان / ابريل عام 2003 ، هو إستراتيجية تم وضعها بعناية وعلى مدى سنوات طويلة سبقت الغزو العسكري ، بعضها ربما يرجع الى أكثر من نصف قرن من الزمن كما هو الحال في تعاون قيادات حزبية كردية متمثلة بالعائلة البرزانية وأتباعها ممن كانوا منضوين تحت الحزب الديمقراطي الكردستاني ثم لاحقاً الإتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه جلال الطالباني ،وذلك مع المخابرات الأمريكية والغربية والإسرائيلية على وجه الخصوص .

آيديولوجية الإحتلال وما تم بناؤه عليها من إستراتيجيات وخطط وتكتيكات أيضاً ، ينطلق من عدة معطيات وعوامل بعضها تاريخي ديني " توراتي " ، والبعض الآخرهو الخطط السياسية في تحقيق مخطط " الشرق الأوسط الجديد " بدءاً من العراق بسبب موقعه وثرواته وتركيبته السكانية وطبيعة الأحداث السياسية التي فرضت عليه خلال عقود طويلة من الإنقلابات والصراعات الدموية والتسلط الفردي والأزمات السياسية والإقتصادية بما فيها الحروب الطاحنة والتي كانت تمثل جزءاً مهماً في حلقة الصراع من أجل تحقيق وتكريس الأهداف البعيدة .
( راجع : علي الحمداني : سلسلة الشرق الأوسط الجديد / كتابات . وسلسلة من أجل بابل والتلمود تم ذبح العراق / كتابات . والسلسلة الأخيرة هي عبارة عن ترجمة مكثفة لكتاب صدر بالإنكليزية هو :
) . Alliance against Babylon . By John Cooley
صراع النفوذ في العراق ، صراع يتمثل في أربعة معايير ، وكما يلي :
ـ صراع سياسي وحزبي
ـ صراع مذهبي وديني
ـ صراع قومي وأثني
ـ صراع داخل هذه الصراعات الثلاث

الصراع الأول : هو صراع المصالح والسيطرة على مقاليد الحكم .
الصراع الثاني : هو صراع التزييف وتصدع المجتمع .
الصراع الثالث : هو صراع التمهيد لخلق حالة التقسيم والتفتيت الجغرافي .
الصراع الرابع : هو صراع لعب الورقة الرابحة داخل هذه الصراعات وحسب مقتضيات المرحلة والمصلحة .

قبل أن نتناول تفاصيل هذه الصراعات ، لابد من الوقوف عند منعطف خطير ومهم في تاريخ العراق الحديث لم ينل ، مع الأسف ، مايستحقه من الإهتمام على مدى سنوات طويلة وخلال أنظمة حكم مختلفة إلا مؤخراً وبعد أن بدأ يعطي ثماره السامة ، وظهر وجهه القبيح وتأثيره في نكبات العراق متوجاً إياها بالتمهيد والعمل على إحتلال العراق نفسه ..
ذلك هو دور الحزبين الكرديين وقياداتهما ، الحزب الديمقراطي الكردستاني موروث العائلة البرزانية مصطفى ، إدريس ، ثم مسعود البرزاني ، الذي تم تنصيبه على يد الإحتلال رئيس إقليم مايسمى كردستان .. والإتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني الذي تم تنصيبه رئيساً للجمهورية !
إنها إذن ديكتاتورية حكم تمتد لعقود تحاول أن تسوق نفسها برداء ديمقراطي علماني تقدمي وهي ليست في الحقيقة أكثر من تعصب قومي لدرجة الشوفينية ، شأنها شأن الكثير من الأنظمة التي ظهرت ولاتزال في العالم الثالث وللأنظمة العربية حظ كبير منها .

يخطأ الكثيرون خطأً فادحاً عندما يتوهمون أن أكراد العراق أو الشعب الكردي في منطقة شمال العراق هم من يمثلهم هذان الحزبان وزعامتهما ، والحقيقة أن هذين الحزبين هما من يسيطر على مقاليد الحكم في هذه المنطقة .. ولأن صوت ضجيج ماكنة إعلام الحاكم الدكتاتور يطغى دائماً على بقية الأصوات ، فإن مانسمع ونرى اليوم هو من هذا القبيل .
مانرى ونسمع من تجاوزات غير قانونية وغير إنسانية في الشمال العراقي هي إفرازات طبيعية نتنة لحكم ديكتاتوري سيما وأنه ومن خلال المصالح المشتركة غير المشروعة قد دخل في تحالفات مرحلية هشة مع شراذم طائفية أخرى تشارك في حكم العراق ، وقد بدأت هشاشتها وتشرذمها يظهران للعيان ومن داخل التحالف داخل البرلمان في أول تجربة تقاطعت فيها المصالح المرحلية .

إن من واجب الإعلام الوطني أن يعرف كيف وأين يضع الخط الفاصل في أدبياته وطروحاته بين الشعب الكردي كشعب مسالم ، عشائري ، يعتز بعراقيته ، وبين القيادات الكردية للحزبين التي تسيطر عليه وتجعل من حياته معاناة يومية وسيطرة طبقية ، لم تعد تخفى على أحد برغم كل أساليب التعتيم والتضليل المفروضة عليها .. ولعل ثوابت التاريخ يمكن أن تعطي كلا الشعبين العربي والكردي في العراق دليلاً قاطعاً على ذلك . وهذا ماسوف نستعرضه بعجالة لإلقاء الضوء على الحقائق .

في عام 1946 من القرن الماضي ، قام مصطفى البرزاني ( والد مسعود ) ، بتمرد عسكري في شمال العراق ضد الحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد ، مستغلاً الظروف الدولية وظروف العراق آنذاك ..
العالم كان قد خرج للتو من الحرب العالمية الثانية التي إستمرت لأكثر من ست سنوات وحصدت أرواح مالايقل عن 40 مليون إنسان .. وتركت أوربا منهكة ومقسمة . وبدأت الإمبريالية الجديدة تأخذ أدوارها في العالم الثالث وخصوصاً الشرق الأوسط والمنطقة العربية .
العراق كان قد حصل على نصيبه من تلك التداعيات ، إضافة الى تعرض الحكومة العراقية لمحاولة إنقلابية بدعم ألماني عام 1941 ، وهو ماعرف " بثورة رشيد عالي " ، وكاد الحكم الملكي أن يسقط نتيجة لذلك .. كما أن الدولة العراقية نفسها كانت لاتزال في دور البناء بما في ذلك الجيش العراقي وقوى الأمن ..

فشل تمرد البرزاني .. وهرب مع بعض قادته المقربين الى الإتحاد السوفياتي .. ولم يكن إختياره للإتحاد السوفياتي قد جاء إعتباطياً فهو القوة التي كانت قد بدأت في النمو كمعسكر إشتراكي على النقيض من المعسكر الرأسمالي الذي يمثله الغرب ، وكان العراق وإيران يدوران في فلك هذا الأخير ولم تكن إسرائيل قد ظهرت للوجود بعد ، وكأن مصطفى البرزاني أراد أن يضع نفسه ويوحي الى السوفيات بأنه ذلك المقاتل المتعاطف مع الشيوعية والمناوئ للغرب والحكومة العراقية المسيّرة من قبلهم !

ويبدو أن الفكر المبني على المكر والخداع والتلون ، وإستغلال الظروف السياسية ، كان هو إستراتيجية مصطفى البرزاني كما هو حال ورثته حتى يومنا هذا ..

لقد خان مصطفى البرزاني وغدر بعبد الكريم قاسم ، الذي كان قد تسلم زعامة العراق بعد 14 تموز/ يوليو 1958 وسقوط النظام الملكي ، والذي أقدم على إكرام البرزاني وأعاده الى العراق مرحباً به وبجماعته ، لابل أجرى له راتب وزير في الدولة ، وعين أربعة من حزبه كوزراء في الحكومة الجديدة ..!

أول مافعله البرزاني هو محاولة بناء الجسور بينه وبين جمال عبد الناصر الزعيم المصري الذي كان يناصب عبد الكريم قاسم العداء ، مستنداً في ذلك على التطلعات القومية للشعب الكردي كما هي تطلعات عبد الناصر القومية العربية ، والتي لقيت ترحيباً ودعماً من عبد الناصر بلا شك !

المحور الآخر الذي عمل عليه مصطفى البرزاني ، هو التنسيق مع الجنرال الإيراني ( وارهام ) المعيّن من قبل شاه إيران محمد رضا بهلوي في مهمة الهدف منها عزل وإسقاط عبد الكريم قاسم وذلك بإستخدام مصطفى البرزاني وعشيرته والتعاون معهم !! ( البروفيسور الدكتور كمال مجيد ـ تقييم للوضع العام في القسم الكردي من العراق ـ 13 تموز 2008 ، عن مقابلة لجلال الطالباني أجرتها معه مجلة الوسط في لندن ، العددين 357 و 358 ، عام 1998 ) .

يقول " هنري كيسنجر " في كتابه ( سنوات التجديد ، 1999 ، صفحات 584 ـ 592 . المصدر السابق . ) مايلي :

نُظّمَ إنقلاب 1963 ، والذي قتل فيه عبد الكريم قاسم ، مشتركاً بين حزب البعث والحزب الديمقراطي الكردستاني ، والذي كانت قيادته مشتركة بين مصطفى البرزاني وجلال الطالباني .
وحين قررت إسرائيل والغرب إستخدام الحزب الكردي ودعمه لغرض خلق حالة عدم إستقرار في العراق في السبعينات ، فإنهما قاما ومابين عامي 1972 ـ 1975 فقط ، بأنشطة معادية صرفت فيها الحكومة الأمريكية بحدود 23 مليون دولار على المتمردين شمال العراق .. في الوقت الذي قامت إسرائيل بتجهيزهم بأسلحة تصل قيمتها الى 28 مليون دولار !

بدأ مصطفى البرزاني بعد ذلك بتكثيف علاقاته وإتصالاته مع إسرائيل والتي كانت بعض الزعامات الكردية الموالية له في شمال العراق قد بدأت بها مع أوائل الخمسينات ، فقام بعدة زيارات لإسرائيل وقامت عدة شخصيات إسرائيلية بزيارات لشمال العراق ..
قام البرزاني بزيارة إسرائيل ( القدس ) في 1968 و1969 والتقى ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل وموشي دايان وزير الدفاع ومائير عميت رئيس المخابرات .. يصحبه وفد من : الدكتور محمود عثمان ( النائب الحالي في البرلمان العراقي ) ، شمس الدين المفتي ، عزيز عقراوي .

كما قام مائير عميت ، وحاييم ليكوب رئيس وفد الموساد الإسرائيلي ، وديفيد تمخي ، وتسوري ساجيمي ، وأبراهام تدمور بزيارات عديدة الى المنطقة الكردية من شمال العراق بشكل سري متنكرين باللباس الكردي حسبما ظهروا في الصور التي نشرت لهم وذلك مابين الأعوام 1961 و 1972 ، هذا قبل أن يتم فتح المنطقة الكردية للإسرائيليين بالكامل وبشكل علني في سنوات الحصار على العراق والتي إبتدأت عام 1991 .. ثم في الفترة التي تلت الإحتلال الأمريكي عام 2003 ..!

أما التعاون بين البرزاني والطالباني وشاه إيران في السبعينات فقد وصل الى أعلى مستوياته تمويلاً
وتسليحاً ودعماً ، حتى أفل نجمه بعد توقيع إتفاق الجزائر بين صدام وشاه إيران عام 1975 بما عرف بإتفاقية شط العرب ، حيث أوقف الشاه دعمه للتمرد الكردي .

ردة فعل الغرب وإسرائيل ضد حكم حزب البعث في العراق عام 1968 ، بدأت تتبلور في بداية أعوام السبعينات ، ومن خلال إقدام الحكومة العراقية على تأميم النفط .. ثم الإعتراف بألمانيا الشرقية وتوقيع معاهدة صداقة مع الإتحاد السوفياتي .
وعلى الرغم من أن حكومة البعث كانت قد وقعت إتفاقاً مع القيادة الكردية في 11 آذار 1970 ، ومنحت جماعة البرزاني أربعة حقائب وزارية .. إلا أن الغدر البرزاني ، إستمر حين سافر كل من إدريس البرزاني يصحبه محمود عثمان الى واشنطن بدعوة مباشرة من رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية " ريتشارد هيلمز " .. وهناك تم الإتفاق معهما على إشعال حرب تمرد جديدة ضد حكومة بغداد وبدعم وبمساعدات مالية سخية من قبل الأمريكان . يشير الى ذلك هنري كيسنجر في كتابه المذكور أعلاه ( بروفيسور د. كمال مجيد ، المصدر السابق )

لم يعد خافياً الآن أمام الرأي العام العراقي والعربي .. سياسة تغيير الجلد كالأفاعي ، والتلون كالحرباء ، التي إتبعها كل من مسعود البرزاني وأسلافه ، والده وشقيقه ، وكذلك جلال الطالباني .. مع حكومات بغداد المتعاقبة ، وعقد التحالفات معهم ، كما هو حال تحالفهم المرحلي والمصلحي اليوم مع الكتلة الشيعية الإيرانية وأحزابها في الحكومة الحالية ...!!
تحالفات منذ حكم عبد الكريم قاسم ، مروراً بحكومة طاهر يحيى ، وعبد السلام عارف ، وعبد الرحمن عارف ، وصدام حسين .. وتبادل كل من مسعود وجلال الزيارات لبغداد لمقابلة صدام وحسب مقتضيات المرحلة والمصالح وخصوصاً خلال فترة الصراع بين مسعود وجلال ، وحتى في أوقات تحالفهما .. والجميع يذكر هذه الزيارات وتلك اللقاءات وهي مثبتة بالصور التي نشرت على أكثر من موقع وصحيفة ...
والجميع يذكر طلب مسعود النجدة من صدام لضرب بيشمركة جلال التي كادت أن تحتل أربيل وتدخل الجيش العراقي لإنقاذ مسعود وتسليمه مدينة أربيل بعد طرد جماعة الطالباني منها ، هذا في وقت كان العراق فيه تحت الحصار الغربي أرضاً وجواً ، وكان مسعود على الجانب الآخر وفي نفس الفترة قد فتح المنطقة الكردية مع الطالباني للمخابرات الإسرائيلية وقوى المعارضة للحكم العراقي المتحالفة مع أميركا لغرض إسقاط صدام حسين ..!!

وحدث ماحدث في نيسان 2003 .. ودخل العراق تحت الإحتلال الأمريكي / الإسرائيلي .. ثم بدأ ومنذ ذلك الوقت وضوح وتبلورموقف الحزبين الكرديين ، إستكمالاً لدورهما التاريخي في تمزيق العراق سياسياً وإقتصادياً وظهرت لعبة الصراع على حقيقتها كما يلمسها ويراها العراقيون اليوم .

بهذه المقدمة التاريخية ، ننهي القسم الأول ، قبل أن ننتقل الى القسم الثاني المتعلق بالوضع الكردي الراهن ، في الحلقة التالية .

lalhamdani@yahoo.com

www.alialhamdani.blogspot.com





No comments: