Friday, March 28, 2008

ماذا تنتظر المعارضة العراقية ضد الإحتلال وحكوماته ..؟



علي الحمداني

ثمة تساؤلات كثيرة تدور في ذهني ، وربما في أذهان الكثيرين .. منذ أن تفجرت الأزمة بين التيار الصدري وحكومة العراق برئاسة المالكي في مدينة البصرة وبقية مدن الجنوب العراقي وأجزاء كبيرة من بغداد .. وتحول الصدام السياسي الى صراع دموي ، بالرغم من أنه بدأ وبحسب تصريحات قيادات التيار الصدري ، كإعتصام سلمي .. على أن ينتقل الى عصيان مدني إذا لم تستجب حكومة المالكي لمطالب التيار .. والذي يبدو أن المالكي وبناء على نصح وتوجيه عبد العزيز الحكيم والأمريكان إستغل ذلك وأخذ المبادرة فوجّه ضربة إستباقية عسكرية الى تنظيم جيش المهدي طبقاً للنظرية العسكرية ، أن أفضل وسائل الدفاع هو الهجوم ..!

بعد مرور ثلاثة ايام على القتال ، وهي المدة التي كان قد حددها المالكي كإنذار لجيش المهدي بالإستسلام للحكومة .. نرى أن الموقف قد إزداد تعقيداً .. وبدء يؤشر الى إهتزاز الموقف الحكومي وضعفه من خلال :
أولاً تمديد مدة الإنذار الى عشرة أيام .. والتعهد لمقاتلي التيار بدفع المال لهم لقاء تسليم سلاحهم ..

وثانياً ، وهو الأهم ، مشاركة قوات الإحتلال لأول مرة بضربات جوية بالقنابل والصواريخ لأماكن تواجد جيش المهدي ، وحسبما صرح الجنرال البريطاني هولوواي .. وهو نفسه الذي كان قد صرح مع بداية الأزمة ، أن قوات التحالف سوف لن تتدخل ، وأن الأزمة هي أمر عراقي داخلي .. وقد فسرت التحليلات السياسية في الصحافة ذلك ، بأنه عملية إختبار لقدرات قوات الحكومة في السيطرة على الأمن ، لاسيما بعد أن تسلمت هذه القوات مواقع القوات البريطانية في البصرة ، في عملية إستعراضية أمام شاشات التلفزة وصوت موسيقى المارشات العسكرية ..!

على الجانب السياسي للأزمة .. هناك أيضاً تساؤلات مشروعة ..

لماذا وقف مقتدى الصدر مع المالكي إبتداءأ ومنحه صوت كتلته والذي أوصله الى رئاسة الوزارة ؟
ولماذا لم يقم الصدريون لحد الآن بسحب الثقة من الحكومة في المجلس النيابي لغرض إسقاطها بعد أن تفقد الأغلبية البرلمانية ؟

في تصوري أن الإجابة على التساؤلين هو واحد : وهو محاولة منع كتلة المجلس الأعلى بقيادة الحكيم من أن تتولى مقاليد الأمور ..
فالمنافسة كانت على أشدها بين المالكي وعادل عبد المهدي ممثل الحكيم .. واختار الصدريون أهون الشرين ، وأعطوا اصواتهم للمالكي ، أي لحزب الدعوة . ولو أنهم ألأن أقدموا على سحب الثقة من الحكومة ، فستكون هناك فرصة كبيرة للمجلس الأعلى للفوز بإنتخابات جديدة بشكل من الأشكال بما في ذلك عمليات التزوير ، وهم أساتذه يشاد لهم بذلك .. وجلب مرشحهم لرئاسة الوزارة لاسيما وأن عبد العزيز الحكيم قد باع نفسه للأمريكان وأصبح الأداة الطيعة لهم لكي يحقق أهدافه وأهدافهم في تقسيم العراق وإعلان مايسمى فيدرالية الجنوب أو إقليم الجنوب .. الأمر الذي فشل حزب الدعوة في تحقيقه لحد الآن .. وقضية تقسيم العراق كما هو معروف هو مطلب صهيوني قبل أن يكون أمريكيا وهو يدخل ضمن المشروع الصهيوني ( الشرق الأوسط الجديد ) ..!

ويمكن إضافة حقيقة تاريخية الى كل ذلك .. وهي أن حزب الدعوة ، قد أُسس وقام على أكتاف الصدريين لاسيما والد وعم مقتدى الصدر .. وتم سلبه على يد الأمريكان وذلك بدعم أضعف شخصيتين فيه وأكثرهما إنتهازية ، وهما المالكي والجعفري لقيادته وبالتالي قيادة الحكومة .. لغرض تمرير مخطط الإحتلال ..!

حين أجبر ، دك تشيني ، نائب بوش ، خلال زيارته الأخيرة للعراق ، الرئاسة العراقية ، وبالتحيد عادل عبد المهدي ، على تمرير قانون المحافظات الذي كان معطّلاً منذ الموافقة عليه في البرلمان .. بدأت هواجس المجلس الأعلى وعبد العزيز الحكيم ومن ورائهما إيران بالتخوف من عواقب إجراء الإنتخابات المحلية في الجنوب ، لأن ذلك يعني ، أن الورقة الرابحة سوف تذهب الى التيار الصدري الذي يمثل أنصاره الأغلبية في تلك المحافظات ..
رافق ذلك ، تنحي مقتدى الصدر ، عن القيادة في الوقت الحاضر بهدف معلن هو التفرغ لتحصيل العلوم الدينية ، وإسناد القيادة الى هيئة أو مجلس من قيادات التيار .. وهذا يعني ، أن التيار بدأ يشعر بقرب سخونة الأحداث ـ رغم أن حضور مقتدى بقي طاغياً على مجريات الأحداث ـ وفعلاً حدث ماكان متوقعاً ، وبادر المجلس الأعلى من خلال ميليشيته " فيلق بدر " والتي تقوم بدور اللاعب الرئيسي في قيادات وأفراد الجيش والشرطة .. بتفجير الأزمة ، وبحجة مطاردة ( الخارجين عن القانون والعصابات ) ..!

علي الدباغ ، المعروف بشطحاته في التصريحات السياسية ، قال أن قوات الأمن والجيش لاتستهدف جيش المهدي ولكنها تستهدف ( عصابات ومجرمين ) ..

والكل يرى رأي العين ، ويعلم أنه لايعقل أن يكون عدد هذه ( العصابات ) بهذه الكثافة ، بحيث تشمل إضافة الى جيش المهدي أفراداً من أبناء العشائر وتنظيمات سياسية أخرى كحزب الفضيلة .. ومواطنين عاديين إنضموا للقتال في سبع محافظات جنوبية ، وأكثر من 13 منطقة في العاصمة بغداد .. والكل يسمع تصريحات سياسيي التيار ورجال الدين بخصوص مايحدث والتي تؤكد أن الصراع الدموي هو بين جيش المهدي والتيار الصدري من جهة ، والمالكي والحكيم وميليشيات بدر من جهة أخرى.. والكل يعرف أسباب إستهداف التيار بهذا الوقت تحديداً ..

فكيف تُعقل إذن تصريحات المالكي والدباغ ، وهل أن العصابات والمجرمين بهذا العدد .. بحيث يصل الأمر الى إستخدام فرق من الجيش العراقي والشرطة وقوات أمريكية في بغداد.. وطائرات الإحتلال لقصف البصرة ..؟!!

لعمري ، هذا هو الهراء والهذيان بعينه ..! بعد أن تعوّدت أسماعنا على أكاذيب رئيس الوزراء وعصابته منذ عامين وبدون خجل أو رادع أخلاقي ..!

ثمة حقيقة أخرى ، ترجع الى يوم إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، حيث سمع كل من شاهد الفلم المصور لعملية الإعدام ، هتاف ( مقتدى ، مقتدى ، مقتدى ) في آخر الفلم .. وقد كذّب الصدريون حضور أي منهم لعملية الإعدام .. وهو أقرب الى التصديق ، بسبب أن كريم شاهبور أو المعروف ( بموفق الربيعي ) ، هو من أشرف كلياً على العملية ، ومن حضر كان من أطراف الحكومة ومن المجلس الأعلى .. وقد أكدت معلومات سلطات الإحتلال نفسها ذلك ، حين أكدت أن (الربيعي ) ، هو من صور الفلم .. ولايعقل أن يأتي الربيعي ولا المالكي ولا الحكيم ، بقيادات صدرية معهم .! لقد كانت كما يبدو فبركة لزيادة الحقد على التيار الصدري ، خصوصاً بعد أن كان له موقف متميز من مذابح الفلوجة ، وإستنكاره لما يحدث هناك ..
ثم قاموا بتسريب صورة لرجل ملثم على منصة الإعدام .. وقالوا أنها لمقتدى الصدر .. وتم تكذيب ذلك لاحقاً حتى من قبل الجهة التي قامت بنشر الصورة ووقعت في الفخ ظناً منها أنها قد حققت سبقاً صحفياً ..!
إنه هاجس الخوف من أي تقارب شيعي عروبي صدري مع السنّة ..! وهذه حقيقة تم إفسادها من خارج التيار ، ومن داخله عن طريق المتسللين الى صفوفه ..!

إيران .. لاتريد للصدريين البقاء ، بسبب تعاطف عروبي جنوبي معهم ..!
اميركا نفسها لاتريد للصدريين الظهور .. بسبب تبني الصدريون لمبدأ مناهضة الإحتلال الأمريكي للعراق والطلب بإنسحاب القوات الأمريكية من العراق .. أو على الأقل جدولة الإنسحاب زمنياً ..!
كل ذلك حدث ـ وكان طبيعياً أن يحدث ـ نتيجة قلة خبرة قيادة التيار الصدري سياسياً .. وتغيير مواقفه من الأزمات العراقية .. ثم تغلغل عناصر إجرامية وغير عقائدية بين صفوفه في محاولة لقلب الأوضاع من داخل التيار .. وذلك حدث بالتأكيد بجهد وتوجيه حكومي وحكيمي ..!
ومع معرفة التيار بهذه الحقائق ، إلا أن السيطرة عليها ، لم تكن بالعملية السهلة .. فقامت قيادته بإعلان وقف إطلاق النار وتجميد أنشطة جيش المهدي ، وقامت لاحقاً بتجديد ذلك عند إنتهاء مدة التجميد .. الأمر الذي لم يرق للمجلس الأعلى ومن وراءه ومن يعمل في معيته مثل حكومة المالكي لأنه كان خطوة ذكية تهدف الى سحب البساط من تحت أرجلهم .. فلجأوا الى الورقة الأخيرة وهي إفتعال الأزمة الحالية لجر التيار الى الصراع المسلح . تزامن ذلك مع الإعلان عن مطاردة (مجرمين وخارجين عن القانون وبسط هيمنة الدولة ) ..!!

ولكن يبدو أن الرياح بدأت تأتي بما لاتشتهي السفن .. فتم تمديد المهلة المعطاة لمقاتلي التيار من قبل المالكي ، واللجوء هذه المرة الى إغراءات المال ، ثم تدخل طيران الإحتلال الى جانب الحكومة .. ثم الإيعاز الى البرلمان العراقي بالإجتماع لبحث سبل الخروج من الأزمة .. يعني اللجوء الى عملية إلتفاف سياسي ، في حال فشل الخطط العسكرية .. وكورقة أخيرة ..!

المطلوب الآن من قادة التيار الصدري .. عدم السقوط في الفخ من جديد ..!

لقد قام آية الله ، سماحة الشيخ فاضل المالكي ، مساء 27 / 3 ، بتفجير قنبلة في وجه إيران والحكيم ورئيس الوزراء الإمّعة ، حين أصدر رسالته من موقعه الديني المتميز .. وكان من أبرز ماتضمنته خطبته ، الفتوى بتحريم قيام الجيش والشرطة العراقية بقتل أبناء جلدتهم .. وذلك قطعاً غير ملزم لعناصر ميليشيا بدر داخل المؤسسة العسكرية .. ولكنه قطعاً سيكون ذا تأثير في بقية المنتسبين ..
لقد وضع النقاط على الحروف ، وسمى الأشياء بمسمياتها .. فقال عما يجري أنه إنتفاضة سلمية واسعة تسود مدن العراق إحتجاجاً على الظلم والفساد الذي يسود العراق حالياً .. وانتقد العملية العسكرية التي أطلقت عليها الحكومة عملية ( صولة الفرسان ) .. وقال عنها أنها عملية صولة فرسان الحكومة ضد الشعب العراقي ، وأن الحكومة لاتستهدف المجرمين كما تقول ، بل تستهدف غالبية الشعب العراقي ..! وأن مايحدث هو إعتداء صارخ على الشعب العراقي ، وأن الحكومة الحالية تمارس ماقامت به الحكومات السابقة من عمليات تدمير وقتل تستهدف المواطنين الأبرياء ..
ودعا المواطنين الى الوقوف ضد ذلك ..
كرر في كلمته مصطلح العراق تحت الإحتلالين .. ويقصد به الإحتلال الأمريكي والإحتلال الإيراني والذي أشار الى الأخير بكلمة ( الشعوبية ) ..

بعد كل هذا ، فالعراقيون ينظرون وينتظرون الكثير من قادتهم الدينيين والسياسيين .. شيعةً وسنّةً ..
على المراجع الدينية الشيعية الأخرى أن تكون واضحة الآن في قول كلمة الحق بوجه الحاكم الجائر وإلا أصبحت كالشيطان الأخرس .. وهذا أيضاً موجّه الى علماء الدين من السنة وهيئتهم وديوان وقفهم وأحزابهم السياسية المعارضة ..

بل أكثر من ذلك .. فإن البوصلة الآن تتجه الى أحزاب المعارضة العربية السنية ، بل والى قيادات المقاومة العراقية ، لكي تقول كلمتها وتؤدي دورها ، ولكي يصبح الشعب العراقي بمجموعه كتلة واحدة ، في إنتفاضة شعبية من الشمال الى الجنوب ، ومن الغرب الى الشرق .. لكي تسقط مخطط الإحتلال المهزوز أصلاً .. وحكومته المتخبطة .. وأحلام الحكيم وسادته في طهران ..

إذا كانت الحكومة العراقية بقيادة المالكي ، قد تنكرت لمن وضعها في سدة الحكم ، وقامت بضربهم بهذا الشكل ، وهم من الشيعة ، ولكن ذنبهم أنهم شيعة العشائر العربية ، أحفاد ثوار العشرين .. فإنها حتماً ستلتفت بعد ذلك الى السنة العرب بإطلاق رصاصة الرحمة .. من بندقية إيرانية أو أمريكية أو بكليهما .. وهي قد بدأت فعلاً وكما هو معروف بتصفية عناصر العشائر العربية السنية هنا وهناك ، من مجالس الصحوة ، بمساعدة إيرانية ، وبتنفيذ من جماعة ( القاعدة ) المتعاونين مع إيران .. ومن رجال حكومة المالكي ومليشيا الحكيم ..

بكلمة أخرى .. إلتقت مصالح الفرقاء على هدف واحد ..

وبكلمة أخرى واضحة .. نحن لانريد أن يأتي اليوم الذي يقول فيه قادة المعارضة العربية السنية .. إنما أُكلنا يوم أُكل الثور الأسود ..!

lalhamdani@yahoo.com

يمكن الإطلاع على مقالات الكاتب على موقع :

www.alialhamdani.blogspot.com

Thursday, March 27, 2008

صـدر الدين القبانجي .! عندما يجتمع الغباء .. والضلالة .. والطائفية السوداء !



علي الحمـداني

أولاً أود أن أعتذر لرئيس التحرير والقراء الأفاضل عن تأجيلي نشر الحلقة الثالثة من الموضوع الذي هو قيد النشر في الوقت الحاضر ونشر هذا الموضوع لهذا اليوم .. وسأعود الى تكملة بقية الحلقات الخاصة بموضوع ( حصاد خمس عجاف ) خلال الأسبوع إن شاء الله .

فوجئت والله بما قرأت عن خطبة الجمعة في مسجد الحسينية الفاطمية في مدينة النجف والتي ألقاها العضو القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي صدر الدين القبانجي .

لم تكن المفاجأة أنها تصدر من معمم قيادي في فرقة عبد العزيز الحكيم ..
ولم تكن المفاجأة أنها صادرة من تلميذ فارسي نجيب ، ممن تجري الطائفية السياسية مجرى الدم في عروقهم .. وتعشعش في رؤوسهم كما يعشعش العفن على فاسد الطعام ..
فكل ذلك مفهوم .. وكل ذلك قد عرفناه وخبرناه !

المفاجأة .. أنها تضمنت الى جانب التطرف الطائفي .. الغباء والضلالة .

أما الغباء ، فهو في الأرقام التي أطلقها هذا العبقري .. وفي المقارنة التي عقدها مابين ( زيارة الأربعين ) وحج بيت الله الحرام !
أما الضلالة فلأنه يعين على الكفر من فوق منبر إسلامي ، أو يفترض أنه كذلك !

يقول القبانجي .. إن عدد زوار الأربعين بلغ 10 ملايين شخص .. ولا أعلق على ذلك بشيئ .. حتى لو إفترضنا أن كربلاء قد أصبحت بحجم لندن أو طوكيو أو نيويورك .. وحتى هذه المدن لاتستطيع أن تضم تظاهرة لعشرة ملايين شخص ..
العدد ليس المهم .. والكذب قد تعودنا عليه ..

المهم .. هو المقارنة التي عقدها بين حج بيت الله الحرام ، وهذه الزيارة الأربعينية من ناحية العدد ، وكأننا في مباراة منافسة .. وكأن المتكلم لاعلاقة له بالإسلام ، فلا يعرف معنى وأبعاد فريضة الحج ، بل لايعرف حتى أن الحج ركن من أركان الإسلام !!

والأهم ، أنه قد صرّح بما لم يسمع به مليار ونيف مسلم ، لا عن طريق القرآن ولا عن طريق الحديث وهو أن ( زيارة الأربعين تعادل 7 حجات الى بيت الله الحرام ، و7 عمرات ) ..! وهنا موطن الضلالة ..
وإذا ماأضفنا الى ذلك قوله ( أن الشيعة خير أمة أخرجت للناس ) للدلالة على الآية الكريمة ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) للدلالة على الأمة المحمدية .. يمكن أن نفهم معنى الغباء مضافة اليه الضلالة والكفر ..!

إسمعوا الى المقارنة التي عقدها ( سماحته ) بين الحج وزيارة الأربعين ، وأترك لكم الحُكم على المستوى الفكري لهذا الشخص ..!

ـ خدمات الحج مدفوعة الأجر ، وزيارة الحسين مجانية .
ـ يشارك في الحج مليونان أو ثلاثة ملايين شخص ، وفي زيارة الأربعين عشرة ملايين .
ـ في الحج تحدث حالات تسمم بالطعام ، ولايحدث مثل ذلك في زيارة الأربعين .
ـ في الحج تكثر السرقات على عكس زيارة الأربعين .
ـ حجاج بيت الله يؤدون الفريضة مطمأنين من الأعمال الإرهابية ، بينما زوار الحسين مستهدفين .( ربما في هذا إشارة الى أن أجر الزيارة أكثر من أجر الحج )..!
ـ نتيجة المشاق التي يواجهها الحاج فإنه لايفكر في تكرار الفريضة ، بينما في زيارة الأربعين ونتيجة التسهيلات فإن الزائر يكررها مع أفراد عائلته .

سوف أهمل كل السفاسف التي تكلم عنها في خطبته عدا ماذكرت أعلاه ، لأنها لاتستحق الذكر أو التعليق ، مثل موضوع إنتقاده للإعلام العربي لعدم نقل مراسيم زيارة الأربعين كما يفعل في نقل مشاعر الحج الى بيت الله الحرام !!!

وسوف أسال القبانجي ثلاث أسئلة فقط :


ـ إذا كان الحاج لايفكر في العودة الى الحج مرة أخرى .. فلماذا ياترى يتدافع أكثر من ثلث أعضاء البرلمان العراقي من مجلسه الإسلامي الأعلى للذهاب الى الحج كل سنة ، بحيث يتعطل البرلمان .. أم أن هناك أسباب أخرى لانعلمها في ذهابهم الى الحج ..؟

ـ إذا كان جلد الذات واللطم وضرب الزنجيل ، هو من الأعمال التي يثاب عليها المرء ويؤجر .. أفليس الأحرى أن يتقدم الجموع هذه اصحاب العمائم السود ، أو عمار الحكيم مثلاً ، ويضرب القامة أو الزنجيل على ( جده ) لينال الأجر والثواب ، أم أن ذلك واجب العامة من الناس فقط وأن سماحاتهم من المبشرين بالجنة ... ؟

ـ وإذا كانت هذه الزيارة تعادل 7 حجات و7 عمرات .. فلماذا إذن مشقة سفركم من العراق أو إيران الى الحج ، حيث تتعرضون للتسمم والسرقة ، وبالنتيجة سوف تحصلون على واحد من سبعة من أجر الزيارة الحسينية ؟ أليس الأفضل قطع عشرات الكيلومترات فقط والذهاب الى كربلاء بدل مكة ، والحصول على الأجر المضاعف ..؟ وتتركون الحج لبقية الناس من ( النواصب ) و ( والوهابيين ) و(التكفيريين ) .. وتوفرون على أنفسكم ذنب وخطيئة الوقوف معهم في المشاعر المقدسة في عرفات أو منى أو في طواف الكعبة ..؟

أرجو أن يقرأ أسئلتي .. ولكن قبل ذلك أرجو أن يتمكن من قراءة كتاب الله .. ويتفقه به ( أم على قلوبهم أقفالها ) !؟

lalhamdani@yahoo.com

Tuesday, March 25, 2008

الدرس الوحيد الذي تعلمناه هو : أننا لن نتعلم أبداً ..!

الدرس الوحيد الذي تعلمناه هو : أننا لن نتعلم أبداً ..!

علي الحمــداني

مقال مترجم بالعنوان أعلاه للصحفي البريطاني المعروف ( روبرت فيسك ) ، نُشر على صحيفة ( الأندبندنت ) البريطانية المستقلة .

مقال مهم ، قام بنشره الصحفي البريطاني البارز روبرت فيسك ، بتاريخ 19/3 الحالي ، عشية الذكرى الخامسة لغزو العراق . يتناول فيه بالتحليل الموضوعي ، الوضع المأساوي العراقي ، والمكابرة والطريق الوعر الذي يسير فيه الساسة الغربيون بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .. وكذلك كذب وهزالة قيادة بوش وبلير للأحداث ، وتوريطهم لبلادهم وشعوبهم في حرب العراق .
لأهمية الكاتب ، والصحيفة التي نشرت المقال ، فإنه جدير بالقراءة . أقدم هنا ترجمته بالنص للقارئ العربي والعراقي بشكل خاص . مع الأخذ بنظر الإعتبار أن الكاتب بريطاني ويعبر عن وجهة نظره السياسية ككاتب أوربي .
ـ المترجم ـ
________________

خمس سنوات مضت على الحرب على العراق ، ولازلنا لم نتعلم بعد مع حلول كل ذكرى سنوية لهذه الحرب ، ونحن نرى أن درجات السلّم الذي نريد الصعود عليه ، تتقلص تحت أرجلنا وتضمحل .. والحجر يتصدع .. والرمال أصبحت أكثر هشاشة ..!

خمس سنوات من الفاجعة والكارثة في العراق .. وأنا أفكر في " تشرتشل " ، وما قاله نهاية حياته عن فلسطين : " إنها كارثة من جهنم " !

كنا قد إستخدمنا تاريخياً من قبل خطط متشابهة ومتوازية مع مانفعله الآن .. لكنها جميعها جُرِفتْ مع تيار نهر " دجلة " !
واليوم والعراق قد غُمِرَ بالدم ، وبالرغم من كل ذلك ، فنحن لم نحس الندم بعد ..! ثم ، والأكثر من ذلك ، تطلب حكومتنا بتحقيق عام وتوعدنا بأن ذلك سوف يتم .. مع أن أخطاء حكومتنا هي خطيئتنا الوحيدة ..!

اليوم نتحدث عن تحقيقات وإستفتاءات غير مثمرة قطعاً .. وننشغل بها .. فما هو الخطأ الذي طرأ علينا ..؟
هل أصبحت قراراتنا كقرارات مجلس الشيوخ في العهد الروماني قبل الميلاد ، وأصبحت مطبقة على عالمنا الحديث ، لاتُنقض بالإعتراض :
( Senatus Populusque Romanus )
وذلك عندما تم إخبارنا وتضليلنا بالأكاذيب عن أسلحة الدمار الشامل العراقية ، وعلاقة صدام حسين بأسامة بن لادن ، وأحداث 11 سبتمبر ..؟
وكيف أننا تركنا كل ذلك ليحدث ويُمرر علينا ..؟ ومَن يصدق أننا لم نخطط ونستعد أصلاً لآثار ونتائج ماسوف يحدث بعد حربنا على العراق..؟

يقولون لنا .. أن البريطانيين بذلوا الجهد لدى الأمريكان لكي ينصتوا لنصحنا ! هذا مايقوله الآن داوننغ ستريت ( مقر رئاسة الوزراء البريطاني)
وأننا فعلاً وحقيقةً قد حاولنا ، قبل أن نعرف ونتأكد أنه كان من الصحيح المشاركة في الحرب .. ( غير القانونية ) ..!

هناك الآن تثقيف وأدبيات جديدة وعامة عن الهزيمة والإنهيار في العراق .. كما كانت هناك سوابق مماثلة عن خطط لحروب سابقة عرفناها وفهمناها بعد وقوعها .. ولكن ذلك ليس موضوع نقاشنا الآن .
مأزقنا وتورطنا في العراق وبشكله المطلق هو مايشكل موقفاً أكثر فضاعةً في الوقت الحاضر ..!

حين جاء الأمريكان لإحتلال العراق عام 2003 ، وكانت صواريخهم " الكروز " ، تُصْدر فحيحها وهي تطير فوق الرمال بإتجاه بغداد عابرةً عشرات المدن والقرى العراقية .. كنت أجلس في غرفتي المبعثرة في فندق فلسطين في بغداد ، غيرقادر على النوم تحت أصوات الهدير والإنفجارات ، وأرى نفسي أغوص في كتب كانت معي لأمضي ساعات الليل المظلمة الخطرة .
تذكرت قصة الأديب الروسي " تولوستوي " .. ( الحرب والسلام ) ، وكيف أن النزاع المسلح والحروب يمكن أن تُفَسّر لنا أحياناً بالنعمة والرحمة !

وبعقلية ووصاية ماك آرثر ( القائد الأمريكي في الشرق الأقصى خلال الحرب العالمية الثانية ) .. قام الأمريكان بحربهم ، بعقلية من يستطيع أن يصل الى أي مكان في العالم ..! ولكن ، ماذا حدث بعد كل ذلك الزهو والغرور ..؟
لقد بدأ التيار يتراجع ويتقهقر ، أمام قدرة المسلمين في طرد القوى الإمبريالية ، سواء ( بالإرهاب ) أو بحرب العصابات ..!

التأريخ يقول لنا : لقد طردوا البريطانيين من فلسطين وعدن .. وطردوا الفرنسيين من الجزائر .. وطردوا الروس من أفغانستان .. وطردوا الأمريكان من الصومال وبيروت .. وطردوا الإسرائيليين من لبنان ..!
لقد بدأنا بصعود الطريق من جديد .. ولكن .. عند التل الآخر ربما سنلتقي بأولئك الذين ذهبوا قبلنا مدحورين .
الدرس الوحيد الذي تعلمناه من ذلك التأريخ ، هو أننا لم نتعلم شيئاً من التأريخ ..!

كيف تم وبسهولة أن أخَذَنا هذين الرجلين الصغيرين ( يقصد بوش وبلير ) ، الى هذا الجحيم ..؟ بدون معرفة.. وبدون رغبة في الإطلاع على التأريخ ألم يقرأ أي منهما عن إنتفاضة 1920 في العراق ..؟ أو ما قدمه " تشرتشل " في إتفاقه مع حكومة العراق في السنة التي تلتها ..؟

على ( راداراتنا ) التاريخية ، يبدو أن ( كراسيوس ) لايظهر ..! أغنى وأقوى الجنرالات الرومان وأقواهم ، والذي طالب باللقب الإمبراطوري بعد إنتصاراته المتكررة ، وإحتلاله ماسادونيا .. وإنتقاله بغرور لتدمير بلاد مابين النهرين !
في موقع صحراوي ، وبالقرب من نهر الفرات .. قام العراقيون ، بما نسميهم اليوم ( المقاومين ) أو ( المتمردين على الحكومة والمحتل ) ببعثرة جيشه ، ثم تم قُطع رأسه وملأ بالذهب ، وأرسل الى روما ..!
ربما لو كان ذلك قد حدث اليوم ، لكنا شاهدناه على شريط فيديو ، كما حدث ورأينا ذلك يحدث لبعض مواطنينا في العراق ..!

من أجل الرغبة في البروز والهيبة والهيمنة ، فإن هذين الرجلين الصغيرين ، اللذين أخذانا الى الحرب قبل خمس سنوات ، قد أثبتا بعد هذه المدة ، أنهما لم يتعلما شيئ ..!

أنتوني بلير .. كما كنا دائماً ندعو ذلك المحامي المغمور في بلدته الصغيرة .. يجب أن يواجه الآن المحاكمة بسبب كذبه على شعبه .. ولكن ، بدل ذلك هاهو يعمل الآن من أجل تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين .. وهو نفسه كرئيس وزراء ، كان قد فعل الكثير من أجل تفاقم هذه الأزمة بينهما ..! وهو الآن قد بدأ يغير من لهجته حول ( قانونية ) الحرب على العراق ..!
يجب أن نسأله سؤالين .
الأول : أي رجل قانون هذا الذي ساعد في إرسال 176 جندي بريطاني الى حتفهم من أجل كذبه المتواصل ..؟
والثاني : كيف تخَلّص من العقاب ..؟

ولكن ، حقيقةً ، أن عرض اللورد " كولد سمث " في مجلس اللوردات البريطاني ، والذي كان ذو طبيعة سطحية وغبية ، كان هو اللغز وراء عنصر إتخاذ القرار السياسي لدينا . ( كولد سمث ، عضو في مجلس اللوردات أو الشيوخ البريطاني ، يهودي ، كان من أبرز المتحمسين لخطة غزو العراق ـ المترجم ـ )

الأمور التي كنا نناقشها مع حرب العراق وأفغانستان ..كانت عن الإقتصاد الأمريكي ! الإنحباس الحراري في الأرض ! الإرهاب ! ، كلها نوقشت في برامج تلفزيونية وحوارات ومؤتمرات صحفية .. ولكن حقيقةً ، لم تكن هناك جداول سياسية جدّية ..!

في أميركا ، تكلموا قبل الحرب عن أول هجمة جوية على بغداد .. هل ستنقل على شاشات التلفزيون الأمريكية ..؟ وهل ستتم إستضافة أول قائد أمريكي يدخل بغداد في برنامج " صباح الخير أميركا ..! " ؟ ثم ،عندما يتم القبض على صدام .. هل سوف يعلن الخبر بواسطة بوش وبلير سويةً ؟ بهذه العقليات تمت مناقشة جزئيات الحرب ...!!!

ولكن ، كل ذلك أيضا ليس إلا جزء من المشكلة ..!
صحيح أن " تشرتشل " و " روزفلت " ، قد تجادلا فيما بينهما فيما يتعلق بتوقيت الإعلان عن سقوط المانيا وإنتهاء الحرب العالمية الثانية في أوربا ولكن لم يعلن تشرتشل خبر النصر ، حتى إستقرت القوات البريطانية في " دنكرك " في فرنسا .. ، وقد أعلنه بالشكل التالي : " لقد تم إختراق الألمان بالعمق مما نشر الفوضى في صفوفهم .."

لماذا لم يخبرنا بوش أو بلير شيئاً عندما بدأت المقاومة العراقية تهدد قوات الإحتلال الغربي للعراق ..؟
لقد كانا مشغولَين بإعطائنا التصريح تلو الآخر .. أن الأمور تسير بشكل جيد في العراق ! وأن المقاومين العراقيين في طريقهم الى " النهاية المميتة "

كذلك في 17 حزيران / يونيو عام 1940 ، أخبر تشرتشل الشعب البريطاني : " أن الأخبار من فرنسا سيئة جداً .. وأنا آسف للشعب الفرنسي الصامد والذي سقط في هذا الظرف المرعب .."
لماذا لم يقم بوش أو بلير ، بإخبارنا ، أن الأخبار من العراق سيئة ، وأنهما يأسفان لما يحدث للشعب العراقي ! ولو بدموع كاذبة ، أو لدقيقة واحدة ..!
السبب ، أن هذان الإثنان ، بوش وبلير ، لايملكان القدرة والشفافية والمرارة الحقيقية وبدون غش ، لكي يعلنوا كما أعلن تشرتشل .

لقد كان أولئك أبطالاً حقيقيين ، إعتلوا مسرح الأحداث ، وأداروا الحرب العالمية الثانية ..
والآن .. يطلقون على من غزى العراق ( بالحلفاء ) .. وهم يسعون من وراء هذه التسمية إضفاء الصبغة على نظام صدام كما لو كان (الرايخ الثالث) في زمن هتلر ألمانيا .. حيث أطلق إسم قوات الحلفاء على الذين حاربوا هتلر في الحرب العالمية الثانية !

عندما كنتُ في المدرسة .. كان زعماؤنا : أتلي ، تشرتشل ، إيدن ، ماكميلان . وفي الولايات المتحدة ، ترومان ، ايزنهاور ، وكندي ..
كانوا جميعاً أصحاب خبرة من الدرجة الأولى في الحرب الحقيقية .. واليوم ليس هناك زعيم غربي واحد يمتلك الخبرة في أي نزاع أو حرب !!

عندما بدأ الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق ، كان الزعيم الغربي الوحيد المعارض لذلك ، هو " جاك شيراك " الرئيس الفرنسي .. وشيراك كان أحد المقاتلين في حرب الجزائر !
والآن فإنه قد مضى .. وكذلك مضى كولن باول ، الجنرال والمقاتل في حرب فيتنام ، بعد أن غدرَ به رامسفيلد والمخابرات المركزية الأمريكية !
وفوق كل ذلك ، ومن فضائع السخرية ، أن رجال الدولة الأمريكان ، هم في قمة العطش للدماء .. بوش ، تشيني ، رامسفيلد ، وولفوفيتز ..!
وهم جميعاً ربما لم يسمعوا صوت إطلاقة أطلقت بغضب ، وهم لم يقوموا بالقتال والدفاع عن بلدهم عندما كانت المناسبة متاحة لهم للقيام بذلك !!
فلا عجب ، أن عنوان أحد افلام هوليوود " الصدمة والرعب " ، يظهر في البيت الأبيض ، ويطبق كإستراتيجية في الحرب على العراق ..!
السينما .. هي خبرتهم الوحيدة في الأزمات الإنسانية .. والشيئ نفسه ينطبق عندنا في بريطانيا على بلير وبراون !

لقد أعلن تشرتشل ، أمام مجلس العموم البريطاني ، عن خسارة سنغافورة خلال الحرب العالمية الثانية .. أما كوردون براون ، فإنه لايريد أن يذكر ذلك في حساباته فيما يخص العراق ، وربما سيؤجل الحديث في الموضوع حتى إنتهاء الحرب ..!

إنها صورة بشعة وغريبة ، أنه اليوم ، وبعد وقفة عند سياستنا ( القزمية ) منذ خمس سنوات مضت ، ربما نرى وصفاً مماثلاً لحالنا خلال الحرب العالمية .. وبإحصائيات بسيطة نرى أن عدد القتلى الأمريكان قد وصل ال 4000 ، وهو عدد يتجاوز ضحايا أميركا في إنزال نورماندي الشهير في الحرب العالمية في 6 حزيران / يونيو 1944 .. وأكثر بثلاث أضعاف الضحايا البريطانيين في معركة ( إرنهام ) خلال نفس السنة ، حيث كان العدد 1200 قتيل ، وأكثر من ثلث مجموع ضحايا البلدين في إحتلال المانيا ، والذي كان 11,014 .
عدد قتلى البريطانيين في العراق لحد الآن 176 .. وهو تقريباً مايعادل ضحايا البريطانيين في معركة ( البولك ) الكبيرة في المانيا عامي 1944ـ 1945 ، حيث كان عدد القتلى 200 ضحية .
عدد جرحى الأمريكان في العراق يقدر 29,395 ، وحسب إحصاءات رسمية .. وهو ثلاث أضعاف جرحى الأمريكان في إنزال نورماندي المرعب خلال الحرب العالمية ، حيث بلغ آنذاك 3,184 شخص ، وأكثر من ربع جرحاهم في الحرب الكورية لثلاث سنوات 1950 ـ 1953 ، حيث كانت الأرقام 103,284 .

أما عدد الضحايا من العراقيين ، فإن الأرقام تقترب من الضحايا المدنيين في الحرب العالمية الثانية ، فإنه وحتى لو إعتمدنا الإحصاءات الرسمية وبحدها الأدنى ، نجد أن الرقم يتراوح بين 350,000 الى مليون ضحية ..! وللمقارنة فقط علينا أن نتذكر أن ضحايا القصف الألماني لبريطانيا خلال سنوات الحرب ، بما في ذلك " القنابل الطائرة " الموجهة الى لندن ، بلغ 6000 ضحية في لندن ، و 60,595 ضحية في بريطانيا خلال خمس سنوات 1940 ـ 1945 ، مقابل 80,182 جريح .. وهذا يظهر أن ضحايا المدنيين في العراق قد تجاوز ماقدمه الغرب من ضحايا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ..
وإذا ماقارنا ذلك بإحصائية أخرى ، نجد الأرقام مخيفة ، حيث أن الضحايا المدنيين في العراق قد تجاوز 6 الى 7 أضعاف ، الهجوم الذري الأمريكي على اليابان ..!

لقد أرسلنا جيوشنا الى أرض الإسلام .. بتشجيع من إسرائيل ! التي قدمت لنا معلومات إستخبارية مضللة وكاذبة عن العراق .

أما الزهو العسكري الأمريكي ، فقد تم تحطيمه اليوم في العراق .

ولو أخذنا التحالف الغربي ككل في هذه المأساة ، بحسابات بسيطة أيضاً .. نرى ان العدد يفوق 22 مرّة ، ماتم تحشيده ضد العالم الإسلامي من قبل الغرب خلال الحروب الصليبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر ..!

ألا يجب أن نسأل أنفسنا ماهذا الذي نقوم به ..؟
هل نحن هناك من أجل النفط ..؟
هل من أجل الديمقراطية ..؟
هل بسبب الخوف من أسلحة الدمار الشامل ..؟
أم هو من أجل إسرائيل ..؟
أم هو حقيقة بسبب الخوف من الإسلام ..؟

لقد ربطنا قضية أفغانستان بالعراق ..! فلو أن واشنطن لم تتحول بإهتمامها الى العراق ، فإن القصة سوف تكون مختلفة الآن .. حيث لم يكن بإستطاعة طالبان إعادة تنظيم أنفسهم .. وبقيت القاعدة واسامة بن لادن بدون تحويل إهتماماتهم في افغانستان .. بل إستطاعوا مد أنشطتهم وعملياتهم الى العراق .. ولازالوا يهددون الغرب في أفغانستان ..!

وهنا لابد أن أصل الى محصلة ونتيجة مرعبة ، ولكنها حقيقية :
أننا فقدنا أفغانستان !
وبالتأكيد سنفقد العراق !
وبالتأكيد في طريقنا لكي نفقد باكستان !

فقدنا حضورنا .. وقوتنا .. وهيبتنا .. والسبب هو إهمالنا ورفض قياداتنا للتعلم من التاريخ ..!

إن إرهابنا ـ نعم إرهابنا ـ ضد الإسلام ، هو الذي سيقودنا الى الهاوية في النهاية ..!
وإلى أن نتعلم أن نترك هؤلاء المسلمين ليعيشوا حياتهم على أراضيهم ، فإن إخفاقنا سيكون هو واقعنا ..!

ليس هناك أية علاقة بين الإسلام و ( الإرهاب ) .. ولكن هناك علاقة بين إحتلالنا للأراضي الإسلامية و ( الإرهاب ) ..!
إنها ليست بالمعادلة المعقدة ..
وأننا قطعاً لانحتاج الى تحقيقات حكومية وإستفتاءات للرأي العام لكي نصل الى الحقيقة !

lalhamdani@yahoo.com

للإطلاع على مقالات سابقة للكاتب ، يرجى الدخول الى الموقع التالي ، مع مراعاة أن الموقع لم يتم تحديثه بالكامل بعد :
http://alialhamdani.blogspot.com

حَصَـادُ خَمْـسٍ عِجَــاف ...! ـ 5


علي الحمــداني

الحصاد الأخير وليس الآخِر ..

تحدثنا في الأقسام الأربعة الماضية من هذا الموضوع عن جوانب مختلفة تركت بصماتها الواضحة على العراق والشعب العراقي وخلال خمس سنوات منذ أن سقط البلد تحت الإحتلال الأجنبي .

وقد تناولت تلك الجوانب ، الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي .. وانتهينا منها الى محصلات ونتائج أصبحت ملموسة على ارض الواقع .. هناك من يعترف بوجودها ، وهناك من ينكر ذلك ، وهناك من يحاول أن يلقي تباعات كافة السلبيات على المناوئين للحكم الحالي بشكل تعصبي من نوع أو آخر ، ومثل هذه المحاولات للتخلص من المسؤولية ، هي من سمات النفس الإنسانية عند فشلها أو فقدانها للحجة أو التعصب لحزب أو طائفة .. وفي التاريخ العراقي وغيره أمثلة حية على ذلك .

الصعوبة تتمثل في طرح المحصلات النهائية ، وليس فقط جمع نتائج ماتوصلنا اليه في كل حلقة ..
فلو أننا إكتفينا بعملية الجمع هذه وإعادة تلخيصها وسردها ، فإننا نكون كمن يطرح محاضرة أكاديمية لتثبيت نقاط رئيسية في ذهن المستمع أو القارئ ..
ولكن ، الموضوع يختلف هنا ، إذ أن الطرح سيكون الإطلاع على وجهات نظر خارجية ، لتسليط الضوء على المعطيات المطروحة ، لتعزيز هذه النقاط من جهة ، ولمعرفة تحليلات الإعلام الخارجي والمحللين السياسيين والسياسيين أنفسهم لما جرى ويجري في العراق .. وعند ذلك يكون الوقوف على الحقائق المجردة أكثر ثباتاً ومصداقية وعدم الإكتفاء فقط بالسرد الإنشائي ، وتأرجحه بين المؤيدين والمعارضين ، بإعتباره يمثل وجهة نظري ككاتب لهذا الموضوع ، وهناك مَن هو معي ، ومَن هو ضدي ، وهذا شيئ طبيعي ..!

لذلك ، سنبدأ من حيث إنتهت وسائل الإعلام الخارجية ، ومن خلال ذلك نستعرض ماتوصلنا اليه في الحلقات الماضية من حقائق وتحليلات .

ولكن قبل ذلك ، لابد أن أُذكّر القارئ الكريم ، أننا وبإستعراضنا لتداعيات خمس سنوات صعبة ، أن الوضع العام في العراق قبل هذه السنوات ، سواء سياسياً أو إقتصادياً أو إجتماعياً ، لم يكن بالوضع المثالي ، إذ قد يخطر على بال البعض من أنني أقف الى جانب النظام السابق واكتب ماأكتب...! ولكن ، حديثي إنصرف الى سنوات الإحتلال الخمس لأنه يُفترض أن يعمل من أتى مع الإحتلال من الساسة ، وكذلك الإدارة الأمريكية التي نفّذت عملية إسقاط النظام السابق ، على إجراء تغييرات الى الأمام كما كان يصرح ويتعهد به الجميع ، وليس الرجوع الى الخلف كما حدث حالياً .!
مع فهمنا لهذه المعادلة ، وأسباب التخطيط لها ووضعها موضع التنفيذ !

لم أكن أتصور على الإطلاق ، أن كلمة إحتلال العراق ، وكما يعلم العالم كله بما في ذلك الرأي العام الغربي ، هي كلمة غير صحيحة ، ولا يجب أن يوصف العراق حالياً بها ، حتى إستمعت الى تصريح ( همام حمودي ) وغيره في مؤتمر البرلمانيين العرب الذي إنعقد في أربيل ، حيث إحتج العراق وكذلك ( الكويت ) !! على كلمة الإحتلال التي وردت على لسان ممثل الجامعة العربية في كلمته الإفتتاحية ..!
همام حمودي ، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي ، يقول : إن العراق ليس تحت الإحتلال ، وإنما وجود القوات الأجنبية هو نتيجة قرار دولي وبناء على طلب عراقي ببقائها !! تماماً كما يقول بوش وكما قال بلير وغيره من ساسة الإمبريالية العالمية ، وكما كان منطقهم دائماً في إحتلال أراضي الغير واستعباد شعوبها وعلى مر التاريخ ..

حين دخل الجنرال ( مود ) الى بغداد في 1918 ، أعلن أن ( البريطانيين ) جاءوا محررين وليسوا فاتحين ..! كانت تلك كلمة تنطوي على الذكاء والخبث .. لكسب تأييد الشيعة في العراق كما كان يتصور ، حيث أن التحرير كان من العثمانيين ( السنّة ) ..!
لقد إستمر ذلك ( التحرير ) .. لعقود ، وتم ( تحرير ) نفط العراق من قبل ثلاث شركات بريطانية :
IPC , BPC , MPC .
أي شركة نفط العراق ( كركوك ) وشركة نفط البصرة و شركة نفط الموصل ...!

وحين أصدر عبد الكريم قاسم ، قانون النفط رقم 80 ، قال أحد الساسة البريطانيين المخضرمين وهو أدورد هيث ، والذي أصبح رئيساً لوزراء بريطانيا عن حزب المحافظين في السبعينات : " لقد إنتحر قاسم " ..
يعني إما العمالة أو الموت ..
وكما قال بوش بعد إحتلال العراق : " من هو ليس معنا فهو ضدنا " ...!

وبالعودة الى تصريح همام حمودي فإنه يؤكد ذلك ، ويؤكد أيضا ًما أشرت اليه من خطورة يعاني منها العراق وعلى كافة الأصعدة ، والمتمثلة بعمق العمالة والإنحراف ، أوبيع العراق حقيقةً .. وبكلمة أدق وأصدق ..!
وماكان لشخص مثل همام حمودي ، ليصرح بذلك ، لولا موافقة رئيسه عرّاب السياسة العراقية الحالي عبد العزيز الحكيم ، والذي بدوره لقي حفاوة الإستقبال في واشنطن من قبل عرّاب السياسة الأمريكية الشهير الصهيوني هنري كيسنجر !

أما إعتراض ( الكويت ) ـ وماأدراك ما الكويت ـ ! على هذه الكلمة فلم يأتِ من فراغ بالطبع ..!!!

أليس غريباً أن يتطابق ولأول مرة منذ عقود ، الطرح العراقي بالذات مع الطرح الكويتي ..؟
همام حمودي وجاسم الخرافي !!

ُنقل عن المباحثات الجانبية للمؤتمر وعلى لسان وليد الطباطبائي ، عضو الوفد البرلماني الكويتي ، أنه قد قدّم مذكرة حول شطب ديون العراق السابقة للكويت والبالغة 14 مليار دولار ، مضافاً اليها ماتبقى من التعويضات وهو 25 مليار دولار بعد أن دفع العراق 12 مليار من نسبة 5 % من عائدات النفط وبموجب قرار الأمم المتحدة .. مقابل تزويد الكويت بالفائض من مياه شط العرب ..!! (الملف بريس ) .. !

ثم أليس غريباً ان يتزامن ذلك في وقت تنعقد فيه المباحثات العراقية ـ الأمريكية ، الخاصة بالتعاون والمعاهدات طويلة الأمد ..؟ ولا ندري الى أي مدى من ( التحرير ) سوف تصل اليه نتائجها ..!

ألا يعني ذلك أن التلاميذ النجباء ، يطيعون معلمهم فيما يقرر ويأمر ..؟

هذا كله قد يعطينا الإجابة على إطلاق كلمة ( العِجَاف ) على هذه السنوات الخمس .. والتي ربما سنشهد قريباً محاسبة من يطلق عليها كلمة سنوات ( الإحتلال ) !! فقد تصبح كلمة الإحتلال ، خطاً أحمراً لايجوز تجاوزه ..!

لقد وضعت حكومة العراق وبالإشتراك مع الكويت .. ( إدبية جديدة ) في مؤتمر أربيل ..!

والغريب أن يتمادى أعضاء البرلمان العراقي من حزب الدعوة والمجلس الأعلى وبعض الآخَرين
( بالتحفظ ) على موضوع إحتلال إيران لثلاث جزر عربية إماراتية جغرافياً وديموغرافياً في البيان الختامي للمؤتمر ، بعد أن نوقش الموضوع في اللجنة السياسية .. وعلى لسان خالد العطية أحد ازلام الحكيم أيضاً ، وهو نائب رئيس البرلمان العراقي .. مقابل صمت مطبق من رئيس البرلمان محمود المشهداني ..!!!
التحفظ الطائفي الفارسي ، جاء مفاجأة للجميع .. ومعهم الحق ، فهم لازالوا يعتقدون أن العراق لايزال مع القضايا العربية ، أو جزءاً من الوطن العربي .. ونسوا أن برلمان وحكومة العراق في غالبيتها هي حكومة فارسية تمثل فرعاً للإدارة العامة في طهران ..! وكافة الأحداث السياسية تُقرأ بهذا الإتجاه ، سواء داخل العراق أو على صعيد السياسة الخارجية أو في المؤتمرات الدولية والإقليمية .. وقد آن كما يبدو الإفصاح عن ذلك علناً على يد حكومة المالكي ..

إذن هي : لا لكلمة الإحتلال للعراق ، ونعم للإحتلال الإيراني لأراضٍ عربية .. ولاحظوا التوقيت!

وأيضاً ، وقبل أن نتناول وجهات النظر الخارجية ، أرى من المناسب أن نمر ولو سريعاً على جانب مهم في حياة المواطن العراقي .. ذلك الجانب هو القانون وسلطته .

كنا نسمع في العهد السابق للإحتلال عن الممارسات اللاإنسانية ، والغير قانونية ، والتي كانت تتخذ ضد المواطن العراقي .. ولا أدعي هنا ، أنها كانت مجرد دعايات وتضخيم إعلامي وإشاعات .. بل كان هناك فعلا تجاوز غير إنساني بحق معارضي النظام ، لم تخلو من تصفيات جسدية وتعذيب وإرهاب ..
كانت هناك سجون المخابرات العامة ..
وكانت هناك سجون الأمن العامة ..
ومعتقلات خاصة ببعض رموز النظام ..
كما كان هناك تجاوزات على القانون .. واعتقالات بدون توجيه تهم معينة .. ومحاكمات صورية .. وتصفيات جسدية ..

وانتقل العراق من العهد ( الديكتاتوري ) الغاشم ، الى عهد ( الديمقراطية ) و ( دولة القانون ) !
وأصبح ( المظلوم ) السابق ، في موقع الحاكم ( العادل ) ..!
وكان لابد ، والحالة هذه ، أن يشهد العراق تحولاً في مسار القانون والقضاء .. وإسقاط كافة ممارسات النظام السابق الشاذة ، وتطبيق مبادئ دولة القانون والدستور ..! ورفع الظلم عن كافة المظلومين وبكل أجناسهم وألوانهم ، وبدون خلق حالة جديدة من ظالمين ومظلومين ..!
أليس هكذا يقول المنطق ...؟

ولكن ماذا في عراق اليوم ، الديمقراطي ، ذو النظام القانوني والدستوري ..؟

ـ سجون أمريكية تحتجز الآلاف بما فيهم الأطفال القصّر والنساء ..
ـ سجون عراقية ، يقول تقرير منظمة الصليب الأحمر الدولية ، وهي منظمة محايدة وتقاريرها سرية ، أن هناك 30 ألف مواطن عراقي محتجز فيها ( هذا الرقم يرجع الى شهر اكتوبر / تشرين الأول من السنة الماضية ) ..
ـ فضيحة سجن أبو غريب ، التي شاهدها العالم على شاشات التلفزة .. وتعذيب الأمريكان لضحاياهم من السجناء العراقيين ..!
ـ معتقل وزارة الداخلية في الجادرية .. والفضيحة التي كشفها الأمريكان أنفسهم والخاصة بالمعتقلين هناك وأساليب تعذيبهم ..
ـ معتقل في وزارة الصحة .. كان يدار بإشراف وكيل الوزارة ومسؤول الأمن ..!
ـ معتقلات سرية خاصة بالميليشيات الطائفية ..
ـ صدور مايسمى قانون العفو العام والمصادقة عليه .. وتعطيله بعد ذلك .. حيث لم نسمع عن إطلاق سراح المعتقلين بموجبه ..!
ـ رفض السلطات الأمريكية في العراق لطلب تقدم به مانغريد نواك ، المحقق في قضايا التعذيب في الأمم المتحدة الأسيوع الماضي ، لزيارة السجون الأمريكية في العراق ، والسجون ومنشآت الحجز العراقية ، للتأكد من موضوع قيام الميليشيات بإدارة مراكز التعذيب في السجون العراقية وبعلم الحكومة العراقية ..
عاد الرجل أدراجه .. وصرح بذلك في جنيف !
نواك هو بروفيسور نمساوي في القانون .. وأستاذاً جامعياً حتى عام 2004 ، حيث إلتحق بوظيفته في الأمم المتحدة .

أما المحاكم وقرارتها ، فليست بحاجة الى الكثير من القول :
ـ تبرئة وفيق السامرائي من جريمة الأنفال .. وكان حين وقوعها يشغل منصب مدير الإستخبارات العسكرية تحت حكم صدام حسين ! والذي يشغل حالياً المستشار العسكري لرئيس الجمهورية جلال الطالباني ..! وقد تسربت بعض الأنباء عن أن قرار المحكمة بالبراءة ، جاء بناء على تدخل شخصي من مسعود البرزاني لدى منير حداد رئيس المحكمة ..!

ـ إدانة سلطان هاشم وزير الدفاع في العهد الماضي بجريمة الأنفال وصدور الحكم بإعدامه
وهو لم يكن عند وقوعها يشغل منصب وزير الدفاع ، ولم تثبت مشاركته فيها وبأي شكل ..!
إيران هي من يطالب برأس سلطان هاشم .. وليس الأكراد المتضررين من حملة الأنفال .. وهذا هو سبب الصدام بين رئاستي الوزارة والجمهورية ..!

ـ ضرب رئيس الوزراء عرض الحائط للدستور العراقي الذي ينص على مصادقة الرئاسة على أحكام الإعدام بحق بعض أركان النظام السابق بما فيهم صدام حسين ، وتوقيعه للقرار ، وتسليم الأمريكان للحكومة العراقية المدانين الذين تم تنفيذ الأحكام بحقهم ..

ـ رفض الرئاسة العراقية تصديق الحكم على المدانين بقضية الأنفال .. وإمتناع الأمريكان من تسليم المدانين بسبب عدم المصادقة .
على العكس تماماً عما حدث في الأحكام السابقة .. والدستور هو نفس الدستور ..!!

ـ تبرئة ساحة حاكم الزاملي ، وكيل وزارة الصحة ، وكذلك مسؤول الأمن في الوزارة من التهم الموجهة اليهم والمتضمنة قتل وخطف وتعذيب أشخاص ، وإختلاسات مالية تصل الى 50 مليون دولار ! وذلك لعدم كفاية الأدلة .. وكيف تتوفر الأدلة ، وقد هدد الشهود بالقتل إن هم أدلوا بشهاداتهم أمام المحكمة ..؟

ـ القضاء العراقي يعلن لنا عن ملاحقة قانونية بحق حازم الشعلان ، وزير الدفاع في حكومة أياد علاوي لإختلاسه مبالغ تجاوزت المليار دولار .. ويضللون الرأي العام بالقول أنهم على إتصال بالشرطة الدولية ( الأنتربول ) لجلبه للمحاكمة ..! وهم يعلمون أين حازم الشعلان .. ومن هم شركاء حازم الشعلان ..! .
إنه يقيم في بريطانيا والتي يحمل جنسيتها ، أيها السادة ، ولايحتاج الأمر الى كبير عناء وشرطة دولية .... وإذا أردتم عنوانه فعلى الرحب والسعة ...!
نفس الأمر ينطبق على عقيل الصفار وكيل وزارة الأمن الوطني سابقاً ، وإختلاساته ومكان وجوده حاليا .. فعلى مَن يضحك القضاء العراقي ( النزيه ) ..!! ؟؟

هذا غيض من فيض .. ولست بصدد مناقشته تفصيلاً ، بقدر رغبتي في الإشارة اليه فقط ، كجانب من جوانب الممارسات في ظل حكومات الإحتلال . وقد أعود اليه بموضوع مستقل أكثر تفصيلاً .

إذن .. ماهو الفرق بين عهد ( الديكتاتورية والدكتاتور ) .. وعهد ( الديمقراطية ودولة القانون ) ..؟
سؤال .. مجرد سؤال ، لايحتاج الى عناء كبير للإجابة عليه .. أمام الحقائق والأحداث اليومية ..!


غالباً ، ومن خلال إهتماماتي وعملي ، أتابع ماينشر على الصحافة الأجنبية في الغرب ، أو مايتم بثه إذاعياً أو تلفزيونياً .. فيما يخص العراق .. وأعتقد أن الكثير من القراء الأفاضل ، يطلعون مثلي على هذه الأنشطة الإعلامية .. ولكنني هنا ، أود أن أنقل ـ وخصوصاً للعراقيين في الداخل ـ خلاصة لبرنامج وصلني تسجيل له من قبل أحد الأصدقاء ، بثته القناة الرابعة المستقلة للتلفزيون البريطاني بتأريخ 22 شباط / فبراير الماضي ، يتضمن تحليلاً للأحداث التي سبقت الهجوم على العراق قبل خمس سنوات ، وما تضمن ذلك من إتصالات ولقاءات سياسية .. وقد أذيع البرنامج تحت عنوان (لانهاية على المدى المنظور ) ! .
لقد قام معدي البرنامج ، وعلى مدى ساعة ونصف ، بالإتصال بشخصيات سياسية وعسكرية أمريكية وكذلك محللين سياسيين وصحفيين .

جيرالد بيرك ، عمل مستشاراً أمريكياً لوزارة الداخلية العراقية بعد الإحتلال .. يقول معترفاً ، أن إدارة بوش كانت على يقين من أنه لاعلاقة ومن أي نوع بين صدام حسين وتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن .. وأنه لاوجود لأي أسلحة للدمار الشامل لدى العراق . ويمضي بالقول ، أنه قد ثبت لاحقاً صحة هذه الحقائق للعالم ، والرأي العام الأمريكي ، والتي كانت قد أُخفيت ، وضلّل في حينها ساسة أمريكيين وقادة جيش بخصوصها .. حتى لقد وصل الأمر ، بأن يقول العراقيين ، بعد خمس سنوات من الفوضى التي خلقها الأمريكان ورجالهم في العراق ، لعله كان محظوظاً من مات قياساً الى مَن بقي يعاني ..!!

لقد أيد وجهة النظر هذه ، مارك كارلاسكو ، المحلل في إستخبارات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ، مابين عامي 1997 و 2005 .. والذي عمل بالتنسيق مع عملاء المخابرات الأمريكية في العراق ، خصوصاً في المنطقة الكردية في شمال العراق ، وذلك قبل سقوط صدام !
وأضاف ، أن الخطة التي كانت معلنة من قبل الإدارة الأمريكية الى المسؤولين العسكريين تتلخص بدخول القوات الأمريكية الى العراق بحدود آذار / مارس أو نيسان / أبريل 2003 .. وأنها ستبقى هناك حتى آب / أغسطس من نفس السنة ، أي بحدود اربعة الى خمسة اشهر ، تنسحب بعدها بعد أن يتم تنصيب أحمد الجلبي رئيساً للعراق خلالها .. أي أشبه ماتكون بإنقلاب عسكري تنفذه القوات الأمريكية !

الخطة هذه تمت تهيئتها من قبل الثلاثي : بول ولفيتز ، وكيل وزارة الخارجية ، وأحد كبار صناع القرار السياسي الأمريكي ، ودونالد رامسفيلد ، وزير الدفاع ، وجورج تينت ، الذي اصبح مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية ..
أما ديك جيني ، نائب الرئيس الأمريكي ، فكان هو من تبنى الخطة بتفاصيلها المعلنة وغير المعلنة ، وقام بحث الرئيس الأمريكي على المضي قدماً في تنفيذها ..!

أما كولن باول ، وزير الخارجية .. وريتشارد آركن ، نائب رئيس الأركان .. وبصفتهما من العسكريين المحترفين ، وبرتبة جنرال ، فقد كانا غير متحمسَين للخطة ، من الناحية العسكرية على الأقل ..! ولكن يبدو أن صوتهما قد ضاع وسط ضجيج من كانوا يحيطون بالرئيس ودفعه للموافقة ،
عرض البرنامج هنا صورة ألتقطت في تلك الفترة ، تجمع بين ، أحمد الجلبي ، جلال الطالباني ، موفق الربيعي ، وجورج بوش ، في البيت الأبيض ..!!

يؤيد رأي مارك كارلاسكو ، كل من ، باري بيرسون ، احد الصحفيين الذي كان على إهتمام خاص بكل مجريات غزو العراق ، و لورنس ويلكنسون ، المستشار في وزارة الخارجية الأمريكية ..!

لو نعود الى الوراء قليلاً ، وبالتحديد عام 1992 ، نرى أن إدارة الرئيس جورج بوش ( الأب ) كانت قد إعتمدت أحمد الجلبي ، للقيام بدور مستقبلي رئيسي في العراق ..!

ولو عدنا قليلاً الى الوراء ، الى عام 1991 ، وهو عام الإنسحاب العراقي الكارثي من الكويت .. نسمع هنا الجنرال شوارتسكوف ، قائد قوات التحالف ضد العراق لإخراجه من الكويت ، يقول : أنه وبعد مباحثات خيمة ( صفوان ) ، المتعلقة بإستسلام القوات العراقية ، تم إعلامه شخصياً ومن قبل الرئيس بوش الأب ، عندما إندلعت ( الإنتفاضة الشعبانية ) في جنوب العراق .. أن عليه أن يوصل للجانب العراقي ، وبالذات لصدام حسين ، أن أميركا لاتمانع في قيام صدام بضرب إنتفاضة الشيعة بل ستقدم الخدمات والحماية للجيش والطيران العراقي .. وهذا ماتم فعلاً ..! فقد أُبلغ وقتها موفق الربيعي بذلك ، وتم ايضاً إبلاغ قيادات حزب الدعوة والمجلس الإسلامي والمعارضة ، ومن قِبل الأمريكان بما نصه ، أن قيام إنتفاضة ضد صدام آنذاك أمر غير مقبول ، ويتعارض والخطط الأمريكية الآنية والمستقبلية ...!
وقال الجميع وهم من الشيعة ... نعم لذبح الشيعة ...!!

ونرجع مرة أخرى الى الوراء ، وهذه المرة الى عام 1983 ، حين قدم دونالد رامسفيلد الى بغداد وقابل صدام حسين ـ ويعرض البرنامج صوراً للمقابلة ـ وتم عقد صفقة بيع مواد كيمياوية الى العراق من قبل أميركا !! ولو صحّت عملية إستخدام السلاح الكيمياوي من قبل صدام ضد المدنيين الأبرياء في حلبجة والجنوب .. فإن مصدر تلك الكيمياويات المدمرة هو الولايات المتحدة نفسها ، حليفة الأكراد والمعارضة العراقية ..!

هذه كانت أبعاد المؤامرة الصهيونية ـ الأمريكية ، والتي تبناها قادة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية في عهدي جورج بوش الأب وإبنه ..!

اما على الصعيد العسكري الأمريكي ، قيادةً وأفراداً ، فقد عمل التثقيف السياسي وعلى مدى شهرين سبقت الغزو في مارس 2003 ، أن الهدف من العملية العسكرية هو إزالة الحكم الدكتاتوري من العراق ، ونشر الديمقراطية ، وأن العراقيين سوف يستقبلون ( المحررين ) الأمريكان بالزهور ..!
كما أن المهمة سوف تأخذ بضعة اشهر فقط .. هذا كلام محللين سياسيين وقادة عسكريين أمريكان .. يعتقدون أن ماأشيع عن الخطة وتولي احمد الجلبي للحكم ، لم يكن سوى عملية تضليل ليس فقط للرأي العام الأمريكي ، بل للمعارضة العراقية نفسها ، والتي وضعت ثقتها الكاملة والمطلقة بالأمريكان ولسنوات عديدة .. إضافة الى أن أميركا كانت مصدر تمويل قادة المعارضة بملايين الدولارات لغرض صرفها على خطة تغيير النظام العراقي ..!

قبل الهجوم بحوالي شهر ، وبالذات في يوم 25/2/2003 ، أعلن الجنرال الأمريكي إريك شينسيكي ، رئيس أركان الجيش الأمريكي ، وأمام لجنة خاصة في الكونغرس الأمريكي ، أنه ومن وجهة نظر عسكرية صرفة ، وفيما لو أردنا فعلاً ، الى دخول العراق وإحداث التغيير المطلوب ، فإننا نحتاج الى بضع مئات الآلاف من الجنود ، وليس الى 100 ألف فقط كما قرر ولفيتز ورامسفيلد .. لأن ذلك سوف لن يؤدي الى تحقيق الخطة بالوقت الذي تتحدث عنه الإدارة الأمريكية السياسية .. وأن الوضع يمكن أن يتدهور وبالإتجاه المعاكس .. وقد يأخذ ذلك سنوات طويلة ..!
كان الرجل يتحدث كمحترف عسكري .. كمن يتنبأ بما حدث فعلاً في العراق ..!
لم يلتفت أحد من الإدارة الأمريكية الى ماقاله .. وكأن الخطة المعلنة للجيش هي غير الخطة المتفق عليها سياسياً ..!
لقد كان القائد الأمريكي ، يتحدث على ضوء ماوصله من معلومات الخطة .. ويجهل ماتم إخفاؤه عنه من خطط سياسية .!

حصل الغزو .. وبالعدد الذي قرره رامسفيلد وجماعته .. وتولى جي كاردنر منصب الحاكم المدني في العراق .. لكنه لم يبقَ في منصبه إلا لفترة قليلة .. وعن ذلك يقول كاردنر نفسه ، أنه إختلف مع الإدارة الأمريكية بخصوص حل الجيش العراقي ، وأن ذلك سوف ينعكس على أمن العراق الداخلي وسوف يؤدي الى الفوضى .. وفعلاً ذاك ماحدث ، لأنه يبدو أن الإدارة الصهيونية ـ الأمريكية ، كانت تعلم ماذا تفعل . لذلك تم إعفاء كاردنر من منصبه .. وأتى محله بول بريمر ..!

من الأمورالتي نقلت عن كاردنر .. قوله ، أن قوات التحالف خلال الحرب العالمية الثانية ، ظلت تخطط لمدة عامين عما يجب عمله بعد إحتلال المانيا ، بحيث لاتخلق ردود فعل كارثية وفوضى داخل المانيا .. بينما في خطة إحتلال العراق ، فإن تخطيط قوات التحالف لنفس الغرض لم يأخذ سوى شهرين سبقت الغزو ..!

ويقول كاردنر : حين عمّت الفوضى بغداد بعد السقوط ، وبدأت أعمال النهب والتدمير ، إتصل بي ضابط من الجيش العراقي برتبة عالية وأخبرني أنه قد تم لكم إحتلال العراق ، ولكن أعمال الفوضى هذه ستؤدي الى مزيد من الفوضى والقتل والإرهاب والعنف ، إذا لم تتوقف الآن ، وإذا ماكنتم فعلاً راغبين في وقف كل ذلك وإصلاح الوضع الأمني والسياسي في بغداد .. فأنا أطلب منكم مهلة أسبوع واحد لكي أجلب 10000 جندي من الجيش العراقي ليعمل معكم في السيطرة على الأمن ، وأنا كفيل بتحقيق ذلك .. يضيف كاردنر ، أنه على الفور ، إتصل بالإدارة الأمريكية في واشنطن بخصوص ذلك .. لكن الجواب كان بالرفض .. وازدادت الفوضى .. واستدعيتُ الى واشنطن .. وتم عزلي من منصبي وتعيين بول بريمر محلي ..!

دخل الجيش الأمريكي الى بغداد في 9/4/2003 .. وبدأت مع دخوله ، أعمال النهب والسرقات والهجوم على الوزارات والمؤسسات العراقية ، عدا وزارة النفط التي وضعت تحت حراسة مشددة منذ اللحظات الأولى .. وقام الغوغاء بنهب وحرق هذه المؤسسات العراقية مثل المتحف والمكتبة الوطنية ودار الكتب .. وقد تم نقل مايحدث من قبل القيادة الأمريكية في العراق الى رامسفيلد بصفته وزير الدفاع .. وطلبوا منه الموافقة على إعلان قانون طوارئ ومنع تجول في بغداد لغرض السيطرة على الوضع ..
ماذا كان جواب رامسفيلد ..؟
عدم التدخل .. ورفض إعلان قانون طوارئ ..!

ينقل البرنامج ، عن شهود عيان ، أنهم إتصلوا بالقيادة الأمريكية في فندق فلسطين في بغداد .. وأخبرهم الأمريكان ، أن الجيش الأمريكي سوف يتدخل وخلال ساعات لوقف الفوضى العارمة .. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث ..!

ومضت الخطة المعتمدة على نظرية الفوضى الخلاقة .. والصدمة والترويع .. في التنفيذ .. ولاتزال بعد مرور خمس سنوات عجاف ...!!!

lalhamdani@yahoo.com

للإطلاع على بعض مقالات الكاتب ، يرجى الدخول الى :

http://alialhamdani.blogspot.com

مع ملاحظة أن الموقع لايزال تحت التحديث وستكتمل بقية المقالات عليه قريباً .












حَصَـــادُ خَمْــــسٍ عِجَـــاف ...! ـ 4 ـ


علي الحمـــداني

الحصـاد الإجتماعي


قد يبدو للوهلة الأولى أن الجانبين السياسي والإقتصادي هما اللذان يلعبان الدور الأساسي في أحداث البلد والمتغيرات التي طرأت عليه جرائهما ، وهو مايلاحظه الباحث أو المحلل السياسي قبل كل شيئ وهذا صحيح الى حد بعيد ، ولكنه لايمثل كل أطراف المعادلة ، ولا كل التداعيات التي عانى ويعاني منها العراق خلال الخمس سنوات الأخيرة !

هناك طرف مهم يرتبط بهذين الجانبين إرتباطاً عضوياً ، وهو الجانب الإجتماعي ..
وعندما يتطلب التغيير في الجانب السياسي الوقت الأقل بمفهوم المتغيرات وخطط السياسة الدولية ، سواء كان التغيير من الداخل أو من الخارج .. فإن عملية الإصلاح الإقتصادي عادة ماتأخذ وقتاً أطول بعد عملية التغيير السياسي لكي تتم عملية الإستقرار والنمو ، وقد تستمر عدة سنوات إستناداً الى طبيعة البلد الذي حصل فيه التغيير السياسي ، كأن يكون غنياً بثرواته الطبيعية ، أو عائداته المالية ، وكذلك يعتمد هذا الجانب كثيراً على الوضع السياسي الجديد بعد التغيير..
الجانب الإجتماعي ، وفي حالة كونه قد تعرض الى إنتكاسات وتدهوركما هو عليه الحال في العراق فإنه سياخذ الوقت الطويل جداً قبل إمكانية معالجته ، وذلك لعمق الآثار السلبية التي تتركها الفوضى السياسية والإقتصادية على نفسيات الناس وطريقة تفكيرهم ومستقبلهم .. وتغير البنية الإجتماعية والأخلاقية للفرد والعائلة وبالتالي تداعيات ذلك على الجيل الجديد ... وهنا تكمن الخطورة ..!

بكلمة أخرى . إن عملية التفكك للنسيج الإجتماعي ، عملية معقدة وصعبة ، وتأخذ ربما عقود من الزمن قبل إعادة ذلك النسيج الى وضعه الطبيعي الذي عرفته العائلة العراقية ومارسته ضمن محيطها من الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء وزملاء وشركاء العمل .. وهكذا !

لذلك ، يمكن أن نعتبر المشكلة الإجتماعية في العراق اليوم ، هي المحصلة الصعبة ، حتى لوعاد الوضع السياسي والإقتصادي الى حالة إستقرار ووضع طبيعي . وستأخذ وقتاً إضافياً بعد ذلك لكي تعود الى ماكانت عليه أو على الأقل الى شبه ماكانت عليه .. لأن معالجتها تتعلق بالذات الإنسانية نفسها وليس بقرارات سياسية أو إقتصادية يمكن إتخاذها وتنفيذها لإصلاح الوضع العام ..!

إن عملية التفكك الإجتماعي ، تعود الى ماوراء السنوات الخمس ، أي سنوات الإحتلال وفوضى السياسة والإقتصاد ، والوضع غير الطبيعي المتأزم والمنحرف .. وربما الى عقود سبقت من الأحداث الساخنة والمعاناة الإقتصادية والإضطراب الإجتماعي وحركات الإنقلابات العسكرية والحروب ، والى آخر القائمة ..!

ولكن ، يبقى ماحدث في السنوات الخمس الأخيرة ، يمثل حالة إنفجارية لأحداث هذه السنوات الصعبة وما حدث ويحدث خلالها من تطاحن عرقي وطائفي وعشائري وجغرافي ، مضافاً اليها الصعوبات الإقتصادية والفوضى في الأمن ، ومضافاً اليها تراكمات الماضي ، فكانت أشبه ماتكون بالبركان الذي يبدأ بغازات وأبخرة ، ثم يتحول الى دخان ونار ، وأخيراً الى حمم ملتهبة تجرف أمامها الأخضر واليابس .

ومع الأسف ، لايزال الدفع الداخلي والخارجي هو بهذا الإتجاه لم يتغير مساره ، وذلك على يد منتفعي الداخل من الساسة ورجال الدين ورؤساء الأحزاب وزعماء الكتل والتنظيمات ، وقادة عصابات الميليشيات ، ومن يدور بفلك كل هؤلاء من المنتفعين من الخط الثاني والثالث والعاشر !
كذلك من منتفعي الخارج من صناع السياسة الدولية وأصحاب القرارات إقليمياً وعالمياً ، ويأتي على رأس هؤلاء الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الصناعية ، ثم إيران !

أميركا بصفتها القوة المحتلة للعراق ، المتكفلة بتنفيذ مخطط ( الصهيونية ـ المحافظين الجدد ـ وملوك البترول من الشركات العالمية ) ومصالح هؤلاء جميعا سياسياً وإقتصادياً .
أما إيران فقد تولّت الدور الرئيسي ولعبته منطلقة من مصالحها الخاصة ومطامعها الإقليمية ونَفَسها الطائفي المذهبي .. فقدمت بمشيئتها أو بدون مشيئتها خدمة متميزة للمخطط الأمريكي ـ الصهيوني ! ( راجع مقالات الكاتب " ميزان الربح الإيراني " في 6/12/2006 و " الزواج العرفي الأمريكي ـ الإيراني " في 7/1/2007 ) .

هذه التداعيات ، سنأخذها بالتفصيل في الحلقة القادمة والأخيرة ، والخاصة بالمحصلة النهائية .. ولكنني أردت أن أشير اليها فقط في هذه المقدمة .. وذلك للدور الذي لعبته كل من إيران وأميركا في التأثير في المجتمع العراقي تحت الإحتلال والحكم الجديد الذي هدفه الأول تنفيذ السياسات الخارجية ومصالحها ، مضاف اليها مصالحه الخاصة ، بهدف الإحتفاظ بالمكاسب التي حققها والبقاء على رأس الهرم السياسي المحلي ، وأقول المحلي ، لأن رأس الهرم الحقيقي تتربع عليه سلطات خارجية وأجنبية ...!

من هذه النتائج والمحصلات ، يمكن أن ننتقل الى الجانب الإجتماعي وحصاده البائس والمخيف على المجتمع العراقي ، والبصمات التي تركها على الفرد العراقي ، والتي ستستمر ربما لسنوات أو عقود قادمة ..!


أين يقف المجتمع العراقي في محنته الإجتماعية ..؟

نعود الى بعض النقاط التي تعرضنا لها في الحلقة الأولى لكي نلقي عليها الضوء .
نقاط تمس صلب الفرد العراقي والعائلة العراقية ، ومشاكلها الحالية والمستقبلية ..!

أولاً : الأمن .

العراقي اليوم ، ومن أي طائفة أو دين أو قومية أو منطقة جغرافية ، يعاني من تبعات إنعدام الأمن ، على الرغم من التصريحات المضللة والكاذبة للمسؤولين الأمريكان أو المسؤولين العراقيين على حد سواء .

لقد نشأ العنف ونشط ليس بسبب الضعف الحكومي أو سوء إدارة قوات الإحتلال ، كما قد يظن البعض . العنف نشأ أصلاً على يد القوات الأمريكية وبدعم وتشجيع منها ، وعلى يد من تولوا مسؤولية الحكم في العراق ، ومن يقف معهم . بل أن تهيئة وتحضير أدوات العنف في العراق قد سبقت دخول الجيش الأمريكي الى العراق ، وكانت من مستلزمات نجاح خطط الإحتلال وبقائه للفترة الطويلة التي خطط لها إبتداءاً . وعلى سبيل المثال :

ـ فيلق بدر ، المؤسس في إيران منذ سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية ، وهو الذراع العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق بقيادة آل الحكيم . تم تدريبه وتسليحه وتمويله بإشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني . ولست هنا في معرض البحث في خلفيات هذه الميليشيا ، أو في مستوى ونوعية قادتها ، أو جرائمهم التي نفّذوها بحق أسرى الحرب العراقيين في الثمانينات .. ولكنني سأشير فقط الى دور هذه القوة المسلحة ، والتي أصبحت معروفة لنا كعراقيين ومن خلال ممارساتها اليومية ، ومنذ الأيام الأولى لعودتها الى العراق من إيران بعد الإحتلال !
لقد تكفلت بالإضافة الى إرتكاب جرائم القتل والإغتيالات ، الى دور أهم ، وهو تسللها الى مؤسسات الجيش والشرطة الجديدين بعد أن تم حل الجيش العراقي الرسمي ! فاكتسبت الطابع الرسمي !

ـ جيش المهدي ، المدعوم من إيران أيضاً ، وبإشراف الحرس الثوري ، والذي لعب دوراً مشابهاً لدور فيلق بدر ، ولكن على الجهة الثانية من رقعة الشطرنج العراقية ..! وقد تم الإنضواء الى صفوفه عناصر خاصة من الجيش السابق من أبناء الجنوب كفدائيي صدام والجيش الشعبي الحزبي ممن تحولوا 180 درجة من البعثية العلمانية الى الطائفية الشيعية الإيرانية .
قام جيش المهدي ، ولايزال ، بأعمال العنف والفوضى الأمنية وبالتسلل الى الأجهزة الأمنية والإدارية خصوصاً في الجنوب ، وبسكوت من قبل الإحتلال وحكوماته ، حتى وصل الى ماهو عليه الآن .

ـ فرق الموت ، التي ذاع صيتها ، خصوصاً في الأيام الأولى من الإحتلال .. وهم مجموعات من المرتزقة القتلة ، تم تمويلهم وتدريبهم أمريكياً قبل الإحتلال في هنغاريا ، وأدخلوا الى العراق بعد الإحتلال وتحت إشراف أحمد الجلبي . وتحول بعضهم الى بعض الميليشيات ، أو العمل بشكل (مستقل) ! كعصابات إجرامية !

ـ مجموعة شركات الحماية الأمريكية من المرتزقة المدربين ، والذين أدخلوا الى العراق تحت ستار حماية المسؤولين والمنشآت الحكومية والأماكن الحساسة والمهمة .

ـ ميليشيات البيشمركة التابعة للحزبين الكرديين ، والتي دربت لسنوات طويلة بإشراف أمريكي ـ إسرائيلي .. وتم تسليحها وتحويلها الى شبه جيش نظامي في شمال العراق ومنذ أوائل التسعينات بعد دخول العراق تحت الحصار وضعف سيطرة الحكومة المركزية الكاملة على المنطقة .
قاموا ولازالوا بأعمال إجرامية وأعمال عنف في المحافظات الشمالية مستهدفين أمن السكان من العرب والتركمان والآشوريين ، لاسيما في الموصل وكركوك وديالى وقرى سهول نينوى . كما لعبوا نفس الدور الإجرامي في مجازر الفلوجة وقرى الأنبار ، كما ولهم دور في العاصمة بغداد ..!

ـ ميليشيات ومجموعات مسلحة أخرى تنضوي تحت تنظيمات ومسميات حزبية عربية وسنية أو إسلامية ، لعبت أيضاً دورها في الإخلال بالأمن في المناطق التي تحت سيطرتها .
ـ مجموعة القاعدة التي عبرت الحدود لاسيما عبر إيران ، قادمة من أفغانستان ، وبتجاهل أمريكي في بداية السنوات الأولى من الإحتلال .. ثم ظهر للعيان الدعم الإيراني الكامل لها وإستغلالها في ضرب مجموعات الصحوة المدعومة من قبل قوات الإحتلال تكتيكياً ! ، وكذلك بضرب هذه المجموعات من قبل فيلق القدس الإيراني مباشرة ، بهدف الإبقاء من قبل إيران على حالة الفوضى الأمنية في العراق ، ونقل المعركة مع الأمريكان الى الساحة العراقية بما يشبه سياسة لوي الذراع ! ( راجع سلسلة مقالات الكاتب المترجمة عن كتاب الحرب على الحقيقة ، والمنشورة على موقعه ، حول القاعدة ، والدور الأمريكي ..)

ـ عصابات مسلحة مكونة من مجرمين وقتلة ولصوص لاتجمعهم روابط أو تنظيمات حزبية أو سياسية أو طائفية .. بل أن قاسمهم المشترك هو عمليات الخطف وطلب الفدية والسرقات والإعتداء على الحرمات مستغلين غياب دولة القانون وبتشجيع خفي من أطراف لها مصالح في تنامي أعمال الإجرام داخل العراق ! بعض هؤلاء ممن أُطلق سراحهم من السجون قبل الإحتلال ، والبعض الآخر كانوا ممن إستهوتهم اللعبة لتحقيق الكسب المادي !

هؤلاء جميعاً ـ ويجب أن نتذكر هذه الحقيقة ـ ماهم إلا أفراد من المجتمع العراقي .. وعلينا أن نتصور ومن الناحية الإجتماعية والسيكولوجية ، التغيرات النفسية والإنحرافات الإجتماعية التي أنتهوا اليها ، والى أي مدى زمني سيستمر ذلك .. فحين يتحول شخص سوي الى مجرم لأي سبب ، ولكي يعاد الى وضعه الإنساني ، يحتاج الى علاج وخبراء ووقت .! هذا بالنسبة لشخص تحول الى مجرم لسبب ما وعلينا أن نتصور ، الكارثة ، وقد أصبح في العراق ( الجديد ) مئات الآلاف من هؤلاء ، وراءهم عوائل وأطفال سوف يكونون جيل المستقبل .. أي ملايين البشر المرشحين لكي يكونوا مجرمين ..؟
ثم ، نحن نتكلم هنا ليس عن جرائم عادية تحدث في أي مجتمع من قبل قلّة منحرفة .. بل نتكلم عن جرائم فاقت حدود التصور ، كالتفجيرات ، والسيارات الملغومة ، والإنتحاريين ، والقتل على الهوية وقطع الرؤوس ، والإغتصاب .. وغير ذلك ، وضحاياهم أيضاً قد بلغوا عشرات بل مئات الآلاف .. والأعمق من كل ذلك أن منفذي تلك الجرائم يؤمنون بأن مايفعلونه نابع من مبادئ مقدسة لديهم كالدين أو الطائفة أو الإنتماء الحزبي ..!

لقد أدت سياسة الحكومة العراقية ، ونشاطات هذه الميليشيات الى نتيجة مهمة كانت على رأس أولويات القيادة الأمريكية والمصالح الإيرانية ، تلك هي خلق حالة الفوضى المستمرة وحالة الصراع المسلح بين أطياف الشعب العراقي ، فتوسعت نتيجة لذلك الهوة بين المسلمين وغير المسلمين ، وبين العرب والكرد ، وبين الشيعة والسنة ، وبين العرب بعضهم ضد بعض ، والكرد بعضهم ضد بعض ، أي هوة تفصل بين الأديان والقوميات والطوائف التي عاشت بوئام وتناغم على مدى قرون عديدة ، وتم نقلها الى حالة صراع وثأرات دينية وعرقية ، وبدعم أمريكي وإقليمي ، وسوف يستمر لعقود زمنية طويلة !

في الوقت الذي يتوقع أي عراقي ، أن تقوم الحكومة العراقية بإتخاذ إجراءات للحد من أنشطة الميليشيات بعد أن وصلت الى ماوصلت اليه ، نرى ان العكس تماماً يحدث وبأمر من رئيس الوزراء المالكي .. مما يؤكد سير الحكومة في مخطط تصاعد الفوضى وعدم الإستقرار ، إضافة الى المبدأ الطائفي الذي تعتمده في سياساتها .
لقد حملت الأخبار ، أن المالكي ، وبالرغم من إعتراض رئاسة الجمهورية ، قد أمر بتعيين 18,000 عنصر من عناصر ميليشيات بدر والمهدي وحزب الله ، في الداخلية والأمن الوطني ، ورفض فكرة تعيينهم في وظائف مدنية في الوزارات الأخرى ! ومنح أكثر من خمسة الآف عنصر منهم رتباً عسكرية عشوائية تصل الى رتبة مقدم !
يجدر بالذكر ، أن بعض هؤلاء ، وبحسب مصادر رئاسية ، هم من المطلوبين للقضاء العراقي عن جرائم قتل وخطف وإختلاسات وسرقات !! فسياسة مَن ياترى ينفّذ رئيس وزراء العراق ..!؟

ثانياً : الخدمات .

إن فقدان الخدمات العامة للمواطن العراقي خلال سنوات الإحتلال خاصةً ، ترجع الى عدة عوامل منها :

ـ طغيان الفوضى الأمنية وإنعكاس ذلك على توفير الخدمات بشكلها الصحيح والإنسيابي والطبيعي وهبوطها الى أدنى المستويات .
لقد تعرضنا في الوضع الأمني بشكل عام ، وبنظرة سريعة الى أسباب وعوامل فقدان الأمن في العراق يمكن أن نرى نوع وحجم الكارثة التي يمر بها البلد والمواطن .. وبإضافة عامل مهم الى هذه الأسباب والعوامل ، وهو مشاركة الأطراف الحاكمة نفسها ، بشكل أو بآخر ، بتدهور الأمن .. يمكننا أن نتصور مدى عمق الكارثة ، وبالتالي صعوبة أو ربما إستحالة إيجاد الحل الجذري لها في ظل حكومات من طراز حكومة الجعفري أو حكومة المالكي ، أو ماسبق ذلك ، وما سيليه في ظل نفس الإستراتيجية ، إذا لم تتم السيطرة الحقيقية على الأمن ، وهو مايبدو في ظل أوضاع وسياسات الحكومة ، كما هو الحال الآن ، في عداد المستحيلات .!

ـ فضائح الفساد المالي وسرقة الأموال العامة من قبل المسؤولين بحيث تصبح معه قضية توفير الخدمات مستحيلة ، إلا إذا كانت ستعود بالنفع الخاص على اللص الذي يشغل منصباً حكومياً .
سبب ذلك ، أولاً عدم إكتراث هؤلاء بحال المواطن والصعوبات الحياتية التي يواجهها ، وإنشغالهم بتحقيق الثروات الطائلة على حسابه ، وثانياً ، لأن السرقات نفسها ، هي وفي معظمها ، تتناول التلاعب بالمال المخصص في الميزانية للخدمات العامة ، صحية أو تعليمية أو خدمية ، وتحويله الى الحسابات الخاصة بدلاً من توظيفه في مشاريع الخدمة العامة . آخر تقرير أمريكي حسابي ذكر أن
5 % فقط من المبالغ المخصصة لإعمار العراق قد تم صرفها لهذا الغرض في عام 2007 ...!!
فأين ياترى ذهبت بقية ال 95 % ..؟؟

ـ عدم إكتراث سلطة الإحتلال بهذا الجانب ، أي الفساد المالي ، أو محاولة السيطرة عليه ، لكونها قد دخلت الى العراق ليس لغرض الإصلاح وخدمة الشعب العراقي ، بل لتحقيق أهداف سياسية وسيطرة إقتصادية ، ولذلك تركت الفساد المالي للحاكمين ـ مع علمها به ـ على وضعه الحالي !
وإلا كيف يمكن تفسير عدم إتخاذها خطوة واحدة لتحجيم أنشطة الميليشيات مثلاً ، مع علمها أن قادة هذه العصابات هم أطراف مهمة وفاعلة في الحكومة العراقية ، وتتعامل معهم كسياسيين وقادة !؟
وهل نسينا مبلغ 9 مليار دولار التي خرج بها بول بريمر من العراق ؟
وهل تم سؤاله من قبل حكومته عنها ..؟ أو هل أثارت الحكومة العراقية هذا الموضوع مع الأمريكان وهي التي يفترض بها الأمين على المال العراقي العام .. إنها إذن شراكة اللصوص لاغير !
وكيف يمكن تفسير ، أنه وبعد خمس سنوات لم تتمكن سلطة الإحتلال أو الإدارة الأمريكية ببناء مشروع واحد في العراق في مجال توفير الطاقة الكهربائية أو تصفية مياه الشرب أو غير ذلك ..؟
ماذا تعني عبارة ( إعادة إعمار العراق ) .. وأين عمل هذه اللجنة ..؟

بالنسبة للسؤال الأخير ، هناك إجابة واحدة عليه ، وهي ليست من باب الحدس والتوقعات .. وإنما من واقع التجربة المرّة في العراق ..!

إعادة إعمار العراق .. أُحيلت الى شركة " هالبيرتون " الأمريكية ، وهذه الشركة هي إحدى شركات مجموعة " كارلايل " الأمريكية العملاقة . " كارلايل " نفسها تضم في مجلس إدارتها أساطين السياسة الأمريكية والبريطانية والعالمية ، من جناة الأرباح الخرافية من بؤس الشعوب والدول التي تحت الهيمنة الأمريكية ، منهم : جورج هيربرت بوش ( الأب ) ، جون ميجر ، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عن حزب المحافظين ، رئيس الفليبين السابق ، رئيس وزراء تايلند السابق ، .. وممثل عن مجموعة شركات عائلة " بن لادن " السعودية ..!!

" هالبيرتون " ، أحيلت اليها ايضاً ، خطة إعادة إعمار أفغانستان ..!! ( راجع ترجمات الكاتب " الحرب على الحقيقة " ) ، وحصدت جراء ذلك 13 مليار دولار لحد عام 2007 ..!

بالنظر لهذا الوضع السياسي والإقتصادي الشاذ ، القائم على تحقيق مصالح الحكام العراقيين والمحتلين الأمريكان بالتفاهم والتراضي ، وكذلك مصالح إيران من خلال الإرتباط العضوي والمصيري لأحزاب السلطة العراقية بها .. فقد تراكمت على أرض الواقع المأساوي عدة نتائج ، ليس فقط في حقل الخدمات ، ولكن في كافة النواحي الإجتماعية للفرد والعائلة العراقية !
يمكن تلخيص ذلك بما يلي :

ـ وصول معدلات الفقر الى دون الخط العام ، وهذا الواقع لاتجده حتى في دول أفريقية وآسيوية معدمة !
أما البطالة بين الشباب والعاملين فقد بلغت حسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة قبل عدة اشهر الى نسبة 43 % ، أي أن نسبة غير العاملين أقل بقليل من نصف مجموع القوى العاملة في العراق !
هذا في وقت وصل فيه بعض فرسان السلطة العراقية ممن كانوا في خانة ( المظلومين ) الى حد التخمة في كل شيئ ، وسأتناول ذلك ببعض التفصيل في الحلقة القادمة الخاصة بالمحصلة النهائية .

ـ يتم ذلك في الوقت الذي يحرم منه نصف مليون طفل عراقي من التعليم ، ومثلهم قد هاجر خارج العراق ، ومثل ذلك عدد الفتيات اللواتي تركن الدراسة والعمل .. وفي وقت وصل عدد المعتقلين من الأطفال عام 2007 ، والموجودون في السجون الآن ، الى 1350 طفلاً.
هذه أرقام منظمة ( اليونيسيف ) التابعة للأمم المتحدة !

ـ يتم ذلك والبطاقات التموينية التي تعتمد عليها أكثر الأسر العراقية في معيشتها ، تحتضر ، بعد تقليص كميات المواد التي توزع خلالها ، وحذف مواد أخرى نتيجة عدم توفر المال اللازم في الميزانية الحالية ، وهي الميزانية التي تطالب الأحزاب الكردية برفع نسبتها فيها الى 17 % لتغطية رواتب ميليشيات البيشمركة ...!!!
الكلام ، فيما يخص البطاقة التموينية ، هو لوزير التجارة العراقي عبد الفلاح السوداني !

ـ يتم ذلك والمرأة العراقية تعاني الأمرين في فقدان التعليم ، وتوفر سبل المعيشة ، وتراجع دورها الريادي في المجتمع العراقي ، وتفشي الدعارة .. ووصل الحد الى بيع الأطفال ، كما نقلت إحدى الصحفيات السويديات ..!
المرأة العراقية ، وبتجرد ، قد تراجع دورها وتعطل ، إبتداءاً من إلغاء المادة 188 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 ، وإبدالها بالمادة 41 ، من الدستور العراقي الجديد ! التي تكرس الطائفية في التعامل مع العراقيين ..
بكلمة أخرى ، كان قانون الأحوال الشخصية قبل حوالي 50 عاماً ، أكثر إنصافاً للفرد العراقي والمرأة على وجه الخصوص ، مما هو عليه بعد هذه المدة !
إضف الى كل ذلك ، أعمال القتل ضد النساء في البصرة وديالى ومنطقة كردستان ، إضافة الى مناطق أخرى .. القتل الذي أخذ طابع العنف ضد المرأة ، لدرجة العثور على مقبرة جماعية لثمان نساء في منطقة ديالى ..! إضافة الى إكراه النساء على الإنحراف وممارسة الدعارة ، بسبب الوضع المالي المتردي للعائلة العراقية !

إن سيطرة عامل الإرهاب وفقدان الأمن .. أوقف العادات الإجتماعية للعائلة العراقية ، كالتزاور ، وقضاء الأوقات خارج المنزل ، والأهم إنقطاع صلات العائلة بأبنائها نتيجة هجرتهم الى الخارج !
ومن بقي في العراق ، إنجرف بعضهم إما بأعمال العنف ، أو الإدمان على المخدرات ، والأخيرة ظاهرة كانت غريبة على المجتمع العراقي .. ولعلنا نتذكر الأنباء الخاصة بعمليات التهريب للمخدرات من إيران الى البصرة والجنوب ، وحتى القيام بزراعتها في مناطق ديالى بتشجيع إيراني لتفكيك البنية الإجتماعية للعائلة .

كل مافعلته الحكومة العراقية ، هو الإتصال بوكالة غوث اللاجئين وحكومات سوريا والأردن ومصر لرعاية الأسرة العراقية المهجّرة ، والأرقام تتحدث في نفس الوقت عن 48 مليار دولار تخصيصات ميزانية 2008 .. فأين هي حصة من ترك بيته ومدينته وهاجر داخل العراق .. ومَن ترك بلده الى الخارج ليعيش حياة أشبه بالتسول ؟

ولو اردنا أن نحدد محصلة ، او معالم محصلة للحالة الإجتماعية في العراق ، لانتهينا الى حالة مخيفة لم يسبق أن مر بها العراق في تاريخه المنظور !

حالة ، لو تم حصول تغيير جذري الآن ، فإننا نحتاج الى أجيال لكي يتم التخلص من تبعاتها ..
حالة خلقتها خمس سنوات فقط .. ومجموعة عصابات تسمى حكومات ومسؤولين !!

سنستعرض خلاصة كل ذلك .. في الحلقة الأخيرة القادمة !

lalhamdani@yahoo.com

للإطلاع على مقالات الكاتب ومدوناته ، يرجى الدخول على الرابط :

http://alialhamdani.blogspot.com

يرجى المعذرة لعدم إكتمال كافة المقالات على الموقع أدناه ، وسيتم إكمال تنزيلها خلال ايام .

حَصـَادُ خَمْــسٍ عِجَــاف ...! ـ 3 ـ


علي الحمـــداني

الحصـاد الإقتصـادي

قبل الدخول الى الجانب الإقتصادي في ظل حكومة العراق اليوم ، وحكومات مابعد الإحتلال التي سبقتها ، ومناقشة ذلك بموضوعية ومهنيّة أكاديمية ، لابد من الرجوع الى الوراء قليلاً ، أي الى عام 1990 ، حين بدأ تنفيذ الحصار الإقتصادي على العراق في ظل حكم صدام حسين ، ثم توسيع الحصار ليشمل مناطق الحظر الجوي !

السبب الذي يدعوني الى البدء من تلك الحقبة ، هو نقطتين :
الأولى : للوقوف على تداعيات ذلك الحصار ، ولغرض تفنيد الآراء والتبريرات الحالية التي تقول أن معاناة العراق الإقتصادية لم تكن وليدة النظام الحالي ، وأن لنظام صدام اليد الطولى فيما نعاني منه اليوم .. يعني التنصل من الفشل وإلقاء تبعاته على الآخرين ..!
الثانية : دور المخطط الإسرائيلي ـ الأمريكي في فرض الحصار الإقتصادي على العراق ، كتمهيد وعد تنازلي لتحقيق الإحتلال العسكري وفرض المخططات الجديدة ..!

لقد بدأ العد التنازلي في الواقع لنظام صدام حسين ، وكما هو معروف ، بعملية غزو الكويت . العملية التي ساهمت فيها أميركا وبحسب كافة المصادر التي كتبت في هذا الموضوع ، بما فيها مذكرات السفيرة الأمريكية في بغداد آنذاك ، والتي إختفى ذكرها لاحقاً ، ويقال أنها لقت حتفها في حادث سيارة في نيويورك ..! وكذلك بما ورد على لسان المرشح الأمريكي المستقل لإنتخابات الرئاسة الأمريكية منتصف التسعينات ( روس بيرو ) ، وأمام عدسات التلفزيون ومئات الملايين من البشر الذين كانوا يراقبون برنامج المناظرة التلفزيونية على الهواء من واشنطن بين المرشحين الثلاثة ، جورج هيربرت بوش ( الأب ) عن الحزب الجمهوري ، بيل كلينتون عن الحزب الديمقراطي ، وروس بيرو المرشح المستقل . إلتفت الأخير الى بوش ، وقال له بالحرف الواحد ، أن لديه من الوثائق والمستندات مايثبت دفع وتشجيع صدام على إحتلال منابع النفط في الكويت ، وطمأنته أي صدام ، بعدم إتخاذ اي عمل عسكري ضده لإخراجه من الكويت .. هذا في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تشجع الحكومة الكويتية على خفض أسعار النفط وزيادة الإنتاج ومطالبة العراق بالديون المستحقة عليه وسرقة النفط العراقي من حقول الرميلة الجنوبية ، والإبقاء على جزر بوبيان ولاحقاً السماح لها بإحتلال نصف ميناء أم قصر الإستراتيجي العراقي ..!

حدثت الضربة العسكرية الأمريكية للعراق بعد إحتلاله الكويت ..! ولثلاث مرات خلال التسعينات ، إثنتان منها على عهد بوش ، والثالثة في زمن كلينتون ..! وتم فرض الحصار الإقتصادي على العراق برياً وبحرياً وجوياً وبشكل صارم . إضافةً الى عزله سياسياً ..!

ماذا حدث بالمقابل من قبل صدام حسين ..؟
ـ من الناحية الإقتصادية ، وهي المهمة ، وموضوع حديثنا اليوم ، : إعادة تعمير البنية التحتية للعراق وما تم تدميره بالقصف الجوي والصاروخي الأمريكي الكثيف ، في مدد قياسية ، أطولها إستغرق ستة شهور في إعادة بناء الجسور المهدمة ، ومركز الإتصالات في منطقة السنك في بغداد .

ـ إعتماد نظام النفط مقابل الغذاء لتوفير لقمة العيش للشعب العراقي تحت الحصار .

ـ إعتماد مبدأ البطاقة التموينية للعوائل العراقية حيث توزع عليهم بموجبها وبشكل دوري منتظم إحتياجاتهم الضرورية من المواد الغذائية والمنزلية وبالمجان .

ـ إستمرار أداء مرافق الدولة ووزاراتها لمهامهم ، وإستمرار الميزانية العراقية بالعمل وفق الخطط التي وضعت لها لتغطية الخدمات العامة ورواتب العاملين ..

ـ السيطرة الأمنية الكاملة على العراق ، تجنباً لأي عبث أو فوضى قد تختلق ..
فكان المواطن العراقي في ظل ( الدكتاتورية ) يعمل ويحصل على لقمة عيشه ، ويتمتع بالخدمات الصحية وغيرها التي كادت أن تفقد الآن .. والأكثر من ذلك يتحرك بأمن وقت يشاء وأين يشاء ، نهاراً وليلاً ..!

وحتى لو عدنا الى سنوات ماقبل الحصار ، وفي وقت الحرب العراقية ـ الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي ، وحين كانت الحرب في أوجها ، وتستنزف الإقتصاد العراقي ، وتثقل ديونه ، وتضطره الى طلب القروض والمساعدات الخارجية ..
في تلك السنوات الثمان ، شهد العراق نهضة عمرانية لامثيل لها في تأريخه ، لقد أعيد بناء خارطة بغداد وفق أحدث تخطيطات المدن الكبرى ، من جسور وأنفاق وطرق مرور سريعة .. وأُنجزت شبكة عملاقة للطرق الخارجية السريعة لربط المحافظات ببعضها ، وربط العراق بالمنافذ الخارجية كالأردن وسوريا والسعودية .
كل ذلك تم تحقيقه سنة بعد أخرى من عائدات نفطية محدودة ومسيطر عليها خارجياً .. ولا أعتقد أن أي عراقي منصف يستطيع نكران تلك الحقائق التي لاتزال قائمة على الأرض ، أو ماتبقى منها على الأقل في ظل حكومات الإحتلال الأربعة ..!

ما أذكره هنا ، لايدخل في خانة الدفاع عن صدام حسين ، الذي كانت له أخطاؤه السياسية ، وبعض معيته الفاسدة ، وسلبياته على الكثير من الأصعدة ، ولكنني أتحدث في الجانب الإقتصادي ، وهو موضوع حلقتنا هذه ، وأحاول مقارنته بالجانب الإقتصادي لسنوات مابعد الإحتلال الخمس منذ سقوط النظام السابق !

هذه هي إجابتي على النقطة الأولى التي أثرتها أعلاه ، مع الإعتراف أن صدام قد ترك العراق وهو مثقل بالديون ، وهو محصلة طبيعية لحروب طاحنة وحصار ظالم ! ولكن ..
هذه الديون ، وعلى الرغم من إسقاط معظمها من قبل الدول في ظل النظام الحالي ، فإن معدلاتها قد إرتفعت بدل أن تنخفض كنتيجة منطقية .. إذ أن المفروض والمنطقي أن يشهد العراق ( الجديد ) نمواً إقتصادياً بعد إسقاط الديون الخارجية وتجميد بعضها الآخر من قبل كافة الدول تقريباً ، ماعدا دولة (الكويت الشقيقة ) ! ومطالبات ( الجارة العزيزة ) إيران بالتعويضات عن الحرب ..! لاسيما وان أغنى وأكبر دولة رأسمالية في العالم وهي الولايات المتحدة هي من يحتل ويدير شؤون العراق اليوم! ووجود حكومة ( منتخبة من الشعب ) ، تعمل بخلاف الفساد المالي والإقتصادي لنظام صدام ..! وهي ليست تحت الحصار ، وتتحكم ، كما يفترض ، بثروتها النفطية .. ومواردها ، ولاتسمح بالتلاعب بالمال العام كما كان يحدث في السابق ..!!

كل هذه المؤشرات ، يجدر بنا أن نمر عليها لاحقاً لأهميتها في عرض مفردات الجانب الإقتصادي في موضوعنا هذا .

أما مايتعلق بالنقطة الثانية ، فقد سبق وأشرنا الى بعض جوانبها في الحلقة السابقة ، ولكن يمكن إختصارها في أن هدف المخطط الأمريكي ـ الإسرائيلي في فرض الحصار على العراق كان بمثابة الخطوة الأولى لإسقاط النظام .. وعندما لم يحدث ذلك .. ، تحول الهدف عن طريق إثارة موضوع أسلحة الدمار الشامل العرقية وضرورة التخلص منها بمطالبات أمريكية صريحة ، ونشاط لجان الأمم المتحدة ، وعندما تعثر هذا التبرير ايضاً ، والإدارة الأمريكية كانت أول من يعرف بطلانه ، لم يتبقى سوى الإصرار عليه وإعتماده مبرراً لشن الحرب تحت غطاء الأمم المتحدة ، تماما كما تم إعتماد مبدأ الإرهاب الدولي كذريعة للتدخل هنا وهناك ..! وكان لابد لإحتلال العراق أن يتم بأي شكل من الأشكال ، وقد تم تحضير البدائل في صالات فنادق لندن الفخمة وأروقة البيت الأبيض ..!

الدور الإسرائيلي ـ الأميركي .. بعيد المدى !

تتميز السياسة الإسرائيلية ، كما هي السياسة الغربية ، بإستباق الأحداث ، والتخطيط المسبق ، والنظر الى الأهداف البعيدة بالمنظار المُقَرِّب .. كي يتم الإستعداد لها على مدى فترات زمنية محددة ومسبقة ..!

يتمثل ذلك ومن مجريات أحداث المنطقة العربية على مدى عقود ، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، بما يلي :

ـ العمل على تقويض حلف المعاهدة المركزية ، أو حلف بغداد في الخمسينات من القرن الماضي زمن العهد الملكي ، والذي كان يضم في بدايات تأسيسه وقبل توسعه ، كل من : بريطانيا ، وقد كانت زعيمة الإمبريالية العالمية آنذاك ومُؤسسة إسرائيل ، مع العراق ، تركيا ، باكستان .. وذلك من منطلق أن قيام حلف كهذا سيضعف الدور الإسرائيلي وتوسعه في المنطقة ، أو على الأقل تحجيمه !
والإستراتيجية الصهيونية تقوم أصلاً على إضعاف الأنظمة المحيطة بها سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وذلك لغرض بسط هيمنتها وتوسعها الجغرافي بشكل او بآخر .. مباشرة أو من وراء الكواليس .!

ـ تفعيل موجة الإنقلابات العسكرية أو الثورات التي طغت في المنطقة بُعَيد تأسيس إسرائيل وفي فترة الخمسينات والستينات ، ثم توقفت فجأة بعد ذلك !! كما حدث في مصر وليبيا والسودان وسوريا واليمن والعراق ..! ثم إستثمار شعارات وآيديولوجيات الشيوعية والإشتراكية والثورية والقومية والتقدمية لصالحها وبشكل غير مباشر وتوجيه السياسة الأمريكية ضد هذه الآيديولوجيات وتطبيقاتها بإعتبارها خطراً يهددها بحكم إرتباطها أو تحالفها مع الإتحاد السوفياتي القوي آنذاك ..!

ـ التململ الإسرائيلي لما آل اليه وضع الجيش العراقي بعد الحرب العراقية ـ الإيرانية من حيث الخبرة العسكرية ، والتسليح المتقدم ، والتدريب العالي ، والإنضباط ، وتطوره غير المسبوق عدةً وعدداً .. فكان لابد من إتخاذ خطوات سريعة وأخرى لاحقة .. أما السريعة فهي ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 وخلال الحرب مع إيران .. قيام تعاون عسكري مع النظام الإيراني (فضيحة إيران كيت ) .. وتدمير مشروع المدفع العراقي العملاق ..
أما اللاحقة فكانت العمل على تفتيت قدرات الجيش في حرب الكويت وما تلى ذلك .. ثم أخيراً ومن خلال عملائها في النظام الجديد تم حل الجيش العراقي بعد 82 عاماً على تأسيسه ...!

ـ التخوف من نهوض العراق إقتصادياً ، نتيجة ثرواته الهائلة ، والقوى العاملة ، والعقول والكوادر العلمية .. فتم تحجيم ذلك أولا في فترة الحصار .. وتشجيع العقول على المغادرة .. ثم إستهدافها وتصفيتها مع رؤوس الأموال الوطنية بعد الإحتلال ليتم إفراغ البلد لتطبيق الصفحة التالية .

ـ أسرائيل ومن ورائها أميركا ، تملكان تجربة كافية في لبنان ، ونموه الإقتصادي السريع وإنتقال رؤوس الأموال العربية اليه بداية الخمسينات والستينات خوفاً من النظم الإشتراكية ! فأصبح لبنان يشكل مركز إقتصادي خطر على الحدود الإسرائيلية ..
من أجل ذلك ، تعرض البلد الى موجات من الغزو الخارجي الأمريكي والإسرائيلي وتفتيت سياسي داخلي قائم على الطائفية والمذهبية والعنصرية .
بدأت تلك الموجات في عام 1958 على عهد كميل شمعون الرئيس اللبناني ، ونزول الأمريكان المارينز على سواحله ، ثم الحرب الأهلية اللبنانية وعلى مدى 14 عاماً في السبعينات والثمانينات ، ثم موجات الغزو الإسرائيلي تحت ذرائع مختلفة في التسعينات ، والحرب على جنوب لبنان في 2005 ..
كل ذلك أدى الى إنهيار الليرة اللبنانية ، والإقتصاد اللبناني ، وتمزق الوضع السياسي الداخلي حتى يومنا هذا ، تماماً كما حدث للدينار العراقي ، والإقتصاد ، والتطاحن الداخلي المسلح بعد الإحتلال !

ـ إمتعاض إسرائيل من النمو الإقتصادي السريع في دولة الإمارات العربية المتحدة لاسيما في دبي وطلباتها بشكل وبآخر للدخول الى السوق هناك وجني الثمار ..!
لقد تم تنفيذ ذلك في دولة قطر ، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي تقيم علاقات إقتصادية ظاهرة ومتينة مع إسرائيل ، وللأخيرة مكتب إتصالات تجاري في الدوحة ..!
تتحدث آخر التقارير الإقتصادية قبل أسابيع ، أن قطر تتجه الى نمو إقتصادي غير عادي ، حيث أن نسبة النمو ستبلغ 400 % ، بحلول العام 2010 ...!

ـ يرافق كل ذلك ، مايجري حالياً في سوق النفط العالمي ، بتحريك من شركات النفط الأمريكية التي تحكم فعلياً ، وبوش نفسه أحد أبنائها في تكساس ، ولايته التي ينتمي اليها ، وصناعة عائلته النفطية في الولاية ..! حيث بدأت أسعار النفط تتجاوز خط 100 دولار للبرميل ، وكانت قبل عام 2003 ، لاتتعدى مبلغ 19 دولار للبرميل .. فتأمل ..!!

معالم الجانب الإقتصادي في العراق في ظل الإحتلال وحكوماته ..!

كما هو الوضع على الجانب السياسي في ظل حكومات الإحتلال ، وما نجمَ عن ذلك من تخبط وفوضى وتصارع ، ليس فقط داخل أسوار المنطقة الخضراء ، وإنما على الساحة العراقية بشكل عام فإن الحال نفسه ينعكس على الجانب الإقتصادي ، وبشكل حاد .

بعض ظواهر الجمود والتراجع في الإقتصاد العراقي تُعزى الى سلطات الإحتلال نفسها ، في حين يُعزى البعض الآخر الى حصيلة القرارات الحكومية والصراع السياسي والفوضى الأمنية وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بالإعتماد على مبدأ المحاصصة الطائفية الذي أصبح دين وشعار الحكومات العراقية في ظل الإحتلال .. فكان أن تم إختيار الوزراء الذين يفتقدون التخصص ويفتقرون الى الخبرة ، إضافة الى تنفيذهم لسياسات تملى عليهم من الخارج وبحكم إنتمائهم العرقي أو المذهبي أو الحزبي .. فهم في الحقيقة يعملون ويديرون شؤون الحكومة من مكاتب وزارات عراقية ، ولكن من أجل مصالح دول خارجية ، أو كتل داخلية !

ولو أضفنا الى تلك العوامل فقدان عنصر النزاهة ، وتفشي ظواهر السرقات والتلاعب بالمال العام لمصالح شخصية بحتة وفقدان الرقابة الجدية أو المحاسبة الحقيقية بحق المتلاعبين الذين هم حقيقة عصابة واحدة في مركب واحد ، يمكن عندها أن نكوّن الصورة المأساوية للإقتصاد العراقي الذي يعيش فوضى عارمة ويسجل تراجعات بيانية وفقاً لمؤشرات دولية كالبنك الدولي والمعاهد والمؤسسات المتخصصة في العالم ..!

فوق كل ذلك ، هناك القوانين التي أقرّتها الحكومة عن طيب خاطر ، وبقيت معلّقة نتيجة الوضع السياسي المتردي ، والإختلاف على القطع الأكبر من الكعكة .. تلك القوانين التي سيكون تأثيرها الزمني طويل المدى ، والتي تخص التحكم بثروات البلد ، مثل قانون النفط والغاز الجديد الذي يضع إحتكار الصناعة النفطية بيد كبريات شركات النفط العالمية المستغلة .
إن سلطات الإحتلال وإدارة البيت الأبيض ، ومنذ قرابة العام ، تضغط وبمختلف الأساليب لكي يمرر هذ القانون وبالأخص قبل ترك بوش المحتمل لمكتبه في نوفمبر القادم . ويقال أن الأمريكان قد عرضوا مبلغ 5 مليون دولار لكل نائب في مجلس النواب العراقي يصّوت لتمرير القانون ..! وما عملية إعطاء الضوء الأخضر للقيادة الكردية بإستغلال نفط المنطقة الشمالية ، والتعاقد مع شركات أجنبية ، بعضها أمريكية للتنقيب وإستخراج وتسويق النفط ، إلا فبركة أمريكية ، لإقناع أولئك المعارضين للقانون لكي يصادقوا عليه على إعتبار أن السيطرة على النفط في حالة إقرار القانون ، ستكون بيد السلطة المركزية . جزء من هذه الفبركة هي المشادات الكلامية مع سلطات إقليم شمال العراق ، والتي قادها حسين الشهرستاني وزير النفط .. وهو نفس الوزير الذي دافع عن إيران في موضوع سرقة نفس النفط العراقي من حقول مجنون النفطية العراقية ...!!!
الموضوع في الوقت الحاضرلايزال على الرف .. ولكنه سوف لن يبقى هناك الى الأبد ..!

على الجانب الآخر ، وبشكل سريع ، يمكن تسجيل بعض النقاط التي تتعلق بالوضع الإقتصادي العراقي ، المرتبط كلياً بالقرار السياسي ، والذي بدوره يفتقد الحرية لجملة أسباب منها :

ـ أن نهايات الخيوط التي تحرك دمى السياسة العراقية هي بيد سلطة الإحتلال .
ـ الإنتماء الكلي قلباً وقالباً من قبل معظم الساسة العراقيين ، الى صناع القرار في طهران وقم ، ومن منطلقات عرقية وآيديولوجية وطائفية محضة ، يجعل من ولائهم ولاءاً أعمى .. إيرانياً أكثر منه عراقياً .
ـ فقدان العمل بروح الفريق الواحد كحكومة ، سواء في مجلس الرئاسة أو مجلس الوزراء او المجلس النيابي ، ربما للسببين الواردين أعلاه بالدرجة الأولى ، ثم لنقص الخبرة السياسية أو إنعدامها في صنع القرار وإعلانه .. ونلاحظ هنا دائماً تضارب تصريحات المسؤولين الحكوميين مع بعضهم البعض وبشكل غير معقول ، ينتج عنه أحياناً تغيير القرار السياسي المعلن وخلال ساعات !

ولو عدنا الى إستعراض النقاط المتعلقة بالوضع الإقتصادي العراقي ، المنبثق عن القرار السياسي فسوف نجد بعض المؤشرات فيما يلي :

ـ بداية ، يجب أن نعود الى مثل بسيط واحد نتذكره كعراقيين خصوصاً ، ولو أنه قد مضى عليه قرابة الخمسة أعوام .. حين وقف رئيس المجلس الإسلامي ، أو ماكان يسمى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، عبد العزيز الحكيم ، في اليوم الأول أو الثاني من دورته الشهرية في رئاسة مجلس الحكم ! ليطالب بتعويض إيران من قبل الحكومة العراقية على خسائرها في حربها مع العراق 1980 ـ 1988 ..
ودعونا نتصور ، وللقارئ أن يختار ، أي دولة من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي مروراً بالقارات الخمس ، أن يطالب رئيسها الى تعويض دولة أجنبية كانت في حرب مع دولته ، ومهما كانت أسباب نشوبها ، ولكن يبقى هناك شيئ إسمه وطن ، ودولة أجنبية .. ولكن أيهما ياترى أقرب الى قلب الحكيم ..؟ فهو يريد الدفع ومن خزينة دولته التي هي أصلاً تعاني من إنهيار إقتصادي ، بعض أسبابه هو تلك الحرب ..!
يلاحظ أن تلك الدعوة سبقت حتى طلب إيران نفسها بالتعويض !
دعونا نتصور دعوة الحكيم ، ونرى بُعد إرتباطه بدولة أجنبية والى هذا المدى ، وهو يشغل منصب حاكم العراق آنذاك ، والرجل الفاعل حالياً ، حتى ولو كانت كل قطرة دم في عروقه هي فارسية ..!!
هذا مثل حي ومبكر في العراق ( الجديد ) للدليل على الخيانة والعمالة والتخريب الإقتصادي ..!

ـ على الرغم من دعوة الحكيم تلك وبشكلها الواضح والصريح ، وعلى الرغم من الإلتفاف في عملية تعويض إيران ، فإن الدعوة من قبله لاتزال قائمة .. فإذن هي ليست عملية تعويض مبالغ معينة ، بل عملية تحويل رسمي لأموال العراق الى إيران ! .. كيف ذلك ..؟

أولاً من خلال بيع النفط العراقي الى إيران بأسعار رخيصة جداً بحجة أن إيران سوف تكرره وتعيده الى العراق على شكل مشتقات نفطية .. بينما هي تقوم بذلك لحسابها ، أو إعادة تصديره كنفط خام ..!
وثانياً ، وهو الأهم ، إكتشاف فضيحة السرقة النفطية الإيرانية لنفط حقل مجنون العراقي ، التي كذّبتها الحكومة العراقية ، ثم عادت بالتبريرات مثل الحقول المشتركة ، ثم الدعوة الى تشكيل لجان مشتركة لحل هذا الموضوع .!
لقد دفعت حكومة العراق ، أضعاف المبلغ الذي طالب به الحكيم لحساب إيران .. ولايزال يدعو الى تعويض إيران ( المظلومة ) بسبب الحرب معها ...!

ـ لانحتاج الى خبراء إقتصاديين لتقدير حجم الضرر الإقتصادي الذي تسببت فيه حكومة المالكي منذ تسلمها الحكم في 20/5/2006 ، أي منذ قرابة السنتين وعلى كافة المستويات إستناداً الى ماذكرنا والى ماسنذكره ..

ـ عدم قيام الإدارة الأمريكية الى إجراء أي إصلاح إقتصادي في العراق ، ولا حتى على مستوى تعبيد طريق أو بناء محطة كهرباء واحدة خلال هذه المدة منذ 2003 .. ولكن ماقامت به الإدارة الأمريكية ، ومن أموال الشعب العراقي ، وبمباركة المالكي والحكيم وأزلامهم ، هو ثلاثة مشاريع :

الأول : بناء السفارة الأمريكية الجديدة في منطقة الجادرية في بغداد ، لتكون أكبر سفارة أمريكية في العالم ، وبكلفة بلغت لحد الآن أكثر من مليار ومائتي مليون دولار ( المصادر شبكة سي أن أن الأمريكية للأخبار ، وشبكة فوكس الإخبارية الأمريكية أيضاً )
الثاني : بناء قواعد عسكرية محصنة فوق الأرض العراقية وتحتها ، وبكلفة تجاوزت 11 مليار دولار لحد الآن ( نفس المصادر ) .
الثالث : العمل على وضع قانون النفط والغاز العراقي والطلب من الحكومة الموافقة عليه وهو مافعلته ، والضغط من أجل تصديقه في البرلمان وبأي ثمن .. هذا القانون سيضمن هيمنة كاملة للشركات النفطية الأمريكية على صناعة النفط العراقية ، حيث ستصبح شركة النفط الوطنية العراقية مجرد موظف لدى هذه الشركات ، واجباتها تنفيذ مصالح شركات تكساس النفطية الأمريكية ، والتي تمتلك عائلة ( بوش ) بعضاً منها ...!!!

ـ إرتفاع معدلات التضخم ، ونسب البطالة نتيجة التدهور والكساد الإقتصادي .. وسنأخذ هذه الفقرة تفصيلاً في الحلقة القادمة الخاصة بالجانب الإجتماعي .

ـ الإستثمارات الإقتصادية كما ذكرنا سابقاً ، إنحصرت في حقول محددة جداً تعود بالأرباح الضخمة على فئات معينة من المسؤولين .. مثل شبكات التلفون المحمول ، والإستثمارات في الحقل النفطي .. بينما إنعدمت في جوانب كثيرة من شأنها أن تدفع بالإقتصاد العراقي الى الأمام بما يعود بالنفع على البلد والمواطن . ( راجع الحلقة الأولى من هذه السلسلة ) .

ـ وإذا ماوصلنا الى بيت القصيد كما يقال ، وهو أعمال السرقات والنهب والتلاعب بالمال العام من قبل المسؤولين الحكوميين وعوائلهم وأتباعهم وأتباع أتباعهم ! نكون قد وصلنا الى تصور ، ربما بسيط فقط فيما تم تسريبه ووصل الى علمنا ، وما خفي كان أعظم ..!

عمارات وفلل وشقق فخمة في أوربا والخليج .
شركات صناعية وإستثمارية في أوربا وأميركا والخليج .
أرصدة خيالية في البوك الأجنبية

هذه أمور ليست من نسج الخيال ، وقد تطرقنا اليها بالأسماء وبالتفصيل في مقالات سابقة يمكن الرجوع اليها .. وهي لوحدها تتجاوز المليارات من الدولارات ، قام بها وزراء حاليين وسابقين ، وعوائلهم وأقاربهم ، ورؤساء أحزاب دينية معممين ، وأعضاء في البرلمان ، وموظفين في الدولة وقد تمت تحت حمايتهم من قبل الإحتلال والحكومة ، وتهريب بعضهم الى الخارج ، مثل حازم شعلان ، وزير دفاع حكومة أياد علاوي ، الذي حُدد المبلغ الذي إختلسه وهرّبه الى الخارج بأكثر من مليار وثلاثمائة مليون دولار من صفقات أسلحة ..!

ـ آخر الفضائح المالية ، هي مانشر بتاريخ 18/1/2008 ، والعراق ينزف الدماء ، ويعيش 43 % من نفوسه تحت خط الفقر .
الفضيحة هي صفقة شراء 7 طائرات رئاسية بمواصفات ملكية خاصة من شركة بوينغ لصناعة الطائرات الأمريكية . الكلفة 11 مليار دولار ، تدفع من ميزانية العراق للسنة الحالية والبالغة 48 مليار دولار ، يعني مايقارب ربع ميزانية الدولة العراقية للطائرات الرئاسية السبع !
لماذا سبع طائرات ؟ وقد كان صدام مثلاً لديه طائرة رئاسية واحدة أطلق عليها ( صقر القادسية ) وهي موجودة حالياً في مطار عمان وقد أكلها الصدأ ..
الطائرات السبع .. واحدة لرئيس الجمهورية جلال الطالباني ، الأخرى لرئيس الوزراء ، والثالثة لرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني .. أما الأربع الأخريات فستخصص لكبار المسؤولين في رحلاتهم الرسمية ...!

وبإجراء مقارنة حسابية بسيطة ، يمكن تقدير حجم التبذير في المال العام .. مال الشعب العراقي !
وكما يلي :
خلال نفس الفترة هذه تعاقدت شركة الخطوط الجوية القطرية مع نفس الشركة الأمريكية بوينغ لشراء 26 طائرة جديدة لتحديث أسطولها الجوي .. قيمة العقد بين قطر وشركة بوينغ هو : 12 مليار و800 مليون دولار ( لاحظ الفرق بين عدد الطائرات 7 و 26 .. وهو 19 طائرة .. والفرق البسيط في السعر البالغ مليار و800 مليون دولار أكثر من السعر العراقي لسبع طائرات " رئاسية " بسبب المواصفات الخاصة ، وطبعاً إضافة مقدار العمولات المدفوعة " للرؤساء " من قبل الشركة المنتجة وهي شركة بوينغ الأمريكية ...! )

الفرق بين الصفقتين ، أن الأولى للعملاء الجياع خونة الوطن والشعب ..!
والثانية للنفع العام لأسطول جوي لشركة خطوط وطنية ..!

أليس بعد كل ذلك ، أن يصبح إحراق البنك المركزي العراقي ، ووثائقه وأضابيره ومستنداته ومعلوماته .. واجب وطني مقدس ...!!؟؟

للبحث بقية ...
lalhamdani@yahoo.com

للإطلاع على مقالات الكاتب ومدوناته ، برجى الدخول على الرابط :

http://alialhamdani.blogspot.com

يرجى ملاحظة أن الموقع أعلاه لايزال قيد التحديث ، وسيأخذ بضعة أيام قبل تنزيل كافة المقالات .


حَصَادُ خَمْـسٍ عِجَـاف ...! ـ 2 ـ


علي الحمــداني

الحصـاد السـياسـي

في هذا الجانب هناك جملة مقومات أو أسس يتم من خلالها الحكم على طبيعة النظام السياسي للدولة فهناك في دول العالم كما هو معروف عدة أنواع من النظم السياسية .
منها ، على سبيل المثال ، النظم الدكتاتورية ، حيث يكون القرارالسياسي محصور بيد شخص واحد وهو الحاكم الدكتاتور ، مع وجود أجهزة تنفيذية وتشريعية ، إلا أنها عبارة عن أجهزة هيكلية لغرض إستكمال الشكل السياسي لمقومات الدولة ليس إلا !
ومنها ، نظم الحزب الحاكم الواحد الذي يتولى شؤون إدارة الدولة وفق مصلحة الحزب ، وهو صورة أخرى من صور الدكتاتورية ، حيث عادة ماتنحصر بيد الأمين العام أو رئيس الحزب عناصر إتخاذ القرار ، وتتولى تشكيلات الحزب المتمركزة في مفاصل الدولة المهام التشريعية والتنفيذية .
ومنها النظم الديمقراطية والتي تستند في الجانب التشريعي على ممثلي الشعب ، ومراقبة الجانب التنفيذي ، أي الحكومة ، والتي تبثق بدورها من الأغلبية في مجلس النواب . وعندما يكون النظام رئاسياً ، فإن رئيس الحزب الفائز ، والذي هو منتخب أصلاً لرئاسة الحزب من خلال إنتخابات محلية ، سوف يكون رئيساً للدولة .. أما في حالة كون النظام ملكياً ، فإن رئيس الحزب الفائز سوف يكلف بتشكيل الحكومة من قبل الملك ، أو حتى من قبل رئيس الجمهورية المنتخب في معظم النظم الرئاسية بإستثاء بعضها ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يقوم الرئيس بمهام رئيس الوزراء

المدد الزمنية الرئاسية لشخص الرئيس أو رئيس الوزراء ، أي الدورات الإنتخابية ، تحدد أيضاً وفق الدستور ، وذلك لمنع بقاء شخص بعينه في كرسي الرئاسة الى مالانهاية وتفرده بالسلطة وكمعيار مهم للنظام الديمقراطي .. بعد ذلك عليه أن يستقيل من رئاسة حزبه ، لإتاحة الفرصة أمام عنصر جديد ليتولى هذا المنصب ويخوض المعركة الإنتخابية من جديد ، حيث تحدد نسبة نجاحه ، كمية ونوعية ومدى نجاح القرارات المتخذه خلال فترة حكم الحزب ، ونوعية الإنجازات المتحققة على صعيد المصلحة العامة في كافة نواحيها ، ومصلحة الدولة العليا من خلال سياستها الخارجية .

ماعدا هذه الأنواع الثلاثة ، فإنه توجد هناك بعض الأنظمة ( المرقّعة ) من هذا النظام أو ذاك ، حتى لو أطلقت على نفسها مسمى النظم الديمقراطية .. ومنها ماهو شاذ عن الجميع كالنظام العراقي ، في الوقت الحاضر .. والذي ولد ولادة مشوهة بعد غياب نظام الحزب الواحد والسلطة الدكتاتورية (...)

ماهو واقع النظام العراقي ..؟

ـ رئيس جمهورية معيّن بموجب نظام المحاصصة الطائفية .
ـ رئيس وزراء منتخب وفق نفس النظام الطائفي ، وعلى أساس أغلبية أصوات التكتلات السياسية.
ـ مجلس نيابي منتخب وفق أسس الكتل السياسية والتحالفات .

الملاحظة الأولى على هذه التشكيلة .. أنه في النظام الرئاسي الجمهوري يتم إنتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرةً ، بعد أن يكون قد أُنتُخب من قبل حزبه لترأسه ، كما في اميركا وأوربا ( عدا الأنظمة الملكية ) ، وفي بقية دول العالم حتى في تلك التي تصنف تحت مسمى ( دول العالم الثالث ) !
ثم يقوم الرئيس ، بتعيين رئيس الوزراء ، حيث يشكل هذا الأخير حكومته من الأغلبية .. وتعرض على رئيس الجمهورية !
الحالة في النظام العراقي فيما يتعلق بهذه الناحية ، حالة فريدة من نوعها .. فهي لاتندرج تحت صفة النظام الرئاسي ، والعراق دستورياً هو نظام جمهوري .. ولكن .. رئيس الجمهورية معيّن في منصبه
كما أنه لايمتلك صلاحية تسمية رئيس الوزراء ، كالنظم الجمهورية أو الملكية الأخرى !

وإذا ماإنتقلنا الى مجلس النواب ، فنرى أن نظام الإنتخابات ، أو قانون الإنتخابات ، هو أيضاً غريب من نوعه .. حيث يتم التصويت من قبل الشعب لكتل أو تحالفات سياسية ( ألإئتلاف العراقي الموحد ، التحالف الكردستاني ، جبهة التوافق ، حركة الوفاق .. وهكذا ) ، وقد وضع رقم يمثل كل فئة من هذه الفئات ، فيكفي الناخب أن يسجل رقم 555 ، كما حدث في الإنتخابات الأخيرة ، ليذهب صوته الى الإئتلاف ..! وقد لعبت الفتاوى الدينية كما هو معروف دوراً في حرف مسار التصويت ، واللعب بعقول البسطاء من الناس والذين يطلقون عليهم العامة لتمييزهم عن الخاصة أصحاب العمائم ..!

أما في ظل النظم الديمقراطية ، فالعملية على العكس تماما ً ، والمعروف أن هذه النظم لم تأتي من فراغ ، أو بتجربة بسيطة ، بل هي نتاج حضاري لعقود إن لم نقل قرون من الزمن !
في هذه النظم ، يتم الترشيح لمقاعد البرلمان بأسماء أشخاص ينتمون الى أحزاب سياسية ، أو أشخاص مستقلين ، وذلك كل عن دائرته الإنتخابية الجغرافية . وبنتيجة فرز الأصوات فإن الحزب الذي يحصل مرشحيه على النسبة الأعلى ، يكون هو حزب الأكثرية ، والذي سيقوم بتشكيل الحكومة
حيث سيتولى رئيسه منصب رئيس الوزراء .. أما بقية الأشخاص المنتخبين ، فسوف يكونون أعضاء في البرلمان يمثلون أحزابهم أو أنفسهم كمستقلين وفي جانب المعارضة ، ولهم تأثيرهم الفاعل على القرارات المتخذة ، أو محاسبة الحكومة على سياستها ، يعني ليس فقط رفع الأيدي ..!

إذن ، أين يقف النظام العراقي ..؟
رئيس جمهورية غير منتخب ولانعرف من المسؤول عن تعيينه دستورياً ..! فإن قلنا أنه رئيس الوزراء هو مَن يعينه ، فإننا نكون قد قلبنا المعادلة الدستورية في النظم الجمهورية الرئاسية ، وإن لم يكن رئيس الوزراء ، فمن المسؤول إذن ..!؟
أما رئيس وزراء فيمثل كتلة سياسية أو مجموعة كتل أطلق عليها الإئتلاف يجمع بينها تحالف مذهبي وعرقي ..!
أما البرلمان فأعضاؤه من الكتل كالإئتلاف وغيره ، والتيارات السياسية كما في حالة التيار الصدري وغيره ، فيصبح فلان النائب عن التحالف الفلاني ، وعلان النائب عن التيار العلاني ..!

وإذا ما أضفنا الى كل ذلك ، التوزيع الطائفي والعرقي للمناصب الرسمية من قمة الهرم نزولاً الى قواعده ، لوجدنا حجم الكارثة في فوضوية النظام السياسي العراقي وعدم إستقراره . لرئيس الدولة نائبان ، أحدهما عربي سني والآخر عربي شيعي ( تقسيم طائفي ومذهبي ) ، ولرئيس الوزراء نائبان أحدهما عربي والآخر كردي ( تقسيم عرقي وقومي ) ، رئيس الجمهورية نفسه كردي ، في حين رئيس الوزراء شيعي ، ورئيس البرلمان سني ..
الوزارات السيادية أو المهمة ، مقسّمة هي الأخرى بنفس الطريقة ، الداخلية والنفط والمالية وزراء شيعة ، الخارجية وزير كردي ، والدفاع وزير سني .. وبقية الوزارات وُزعت حقائبها بطريقة مشلبهة .. فأصبحت هذه الوزارة شيعية ، وتلك سنية ، والثالثة كردية ، والأخرى مسيحية .. ويشغل فيها أبناء الطائفة او المذهب او الدين أكثر المناصب من وكلاء الوزارات نزولاً الى المدراء العامين والى الكوادر الأخرى ..
لقد أصبح الحديث الآن عن تشكيل حكومة ( وحدة وطنية ) أو ( حكومة تكنوقراط ) ، ضرب من الهراء حتى لو حدث ذلك ، بسبب التغلغل والسيطرة الطائفية والعرقية في كيانات الوزارات نفسها وفي دوائرها ، حتى تلك التي خارج العراق كالسفارات ..!!
وعلى ذكر السفارات ، أتحدى كل من يقدم لنا إحصائية عن موظفي سفاراتنا في الخارج ، لكي نرى نسبة الأكراد فيها قياساً الى العرب السنة أو الشيعة ..!

كيف وصلنا الى هذا الواقع ..؟

لم يكن تكريس هذا النظام المشوه من قبيل الصدفة ، أو بسبب الصراعات ، أو بسبب نقص التجربة السياسية ، كما قد يتصور البعض ، مع ماكان لهذه العوامل من تشجيع على الإنحراف .
السبب هو أن مركز القرار كان ولايزال بيد سلطة الإحتلال ، التي بدأت بالحاكم المدني الأمريكي ، ثم إنتقلت الى السفير الأمريكي .. وهؤلاء جميعاً على إدراك تام بما يعنيه النظام السياسي الديمقراطي وكيفية العمل تدريجياً على تطبيقه فيما لو صحت وتوفرت النيات الصادقة لديهم لتحويل العراق الى بلد ذي نظام ديمقراطي ، كما يعلنون ويصرحون ، المرة بعد الأخرى ..
إنه فقط كلام للإستهلاك المحلي ، وحقن تخدير لتمرير المخططات ..!

الأهم ، هو أن مهمة الإحتلال لاتتضمن إصلاح النظام السياسي العراقي ، لامن قريب ولا من بعيد ، بل أنه خارج أجندتها السياسية المحددة والمرسومة بعناية ، وذلك من منطلقين أساسيين :

الأول : تحقيق الهدف الأبعد من إحتلال العراق عسكرياً .
والثاني : هو مبدأ صهيوني قديم تم تكريسه منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 ، يقوم على عدم السماح بقيام أي نظام عربي ديمقراطي متكامل ، وأن تبقى إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ، ومركز الثقل فيها في قاموس السياسة الدولية ..!

وقبل مناقشة ذلك بالتفصيل ، لابد لنا من إستعراض سريع لما تم منذ 9 /4 / 2003 ، في الجانب السياسي فقط ، حتى يومنا هذا :

ـ الإحتلال العسكري للعراق .
ـ تعيين حاكم ( مدني ) أمريكي .
ـ إبتكار نظام مجلس الحكم .
ـ تعيين رئيس وزراء إنتقالي وإفشاله بعد ذلك .
ـ تشريع قانون غريب للإنتخابات .
ـ الوصول الى الوضع الحالي لنظام الحكم .

ولا أعتقد أننا بحاجة الى الكثير من التفاصيل لإستعراض هذه النقاط منذ اليوم الأول للإحتلال .. ولكن بالوقوف عند النقطة الأخيرة ، نجد أن العراق قد دخل في دائرة مغلقة ، أصبح من الصعب معها إجراء أي إصلاح جذري .. وسيكون البلد محظوظاً ، لو إستطاع تحقيق مجرد ترميم إصلاحي وفي واقع الأمر فإن ماكانت تهدف اليه الإدارة الأمريكية هو الوصول الى هذه النتيجة وفي هذه المرحلة .. ولايجب أن نتصور أن الظروف الطارئة على الموقف السياسي ، قد أجبرت الأمريكان على إتخاذ ماإتخذته ولأسباب خارجة عن إرادتها .. لأن مثل هذا التصور لايعدو أن يكون طفولة وسذاجة سياسية .. فالخطة موضوعة بتفاصيلها إبتداءاً ، وقد تم إحتساب كافة الإحتمالات ، حتى تلك غير المتوقعة ، وهذا هو حال السياسة العالمية دائماً .
إن أي تصور من هذا القبيل ، هو كمن يريد أن يبرئ ساحة أمريكا من جرائمها .. وتصريحات منفذ الحرب ومجرمها الأول جورج دبليو بوش ، عادة ماتأخذ هذا المنحى ، في إلقاء تبعات نشر الغسيل الوسخ على الآخرين ، وإعاقتهم خلق العراق الديمقراطي الحر الموحد ..!!!


لماذا إذن إختارت أميركا الطريق الصعب ..؟


هل هي فعلاً قد إختارت الطريق الصعب ..؟ أم الأصح أنها قد إختارت الطريق الذي يوصل الى الهدف الصعب ؟
هذا هو منطق وحصاد الخطوات الأمريكية منذ اليوم الأول لدخولها الى العراق ، حيث تحول من دولة مستقلة الى دولة محتلة ..!

عندما قرر بول بريمر تقليعة وموضة مجلس الحكم ، كان يعرف ماذا يفعل وبالتحديد .. لأنه لو كان مخلصاً في خلق قيادة مرحلية للعراق لكي تنقله الى النظام الجديد ( الديمقراطي ) ، لكان فعل ذلك منذ اليوم الأول لتسلمه إدارة العراق ، وذلك عن طريق مجلس رئاسي مثلاً من ذوي الشأن في العراق الجديد ليخرج بقرارات جماعية متكافئة تكفل مصالح كافة شرائح الشعب العراقي .. ولما قام بحل الجيش العراقي الرسمي والشرعي ، ليخلق حالة العداء والمقاومة المسلحة ، وإختلاط الحابل بالنابل كما يقال بإنضواء أعضاء من المليشيات كفيلق بدر ، والمهدي ، والبيشمركة ، الى الجيش والشرطة العراقية ( الجديدين ) ، ومنحهم الرتب العسكرية العشوائية وكذلك المناصب العسكرية !

إن تأريخ العراق وغيره من دول المنطقة ، يعرف تجربة سابقة من تجارب الإحتلال من قبل الدول الكبرى ، وكانت من أهمها آنذاك بريطانيا وفرنسا ، ففي فترة ( حكومات الإنتداب ) وحكم ( المندوب السامي ) طبقت تلك التجارب مرحلياً وانتهت لصالح المحتلين ، ومن غير المعقول أن تكون أميركا على جهل بالتجربة البريطانية التي سبقت إستقلال دول المنطقة ، ومن ثم خلق النظام الحليف لها .. ولا أن تغفل بريطانيا ، وهي الشريك الأساسي في جريمة غزو العراق ، عن حث حليفتها الولايات المتحدة لتطبيق التجربة السابقة . هذا إذا كان الغرض فعلاً هو خلق دولة جديدة ومستقرة لتخلف دولة ( الدكتاتورية والحزب الواحد ..!) .
لقد تم إحتلال العراق على أي حال ، وكان يجب أن تكون الخطوة التالية كسب الثقة ، وتحقيق الإستقرار .. لغرض جنيهم منافع الإحتلال .. أليس هكذا يقول المنطق ..؟

بريمر أراد أن يكرس مبدأ الطائفية والعرقية وتغذيته عندما إبتكر تجربة مجلس الحكم ورئاسته الدورية ولمدة شهر واحد لكل من أعضائه الذين يجمعهم المجلس وتفرقهم الطائفة والعرق ...!!
وبريمر ، أراد كسب الوقت ، أو بالتحديد منح الوقت والفرصة لوقوف التيارات المختلفة على أرجلها خلال تلك السنة التي إستغرقها نظام مجلس الحكم ، تمهيداً لبدء عملية الصراع والإقتتال فيما بينها !
وهذا فعلاً ماحدث ، حيث ظهرت خلال تلك السنة الميليشيات المسلحة المنتمية الى الأحزاب والطوائف وبدأت بتنظيم صفوفها ، وبدأنا نسمع عن فرق الموت التابعة لأحمد الجلبي ، وإختفائها بإختفائه من الساحة ..! ثم فسح المجال للأحزاب والتيارات الطائفية والعرقية بإنشاء التكتلات ، وإغماض العين عن حدود العراق للسماح بدخول المسلحين تحت مسميات مختلفة ، وبالطبع ، وكنتيجة لكل تلك التحديات وأولها الإحتلال ، ظهرت المقاومة العراقية المسلحة كحق طبيعي وشرعي .

محصلة خطة بريمر ، ومجلس الحكم ، كانت ذات هدفين مهمين :

ـ إعتماد المحاصصة الطائفية في أي حكومة مقبلة في العراق .. وهو ماحصل وبنجاح باهر ..!
ـ والأهم ، تثوير الفوضى داخل العراق ونموها ، لغرض تحقيق نظرية ( الفوضى الخلاقة ) التي وضعها كبار الصهاينة والمحافظين الجدد ، وحمل لواء تطبيقها في العراق ، بول وولفيترز ، دونالد رامسفيلد ، روبرت غيتس ، ثم زلماي خليل زاد .. وهذه ايضاً كانت خطوة مهمة لتحقيق سياسة بقاء الإحتلال .. لابل إنتقلت الحمى الى المسؤوليين العراقيين بالتوسل بالإحتلال للبقاء خوفاً من تدهور الوضع الأمني .! .
لقد نقلت الينا الأخبار مؤخراً ، أن عدد الجنود الأمريكيين سيرتفع بحلول تموز / يوليو من هذا العام الى 140 ألف ، أي بزيادة مقدارها 8000 جندي ( بهدف توفير الضمانات للمطالب الأمنية ...!!! )
وكثيراً مانسمع عن مداهمات واعتقالات وتحقيقات قام بها الجيش الأمريكي هنا وهناك .. وأتمنى أن أسمع يوماً تفاصيل هذه العمليات ونتائجها على لسان الأمريكان أو الحكومة ، لأعرف مايجري في بلدي كعراقي ..!

ماهو الهدف الصعب إذن ..؟

ببساطة ، هو تحقيق الوصول الى فكرة أو إستراتيجية ( الشرق الأوسط الجديد ) .. الصهيونية المنشأ ( راجع سلسلة مقالات للكاتب بعنوان ـ الشرق الأوسط ، قديمه وجديده ، معادلة واحدة بحلول مختلفة نشرت على ست حلقات إبتداءاً من 22/11/2006 ) .
ولكن .. كيف يمكن الوصول الى هذه الإستراتيجية عبر السياسة الأمريكية في العراق ..؟
في الحقيقة ، يكون السؤال أكثر دقةً ، لو قلنا السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ومن خلال إحتلال العراق ..
هنا علينا أن نعود الى المنطلقين اللذين أثرناهما تحت عنوان " كيف وصلنا الى هذا الواقع ..؟ "
ـ تحقيق الهدف من خلال الإحتلال العسكري للعراق :
إن مبررات الإحتلال قد وضعت قبل وقوعه بفترة طويلة ، وبنيت على أساس إعلامي نظري محض موجه للرأي العام ، يعلم أصحاب القرار ببطلانه ، وثبت زيفه خلال سنوات الحصار ، تلك هي فرضية أسلحة الدمار الشامل العراقية .. وتهديد صدام ( للأمن القومي الأمريكي والعالمي ! ) .. حتى لقد تحدث توني بلير نفسه في إحدى المناسبات ، عن إمكانية صدام بإطلاق صواريخه (عابرة القارات) ..! ، وأن تلك العملية سوف تستغرق حوالي 25 دقيقة ! ( حسب تقدير الخبراء .!! ) .
وعلى الرغم من عدم تأكيد وجود أي من هذه الأسلحة المدمرة على لسان خبراء هيئات التفتيش التابعة للأمم المتحدة ، بل وتصريح بعضهم ببطلانها .. إلا أن إدارة بوش ، أصرت على المضي قدماً لضرب العراق ، وحاولت أن تضفي الشرعية الدولية على الهجوم ، بأن جعلته يتم تحت مظلة الأمم المتحدة ، و ( قوات التحالف الدولية ) .
تبرر الإدارة الأمريكية الحرب ، للقضاء على تهديد صدام ( للأمن العالمي ) ، و ( تحرير ) الشعب العراقي ، و ( تطبيق الديمقراطية ) ، والقضاء على ( الدكتاتور ) !
هذا كله ، قد أثبت بعد خمس سنوات بطلانه ، وسيبقى كذلك ولو بعد خمسين سنة ..!

إذن ، هل هو لمجرد السيطرة على النفط العراقي وإحتياطاته الضخمة ..؟
بالطبع كلا .. مع أن هذا العامل مهم وحيوي لحكومات شركات النفط الأمريكية .
السبب ، أن النفط العراقي كان يباع أصلاً للولايات المتحدة وأوربا واليابان وروسيا والصين والشرق الأقصى .. أي لكافة الدول الصناعية بالدرجة الأولى .. ولم يكن سوق النفط العراقي في زمبابوي أو مدغشقر أو غانا أو بنغلاديش على سبيل المثال ! تماماً كما يباع نفط إيران والسعودية والخليج الى الدول الكبرى ، ولهذا لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً ، ولو بصورة شفوية ، عما كان يجري من سرقة الكويت لنفط حقول الرميلة الجنوبية ، وحتى ما تفعله إيران اليوم من سرقة نفط العراق من حقل مجنون فلا فرق لديهم من أين ياتي تصدير النفط اليهم ، مادامت الدول الكبرى هي من يتحكم بأسعاره ، وما دامت منظمة الأوبك وحكام الدول النفطية .. في جيب الغرب !

هناك عوامل أهم من النفط ، ومن صدام ، في إختيار العراق كهدف عسكري ، في مقدمتها مايتعلق بالمنطلق الثاني الذي سنأتي عليه وهو إسرائيل ! ولكون العراق ايضاً يمثل أرضاً خصبة للإحتلال نتيجة التركيبة الديموغرافية للسكان ، وخصوصاً ( المظلومين ) من الشيعة والأكراد ! الى جانب وجود عدد آخر من القوميات والطوائف .
لقد عملت سنوات التمهيد للحرب ، أي سنوات الحصار البالغة 13 عاماً ، على تفكيك اللحمة الإجتماعية للشعب العراقي ، ومنحت الأكراد وبدعم إسرائيلي مباشر من السير على طريق الإنفصال والإيحاء لهم وتشجيعهم على ذلك .. حتى اصبح العراق نموذجاً لإختياره من بين دول المنطقة لإحتلال أمريكي طويل الأمد !

ـ جميع المصطلحات البراقة التي أُطلِقت كمبررات لغزو العراق ، كما ذكرنا ، ماهي إلا حملة إعلامية لاغير .. فالموضوع العراقي أبعد من ذلك بكثير تاريخياً وآيديولوجيا !
العراق هدف يهودي ديني ، يرجع الى ماقبل الميلاد ، الى أيام الإمبراطوريتين الآشورية والبابلية ! ( راجع كناب " إتحاد ضد بابل " للكاتب الأميركي جون مولي ، الذي نشر عام 2005 .
Alliance Against Babylon , by John Mooley
وترجمة أهم فصوله من قبل الكاتب ، والتي نشرت على حلقات على هذه الصحيفة وبعنوان " من أجل بابل والتلمود ، تم ذبح العراق .. إبتداءاً من 20/4/2007 ) .

هذا أولاً ، وثانياً ، أن الغرب بشكل عام ، ومن منطلق صناعة القرار الإسرائيلي والنظرية الصهيونية ، ليس من مصلحتهم قيام نظام ديمقراطي حقيقي في أي دولة عربية .. وإلا إنتفى وجود دولة إسرائيل ، لأن النظام الديمقراطي ، والإنفتاح الإقتصادي الذي سيواكبه ، سوف يكون بمثابة كارثة على إسرائيل .. التي يتمسك الغرب وإسرائيل بمصطلح كونها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية ، لدرجة أصبحت معها كولاية أمريكية أو دولة من دول الإتحاد الأوربي في المنطقة العربية وسوف نتناول هذا الجانب تفصيلاً في الحلقة القادمة الخاصة بالجانب الإقتصادي من هذا الموضوع

وبالأخذ بهذين المنطلقين .. أي الإحتلال العسكري ، والتفوق الإسرائيلي ، تكون نظرية الشرق الأوسط الجديد ، قد وضعت أولى لبناتها على الخارطة السياسية .. ونلاحظ الآن الخط المتوازي الذي يسير عليه الوضع السياسي اللبناني مع المسار العراقي ، ولنفس السبب والهدف ، وذلك لوجود التشابه الديموغرافي والجغرافي بين البلدين .. شيعة في الجنوب في البلدين ، سنة وأكراد في شمال العراق ، وسنة ودروز في شمال لبنان ، أحزاب مسيحية علمانية ، وتيارات إسلامية ، إيران الى الشرق من العراق ، وسوريا الى الشرق من لبنان ..!! إضافة الى ماتشكله لبنان في حالة نهوضها من خطر إقتصادي على إسرائيل ، وكانت دائماً هدف للتدمير الإسرائيلي .. وهذا أيضاً ما سوف نتناوله في الحلقة القادمة ..!

وللتذكير فقط ، وبعجالة ، ما يعنيه مشروع الشرق الأوسط الجديد ، نقول ، أنه إعادة هيكلة معاهدة التقسيم الشهيرة ( سايكس ـ بيكو ) البريطانية ـ الفرنسية ، بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 .. وتقسيم الدول العربية كما هو وضعها الحالي على أساسها .
إعادة الهيكلة أو التقسيم وبموجب مشروع الشرق الأوسط الجديد ، يعني خلق دويلات جديدة تنفصل عن الدول الأم الحالية ، سمها إن شئت ، ( أقاليم ) أو ( ولايات) !! والعمل يجري حثيثاً من أجل ذلك في العراق ولبنان ، وفي السودان شماله وجنوبه ، وفي شمال أفريقيا حيث العرب والبربر وهكذا ..!

وبالعودة الى الوضع العراقي السياسي الحالي ، وقبل أن نختتم هذه الحلقة ، وبالإضافة الى ماتطرقنا اليه في بداية المقال حول الوضع الدستوري المشوه والمسخ للحكم العراقي في السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية .. والذي كان نتيجة طبيعية لوضع غير طبيعي ، وانعكست أثاره على المواطن العادي ، اي الشعب العراقي . يمكننا إختزال كل ذلك ، وبدون التطرق الى التفاصيل التي أصبحت معروفة وملموسة على أرض الواقع بما يلي :

ـ ظهور وتنامي قدرات الميليشيات العسكرية المسلحة والتي تنتمي الى أحزاب وجماعات وبالأخص تلك التي تحمل النفس الطائفي الديني .

ـ ظهور العصابات المسلحة الخارجة على القانون ، شانها شأن الميليشيات المسلحة ( راجع بعض مقالات الكاتب ، مثل سقوط الأقنعة / آب 2007 ، والنفط مقابل البقاء / نفس الشهر ، وغيرها على رابط مقالات علي الحمداني ، أسفل هذه الصفحة )

ـ إنقسام الدولة العراقية جغرافياً الى كتل ومجموعات طائفية وعرقية ، وبدء الدعوة الى تكريس هذا الإنقسام تحت مسميات الأقاليم ، على يد كتاب ومنظّرين ، كان آخر ما وقع عليه نظري ، مقالة طالب واعي الربيعي ، على صفحة كتابات بتاريخ 27/2 .. وبعنوان " دولة الجنوب القادمة .. حق مقدس " ، وقد سبقه كتاب أخرين هنا وهناك ، يمجدون أستقلال كوسوفو ، ويحاولون مقارنته بالعراق .. وللحق لم نسمع قائد كردي واحد دعا بصراحة الى الإستقلال لإقليم شمال العراق ، بالرغم من وجود هذا المبدأ لديهم والإيمان المطلق به بل يتبعون الأسلوب التكتيكي .. ، على عكس مايفعل بعض السياسيين الشيعة من أنصار الحكيم ، هذه الأيام ..! وخصوصاً بعد عودة الحكيم من واشنطن ، وإجتماعه العلني بالصهيوني " هنري كيسنجر " المنظّر السياسي الأمريكي المخضرم ووزير الخارجية الأسبق ..! . وقبل أيام جدد عمار الحكيم دعوته لذلك ، محاولاً التبرير بإبتسامته المعهودة أن ذلك سيحقق إستقرار العراق سياسياً وإقتصادياً ..!!!

ـ فقدان السيطرة المركزية للحكومة على هذه التجمعات أو ( الأقاليم ) ، بسبب الأحزاب والميليشيات والتكتلات والتيارات السياسية .. وفشلت حتى في فرض رفع العلم العراقي الرسمي الجديد في كل أنحاء العراق ( الديمقراطي الموحّد ) !

ـ ضعف الإدارة الحكومية ، بل وعجزها عن أداء مهامها كسلطة تنفيذية ، وقد فشلت وعلى مدى أشهر من إعادة تشكيل الوزارة ، أو حل مشاكل المجلس النيابي ، أو خلق التنسيق اللازم مع رئاسة الجمهورية ! ولعل أحد الأمثلة القريبة هو موضوع قانون إدارة المحافظات المعطل عن التصويت عليه .. السبب في ذلك هو نفوذ عبد العزيز الحكيم والدائرين في فلكه ، لأنه يعلم أنه لو أُقر القانون الآن لفقد سيطرته على جنوب العراق ، ولأصبحت دعوته الى إقليم الجنوب ليست في صالحه ولا في صالح إيران ..!

ـ توسع الهوة التي تفصل الشعب وإحتياجاته الضرورية عن الحكومة العراقية في المنطقة الخضراء!

ـ تحول النظام الدستوري العراقي الى مجرد هيكل مدون على الورق ، وتعطل أكثر بنوده عن التنفيذ!

ـ تحّول الهم الحكومي الحالي الى كيفية التمسك بالكراسي والى أي مدى وبأي ثمن ! حتى وهي لاتحظى بثقة البرلمان .. وهذا مسار أشبه مايكون بديكتاتورية تحبو في مرحلة الطفولة !

ـ أصبح العراق ، الساحة الفارغة التي تلعب عليها أطماع دول الجوار ، وتحت ذرائع وأعذار مختلفة ، ولكنها في واقع الحال ، تمثل إستراتيجية عمل منظم وبالتنسيق مع قوات الإحتلال ومع شخوص الحكومة العراقية المتشبثين بالبقاء ( راجع مقالات " سقوط الأقنعة " للكاتب ) .

كل هذه النقاط ، قد تفسر لنا ، وتجيب على السؤال : ( كيف وصلنا الى هذا الواقع ..؟ )
والآن الى أين تتجه بوصلة السياسة الدولية للمرحلة أو المراحل القادمة فيما يتعلق بالوضع السياسي العراقي الفريد من نوعه ..؟
وللبحث بقية ...

lalhamdani@yahoo.com

لمراجعة مقالات الكاتب ومدوناته ، يرجى الدخول على الرابط :

www.alialhamdani.blogspot.com

يرجى ملاحظة أن الموقع أعلاه تحت التحديث ، وسيأخذ بضعة أيام قبل تنزيل كافة المقالات .