الإصلاح السياسي في العراق ..
إلغاء المحاصصة قبل طلب المصالحة
كتابات : علي الحمـــداني
يبدو لأي مراقب سياسي منصف ، أن الوضع السياسي العراقي وما يعانيه من مشاكل مستعصية ونحن على أعتاب السنة السابعة من إحتلال العراق وتغيير نظامه السياسي ، لايزال يزداد تعقيداً ، أو على أقل تقدير، لايزال يعاني من الدوران داخل دائرة مغلقة ، على الرغم من كل مانسمعه من تصريحات لكبار المسؤولين ، وما نلاحظه من تحركات سياسية مكثفة لاسيما بعد تغير الإدارة الأمريكية والتي لم تتعدى القرارات والتصريحات التي أعلنها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما حدود الوهم إن لم أقل التضليل في الإيحاء بأن رياح التغيير الرطبة قد بدأت بالهبوب على العراق بعد رياح ساخنة وعواصف غبراء دمرت أرض العراق وماعليها من حرث ونسل . ولعل من أبرز تلك القرارات الشبحية هي الإعلان عن انسحاب عسكري أمريكي وتحديد تواريخ ذلك الإنسحاب ، الأمر الذي إعتبرته السلطة العراقية في بغداد نصراً مؤزراً وقطاف لثمرة جهودها في عراق جديد لم يشهد مثله العراقيون على مدى عقود بل ربما مئات السنين . وتناولت ذلك أقلام الكتّاب والإعلاميين بالمدح والإطراء ، إما عن سذاجة في رؤية الحدث السياسي وتحليله أو لتحويله الى بضاعة غامضة المواصفات ولكن يجب أن يتم تسويقها بعد أن تم دفع ثمنها مقدماً، وذلك من خلال صفحات الصحف التي تملأ الأكشاك أو تلك التي تقرأ على شاشات الكومبيوتر أو تلك التي تنقلها الينا بالصوت والصورة شاشات الفضائيات مصحوبة بحماسة وزعيق البعض في الندوات الحوارية التي أصبحت هي الأخرى بحد ذاتها بضاعة ناجحة تستقطب المشاهد ويتم الكسب من خلالها من قبل أصحاب ومالكي تلك الفضائيات !
إنطلق البعض من فرسان هذا الإعلام المضلل عائداً الى العراق ، تاركاً وراءه ( وطنيته ) ، للمشاركة في العملية السياسية ..!! وحزم البعض حقائبهم في سفرات سريعة الى دول الذهب والعقال الأسود ..!! وتغيرت نبرات من بقي منهم بالرموت كونترول من دعم للمالكي الى ذمّه ، أو العكس ..!! ومنهم من بقي مذبذباً بين ذلك ، لاالى هؤلاء ولا الى هؤلاء ، كما أطلق القران الكريم على المتلونين والمنافقين !
هؤلاء جميعاً لايكادون يشكلون في حقيقة الأمر ولاحتى قطرة من بحر معاناة ومشاكل العراق والعراقيين ، وحكومة بغداد تعلم ذلك ولكنها تحاول إستثماره ككسب إعلامي يسوّق في الشارع العراقي .. السبب ، أولاً لعدم أهميتهم كأشخاص ، وثانياً لتحولهم من دعاة سياسة الى تجار سياسة فالتقوا بذلك مع لصوص العملية السياسية داخل العراق وأصبحوا شركاء في الدولار الأمريكي بعد أن كانوا قد أوحوا لنا أنهم شركاء في العمل على حل المحنة العراقية وتخليص العراق من الإحتلال وسياسته ، والتي هي في واقع الحال لم تتغير جوهرياً حتى لو أبدلت جلدها كالأفعى ، وهم أدرى بذلك .
شهد العراق ضمن هذه الخطط الجديدة زيارات رسمية مكثفة ، من غيتس الى براون الى ساركوزي ، ومن رفسنجاني ولارنجاني الى عبد الله غول ، ومن عمرو موسى الى ولي عهد دولة الإمارات وغيره من شيوخ الخليج .. في وقت لم يتوقف رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقي من القيام بزيارات رسمية الى العديد من الدول ، لم نشهدها على مدى ست سنوات ، أو على الأقل على عهد الحكومة الرابعة !
صاحبَ كل ذلك خلق الأزمات الداخلية بين أطراف مايسمى بالعملية السياسية في العراق ، ولا أتصور على الإطلاق أن تبلغ السذاجة بأي شخص لكي لايعلم أن قيادات الأطراف المتنازعة جميعهم يشربون من نفس النبع الأمريكي لكي يستطيعوا البقاء على قيد الحياة السياسية .
حكومة بغداد وحكومة الإقليم الكردي شمال العراق .. وخلافات مواد الدستور ونفط كركوك وأراضي الموصل وديالى !
الإئتلاف الشيعي الحاكم والمضاربات التي وصلت حد الضرب تحت الحزام !
الغيوم التي بدأت تتجمع وتصبح أكثر سواداً بين الطالباني والبرزاني والتي بدأ بعضها واضحاً في فضائح الفساد المالي داخل الإتحاد الوطني الكردستاني وما صاحبها من إنشقاقات داخلية .. ومشكلة حزب العمل الكردستاني للأكراد الأتراك في شمال العراق ورفضه دعوة الطالباني بإلقاء السلاح أو مغادرة العراق والتي تضمنتها كلمته في بغداد أمام عبد الله غول الرئيس التركي بصفته رئيس جمهورية العراق وقد أتى الرفض على الفور والسيد غول لايزال في العراق !!
تعليق نتائج إنتخابات بعض المحافظات ، والتي يفترض أنها كانت ممارسة ديمقراطية ، وعدم تنفيذ تلك النتائج على أرض الواقع في تشكيل مجالس المحافظات وتعيين المحافظين ، وكما حدث في نينوى وكربلاء على سبيل المثال .. الأولى بسبب النفوذ العنصري ، والثانية بسبب النفوذ الطائفي !
الصراع بين أطراف التسييس الشيعي الإيراني والشيعة العرب العراقيين في محافظات الجنوب ، أي صراع الإحتلال بإسم الدين والطائفة مع الوطنية والعشائرية والطائفية المذهبية غير المسيسة .
أضف الى كل ذلك تفاقم الفساد الإداري والسياسي والمالي والقضائي في مؤسسات الدولة وبعض شخوص النظام في دولة يطلق عليها تجنياً دولة مؤسسات !
وأضف الى ذلك أيضاً عدم تقدم الخدمات العامة للمواطن العراقي خطوة واحدة الى الأمام إلا من خلال الجعجعات الإعلامية !
والآن ، وبالعودة الى إعلان الإنسحاب العسكري الأمريكي من العراق ، والذي رُفِعَ كراية النصر من قبل حكومة بغداد ، وهي أدرى بأبعاد مايعنيه هذا الإنسحاب وفي مقدمتها من وجهة النظر العسكرية أنه لايعدو أكثر من عملية إعادة إنتشار القوات المحتلة بعد سحب بعضها في الموعد المحدد إنْ حدث ذلك للخروج من شوارع المدن العراقية الى القواعد العسكرية الأمريكية على أرض العراق ، تماماً كما حدث في إنسحاب بعض المستشارين الأمريكيين الذين تولوا مهمة إدارة الوزارات العراقية في عهد بريمر ومجلس الحكم الى السفارة الأمريكية في بغداد بعد ذلك والتي تعد الأكبر والأهم في منطقة الشرق الأوسط ! وبعد أن تم ضمان كافة الإتفاقات والإتفاقيات السياسية والإقتصادية وفي مقدمتها نفط العراق .
ستبقي أميركا على 50 ألف عسكري في العراق بعد الإنسحاب الموعود .. ولاننسى هنا حقيقة مهمة أن أوباما قد أبقى على وزير دفاع بوش ، روبرت غيتس ، وزيراً للدفاع في إدارته ، وذلك في سابقة لم تعهدها الإدارات الأمريكية في منصب سيادي كوزارة الدفاع يشغله شخص من الحزب المعارض !! ولذلك أيضاً دلالاته .
وصلنا ، وكما يبدو اليوم الى حلقة جديدة في السلسلة ، ظاهرها الرحمة وباطنها من قِبَلها العذاب .. تلك هي الدعوة الى المصالحة الوطنية بين الأطراف العراقية . هذه الدعوة التي تعثرت بل وتناقضت في تصريحات السيد المالكي نفسه فيما يتعلق بإحدى الشرائح والقوى داخل المكَوّن العراقي شاء أو أبى وهو حزب البعث لتنتهي شأنها شأن بقية ( مشاريع ) المصالحات بين السلطة وجهات متعددة حزبية وغير حزبية في السابق الى طريق مسدود .
ولايخفى هنا أن العامل المهم الذي يقف وراء ذلك الفشل حتى الآن هو التخطيط غير المنطقي وغير العقلاني لعملية المصالحة وعدم برمجتها وفق ماساد ويسود المجتمع العراقي من تمزق مخيف منذ 2003 ولحد الآن وبعضه يعتبر إمتدادات لما قبل 2003 .. هذا إذا كانت عملية تخطيط وتنفيذ المصالحة تجري وفق نيات سليمة وصادقة . ولكن دعونا نقول أن المصالحة التي يتبناها السيد المالكي هي فعلاً مصالحة ذات مصداقية لغرض طي صفحة قديمة وفتح صفحة جديدة في عمل سياسي جاد ، فإن أساس هذه المصالحة لايزال يجري وفق منطق مقلوب أصلاً وغير واقعي ، ذلك أن عملية المصالحة بين أطراف متناحرة لها أسبابها ودوافعها ومن أبرزها إبعاد البعض عن المشاركة في العملية السياسية عن قصد وهذا مايتعلق بأحزاب وتنظيمات وتكتلات سياسية أو حتى شخصيات معينة بذاتها ، كذلك الإبتعاد عن خلق حكومة تكنوقراط منذ البداية وإبعاد الكفاءات والتخصصات العلمية عن المشاركة فيها وضمن موقعها المناسب ، أو كما يقال الشخص المناسب في المكان المناسب دون النظر الى خلفيته السياسية او الطائفية او العرقية ، وهذا مالم يحدث لحد الآن ..
أختصر كل ذلك بالقول : أنه تم خلق سلطة حكومية قائمة على أساس المحاصصة وبأشكالها المتنوعة ، وتوزيع المناصب الحكومية والحقائب الوزارية وقيادات الجيش والشرطة إما على أساس الإنتماء الطائفي أو الحزبي أو القومي أو الديني .. أي ممثلين عن هؤلاء لكي يسيّروا شؤون الدولة بحيث اصبح شبه قانون أن تكون الوزارة الفلانية للجماعة الفلانية .. والمنصب الفلاني للحزب الفلاني .. وهكذا ، مما أدى الى تلاشي الكفاءات وانقسام شرائح المجتمع العراقي بين مساهم ومعارض ، فمن هو خارج السلطة يريد أن يكون داخلها ، ومن هو في السلطة يريد إبعاد الآخرين .. ولاشك أن وضعاً كهذا أدى ويؤدي الى تفاقم الصراع لدرجة وصلت الى الإصطدام المسلح بين أبناء الشعب العراقي والسلطة الحاكمة في بغداد وبالتالي أبعد فرص المصالحة الوطنية التي تطالب بها السلطة ، وهي وإن حدثت بين هذه الفئة أو تلك مع حكومة بغداد ، فإنما حدثت إما لإلتقاء مصالح معينة ، أو كانت مصالحات هشة غير مبنية على أسس متينة مما أدى الى إنهيارها سريعاً كما حدث مع التيار الصدري أو جبهة التوافق أوغيرهما ، لتعود مرة ثانية الى تقارب وتحالفات مع السلطة وحسب مقتضيات المصالح والظروف لتنهار ثانيةً وهكذا !
هذا هو ماقُصد منه خطأ سياسة تخطيط وبرمجة عملية المصالحة الوطنية .. حيث يراد لها أن تتحقق في حين لازالت سياسة المحاصصة قائمة وفاعلة بل وعبارة عما يشبه ستراتيجية أو آيديولوجية لحكام العراق .
من يريد المصالحة فعلاً ويسعى لها سعيها عليه أن يعمل قبل ذلك على تنظيف البيت الحكومي من الداخل بإلغاء مظاهر المحاصصة ومن أي نوع كانت ، وإلا فكافة الدعاوى في هذا الإتجاه ليست سوى محض سراب ناجم إما عن رغبة صادقة لدى السيد المالكي لكنه لايستطيع تحقيقها وهذا مايمكن أن يفسر بالضعف ، أو أنه غير صادق فعلاً في ذلك ويدعو له وفق أجندة معينة معدة مسبقاً وهذا مايمكن تفسيره بالمراوغة من أجل هدف يريد تحقيقه محتلي العراق وواضعي سياسته !!
إلغاء المحاصصة لتحويل العراق الى بلد وفق المنظور الحديث لبلدان العالم سوف يعني إنهيار النظام القائم بأكمله ، ويعني قطع شريان الوجود الأمريكي والذي إستندت عليه في إحتلال العراق والبقاء فيه ، وهذا خط أحمرلايمكن أن يُسمَح بتجاوزه .
أما الدعوة الى المصالحة والعمل عليها مع إبقاء المحاصصة فهو يعني تحقيق منافع لأشخاص وتنظيمات وضعت مصالحها الخاصة فوق مصلحة العراق، كما أن العمل على تحقيق ذلك من خلال مصالحات عشائرية والإعتماد على تكتلات هنا وهناك كما يجري الآن فهو لايعدو أن يكون سوى عملية ضبابية وهامشية لن تصل بالعراق الى معنى المصالحة الحقيقية التي سوف توحد الصفوف من أجل النهوض بالعراق .. وهذا أيضاً لحد ذاته هدف لايروق لا لأميركا ولا لإيران ، حتى لو كان السيد المالكي جاداً للأخذ به .
إنْ كنتَ تدري فتلكَ مصيبةٌ ........ وإنْ كنتَ لاتدري فالمصيبةُ أعظمُ
lalhamdani@rocketmail.com
إلغاء المحاصصة قبل طلب المصالحة
كتابات : علي الحمـــداني
يبدو لأي مراقب سياسي منصف ، أن الوضع السياسي العراقي وما يعانيه من مشاكل مستعصية ونحن على أعتاب السنة السابعة من إحتلال العراق وتغيير نظامه السياسي ، لايزال يزداد تعقيداً ، أو على أقل تقدير، لايزال يعاني من الدوران داخل دائرة مغلقة ، على الرغم من كل مانسمعه من تصريحات لكبار المسؤولين ، وما نلاحظه من تحركات سياسية مكثفة لاسيما بعد تغير الإدارة الأمريكية والتي لم تتعدى القرارات والتصريحات التي أعلنها الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما حدود الوهم إن لم أقل التضليل في الإيحاء بأن رياح التغيير الرطبة قد بدأت بالهبوب على العراق بعد رياح ساخنة وعواصف غبراء دمرت أرض العراق وماعليها من حرث ونسل . ولعل من أبرز تلك القرارات الشبحية هي الإعلان عن انسحاب عسكري أمريكي وتحديد تواريخ ذلك الإنسحاب ، الأمر الذي إعتبرته السلطة العراقية في بغداد نصراً مؤزراً وقطاف لثمرة جهودها في عراق جديد لم يشهد مثله العراقيون على مدى عقود بل ربما مئات السنين . وتناولت ذلك أقلام الكتّاب والإعلاميين بالمدح والإطراء ، إما عن سذاجة في رؤية الحدث السياسي وتحليله أو لتحويله الى بضاعة غامضة المواصفات ولكن يجب أن يتم تسويقها بعد أن تم دفع ثمنها مقدماً، وذلك من خلال صفحات الصحف التي تملأ الأكشاك أو تلك التي تقرأ على شاشات الكومبيوتر أو تلك التي تنقلها الينا بالصوت والصورة شاشات الفضائيات مصحوبة بحماسة وزعيق البعض في الندوات الحوارية التي أصبحت هي الأخرى بحد ذاتها بضاعة ناجحة تستقطب المشاهد ويتم الكسب من خلالها من قبل أصحاب ومالكي تلك الفضائيات !
إنطلق البعض من فرسان هذا الإعلام المضلل عائداً الى العراق ، تاركاً وراءه ( وطنيته ) ، للمشاركة في العملية السياسية ..!! وحزم البعض حقائبهم في سفرات سريعة الى دول الذهب والعقال الأسود ..!! وتغيرت نبرات من بقي منهم بالرموت كونترول من دعم للمالكي الى ذمّه ، أو العكس ..!! ومنهم من بقي مذبذباً بين ذلك ، لاالى هؤلاء ولا الى هؤلاء ، كما أطلق القران الكريم على المتلونين والمنافقين !
هؤلاء جميعاً لايكادون يشكلون في حقيقة الأمر ولاحتى قطرة من بحر معاناة ومشاكل العراق والعراقيين ، وحكومة بغداد تعلم ذلك ولكنها تحاول إستثماره ككسب إعلامي يسوّق في الشارع العراقي .. السبب ، أولاً لعدم أهميتهم كأشخاص ، وثانياً لتحولهم من دعاة سياسة الى تجار سياسة فالتقوا بذلك مع لصوص العملية السياسية داخل العراق وأصبحوا شركاء في الدولار الأمريكي بعد أن كانوا قد أوحوا لنا أنهم شركاء في العمل على حل المحنة العراقية وتخليص العراق من الإحتلال وسياسته ، والتي هي في واقع الحال لم تتغير جوهرياً حتى لو أبدلت جلدها كالأفعى ، وهم أدرى بذلك .
شهد العراق ضمن هذه الخطط الجديدة زيارات رسمية مكثفة ، من غيتس الى براون الى ساركوزي ، ومن رفسنجاني ولارنجاني الى عبد الله غول ، ومن عمرو موسى الى ولي عهد دولة الإمارات وغيره من شيوخ الخليج .. في وقت لم يتوقف رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقي من القيام بزيارات رسمية الى العديد من الدول ، لم نشهدها على مدى ست سنوات ، أو على الأقل على عهد الحكومة الرابعة !
صاحبَ كل ذلك خلق الأزمات الداخلية بين أطراف مايسمى بالعملية السياسية في العراق ، ولا أتصور على الإطلاق أن تبلغ السذاجة بأي شخص لكي لايعلم أن قيادات الأطراف المتنازعة جميعهم يشربون من نفس النبع الأمريكي لكي يستطيعوا البقاء على قيد الحياة السياسية .
حكومة بغداد وحكومة الإقليم الكردي شمال العراق .. وخلافات مواد الدستور ونفط كركوك وأراضي الموصل وديالى !
الإئتلاف الشيعي الحاكم والمضاربات التي وصلت حد الضرب تحت الحزام !
الغيوم التي بدأت تتجمع وتصبح أكثر سواداً بين الطالباني والبرزاني والتي بدأ بعضها واضحاً في فضائح الفساد المالي داخل الإتحاد الوطني الكردستاني وما صاحبها من إنشقاقات داخلية .. ومشكلة حزب العمل الكردستاني للأكراد الأتراك في شمال العراق ورفضه دعوة الطالباني بإلقاء السلاح أو مغادرة العراق والتي تضمنتها كلمته في بغداد أمام عبد الله غول الرئيس التركي بصفته رئيس جمهورية العراق وقد أتى الرفض على الفور والسيد غول لايزال في العراق !!
تعليق نتائج إنتخابات بعض المحافظات ، والتي يفترض أنها كانت ممارسة ديمقراطية ، وعدم تنفيذ تلك النتائج على أرض الواقع في تشكيل مجالس المحافظات وتعيين المحافظين ، وكما حدث في نينوى وكربلاء على سبيل المثال .. الأولى بسبب النفوذ العنصري ، والثانية بسبب النفوذ الطائفي !
الصراع بين أطراف التسييس الشيعي الإيراني والشيعة العرب العراقيين في محافظات الجنوب ، أي صراع الإحتلال بإسم الدين والطائفة مع الوطنية والعشائرية والطائفية المذهبية غير المسيسة .
أضف الى كل ذلك تفاقم الفساد الإداري والسياسي والمالي والقضائي في مؤسسات الدولة وبعض شخوص النظام في دولة يطلق عليها تجنياً دولة مؤسسات !
وأضف الى ذلك أيضاً عدم تقدم الخدمات العامة للمواطن العراقي خطوة واحدة الى الأمام إلا من خلال الجعجعات الإعلامية !
والآن ، وبالعودة الى إعلان الإنسحاب العسكري الأمريكي من العراق ، والذي رُفِعَ كراية النصر من قبل حكومة بغداد ، وهي أدرى بأبعاد مايعنيه هذا الإنسحاب وفي مقدمتها من وجهة النظر العسكرية أنه لايعدو أكثر من عملية إعادة إنتشار القوات المحتلة بعد سحب بعضها في الموعد المحدد إنْ حدث ذلك للخروج من شوارع المدن العراقية الى القواعد العسكرية الأمريكية على أرض العراق ، تماماً كما حدث في إنسحاب بعض المستشارين الأمريكيين الذين تولوا مهمة إدارة الوزارات العراقية في عهد بريمر ومجلس الحكم الى السفارة الأمريكية في بغداد بعد ذلك والتي تعد الأكبر والأهم في منطقة الشرق الأوسط ! وبعد أن تم ضمان كافة الإتفاقات والإتفاقيات السياسية والإقتصادية وفي مقدمتها نفط العراق .
ستبقي أميركا على 50 ألف عسكري في العراق بعد الإنسحاب الموعود .. ولاننسى هنا حقيقة مهمة أن أوباما قد أبقى على وزير دفاع بوش ، روبرت غيتس ، وزيراً للدفاع في إدارته ، وذلك في سابقة لم تعهدها الإدارات الأمريكية في منصب سيادي كوزارة الدفاع يشغله شخص من الحزب المعارض !! ولذلك أيضاً دلالاته .
وصلنا ، وكما يبدو اليوم الى حلقة جديدة في السلسلة ، ظاهرها الرحمة وباطنها من قِبَلها العذاب .. تلك هي الدعوة الى المصالحة الوطنية بين الأطراف العراقية . هذه الدعوة التي تعثرت بل وتناقضت في تصريحات السيد المالكي نفسه فيما يتعلق بإحدى الشرائح والقوى داخل المكَوّن العراقي شاء أو أبى وهو حزب البعث لتنتهي شأنها شأن بقية ( مشاريع ) المصالحات بين السلطة وجهات متعددة حزبية وغير حزبية في السابق الى طريق مسدود .
ولايخفى هنا أن العامل المهم الذي يقف وراء ذلك الفشل حتى الآن هو التخطيط غير المنطقي وغير العقلاني لعملية المصالحة وعدم برمجتها وفق ماساد ويسود المجتمع العراقي من تمزق مخيف منذ 2003 ولحد الآن وبعضه يعتبر إمتدادات لما قبل 2003 .. هذا إذا كانت عملية تخطيط وتنفيذ المصالحة تجري وفق نيات سليمة وصادقة . ولكن دعونا نقول أن المصالحة التي يتبناها السيد المالكي هي فعلاً مصالحة ذات مصداقية لغرض طي صفحة قديمة وفتح صفحة جديدة في عمل سياسي جاد ، فإن أساس هذه المصالحة لايزال يجري وفق منطق مقلوب أصلاً وغير واقعي ، ذلك أن عملية المصالحة بين أطراف متناحرة لها أسبابها ودوافعها ومن أبرزها إبعاد البعض عن المشاركة في العملية السياسية عن قصد وهذا مايتعلق بأحزاب وتنظيمات وتكتلات سياسية أو حتى شخصيات معينة بذاتها ، كذلك الإبتعاد عن خلق حكومة تكنوقراط منذ البداية وإبعاد الكفاءات والتخصصات العلمية عن المشاركة فيها وضمن موقعها المناسب ، أو كما يقال الشخص المناسب في المكان المناسب دون النظر الى خلفيته السياسية او الطائفية او العرقية ، وهذا مالم يحدث لحد الآن ..
أختصر كل ذلك بالقول : أنه تم خلق سلطة حكومية قائمة على أساس المحاصصة وبأشكالها المتنوعة ، وتوزيع المناصب الحكومية والحقائب الوزارية وقيادات الجيش والشرطة إما على أساس الإنتماء الطائفي أو الحزبي أو القومي أو الديني .. أي ممثلين عن هؤلاء لكي يسيّروا شؤون الدولة بحيث اصبح شبه قانون أن تكون الوزارة الفلانية للجماعة الفلانية .. والمنصب الفلاني للحزب الفلاني .. وهكذا ، مما أدى الى تلاشي الكفاءات وانقسام شرائح المجتمع العراقي بين مساهم ومعارض ، فمن هو خارج السلطة يريد أن يكون داخلها ، ومن هو في السلطة يريد إبعاد الآخرين .. ولاشك أن وضعاً كهذا أدى ويؤدي الى تفاقم الصراع لدرجة وصلت الى الإصطدام المسلح بين أبناء الشعب العراقي والسلطة الحاكمة في بغداد وبالتالي أبعد فرص المصالحة الوطنية التي تطالب بها السلطة ، وهي وإن حدثت بين هذه الفئة أو تلك مع حكومة بغداد ، فإنما حدثت إما لإلتقاء مصالح معينة ، أو كانت مصالحات هشة غير مبنية على أسس متينة مما أدى الى إنهيارها سريعاً كما حدث مع التيار الصدري أو جبهة التوافق أوغيرهما ، لتعود مرة ثانية الى تقارب وتحالفات مع السلطة وحسب مقتضيات المصالح والظروف لتنهار ثانيةً وهكذا !
هذا هو ماقُصد منه خطأ سياسة تخطيط وبرمجة عملية المصالحة الوطنية .. حيث يراد لها أن تتحقق في حين لازالت سياسة المحاصصة قائمة وفاعلة بل وعبارة عما يشبه ستراتيجية أو آيديولوجية لحكام العراق .
من يريد المصالحة فعلاً ويسعى لها سعيها عليه أن يعمل قبل ذلك على تنظيف البيت الحكومي من الداخل بإلغاء مظاهر المحاصصة ومن أي نوع كانت ، وإلا فكافة الدعاوى في هذا الإتجاه ليست سوى محض سراب ناجم إما عن رغبة صادقة لدى السيد المالكي لكنه لايستطيع تحقيقها وهذا مايمكن أن يفسر بالضعف ، أو أنه غير صادق فعلاً في ذلك ويدعو له وفق أجندة معينة معدة مسبقاً وهذا مايمكن تفسيره بالمراوغة من أجل هدف يريد تحقيقه محتلي العراق وواضعي سياسته !!
إلغاء المحاصصة لتحويل العراق الى بلد وفق المنظور الحديث لبلدان العالم سوف يعني إنهيار النظام القائم بأكمله ، ويعني قطع شريان الوجود الأمريكي والذي إستندت عليه في إحتلال العراق والبقاء فيه ، وهذا خط أحمرلايمكن أن يُسمَح بتجاوزه .
أما الدعوة الى المصالحة والعمل عليها مع إبقاء المحاصصة فهو يعني تحقيق منافع لأشخاص وتنظيمات وضعت مصالحها الخاصة فوق مصلحة العراق، كما أن العمل على تحقيق ذلك من خلال مصالحات عشائرية والإعتماد على تكتلات هنا وهناك كما يجري الآن فهو لايعدو أن يكون سوى عملية ضبابية وهامشية لن تصل بالعراق الى معنى المصالحة الحقيقية التي سوف توحد الصفوف من أجل النهوض بالعراق .. وهذا أيضاً لحد ذاته هدف لايروق لا لأميركا ولا لإيران ، حتى لو كان السيد المالكي جاداً للأخذ به .
إنْ كنتَ تدري فتلكَ مصيبةٌ ........ وإنْ كنتَ لاتدري فالمصيبةُ أعظمُ
lalhamdani@rocketmail.com
No comments:
Post a Comment