صدمة الركابي .. وهستريا الناشرين
كتابات : علي الحمـــداني
تسنى لي خلال اسبوع واحد الوقوع على مقالين على صفحات جريدة ناشر واحد .
المقال الأول هو : " الطريق الجديد للمقاومة العراقية ، الصدمة وهستيريا الطائفيين " للسيد عبد الأمير الركابي .
والثاني هو تحقيق صحفي نقل عن جريدة ( نيويورك تايمز ) الأمريكية ، " الجهاديون والبعثيون يتوحدون لإحياء المقاومة العراقية "
أما الناشر فهو صحيفة ( القدس العربي ) التي تصدر في لندن والتي يملكها السيد عبد الباري عطوان .
المقال والتحقيق يلتقيان في أكثر من موضع من حيث المضمون ، ويختلفان من حيث الطرح .. والسبب واضح طبعاَ ، حيث أن المقال هو لكاتب عراقي له صولات وجولات في العمل السياسي على مدى حوالي أربعة عقود من الزمن .. فهو شيوعي إنشق عن الحزب وعمل ضمن المقاومة المسلحة لجناح الحزب الذي إنضم اليه وهو جناح ( عزيز الحاج ) في منطقة الأهوار جنوب العراق .. ثم بعد تهاوي تلك الحركة ، وظهور الحاج على شاشة تلفزيون بغداد ظهر هو في باريس ولم يكن وصوله الى هناك محض صدفة ، كما لم تكن أنشطته بالخافية ، أو على الأقل لاتخفى تفاصيلها على كاتب هذا المقال وبشكلها الدقيق ولكن سوف نترك ذلك لمناسبة أخرى لشرحها وبالأسماء إذا أضطررنا الى ذلك !
أما التحقيق فهو وجهة نظر أخذت بها النيويورك تايمز ونشرتها القدس العربي ، ولاغرابة في ذلك ، إلا من حيث التوقيت في النشر ، ووحدة الناشر !
السيد عبد الباري عطوان ، كناشر ومالك ورئيس تحرير صحيفة يومية لها ثقلها ، كما أن له وزنه الإعلامي المعروف ، ومواقفه على مدى سنوات من خلال كتاباته وإطلالاته من على شاشة قناة " الجزيرة " الإخبارية ، آثر أن ينتقل من المنطقة الرمادية التي وقف عليها طويلاً مابين الأسود والأبيض ليختار وبعناية الكتّاب والمواضيع التي يمتلك معظم أصحابها صفات وخلفيات معينة ، وتمتلك أقلامهم إهمال متعمد لتشخيص بعض مسببات المرض العراقي المزمن وفيروساته القادمة من شرقه ومحاولة غمط هذه الحقيقة أو على الأقل عدم التطرق لها والتركيز عليها في الوقت الحاضر لكي يقوم بالنشر لهم .!
لااعتراض ولا لوم عندي في كل ذلك فالرجل إعلامي معروف وله مطلق الحرية في اختيار مواضيع صحيفته مع أنني لاأستطيع أن أخفي استغرابي لهذا الخط في محاولة زرع الإحباط والتقليل من شأن المقاومة للمحتل الأجنبي الإيراني ـ الأمريكي للعراق ، وهو الرجل الفلسطيني الذي لاشك يعرف ماهو الإحتلال وماذا تعني المقاومة .. وقد تجشم يوماً عناء السفر و ( المخاطر ) ليذهب الى ( تورا بورا ) ويخرج لنا بتحقيق مصور مع (الشيخ) أسامة بن لادن في وقت كان الغرب يزمجر حقداً ضد الرجل و ( إرهابه ) .. ولم نكن يومها نعلم الكثير عن أن القاعدة ( صنعت في أميركا ) ! ولم نكن نعلم بالتأكيد أن إيران وفي ظل الإحتلال الأمريكي للعراق كانت الحاضنة للقاعدة .. ولكن هكذا هي سنة الحياة ، البعض يعلم والبعض لايعلم والبعض أرفع درجات في العلم فوق البعض الآخر !
يبدأ السيد عبد الأمير الركابي ، مقاله المذكور بعبارات لاأستطيع فهمها إلا بالإرتباك أو الإرباك ، على الرغم من الأسلوب الروائي الذي أضافه بين السطور للتحدث عن رحلته في ربوع الخالدية والترحاب والولائم التي أقيمت له ، ورتل السيارات الذي رافقه من الفلوجة الى الخالدية ، والبساتين واليوم الربيعي المشمس .. وكذلك عن ( الهلاهل ) والأهازيج التي استقبل بها أهالي بغداد عودة المهجرين الى مناطق سكناهم .. والمحبة والأخوة المتأججة بين الجميع !!
هذه العبارات وضعها وبذكاء ، أعترف له به ، في وسط المقال ولكن بعد أن تحدث لنا عن :
ـ دعوة القوى العراقية المعارضة للعودة الى العراق حيث طار صواب آل الحكيم والقيادة العنصرية الكردية !
ـ ومحاولة إجتذاب جلال الطالباني لمقتدى الصدر وإفزاعه من عودة البعث !
ـ زيارة هاشمي رفسنجاني الى العراق ، وهو من كان يعذب الأسرى العراقيين في الحرب العراقية الإيرانية !
كلام لاشك أنه مثير ، يفوح بالوطنية وهو يتصدر المقال يجر القارئ الى الرغبة في سبر أغوار السطور ، حيث ينتقل بعدها الى المستوى الآخر ليتحدث عن مَن هم خارج العراق ( تحديداً ) كما ذكر لنا :
( على المستوى الآخر خارج العراق تحديداً ، لم تكن ردود الأفعال منسقة أو ذات قيمة ، والذين بادروا الى الكتابة من منطلق الرفض والتجريح ، كانوا أفراداً غير مهمين وجهلة ، لايتميزون بالجدية أو الإعتبار ، ناهيك عن الأثر ، وعموماً فإن مواقفهم إتسمت بالهستيريا وبالتهجم الشخصي ولغة التسقيط والفبركات الساذجة التي إختص بها نفر من الأشحاص منذ زمن وأصبحوا معروفين من الجميع ومنبوذين يثيرون الإشمئزاز وهم اليوم ينحطون بالخطاب الأنترنيتي درجة أخرى تكشف عن حراجتهم وموتهم السريري ومن تجشموا عناء قراءتهم استغربوا لأي حد وصلت حالة هؤلاء وكيف تساقطوا نهائياً بحيث عالجوا قضية سياسية ومبادرة تستجلب إهتماماً واسعاً ومن كل الأطراف في الخارج والداخل بمثل هذا الأسلوب العبثي الدال على الإفلاس وعلى قوة المبادرة التي أرادوا تجريحها من دون أي فكرة أو معالجة عقلانية أو منطقية بمقابل ضعفهم وتهاوي منطقهم . )
نعم .. لقد تكلم الكثير من الكتاب العراقيين والمهتمين بالشأن السياسي وهم خارج العراق عن المصالحة الوطنية ، وأنا ، وبكل تواضع ، أحدهم ، تكلمت عن عدم جدوى دعوة المصالحة في ظل شكل سياسي مبني على المحاصصة الطائفية أو العرقية .. ولازلت أؤمن إيماناً نابعاً من حياة الفرد العراقي اليومية ومعاناته التي طالت ، أن المصالحة والمحاصصة ضدان لايمكن الجمع بينهما ، وأن مَن يريد المصالحة ويدعو لها ، عليه التخلي عن تقطيع أوصال اللحمة العراقية مابين سني وشيعي ، وعربي وغير عربي ، ومسلم وغير مسلم ، وشمالي وجنوبي ، وبعثي وغير بعثي .. وذلك في مؤسسات الدولة ومناصبها بدءاً من رئيس الجمهورية الى رئاسة الوزارة والوزارات ورئاسة البرلمان وأعضائه ونزولاً الى المؤسسات والدوائر الحكومية وعلى رأس ذلك قوى الجيش والشرطة والأمن !
هذه ، لم نراها حتى الآن .. ولئن إستجاب البعض ورزموا حقائبهم وسافروا من عمّان ولندن الى بغداد .. مما يعتبره الكاتب الفاضل عملاً إيجابياً ومشاركة كاملة ، أعتبره عملاً إنتهازياً تخلى أصحابه عن زعيقهم الوطني من أجل مصالح فردية وطمعاً في المزيد من الكعكة ، ولم ولن يغيّر عملهم ذاك من السياسة الخاطئة التي تنتهجها حكومة العراق ولن يصلحها ، وهم أول مَن يعرف ذلك .. ولا أشك أن السيد الركابي يعرفه ايضاً وهو يعيش المعترك السياسي منذ زمن طويل . ومن دون الدخول في تفاصيل وملابسات ذلك المعترك ، أقول هنا أنه ليس مَن كتبَ في ذلك هم من الجهلة وغير المهمين ويثيرون الإشمئزاز ومن الذين ماتوا سريريا أو سلكوا سلوكاً عبثياً أو أفلسوا سياسياً .. بل ربما تنطبق هذه الصفات على من يمجّد هذه الدعاوى ، أو يدفن رأسه في الرمال !
يحدثنا السيد الركابي ، عن مفهوم المقاومة الشاملة ، ومن يمجد البندقية ، وعن المشاركة الوطنية الشاملة التي واصل الإصرار على إعتبارها شرطاً للتحرير .. ونسي أنه كان أحد ممجدي البندقية في أهوار العراق .. وانشق مع عزيز الحاج ( جيفارا العراق !!) متهماً الأطراف الأخرى في الحزب الشيوعي العراقي من المشاركين في العملية الوطنية بالعمالة وبكافة النعوت الأخرى .. ولم يستطع وبعد كل هذه التجارب أن يضع الخط الفاصل بين مايعنيه المقاومين للإحتلال الأجنبي ، وبين من يحمل البندقية من ميليشيات السلطة وغير السلطة وأفراد القاعدة المدعومين من ايران ورجال الصحوة الذين وظّفهم الأمريكان لضرب هؤلاء ، وانعكاسات كل ذلك على الأرض والإنسان في العراق ووصولنا الى حالة الفوضى هذه والتي هي إفرازات نتنة لسياسة المحاصصة الطائفية وتقريب هذه الجهة وإبعاد تلك ، فخلط بين الإثنين ، المقاومة والعصابات الإجرامية .. ولاأعتقده من الغباء ليفعل ذلك عفوياً ، بل عهدنا به ذكياً ويعرف كيف يضع الحروف والنقاط ، لينال من الأولى أي المقاومة بحجة الثانية وهم عصابات الميليشيات .. ويستشهد بحسن نوياه في لقاءاته التلفزيونية بإندحار المشروع الإمبراطوري الأمريكي (!!)
وأخيراً ، والأغرب من كل الحديث المتضارب ، المرتبك والمربك ، يزيد السيد الركابي من تشويش الصورة أمام القارئ ليختتم مقاله بالقول :
( هنالك من يريدون تصوير موقفنا ومبادرتنا ، وكأنها تخالف مبدأ وحق المقاومة المسلحة للشعب العراقي ، وهذا جزء من التشويه الحاقد المعتاد ، ومحاولة لإظهار موقفنا وكأنه خروج من معسكر الداعين للمقاومة ، التي نؤمن قطعاً بأنها حق مقدس .. الأكثر قدسية منه كيف نحميه ونطوره لاكيف ندمره ونجبر الشعب وندفعه على النفور منه كما فعل هؤلاء الى أن اضطروا العراقيين اليوم وحملوهم عبء ابتكار وسائل اخرى للمقاومة تؤمن خروج المحتلين وجدها العراقيون في إستعادتهم الجبارة لوحدتهم الوطنية كركيزة للعمل المسلح المقاوم قبل ان يستعاد مرة اخرى على قاعدة وحدة وطنية راسخة لاتؤدي الى كارثة إحتراب طائفي كما حدث خلال الطور الماضي من تجربة المقاومة المسلحة . والشعوب خلال مسيرة تحررها تمر بمراحل وفترات من المقاومة تختلف عن بعضها وفقا للظروف واللحظة . والعراق سوف يطرد الإحتلال ويدحره بقوة تلاحم مجتمعه وارادته ، وموجة الحقد الحالية ضدنا لن تطول وسوف تتبدد قريبا لأنها صادرة عن موت من يشنونها ونهايتهم القريبة وإفلاسهم )
أنا شخصيا ، لم أستطع فهم العبارة الختامية هذه في مقال السيد الركابي وأترك ذلك للقراء .. وكل ماأراه أنه مرة أخرى يحاول خلط اوراق مقاومة المحتل مع بنادق من يمزق العراق بالإحتراب الطائفي ، ويحمل المقاومة المسلحة مسؤولية ذلك ( خلال الطور الماضي ) .. ولم أفهم ماذا قصد بكلمة
( ضدنا ) في عبارة ( موجة الحقد الحالية ضدنا ) ..؟
قد تكون هنالك مشاريع منوعة تطرح لإنقاذ العراق سواء مايستند منها على البندقية او على القلم وعلينا أن نحاول تفهمها وإغنائها مادامت تصدر عن جهات وطنية نظيفة التاريخ واليد ..ولكن الأهم من ذلك أن نقف لتمحيص نلك الدعوات وعن مصادرها ، وماذا يحدثنا تاريخهم السياسي .. فنوافق أو نرفض إنطلاقا من حسن النوايا والإخلاص في العمل وحب العراق ، لامن خبث العبارات المنمقة .
الحرباء قد تتلون .. ولكنها تبقى حرباء ، ولكن عندما يحاول الإنسان ذلك فإنه يفقد إنسانيته وإن تلون !
lalhamdani@rocketmail.com
كتابات : علي الحمـــداني
تسنى لي خلال اسبوع واحد الوقوع على مقالين على صفحات جريدة ناشر واحد .
المقال الأول هو : " الطريق الجديد للمقاومة العراقية ، الصدمة وهستيريا الطائفيين " للسيد عبد الأمير الركابي .
والثاني هو تحقيق صحفي نقل عن جريدة ( نيويورك تايمز ) الأمريكية ، " الجهاديون والبعثيون يتوحدون لإحياء المقاومة العراقية "
أما الناشر فهو صحيفة ( القدس العربي ) التي تصدر في لندن والتي يملكها السيد عبد الباري عطوان .
المقال والتحقيق يلتقيان في أكثر من موضع من حيث المضمون ، ويختلفان من حيث الطرح .. والسبب واضح طبعاَ ، حيث أن المقال هو لكاتب عراقي له صولات وجولات في العمل السياسي على مدى حوالي أربعة عقود من الزمن .. فهو شيوعي إنشق عن الحزب وعمل ضمن المقاومة المسلحة لجناح الحزب الذي إنضم اليه وهو جناح ( عزيز الحاج ) في منطقة الأهوار جنوب العراق .. ثم بعد تهاوي تلك الحركة ، وظهور الحاج على شاشة تلفزيون بغداد ظهر هو في باريس ولم يكن وصوله الى هناك محض صدفة ، كما لم تكن أنشطته بالخافية ، أو على الأقل لاتخفى تفاصيلها على كاتب هذا المقال وبشكلها الدقيق ولكن سوف نترك ذلك لمناسبة أخرى لشرحها وبالأسماء إذا أضطررنا الى ذلك !
أما التحقيق فهو وجهة نظر أخذت بها النيويورك تايمز ونشرتها القدس العربي ، ولاغرابة في ذلك ، إلا من حيث التوقيت في النشر ، ووحدة الناشر !
السيد عبد الباري عطوان ، كناشر ومالك ورئيس تحرير صحيفة يومية لها ثقلها ، كما أن له وزنه الإعلامي المعروف ، ومواقفه على مدى سنوات من خلال كتاباته وإطلالاته من على شاشة قناة " الجزيرة " الإخبارية ، آثر أن ينتقل من المنطقة الرمادية التي وقف عليها طويلاً مابين الأسود والأبيض ليختار وبعناية الكتّاب والمواضيع التي يمتلك معظم أصحابها صفات وخلفيات معينة ، وتمتلك أقلامهم إهمال متعمد لتشخيص بعض مسببات المرض العراقي المزمن وفيروساته القادمة من شرقه ومحاولة غمط هذه الحقيقة أو على الأقل عدم التطرق لها والتركيز عليها في الوقت الحاضر لكي يقوم بالنشر لهم .!
لااعتراض ولا لوم عندي في كل ذلك فالرجل إعلامي معروف وله مطلق الحرية في اختيار مواضيع صحيفته مع أنني لاأستطيع أن أخفي استغرابي لهذا الخط في محاولة زرع الإحباط والتقليل من شأن المقاومة للمحتل الأجنبي الإيراني ـ الأمريكي للعراق ، وهو الرجل الفلسطيني الذي لاشك يعرف ماهو الإحتلال وماذا تعني المقاومة .. وقد تجشم يوماً عناء السفر و ( المخاطر ) ليذهب الى ( تورا بورا ) ويخرج لنا بتحقيق مصور مع (الشيخ) أسامة بن لادن في وقت كان الغرب يزمجر حقداً ضد الرجل و ( إرهابه ) .. ولم نكن يومها نعلم الكثير عن أن القاعدة ( صنعت في أميركا ) ! ولم نكن نعلم بالتأكيد أن إيران وفي ظل الإحتلال الأمريكي للعراق كانت الحاضنة للقاعدة .. ولكن هكذا هي سنة الحياة ، البعض يعلم والبعض لايعلم والبعض أرفع درجات في العلم فوق البعض الآخر !
يبدأ السيد عبد الأمير الركابي ، مقاله المذكور بعبارات لاأستطيع فهمها إلا بالإرتباك أو الإرباك ، على الرغم من الأسلوب الروائي الذي أضافه بين السطور للتحدث عن رحلته في ربوع الخالدية والترحاب والولائم التي أقيمت له ، ورتل السيارات الذي رافقه من الفلوجة الى الخالدية ، والبساتين واليوم الربيعي المشمس .. وكذلك عن ( الهلاهل ) والأهازيج التي استقبل بها أهالي بغداد عودة المهجرين الى مناطق سكناهم .. والمحبة والأخوة المتأججة بين الجميع !!
هذه العبارات وضعها وبذكاء ، أعترف له به ، في وسط المقال ولكن بعد أن تحدث لنا عن :
ـ دعوة القوى العراقية المعارضة للعودة الى العراق حيث طار صواب آل الحكيم والقيادة العنصرية الكردية !
ـ ومحاولة إجتذاب جلال الطالباني لمقتدى الصدر وإفزاعه من عودة البعث !
ـ زيارة هاشمي رفسنجاني الى العراق ، وهو من كان يعذب الأسرى العراقيين في الحرب العراقية الإيرانية !
كلام لاشك أنه مثير ، يفوح بالوطنية وهو يتصدر المقال يجر القارئ الى الرغبة في سبر أغوار السطور ، حيث ينتقل بعدها الى المستوى الآخر ليتحدث عن مَن هم خارج العراق ( تحديداً ) كما ذكر لنا :
( على المستوى الآخر خارج العراق تحديداً ، لم تكن ردود الأفعال منسقة أو ذات قيمة ، والذين بادروا الى الكتابة من منطلق الرفض والتجريح ، كانوا أفراداً غير مهمين وجهلة ، لايتميزون بالجدية أو الإعتبار ، ناهيك عن الأثر ، وعموماً فإن مواقفهم إتسمت بالهستيريا وبالتهجم الشخصي ولغة التسقيط والفبركات الساذجة التي إختص بها نفر من الأشحاص منذ زمن وأصبحوا معروفين من الجميع ومنبوذين يثيرون الإشمئزاز وهم اليوم ينحطون بالخطاب الأنترنيتي درجة أخرى تكشف عن حراجتهم وموتهم السريري ومن تجشموا عناء قراءتهم استغربوا لأي حد وصلت حالة هؤلاء وكيف تساقطوا نهائياً بحيث عالجوا قضية سياسية ومبادرة تستجلب إهتماماً واسعاً ومن كل الأطراف في الخارج والداخل بمثل هذا الأسلوب العبثي الدال على الإفلاس وعلى قوة المبادرة التي أرادوا تجريحها من دون أي فكرة أو معالجة عقلانية أو منطقية بمقابل ضعفهم وتهاوي منطقهم . )
نعم .. لقد تكلم الكثير من الكتاب العراقيين والمهتمين بالشأن السياسي وهم خارج العراق عن المصالحة الوطنية ، وأنا ، وبكل تواضع ، أحدهم ، تكلمت عن عدم جدوى دعوة المصالحة في ظل شكل سياسي مبني على المحاصصة الطائفية أو العرقية .. ولازلت أؤمن إيماناً نابعاً من حياة الفرد العراقي اليومية ومعاناته التي طالت ، أن المصالحة والمحاصصة ضدان لايمكن الجمع بينهما ، وأن مَن يريد المصالحة ويدعو لها ، عليه التخلي عن تقطيع أوصال اللحمة العراقية مابين سني وشيعي ، وعربي وغير عربي ، ومسلم وغير مسلم ، وشمالي وجنوبي ، وبعثي وغير بعثي .. وذلك في مؤسسات الدولة ومناصبها بدءاً من رئيس الجمهورية الى رئاسة الوزارة والوزارات ورئاسة البرلمان وأعضائه ونزولاً الى المؤسسات والدوائر الحكومية وعلى رأس ذلك قوى الجيش والشرطة والأمن !
هذه ، لم نراها حتى الآن .. ولئن إستجاب البعض ورزموا حقائبهم وسافروا من عمّان ولندن الى بغداد .. مما يعتبره الكاتب الفاضل عملاً إيجابياً ومشاركة كاملة ، أعتبره عملاً إنتهازياً تخلى أصحابه عن زعيقهم الوطني من أجل مصالح فردية وطمعاً في المزيد من الكعكة ، ولم ولن يغيّر عملهم ذاك من السياسة الخاطئة التي تنتهجها حكومة العراق ولن يصلحها ، وهم أول مَن يعرف ذلك .. ولا أشك أن السيد الركابي يعرفه ايضاً وهو يعيش المعترك السياسي منذ زمن طويل . ومن دون الدخول في تفاصيل وملابسات ذلك المعترك ، أقول هنا أنه ليس مَن كتبَ في ذلك هم من الجهلة وغير المهمين ويثيرون الإشمئزاز ومن الذين ماتوا سريريا أو سلكوا سلوكاً عبثياً أو أفلسوا سياسياً .. بل ربما تنطبق هذه الصفات على من يمجّد هذه الدعاوى ، أو يدفن رأسه في الرمال !
يحدثنا السيد الركابي ، عن مفهوم المقاومة الشاملة ، ومن يمجد البندقية ، وعن المشاركة الوطنية الشاملة التي واصل الإصرار على إعتبارها شرطاً للتحرير .. ونسي أنه كان أحد ممجدي البندقية في أهوار العراق .. وانشق مع عزيز الحاج ( جيفارا العراق !!) متهماً الأطراف الأخرى في الحزب الشيوعي العراقي من المشاركين في العملية الوطنية بالعمالة وبكافة النعوت الأخرى .. ولم يستطع وبعد كل هذه التجارب أن يضع الخط الفاصل بين مايعنيه المقاومين للإحتلال الأجنبي ، وبين من يحمل البندقية من ميليشيات السلطة وغير السلطة وأفراد القاعدة المدعومين من ايران ورجال الصحوة الذين وظّفهم الأمريكان لضرب هؤلاء ، وانعكاسات كل ذلك على الأرض والإنسان في العراق ووصولنا الى حالة الفوضى هذه والتي هي إفرازات نتنة لسياسة المحاصصة الطائفية وتقريب هذه الجهة وإبعاد تلك ، فخلط بين الإثنين ، المقاومة والعصابات الإجرامية .. ولاأعتقده من الغباء ليفعل ذلك عفوياً ، بل عهدنا به ذكياً ويعرف كيف يضع الحروف والنقاط ، لينال من الأولى أي المقاومة بحجة الثانية وهم عصابات الميليشيات .. ويستشهد بحسن نوياه في لقاءاته التلفزيونية بإندحار المشروع الإمبراطوري الأمريكي (!!)
وأخيراً ، والأغرب من كل الحديث المتضارب ، المرتبك والمربك ، يزيد السيد الركابي من تشويش الصورة أمام القارئ ليختتم مقاله بالقول :
( هنالك من يريدون تصوير موقفنا ومبادرتنا ، وكأنها تخالف مبدأ وحق المقاومة المسلحة للشعب العراقي ، وهذا جزء من التشويه الحاقد المعتاد ، ومحاولة لإظهار موقفنا وكأنه خروج من معسكر الداعين للمقاومة ، التي نؤمن قطعاً بأنها حق مقدس .. الأكثر قدسية منه كيف نحميه ونطوره لاكيف ندمره ونجبر الشعب وندفعه على النفور منه كما فعل هؤلاء الى أن اضطروا العراقيين اليوم وحملوهم عبء ابتكار وسائل اخرى للمقاومة تؤمن خروج المحتلين وجدها العراقيون في إستعادتهم الجبارة لوحدتهم الوطنية كركيزة للعمل المسلح المقاوم قبل ان يستعاد مرة اخرى على قاعدة وحدة وطنية راسخة لاتؤدي الى كارثة إحتراب طائفي كما حدث خلال الطور الماضي من تجربة المقاومة المسلحة . والشعوب خلال مسيرة تحررها تمر بمراحل وفترات من المقاومة تختلف عن بعضها وفقا للظروف واللحظة . والعراق سوف يطرد الإحتلال ويدحره بقوة تلاحم مجتمعه وارادته ، وموجة الحقد الحالية ضدنا لن تطول وسوف تتبدد قريبا لأنها صادرة عن موت من يشنونها ونهايتهم القريبة وإفلاسهم )
أنا شخصيا ، لم أستطع فهم العبارة الختامية هذه في مقال السيد الركابي وأترك ذلك للقراء .. وكل ماأراه أنه مرة أخرى يحاول خلط اوراق مقاومة المحتل مع بنادق من يمزق العراق بالإحتراب الطائفي ، ويحمل المقاومة المسلحة مسؤولية ذلك ( خلال الطور الماضي ) .. ولم أفهم ماذا قصد بكلمة
( ضدنا ) في عبارة ( موجة الحقد الحالية ضدنا ) ..؟
قد تكون هنالك مشاريع منوعة تطرح لإنقاذ العراق سواء مايستند منها على البندقية او على القلم وعلينا أن نحاول تفهمها وإغنائها مادامت تصدر عن جهات وطنية نظيفة التاريخ واليد ..ولكن الأهم من ذلك أن نقف لتمحيص نلك الدعوات وعن مصادرها ، وماذا يحدثنا تاريخهم السياسي .. فنوافق أو نرفض إنطلاقا من حسن النوايا والإخلاص في العمل وحب العراق ، لامن خبث العبارات المنمقة .
الحرباء قد تتلون .. ولكنها تبقى حرباء ، ولكن عندما يحاول الإنسان ذلك فإنه يفقد إنسانيته وإن تلون !
lalhamdani@rocketmail.com