قراءة في الدعم الصهيوني للحزبين الكرديين في شمال العراق ستراتيجية أم تكتيك مرحلي ..؟
كتابات : علي الحمــــــــداني
لم يعد سراً مدى وحجم التعاون والتنسيق بين الحزبين الكرديين في العراق وبين الأحزاب الإسرائيلية الحاكمة يمينها ويسارها ، بل وتاريخ هذا التعاون الذي يمتد الى أكثر من نصف قرن من الزمن حين بدأ على يد البرزاني الأب ، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني وبشكل خاص ، والذي لحق بمسيرته لاهثاً بعد ذلك الإتحاد الوطني الكردستاني ، أو حزب العائلة الطالبانية ، من باب المنافسة التي لم تتوقف يوماً بين الحزبين ، وكذلك من باب الحصول على أي حجم ممكن من الكعكة !
وبدراسة مجردة عن أي إنفعالات جانبية تفرضها مرارة الموضوع وتداعياته على العراق الأرض والوطن والشعب ، وخصوصاً في سنوات الإحتلال حيث بلغت مداها عنجهية وتكبر ومكابرة القيادات الكردية للحزبين اللذين يمسكان بمقدرات الشعب الكردي ويضعان في الظل وتحت الملاحقة كافة الأحزاب السياسية الكردية الأخرى .. ذلك المدى الذي ينعكس على التصرف على الأرض وبشكل يومي ، وفي التصريحات السياسية للسيد مسعود البرزاني ، والتي إمتازت بالتكثيف قبل وبعد إنتخابات المجالس المحلية ، سواء تلك التي تخص الأقليات القومية وخصوصاً في محافظة نينوى ومحاولة إبتلاع حقوقها المشروعة ، أو تلك التي تتعلق بموضوع كركوك ، والتي أشار في إحدى تصريحاته الى معارضي ( أكردة ) كركوك من ساسة العراق ، بمصطلح (عرب مجلس النواب ) .. وكأني به يستعير مصطلح ( عرب 48 ) كناية عن فلسطينيي الداخل الإسرائيلي ! أو كأن عرب العراق قد أصبحوا بمنظاره أقلية ليس إلا ..! تماماً كما أوصل حدود خارطة كردستانه الى مشارف العمارة !!
لاشك أن أحد أهم الأسلحة التي أستخدمت لوضع العراق تحت الإحتلال الأمريكي ، كان سلاح إستخدام قيادة الحزبين الكرديين ، وأراضي شمال العراق .. وماكان ذلك ليتم بشكله المخطط له من قبل شياطين السياسة في العالم من دون زرع النفوذ الإسرائيلي وتواجد الموساد هناك وضمان إرتباط الحزبين وتعاونهما معهما .. وفتح المنطقة لقيادات ماكان يسمى المعارضة والتي لعب دور البطولة فيها آنذاك أحمد الجلبي وبحكم علاقاته ومصالحه مع دونالد رامسفيلد واللوبي الصهيوني الأمريكي .
إنتهت تلك المرحلة كما كان مخطط لها .. وسقط العراق تحت الإحتلال .. وبعد قرابة ست سنوات على ذلك الحدث ، تبلورت على الساحة العراقية ومن ضمنها مايسمى منطقة كردستان ، أمور كثيرة ، أصبحت تشير ، وعلى الرغم من عدم حدوث متغير جوهري في وضع الوطن تحت الإحتلال ، الى تغير في إتجاه البوصلة داخلياً وخارجياً ، تستحق الوقوف عندها لقراءتها واستنباط المحصلات الآنية منها ، وهي محصلات ليست نهائية كما يبدو ، إذ أن المتغيرات لاتزال تتواتر بالتفاعل مع عوامل السياسة العالمية وإتجاهاتها الجديدة ، ومستجدات الداخل العراقي وآثاره الجديدة أيضاً .
وحيث أن القول بوجود فوارق أواستقلالية في القرار للسياسة الحكومية العراقية وسياسة الإدارة الأمريكية هو ليس إلا محض خيال في الوقت الحاضر على الأقل . فإن العكس هو الصحيح والأمر الواقع ، وهو إستمرار التنسيق ـ وكلمة التنسيق هذه هي أبسط مصطلح لغوي ممكن إستخدامه عن طبيعة هذه العلاقة ـ فالأكثر صحةً هو إستمرار تنفيذ السياسة الأمريكية ، وخروج القرارات المهمة والحاسمة من السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ..
ومن هذا المنطلق والواقع المفروض على الخطط السياسية التي نشهد تنفيذها حالياً وما هو متوقع للمرحلة المقبلة ، علينا هنا الوقوف عند الأحداث وقراءتها ، وأعني بالذات مسار التعاون الإسرائيلي مع قيادة الحزبين وبالأخص مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني .
ـ كما أن الكويت كانت نقطة بداية العمليات العسكرية ضد العراق في آذار 2003 ومنها دخلت القوات الغازية للعراق ، فإن منطقة ( كردستان ) العراق التي يهيمن عليها سياسياً وعسكرياً الحزبين الكرديين كانت منطلقاً آخر لايقل أهمية في دعم قوات الإحتلال .. كلا المنطلقين العسكري عبر جنوب العراق ، والتخريبي عبر شماله ، تمت مساندتهما من قبل إيران وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكما ثبت ذلك لاحقاً ومن خلال تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين كأبطحي وخاتمي ثم رفسنجاني الذي يستعد لزيارة العراق والذي صرّح لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية في 31/3/2006 : ( أن الغزو الأمريكي على العراق جلب مصالح كثيرة لنظامنا ) ! وهكذا تمت خطة تعاون ( الشياطين الصغار ) مع ( الشيطان الأكبر ) !!
ـ توسعت دائرة المخابرات الإسرائيلية وتدريب قوات ( البيشمركة ) في شمال العراق بعد نيسان 2003 .. وأصبح تحركهما أكثر حريةً ، وقد شملت تلك الأنشطة تسريب عناصر الموساد الإسرائيلي الى بقية أجزاء العراق عبر ( كردستان ) وكذلك كان الحال مع الإستثمارات اليهودية في الشمال وليهود من أصل عراقي على الأغلب ، وفتح كركوك لهما بالذات للتمركز فيها تحت منطلقات دينية توراتية ، إضافة الى دعم الحلم الكردي وحسب تصور القيادات الكردية لكي تكون كركوك بنفطها جزء خاضع للدولة الكردية الموعودة وفصلها عن المركز ، وهي المشكلة التي لاتزال قائمة لحد الآن تارة تحت مسمى الدستور وأخرى تحت مسمى الإحصاءات السكانية أو الإنتخابات المحلية .. وجاءت عملية إستثناء كركوك من إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة لتصب في هذا الإتجاه !
ـ تم إطلاق يد القيادات الكردية في قرى وقصبات محافظة نينوى التي تسكنها أقليات دينية وعرقية غير كردية ، كاليزيدية والشبك والآثوريين أو المسيحيين العرب .. وأمتد إطلاق اليد تلك حتى داخل مدينة الموصل مركز محافظة نينوى والتي يشكل فيها العرب من مسلمين ومسيحيين نسبة أكثر من 90 % ، وإذا بنا نرى أن مجلس محافظة نينوى المكون من 37 عضواً يشكل الأكراد منه 31 عضواً (!!) ، ونائب المحافظ هو مسؤول الحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى ، خسرو كوران ! إضافة الى وجود قوة مسلحة تقدر بلوائين عسكريين من ميليشيا البيشمركة في المحافظة .
ـ في المجال الإقتصادي ، تم إطلاق يد قيادات الحزبين الكرديين ، حيث سُمح لها بالقيام بإستثمارات لنفط العراق في مناطق ديالى ونينوى ، وتوقيع العقود وعقد الصفقات وبشكل علني وسافر ومخالف لكافة المفاهيم والنظم السياسية بما فيها النظام الفيدرالي الذي تتخذه القيادات الكردية مطية لغرض تحقيق الإنفصال وهي لاتؤمن أصلاً بفيدرالية العراق ، لأنه لو طبقت الفيدرالية فعلاًً ووفق المعايير الدولية ، لتهاوت الكثير من المخالفات والتجاوزات الكردستانية الدستورية والقانونية !
ـ وصل الحال الى حد وضع نظام لدخول المنطقة الكردية ، على الرغم من تبجح قادتها دائما بمقولة أنهم جزء من العراق ، أشبه مايكون بقوانين سمة الدخول التي تطبقها الدول في العالم وذلك بوضع الختومات واستيفاء الأجور في زاخو للعراقيين القادمين من تركيا أو الخارجين اليها ، وضرورة تزكية شخص كردي وكفالته للعراقي لكي يدخل أربيل على سبيل المثال ! إضافة الى مواقف أخرى منها منع رفع العلم العراقي الرسمي لدولة العراق في مناطق ( كردستان ) ! وقبل أيام سمعنا السيد فؤاد حسين رئيس برلمان كردستان وفي لقاء معه على إحدى القنوات الفضائية ( الشرقية ) كرر ولأكثر من مرة عبارة مسمومة ومقصودة وهي ( الشعب الكردي والشعب العراقي !! ) وهي دلالة واضحة على كذب ومراوغة إدعاءات تصريحات بعض مسؤولي الحزبين من أن كردستان جزء من العراق وأنهم دعاة فيدرالية !!
هذه الأمور وغيرها كانت تحدث ، تحت سمع وبصر السلطة المركزية في بغداد .. ولطالما سمعنا عبارة ( الوضع الخاص لكردستان ) على لسان مسؤولي المنطقة الخضراء !! ، وهذه السلطة كما ذكرنا آنفاً ونذكّر أنها لاتمتلك حرية القرار كأي حكومة لدولة تحت الإحتلال العسكري وخصوصا في المسائل الكبيرة .. فإذن كانت تلك قرارات تتبناها أميركا وإسرائيل وتعمل على تطبيقها كجزء من خطة الفوضى وحالة التجزأة والتصدع في العراق ، تماماً كما حصل عند إغماض الأعين عن تطرف الأحزاب الطائفية ، ونشوء الميليشيات وتقوية ساعدها ، وعصابات وفرق الموت ، والسرقات واللصوصية الرسمية والشخصية .. أي العمل على هدم نسيج المجتمع العراقي وهدم الدولة وإضعاف الدور الحكومي لأي سلطة في بغداد في مرحلة حرجة تقتضي ذلك وكجزء من آيديولوجية سياسية تبنتها أميركا وإسرائيل .!
بدأت بداية النهاية لهذه المرحلة تظهر للعيان بعد ظهور تغيرات جديدة في سياسة الحكومة الحالية برئاسة السيد المالكي ، وأود أن أذكّر مرة ثانية بما أشرت اليه آنفاً وهو أن صاحب القرار الحاسم في العراق هو سلطة الإحتلال وهو أمر طبيعي لأي بلد محتل في العالم ، وبدأت تظهر في الأفق معالم مرحلة جديدة ومنعطف سياسي مختلف من أبرزها :
التغيرات الحاسمة التي تبنى السيد المالكي تنفيذها وأعني بها الحملات العسكرية وبالأخص في محافظات البصرة وديالى ونينوى ضد المسلحين والميليشيات بما يعني إنتهاء دور هذه التنظيمات ، وكالعادة وضعت مبررات ذلك إعلامياً تحت شعار محاربة القاعدة والخارجين عن القانون ..
في البصرة كانت الضربة موجهة بشكل مباشر لمسلحي التيار الصدري ، وهم ميليشيا وحلفاء سابقين للمالكي نفسه ، وبشكل غير مباشر لتحجيم حزب الفضيلة .
في ديالى والموصل كانت الضربة المباشرة لنفوذ ميليشيات الحزبين الكرديين ، أو بكلمة أخرى لغرض قلب معادلة سيطرة النفوذ الكردي أو بكلمة أدق إضعاف نفوذ قيادة الحزبين في هاتين المحافظتين بعد سيطرتهما بالقوة مستفيدَين من معطيات المرحلة السابقة ومنها عدم تدخل حكومة بغداد ، ومعروف لدينا ماتم من تحدٍ للسلطة العسكرية والرسمية العراقية في مندلي وجلولاء في محافظة ديالى ، وما تم في الموصل من تفجير الزنجيلي ، وإغتيال رموز دينية مسيحية لها ثقلها كالمطران رحو ، وتهجير العوائل المسيحية ، وحملات الضغط والقسر التي تمت ممارستها ولا زالت بحق اليزيدية والشبك والآثوريين والتركمان في قرى المحافظة . لقد أعقب الحملة العسكرية الأولى في الموصل رفع حواجز التفتيش التابعة للبيشمركة الكردية داخل المدينة ، وتقليص نفوذ أفرادها هناك ، ثم إحلال قوات عسكرية عربية من الأنبار وصلاح الدين لتتولى مهمة الأمن فيها ، مما أدى الى تحجيم نفوذ ألوية البيشمركة التي زرعت داخل الموصل ، سافر بعدها خسرو كروان الى أربيل وبقي فترة طويلة هناك .
أعقب ذلك ظهور التصدع في الإئتلاف الحكومي مع التحالف الكردستاني ، وبدأت ظواهر تغيير الخريطة السياسية ، خصوصاً في موضوع التلويح بإعادة صياغة الدستور أو تعديله ، وقضية كركوك والمادة 107 من الدستور .. وتأسيس مجالس الإسناد والتكتلات العشائرية التي عارضها السيد البرزاني صراحةً وبقوة .
لقد بدأت الفجوة تظهر ثم بدأت بالتوسع بين الطرفين .
المرحلة الثالثة ، كانت مرحلة إنتخابات المجالس المحلية للمحافظات ، والتي أفرزت محصلات شبه نهائية لمعالم مرحلة جديدة . ما يهمنا منها هنا هو موضوع هذا المقال ، أي الحزبان الكرديان وبدء إنحسار المد الأمريكي ـ الإسرائيلي الداعم لهما لاسيما مع تغير الإدارة الأمريكية والإسرائيلية ، والموقفين التركي والإيراني ، وتغير أولويات أجندة السياسة العالمية ، حيث سارع السيد مسعود البرزاني الى القيام أولاً برحلة الى عدد من الدول الخليجية العربية ، والتي فشلت كما يبدو ، وكانت قد سبقتها قبل أشهر رحلة غامضة له قيل في وقتها أنها كانت الى إسرائيل .. ثم إعلانه عن القيام برحلة الى بعض الدول الأوربية منها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، ولا ندري هل هي رحلة البحث عن البدائل أم رحلة مساومات نفطية وإغراءات إستثمارية ..؟؟ والملفت للنظر أن تتم هذه التحركات البرزانية ، في وقت يغرق فيه ( الأخ العدو ) جلال الطالباني بمشاكل التصدع الذي طرأ على حزبه الإتحاد الديمقراطي والذي قام به قادة من الصف الأول في الحزب بسبب ماقالوا عنه أنه فضائح الفساد المالي للعائلة الطالبانية بالدرجة الأولى !!
خرج الحزب الديمقراطي الكردستاني من نسبة الأغلبية في مجلس محافظة نينوى ولصالح العرب !
وحدث نفس الشيئ في محافظة ديالى .. !
الإحتمالات التي بقيت أمامه في المديين القريب والبعيد هي الإستمرار بممارسة الضغوط والإرهاب بحق الأقليات العرقية والدينية كاليزيدية والشبك والآثوريين وغيرهم في محاولات يائسة كما يبدو لتكريدهم ، وهذا ماكان يحدث خلال سنوات ولايزال ، بل قد تفاقم بعد الإنتخابات..! ومن المضحك حقاً أن أحد تبريرات ذلك هو أن هؤلاء يتكلمون اللغة الكردية ..! وأتساءل هنا كما تساءل السيد طالب العسل في مقال له بعنوان ( البرزاني يفتي بعودة المناطق المتنازع عليها دون الرجوع الى الدستور ) حيث تساءل عن حوالي مليون كردي يسكنون بغداد والمناطق الأخرى من العراق ويتكلمون العربية .. فهل علينا إعتبارهم عرباً من هذا المنظور ..؟
الإحتمالات الأخرى المتوقعة هي تبديل خريطة التحالفات والتكتلات والإئتلافات مع القوى السياسية الأخرى التي دخلت العراق تحت المظلة الأمريكية ، وهذا مابدأ فعلا في الظهور ، حيث بدأ الغَزَل بين الصدريين والفضيلة وأحزاب أخرى مع السيد المالكي من جهة .. وبين السيد أياد علاوي والمجلس الأعلى الإسلامي والتحالف الكردستاني من جهة ثانية خصوصا بعد أن سمع السيد البرزاني من الأمريكان أن عليه التفاهم مع حكومة بغداد بخصوص كركوك ، وبعد الإنتكاسة التي تعرض لها المجلس الأعلى برئاسة عبد العزيز الحكيم في محافظات الجنوب بشكل خاص وكذلك محافظات الفرات الأوسط مما حدا بعمار الحكيم تغطية فشل قائمته ( شهيد المحراب ) بالتصريح لقناة العربية الفضائية في 23 / 2 بالقول : ( لقد جمدنا الحديث عن الفيدرالية منذ أمد طويل ..!! ) .. وهو كذب سافر ، أضف الى ذلك خلافاتهم مع السيد المالكي ومحاولة اللعب على الحبال وممارسة الضغوط ، ناسين أو متناسين أن الأمريكان يقفون وراء هذه التوجهات الجديدة ، وأن إسرائيل صامتة عما يحدث وتحاول إعادة بناء الجسور مع تركيا التي تعول عليها كما هي أميركا كقوة إقليمية وكحليف لاتجوز خسارته ..
هل سيحدث التصادم المسلح من جديد بين البيشمركة والقوات الحكومية ..؟
قال خسرو كوران ، بعد الإنتخابات متوعداً بيأس ، أنهم ، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني ، سيلجأون الى غلق الحدود جنوب خط الحظر ، كما عبر عنه ـ وهو الخط الذي فرضته أميركا على العراق إبان الحصار عام 1991 ـ وهو يقصد بذلك قرى ومناطق سهل نينوى التي إستولت عليها حكومة ( الإقليم ) عند وبعد الإجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 ، وذلك إذا ما لجأت القوات الحكومية بممارسة الضغط المسلح لإخراجنا منها ..
هذا التصريح جاء في مجموعة وموقع :
McClatchy Newspapers
في مقال نشرته الكاتبة ليلى فاضل بعنوان :
Iraq’s Kurdish – Arab tensions threaten to escalate into war
أي ( الإحتقان الكردي ـ العربي يهدد بالتسارع الى الحرب )
ويضيف كوران : ( مع قائمة الحدباء ستكون هناك مشكلة ، وأن منطقة نينوى ستنقسم .. وإذا ماحدث الضغط على الكرد ، فإننا سنبقى في مناطقنا ولن نسمح بأي تدخل في شؤوننا )
الملاحظ هنا أن تصريح كوران كان بمثابة الرد على تصريح نشرته نفس الصحيفة على لسان الشيخ عبد الله الياور من شيوخ عشائر شمر ومن أبرز قادة قائمة الحدباء والذي قال فيه : ( جعل الأكراد مجلس المحافظة في نينوى مسخر لهم .. ومن أولويات عملنا الآن دفع ميليشيا البيشمركة خارج نينوى . سنطرد كل من يحاول أن يعمل ضد القانون ومؤسسات الدولة . حيثما ترى ميليشيات عليك أن تستعين بالقوات الحكومية لإخراجهم ، وحيثما ترى مؤسسة حكومية عليك أن ترى العلم العراقي الرسمي فقط مرفوع عليها ، وعلى قوات الجيش أن تضم الجميع من عرب وأكراد ومسيحيين وغيرهم ، فالجيش هو القوة العسكرية الوحيدة التي يجب أن تلعب دورها وتؤدي مهامها ..)
الأغرب من كل ذلك ، أن خسرو كوران ، وهو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ومسؤول الحزب في محافظة نينوى ، قال في تصريحه ماهو أعنف وبشكل يوصف بالوقاحة : ( المالكي لايؤمن بالفيدرالية .. وبالنسبة لنا ليس مهماً ماذا يريد الآخرون ، وإذا لايريد المالكي أن يصدق ذلك ، فهي إذن الحرب مرة ثانية ..!!)
الآن ، وبعد الإنتخابات ، قد بدأت الحملة العسكرية الثالثة على نينوى تحت ذريعة مطاردة فلول القاعدة والمخربين .. فهل أنها تأتي مصداقاً لتصريح الشيخ عبد الله الياور وقادة العرب الذين إكتسحوا بالنصر الإنتخابات المحلية لكي يتم تطهير المحافظة من ميليشيا البيشمركة .. ؟
والسؤال هو .. هل أن ذلك كان يمكن أن يبدأ ثم ينجز بدون غطاء سياسي وعسكري أمريكي ..؟
وهل فهم ذلك القادة الكرد في الحزبين ، أم أنهم لايريدون أن يفهموا ..؟
يبدو أن الأخيرة هي الصحيحة .. فعندما نسمع ماقاله السيد مسعود البرزاني في أربيل ونقلته الصحيفة المذكورة عنه ، نستشف ونلمس أن ( العقدة ) لاتزال تتحكم بعقلية صاحب القرار السياسي . يقول السيد البرزاني :
( المشكلة ليست من البيشمركة وتوسع مناطق عملها فالأكراد يريدون المطالبة بإستعادة مناطق تابعة لهم ويؤمنون بذلك ، وهو مايرفضه العرب .. ) ( العرب يقبلون الكردي فقط عندما يكون هو العبد وهم السادة .. لقد سقطت المركزية في العراق ، ولن يستطيعوا أن يحصلوا على قائد أقوى من صدام حسين ..! )
وهو طبعاً يلمح هنا ويهدد بشكل مبطن الى مساهمة الكرد بإسقاط صدام على الرغم من ما كان عليه من قوة وسيطرة !!
وأتساءل أخيراً .. هل إسرائيل أو أميركا تريد أن تسقط حكومة بغداد المركزية كما فعلت مع صدام ..؟ الجواب قطعاً : كلا
وهل أن الظرف الدولي عام 2003 هو نفسه عام 2009 ..؟
وهل يريدنا السيد البرزاني أن نصدق أنه المحور الذي يحرك المصالح السياسية الدولية في المنطقة ..؟
وإذا مارفع السلاح مرة أخرى ، كما أشار كروان .. فهل هو مَن سيطلق على نفسه هذه المرة رصاصة الرحمة ..؟؟
إن ذراع البوصلة السياسية لم يعد متجهاً الى ( الشمال ) كقطب مغناطيسي كما يفعل ذراع البوصلة العادية .. فذلك وهْمٌ ، وذلك زمن قد ولّى .. فالبوصلة السياسية تحركها المصالح السياسية العالمية .. وعلينا أن لاننسى ، وأن لاينسى قادة الحزبين الكرديين ، وكذلك قادة التحالفات والإئتلافات والتكتلات في العراق : أن للسياسة مصالح وليس أصدقاء ..!
lalhamdani@rocketmail.com
كتابات : علي الحمــــــــداني
لم يعد سراً مدى وحجم التعاون والتنسيق بين الحزبين الكرديين في العراق وبين الأحزاب الإسرائيلية الحاكمة يمينها ويسارها ، بل وتاريخ هذا التعاون الذي يمتد الى أكثر من نصف قرن من الزمن حين بدأ على يد البرزاني الأب ، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني وبشكل خاص ، والذي لحق بمسيرته لاهثاً بعد ذلك الإتحاد الوطني الكردستاني ، أو حزب العائلة الطالبانية ، من باب المنافسة التي لم تتوقف يوماً بين الحزبين ، وكذلك من باب الحصول على أي حجم ممكن من الكعكة !
وبدراسة مجردة عن أي إنفعالات جانبية تفرضها مرارة الموضوع وتداعياته على العراق الأرض والوطن والشعب ، وخصوصاً في سنوات الإحتلال حيث بلغت مداها عنجهية وتكبر ومكابرة القيادات الكردية للحزبين اللذين يمسكان بمقدرات الشعب الكردي ويضعان في الظل وتحت الملاحقة كافة الأحزاب السياسية الكردية الأخرى .. ذلك المدى الذي ينعكس على التصرف على الأرض وبشكل يومي ، وفي التصريحات السياسية للسيد مسعود البرزاني ، والتي إمتازت بالتكثيف قبل وبعد إنتخابات المجالس المحلية ، سواء تلك التي تخص الأقليات القومية وخصوصاً في محافظة نينوى ومحاولة إبتلاع حقوقها المشروعة ، أو تلك التي تتعلق بموضوع كركوك ، والتي أشار في إحدى تصريحاته الى معارضي ( أكردة ) كركوك من ساسة العراق ، بمصطلح (عرب مجلس النواب ) .. وكأني به يستعير مصطلح ( عرب 48 ) كناية عن فلسطينيي الداخل الإسرائيلي ! أو كأن عرب العراق قد أصبحوا بمنظاره أقلية ليس إلا ..! تماماً كما أوصل حدود خارطة كردستانه الى مشارف العمارة !!
لاشك أن أحد أهم الأسلحة التي أستخدمت لوضع العراق تحت الإحتلال الأمريكي ، كان سلاح إستخدام قيادة الحزبين الكرديين ، وأراضي شمال العراق .. وماكان ذلك ليتم بشكله المخطط له من قبل شياطين السياسة في العالم من دون زرع النفوذ الإسرائيلي وتواجد الموساد هناك وضمان إرتباط الحزبين وتعاونهما معهما .. وفتح المنطقة لقيادات ماكان يسمى المعارضة والتي لعب دور البطولة فيها آنذاك أحمد الجلبي وبحكم علاقاته ومصالحه مع دونالد رامسفيلد واللوبي الصهيوني الأمريكي .
إنتهت تلك المرحلة كما كان مخطط لها .. وسقط العراق تحت الإحتلال .. وبعد قرابة ست سنوات على ذلك الحدث ، تبلورت على الساحة العراقية ومن ضمنها مايسمى منطقة كردستان ، أمور كثيرة ، أصبحت تشير ، وعلى الرغم من عدم حدوث متغير جوهري في وضع الوطن تحت الإحتلال ، الى تغير في إتجاه البوصلة داخلياً وخارجياً ، تستحق الوقوف عندها لقراءتها واستنباط المحصلات الآنية منها ، وهي محصلات ليست نهائية كما يبدو ، إذ أن المتغيرات لاتزال تتواتر بالتفاعل مع عوامل السياسة العالمية وإتجاهاتها الجديدة ، ومستجدات الداخل العراقي وآثاره الجديدة أيضاً .
وحيث أن القول بوجود فوارق أواستقلالية في القرار للسياسة الحكومية العراقية وسياسة الإدارة الأمريكية هو ليس إلا محض خيال في الوقت الحاضر على الأقل . فإن العكس هو الصحيح والأمر الواقع ، وهو إستمرار التنسيق ـ وكلمة التنسيق هذه هي أبسط مصطلح لغوي ممكن إستخدامه عن طبيعة هذه العلاقة ـ فالأكثر صحةً هو إستمرار تنفيذ السياسة الأمريكية ، وخروج القرارات المهمة والحاسمة من السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ..
ومن هذا المنطلق والواقع المفروض على الخطط السياسية التي نشهد تنفيذها حالياً وما هو متوقع للمرحلة المقبلة ، علينا هنا الوقوف عند الأحداث وقراءتها ، وأعني بالذات مسار التعاون الإسرائيلي مع قيادة الحزبين وبالأخص مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني .
ـ كما أن الكويت كانت نقطة بداية العمليات العسكرية ضد العراق في آذار 2003 ومنها دخلت القوات الغازية للعراق ، فإن منطقة ( كردستان ) العراق التي يهيمن عليها سياسياً وعسكرياً الحزبين الكرديين كانت منطلقاً آخر لايقل أهمية في دعم قوات الإحتلال .. كلا المنطلقين العسكري عبر جنوب العراق ، والتخريبي عبر شماله ، تمت مساندتهما من قبل إيران وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكما ثبت ذلك لاحقاً ومن خلال تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين كأبطحي وخاتمي ثم رفسنجاني الذي يستعد لزيارة العراق والذي صرّح لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية في 31/3/2006 : ( أن الغزو الأمريكي على العراق جلب مصالح كثيرة لنظامنا ) ! وهكذا تمت خطة تعاون ( الشياطين الصغار ) مع ( الشيطان الأكبر ) !!
ـ توسعت دائرة المخابرات الإسرائيلية وتدريب قوات ( البيشمركة ) في شمال العراق بعد نيسان 2003 .. وأصبح تحركهما أكثر حريةً ، وقد شملت تلك الأنشطة تسريب عناصر الموساد الإسرائيلي الى بقية أجزاء العراق عبر ( كردستان ) وكذلك كان الحال مع الإستثمارات اليهودية في الشمال وليهود من أصل عراقي على الأغلب ، وفتح كركوك لهما بالذات للتمركز فيها تحت منطلقات دينية توراتية ، إضافة الى دعم الحلم الكردي وحسب تصور القيادات الكردية لكي تكون كركوك بنفطها جزء خاضع للدولة الكردية الموعودة وفصلها عن المركز ، وهي المشكلة التي لاتزال قائمة لحد الآن تارة تحت مسمى الدستور وأخرى تحت مسمى الإحصاءات السكانية أو الإنتخابات المحلية .. وجاءت عملية إستثناء كركوك من إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة لتصب في هذا الإتجاه !
ـ تم إطلاق يد القيادات الكردية في قرى وقصبات محافظة نينوى التي تسكنها أقليات دينية وعرقية غير كردية ، كاليزيدية والشبك والآثوريين أو المسيحيين العرب .. وأمتد إطلاق اليد تلك حتى داخل مدينة الموصل مركز محافظة نينوى والتي يشكل فيها العرب من مسلمين ومسيحيين نسبة أكثر من 90 % ، وإذا بنا نرى أن مجلس محافظة نينوى المكون من 37 عضواً يشكل الأكراد منه 31 عضواً (!!) ، ونائب المحافظ هو مسؤول الحزب الديمقراطي الكردستاني في نينوى ، خسرو كوران ! إضافة الى وجود قوة مسلحة تقدر بلوائين عسكريين من ميليشيا البيشمركة في المحافظة .
ـ في المجال الإقتصادي ، تم إطلاق يد قيادات الحزبين الكرديين ، حيث سُمح لها بالقيام بإستثمارات لنفط العراق في مناطق ديالى ونينوى ، وتوقيع العقود وعقد الصفقات وبشكل علني وسافر ومخالف لكافة المفاهيم والنظم السياسية بما فيها النظام الفيدرالي الذي تتخذه القيادات الكردية مطية لغرض تحقيق الإنفصال وهي لاتؤمن أصلاً بفيدرالية العراق ، لأنه لو طبقت الفيدرالية فعلاًً ووفق المعايير الدولية ، لتهاوت الكثير من المخالفات والتجاوزات الكردستانية الدستورية والقانونية !
ـ وصل الحال الى حد وضع نظام لدخول المنطقة الكردية ، على الرغم من تبجح قادتها دائما بمقولة أنهم جزء من العراق ، أشبه مايكون بقوانين سمة الدخول التي تطبقها الدول في العالم وذلك بوضع الختومات واستيفاء الأجور في زاخو للعراقيين القادمين من تركيا أو الخارجين اليها ، وضرورة تزكية شخص كردي وكفالته للعراقي لكي يدخل أربيل على سبيل المثال ! إضافة الى مواقف أخرى منها منع رفع العلم العراقي الرسمي لدولة العراق في مناطق ( كردستان ) ! وقبل أيام سمعنا السيد فؤاد حسين رئيس برلمان كردستان وفي لقاء معه على إحدى القنوات الفضائية ( الشرقية ) كرر ولأكثر من مرة عبارة مسمومة ومقصودة وهي ( الشعب الكردي والشعب العراقي !! ) وهي دلالة واضحة على كذب ومراوغة إدعاءات تصريحات بعض مسؤولي الحزبين من أن كردستان جزء من العراق وأنهم دعاة فيدرالية !!
هذه الأمور وغيرها كانت تحدث ، تحت سمع وبصر السلطة المركزية في بغداد .. ولطالما سمعنا عبارة ( الوضع الخاص لكردستان ) على لسان مسؤولي المنطقة الخضراء !! ، وهذه السلطة كما ذكرنا آنفاً ونذكّر أنها لاتمتلك حرية القرار كأي حكومة لدولة تحت الإحتلال العسكري وخصوصا في المسائل الكبيرة .. فإذن كانت تلك قرارات تتبناها أميركا وإسرائيل وتعمل على تطبيقها كجزء من خطة الفوضى وحالة التجزأة والتصدع في العراق ، تماماً كما حصل عند إغماض الأعين عن تطرف الأحزاب الطائفية ، ونشوء الميليشيات وتقوية ساعدها ، وعصابات وفرق الموت ، والسرقات واللصوصية الرسمية والشخصية .. أي العمل على هدم نسيج المجتمع العراقي وهدم الدولة وإضعاف الدور الحكومي لأي سلطة في بغداد في مرحلة حرجة تقتضي ذلك وكجزء من آيديولوجية سياسية تبنتها أميركا وإسرائيل .!
بدأت بداية النهاية لهذه المرحلة تظهر للعيان بعد ظهور تغيرات جديدة في سياسة الحكومة الحالية برئاسة السيد المالكي ، وأود أن أذكّر مرة ثانية بما أشرت اليه آنفاً وهو أن صاحب القرار الحاسم في العراق هو سلطة الإحتلال وهو أمر طبيعي لأي بلد محتل في العالم ، وبدأت تظهر في الأفق معالم مرحلة جديدة ومنعطف سياسي مختلف من أبرزها :
التغيرات الحاسمة التي تبنى السيد المالكي تنفيذها وأعني بها الحملات العسكرية وبالأخص في محافظات البصرة وديالى ونينوى ضد المسلحين والميليشيات بما يعني إنتهاء دور هذه التنظيمات ، وكالعادة وضعت مبررات ذلك إعلامياً تحت شعار محاربة القاعدة والخارجين عن القانون ..
في البصرة كانت الضربة موجهة بشكل مباشر لمسلحي التيار الصدري ، وهم ميليشيا وحلفاء سابقين للمالكي نفسه ، وبشكل غير مباشر لتحجيم حزب الفضيلة .
في ديالى والموصل كانت الضربة المباشرة لنفوذ ميليشيات الحزبين الكرديين ، أو بكلمة أخرى لغرض قلب معادلة سيطرة النفوذ الكردي أو بكلمة أدق إضعاف نفوذ قيادة الحزبين في هاتين المحافظتين بعد سيطرتهما بالقوة مستفيدَين من معطيات المرحلة السابقة ومنها عدم تدخل حكومة بغداد ، ومعروف لدينا ماتم من تحدٍ للسلطة العسكرية والرسمية العراقية في مندلي وجلولاء في محافظة ديالى ، وما تم في الموصل من تفجير الزنجيلي ، وإغتيال رموز دينية مسيحية لها ثقلها كالمطران رحو ، وتهجير العوائل المسيحية ، وحملات الضغط والقسر التي تمت ممارستها ولا زالت بحق اليزيدية والشبك والآثوريين والتركمان في قرى المحافظة . لقد أعقب الحملة العسكرية الأولى في الموصل رفع حواجز التفتيش التابعة للبيشمركة الكردية داخل المدينة ، وتقليص نفوذ أفرادها هناك ، ثم إحلال قوات عسكرية عربية من الأنبار وصلاح الدين لتتولى مهمة الأمن فيها ، مما أدى الى تحجيم نفوذ ألوية البيشمركة التي زرعت داخل الموصل ، سافر بعدها خسرو كروان الى أربيل وبقي فترة طويلة هناك .
أعقب ذلك ظهور التصدع في الإئتلاف الحكومي مع التحالف الكردستاني ، وبدأت ظواهر تغيير الخريطة السياسية ، خصوصاً في موضوع التلويح بإعادة صياغة الدستور أو تعديله ، وقضية كركوك والمادة 107 من الدستور .. وتأسيس مجالس الإسناد والتكتلات العشائرية التي عارضها السيد البرزاني صراحةً وبقوة .
لقد بدأت الفجوة تظهر ثم بدأت بالتوسع بين الطرفين .
المرحلة الثالثة ، كانت مرحلة إنتخابات المجالس المحلية للمحافظات ، والتي أفرزت محصلات شبه نهائية لمعالم مرحلة جديدة . ما يهمنا منها هنا هو موضوع هذا المقال ، أي الحزبان الكرديان وبدء إنحسار المد الأمريكي ـ الإسرائيلي الداعم لهما لاسيما مع تغير الإدارة الأمريكية والإسرائيلية ، والموقفين التركي والإيراني ، وتغير أولويات أجندة السياسة العالمية ، حيث سارع السيد مسعود البرزاني الى القيام أولاً برحلة الى عدد من الدول الخليجية العربية ، والتي فشلت كما يبدو ، وكانت قد سبقتها قبل أشهر رحلة غامضة له قيل في وقتها أنها كانت الى إسرائيل .. ثم إعلانه عن القيام برحلة الى بعض الدول الأوربية منها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، ولا ندري هل هي رحلة البحث عن البدائل أم رحلة مساومات نفطية وإغراءات إستثمارية ..؟؟ والملفت للنظر أن تتم هذه التحركات البرزانية ، في وقت يغرق فيه ( الأخ العدو ) جلال الطالباني بمشاكل التصدع الذي طرأ على حزبه الإتحاد الديمقراطي والذي قام به قادة من الصف الأول في الحزب بسبب ماقالوا عنه أنه فضائح الفساد المالي للعائلة الطالبانية بالدرجة الأولى !!
خرج الحزب الديمقراطي الكردستاني من نسبة الأغلبية في مجلس محافظة نينوى ولصالح العرب !
وحدث نفس الشيئ في محافظة ديالى .. !
الإحتمالات التي بقيت أمامه في المديين القريب والبعيد هي الإستمرار بممارسة الضغوط والإرهاب بحق الأقليات العرقية والدينية كاليزيدية والشبك والآثوريين وغيرهم في محاولات يائسة كما يبدو لتكريدهم ، وهذا ماكان يحدث خلال سنوات ولايزال ، بل قد تفاقم بعد الإنتخابات..! ومن المضحك حقاً أن أحد تبريرات ذلك هو أن هؤلاء يتكلمون اللغة الكردية ..! وأتساءل هنا كما تساءل السيد طالب العسل في مقال له بعنوان ( البرزاني يفتي بعودة المناطق المتنازع عليها دون الرجوع الى الدستور ) حيث تساءل عن حوالي مليون كردي يسكنون بغداد والمناطق الأخرى من العراق ويتكلمون العربية .. فهل علينا إعتبارهم عرباً من هذا المنظور ..؟
الإحتمالات الأخرى المتوقعة هي تبديل خريطة التحالفات والتكتلات والإئتلافات مع القوى السياسية الأخرى التي دخلت العراق تحت المظلة الأمريكية ، وهذا مابدأ فعلا في الظهور ، حيث بدأ الغَزَل بين الصدريين والفضيلة وأحزاب أخرى مع السيد المالكي من جهة .. وبين السيد أياد علاوي والمجلس الأعلى الإسلامي والتحالف الكردستاني من جهة ثانية خصوصا بعد أن سمع السيد البرزاني من الأمريكان أن عليه التفاهم مع حكومة بغداد بخصوص كركوك ، وبعد الإنتكاسة التي تعرض لها المجلس الأعلى برئاسة عبد العزيز الحكيم في محافظات الجنوب بشكل خاص وكذلك محافظات الفرات الأوسط مما حدا بعمار الحكيم تغطية فشل قائمته ( شهيد المحراب ) بالتصريح لقناة العربية الفضائية في 23 / 2 بالقول : ( لقد جمدنا الحديث عن الفيدرالية منذ أمد طويل ..!! ) .. وهو كذب سافر ، أضف الى ذلك خلافاتهم مع السيد المالكي ومحاولة اللعب على الحبال وممارسة الضغوط ، ناسين أو متناسين أن الأمريكان يقفون وراء هذه التوجهات الجديدة ، وأن إسرائيل صامتة عما يحدث وتحاول إعادة بناء الجسور مع تركيا التي تعول عليها كما هي أميركا كقوة إقليمية وكحليف لاتجوز خسارته ..
هل سيحدث التصادم المسلح من جديد بين البيشمركة والقوات الحكومية ..؟
قال خسرو كوران ، بعد الإنتخابات متوعداً بيأس ، أنهم ، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني ، سيلجأون الى غلق الحدود جنوب خط الحظر ، كما عبر عنه ـ وهو الخط الذي فرضته أميركا على العراق إبان الحصار عام 1991 ـ وهو يقصد بذلك قرى ومناطق سهل نينوى التي إستولت عليها حكومة ( الإقليم ) عند وبعد الإجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 ، وذلك إذا ما لجأت القوات الحكومية بممارسة الضغط المسلح لإخراجنا منها ..
هذا التصريح جاء في مجموعة وموقع :
McClatchy Newspapers
في مقال نشرته الكاتبة ليلى فاضل بعنوان :
Iraq’s Kurdish – Arab tensions threaten to escalate into war
أي ( الإحتقان الكردي ـ العربي يهدد بالتسارع الى الحرب )
ويضيف كوران : ( مع قائمة الحدباء ستكون هناك مشكلة ، وأن منطقة نينوى ستنقسم .. وإذا ماحدث الضغط على الكرد ، فإننا سنبقى في مناطقنا ولن نسمح بأي تدخل في شؤوننا )
الملاحظ هنا أن تصريح كوران كان بمثابة الرد على تصريح نشرته نفس الصحيفة على لسان الشيخ عبد الله الياور من شيوخ عشائر شمر ومن أبرز قادة قائمة الحدباء والذي قال فيه : ( جعل الأكراد مجلس المحافظة في نينوى مسخر لهم .. ومن أولويات عملنا الآن دفع ميليشيا البيشمركة خارج نينوى . سنطرد كل من يحاول أن يعمل ضد القانون ومؤسسات الدولة . حيثما ترى ميليشيات عليك أن تستعين بالقوات الحكومية لإخراجهم ، وحيثما ترى مؤسسة حكومية عليك أن ترى العلم العراقي الرسمي فقط مرفوع عليها ، وعلى قوات الجيش أن تضم الجميع من عرب وأكراد ومسيحيين وغيرهم ، فالجيش هو القوة العسكرية الوحيدة التي يجب أن تلعب دورها وتؤدي مهامها ..)
الأغرب من كل ذلك ، أن خسرو كوران ، وهو القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، ومسؤول الحزب في محافظة نينوى ، قال في تصريحه ماهو أعنف وبشكل يوصف بالوقاحة : ( المالكي لايؤمن بالفيدرالية .. وبالنسبة لنا ليس مهماً ماذا يريد الآخرون ، وإذا لايريد المالكي أن يصدق ذلك ، فهي إذن الحرب مرة ثانية ..!!)
الآن ، وبعد الإنتخابات ، قد بدأت الحملة العسكرية الثالثة على نينوى تحت ذريعة مطاردة فلول القاعدة والمخربين .. فهل أنها تأتي مصداقاً لتصريح الشيخ عبد الله الياور وقادة العرب الذين إكتسحوا بالنصر الإنتخابات المحلية لكي يتم تطهير المحافظة من ميليشيا البيشمركة .. ؟
والسؤال هو .. هل أن ذلك كان يمكن أن يبدأ ثم ينجز بدون غطاء سياسي وعسكري أمريكي ..؟
وهل فهم ذلك القادة الكرد في الحزبين ، أم أنهم لايريدون أن يفهموا ..؟
يبدو أن الأخيرة هي الصحيحة .. فعندما نسمع ماقاله السيد مسعود البرزاني في أربيل ونقلته الصحيفة المذكورة عنه ، نستشف ونلمس أن ( العقدة ) لاتزال تتحكم بعقلية صاحب القرار السياسي . يقول السيد البرزاني :
( المشكلة ليست من البيشمركة وتوسع مناطق عملها فالأكراد يريدون المطالبة بإستعادة مناطق تابعة لهم ويؤمنون بذلك ، وهو مايرفضه العرب .. ) ( العرب يقبلون الكردي فقط عندما يكون هو العبد وهم السادة .. لقد سقطت المركزية في العراق ، ولن يستطيعوا أن يحصلوا على قائد أقوى من صدام حسين ..! )
وهو طبعاً يلمح هنا ويهدد بشكل مبطن الى مساهمة الكرد بإسقاط صدام على الرغم من ما كان عليه من قوة وسيطرة !!
وأتساءل أخيراً .. هل إسرائيل أو أميركا تريد أن تسقط حكومة بغداد المركزية كما فعلت مع صدام ..؟ الجواب قطعاً : كلا
وهل أن الظرف الدولي عام 2003 هو نفسه عام 2009 ..؟
وهل يريدنا السيد البرزاني أن نصدق أنه المحور الذي يحرك المصالح السياسية الدولية في المنطقة ..؟
وإذا مارفع السلاح مرة أخرى ، كما أشار كروان .. فهل هو مَن سيطلق على نفسه هذه المرة رصاصة الرحمة ..؟؟
إن ذراع البوصلة السياسية لم يعد متجهاً الى ( الشمال ) كقطب مغناطيسي كما يفعل ذراع البوصلة العادية .. فذلك وهْمٌ ، وذلك زمن قد ولّى .. فالبوصلة السياسية تحركها المصالح السياسية العالمية .. وعلينا أن لاننسى ، وأن لاينسى قادة الحزبين الكرديين ، وكذلك قادة التحالفات والإئتلافات والتكتلات في العراق : أن للسياسة مصالح وليس أصدقاء ..!
lalhamdani@rocketmail.com
2 comments:
جزاكم الله خيرا"
شركه تنظيف
بالعمق
تويتر شعر
انستقرام ضحك
Post a Comment