Friday, April 11, 2008

نوري المالكي .. فرزاد باسوف .. والسياسة البريطانية ..!

نوري المالكي .. فرزاد باسوف .. والسياسة البريطانية ..!

علي الحمــداني

كلنا يعرف نوري المالكي .. رئيس الوزراء العراقي الحالي .. وسياسته الداخلية والخارجية وصولاته وأيضاً شطحاته ..!
وكثير منا ربما عدا الشباب من الجيل الجديد ، يتذكر البريطاني ، الإيراني الأصل ، فرزاد باسوف الذي أُتهم بالتجسس ، وأعدمه صدام حسين في 15 آذار / مارس 1990 ..!
ولكن ربما القليل منا فقط ، مَن يعرف حقيقة السياسة البريطانية الخارجية إلا بظواهر الأمور ..!

قطعاً سيتبادر الى ذهن القارئ .. ماهو الربط بين المفردات الثلاثة في عنوان هذا الموضوع .. ؟
لنبدأ حديثنا إذن ..

فرزاد باسوف ، إيراني ، يتكلم العربية والإنكليزية بطلاقة ، من مواليد 1958 ، في إيران . حضر الى بريطانيا عام 1985 .. والتحق بعد فترة وجيزة ، كصحفي في واحدة من أبرز الصحف البريطانية وأرصنها ، تلك هي صحيفة " الأوبزرفر " .
شارك مع وفود صحفية تمت دعوتها الى بغداد عام 1989 ، لغرض كتابة التحقيقات الصحفية عن الوضع العراقي بعد خروجه من حرب السنوات الثمان مع إيران .. وإعادة الإعمار .
خلال وجوده في العراق ، وفي 19 سبتمبر 1989 .. حدث إنفجار هائل في مجمع الإسكندرية للتصنيع العسكري ، تناقلته وكالات الأنباء ، بالرغم من محاولة التعتيم عليه من قبل السلطات العراقية .. وذَكرت تلك الوكالات ، أن الإنفجار وقع في وحدة خاصة في المجمع ، في مصنع يعمل على إنتاج صواريخ بالستية متوسطة المدى ..!
في مطار يغداد الدولي .. وبعض الوفود الصحفية تتهيأ لمغادرة العراق .. تم إلقاء القبض على فرزاد باسوف .. وإقتياده الى جهة مجهولة .. مع صحفية بريطانية أخرى هي " دفني بارش " ..
تقول التحقيقات العراقية آنذاك أنه تم العثور في حقيبة بازوف على مجموعة صور في محافظة بابل ومجمع الإسكندرية للتصنيع العسكري ، وكذلك حمل معه بعض الأتربة من المنطقة لغرض إجراء فحوصات مختبرية عليها في بريطانيا لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على أية إشعاعات نووية ..!
تم إطلاق سراح الصحفية بارش ، بتدخل من الزعيم الأفريقي " كويث كاوندا " ، في حين بقي بازوف رهن التحقيق في سجن أبو غريب ، لمدة ستة أسابيع ..
لأهمية موضوعه ، تدخلت لإطلاق سراحه آنذاك " ماركريت تاتشر " رئيسة الوزراء البريطانية ، حيث إتصلت بالرئيس العراقي صدام حسين ، ووعدها خيراً ..! ثم أرسلت له رسالة خاصة عن طريق السفير البريطاني في بغداد ، وأجابها صدام عليها ، بأن طمأنها ، ووعدها بتحقيق قضائي عادل مع بازوف سوف ينتهي قريباً ..!
ذلك الوعد لم يتم .. بل تم محله إرسال فرزاد باسوف ، في صندوق خشبي على متن إحدى طائرات الخطوط الجوية العراقية ، بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام فيه ..!!

لم تصدر تصريحات كثيرة عن الحكومة البريطانية حول الموضوع ، كما هي عادة الساسة البريطانيين وفلسفة السياسة البريطانية وأسلوبها ..!! بل تولت الصحافة .. وخصوصاً الأوبزرفر إستنكار ماحدث ، ومحاولة تبرئة ساحة بازوف ، وأنه ليس جاسوساً ، بل صحفياً عادياً .. مع التهجم على القرار العراقي ..
ولكن صدر الأمر الى طاقم السفارة البريطانية في بغداد بمغادرتها والعودة الى بريطانيا .. وألغيت بعض الزيارات الرسمية لوزراء بريطانيين كان من المقرر إجرائها ..!

ثم وبأسرع مما هو متوقع هدأت العاصفة .. وكأن أمراً علويا قد صدر الى الصحافة .. والساسة البريطانيين ..!
هكذا هو شأن السياسة البريطانية دائماً .. لمن لايعرف عمق هذه السياسة ..!

بعد 13 عاماً .. على حادث إعدام فرزاد باسوف ، وفي عام 2003 تحديداً ، بعد سقوط العراق تحت الإحتلال ، كانت من أوائل المهام التي قامت بها القوات البريطانية ، هي القبض على " كاظم عسكر" ، العقيد في المخابرات العراقية .. والذي كان مسؤولاً عن التحقيق مع بازوف ، قبل ثلاثة عشر عاماً مضت ..!!!

وقبل نفس المدة الزمنية تقريباً ، وكما هو معروف ، قامت " ماركريت تاتشر " رئيسة الوزراء البريطانية .. بجولاتها المكثفة الى أميركا .. وممارسة ضغوطاً غير عادية على جورج هربرت بوش ( الأب ) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، لضرب القوات العراقية التي كانت قد إحتلت الكويت ، وكذلك ضرب بغداد بالصواريخ مع بداية عام 1991 .. ثم إدخال النظام العراقي تحت الحصار الإقتصادي والسياسي وفرض مناطق الحظر الجوي في سماء العراق ..!

هذه هي قصة فرزاد باسوف .. وهكذا كانت ردة الفعل السياسية البريطانية ببرود ودهاء كما هو معروف عنها ..!
لقد كانت كما يقال " القشة التي قصمت ظهر البعير " ..!


وبالعودة الى نوري المالكي .. وآخر أكبر شطحاته السياسية على مدى سنتين منذ أن تولى رئاسة الوزارة في العراق .. وأعني بها أحداث البصرة الأخيرة .. أشعر أن ثمة مقارنة بين الحادثتين مع ماقد يبدو من غرابة في ذلك ..!

ولنبدأ القصة من الأخير ، ومن وجهة النظر والموقف السياسي البريطاني .

مساء الخميس 10 / 4 الجاري .. أذاعت القناة التلفزيونية البريطانية الرابعة ، وفي نشرتها الإخبارية المسائية الرئيسية ، لقاءاً أجراه " جون سمبسون " المذيع والصحفي البريطاني البارز ، مع قائد القوات البريطانية في العراق " جوليان فري " ، ومقره في مدينة البصرة يتعلق بالأحداث الأخيرة وتداعياتها .

جون سمبسون ، رجل المهمات الصعبة ، كما يسمى ، هو من أوائل من غطى أحداث غزو الكويت عام 1990 ، وأحداث الهجوم الذي قادته أميركا وبريطانيا على الجيش العراقي في الكويت بداية عام 1991 ، ثم ومن العاصمة بغداد تولى تغطية الهجوم الجوي والصاروخي عليها في نفس الفترة ، وكذلك قام بالإنتقال الى بغداد في آذار / مارس عام 2003 ، لتغطية الهجوم الجوي على بغداد وبقي الى مابعد سقوطها في 9 نيسان / أبريل من نفس السنة ..!
عُرف عنه بتغطية الأحداث الساخنة في العالم كمراسل حربي ، وقد نقل الكثير من أحداث الحرب في أفغانستان على حكومة طالبان والقاعدة .. كما أنه عُرف بكتاباته وتحليلاته الصحفية في كبريات الصحف البريطانية ، ومن خلال شاشات التلفزة ..

قال سمبسون ، للقائد البريطاني ، بتعقيب ذكي ذي دلالات : ( إذا كان المالكي قد أدار ظهره لنا في البصرة .. والتفت الى القوات الأمريكية لطلب نجدته وإنقاذ حياته .. فلماذا إذن قد وضعنا 4000 جندي بريطاني في البصرة ، ولماذا نعرّض حياتهم للخطر ...؟؟ )

تأتي هذه المقابلة التلفزيونية ، مساءيوم الخميس 10 / 4 كما ذكرنا ، وكانت الصحف البريطانية قد خرجت في الصباح بمقالات وتعليقات حول الموضوع ، كان من أهمها ، وذلك نظراً لأهمية الصحيفة وثقلها ، هو مانشرته صحيفة " التايمز " .. حيث وصفت العلاقات السياسية بين بغداد ولندن ( بالفاشلة ) ، حين إستنجد المالكي المحاصر في القصور الرئاسية في البصرة ، بالقوات الأمريكية لإنقاذه من موت محقق على أيدي جيش المهدي ، بعد أن فشلت قواته عسكرياً وأصبحت على شفا كارثة حقيقية ..!

وتضيف الصحيفة ، أن القوات البريطانية الموجودة في قاعدة بمطار مدينة البصرة ، لم يطلب منها المشاركة لدعم القوة العراقية المهزوزة هناك ..! وقد ذكر مصدر عسكري بريطاني أن القوات الأمريكية كانت في البصرة ( 150 فرداً كان مع القوات العراقية أصلاً في البصرة ، و550 جندياً آخر أرسل للنجدة من بغداد لاحقاً ) ، كانت هذه القوات تأكل وتنام مع نظيرتها العراقية ، وتنفذ مهمة كان يفترض أن تقوم القوات البريطانية بتنفيذها ..!
إنه ( إخفاق كبير للدبلوماسية البريطانية بسبب المالكي ) ! خصوصاً وأنه وخلا ل العملية العسكرية في البصرة ، أهمل مقابلة القائد البريطاني " جوليان فري " وقابل فقط القائد الأمريكي هناك " لويد أوستن " ..!

وقال المصدر العسكري للصحيفة .. أن المالكي كان ( مستاءاً) من الإتفاق البريطاني مع جيش المهدي في العام الماضي ، حين إتفقا على عدم مهاجمة القوات البريطانية عند إنسحابها من مدينة البصرة الى قواعدها خارجها .. وأطلق البريطانيون لقاء ذلك سراح عدد من قياديي التيار الصدري كانوا محتجزين لديهم ..!
لهذا السبب ، ( زعل ) المالكي على البريطانيين .. والتجأ الى الأمريكان ..!

يعني تصرف المالكي كان ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي .. ( إجا يكحلها عماها ..!!! )

وقبل يوم واحد أيضاً ، من مقال الصحيفة البريطانية ، ومقابلة سمبسون التلفزيونية ، أي في 9 / 4 ، صرح السفير الأمريكي في بغداد " رايان كروكر " ، والذي كان موجوداً في واشنطن مع قائد القوات الأمريكية في العراق " بتريوس " ، صرح لصحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية بالقول :
( إن جيش المهدي كاد أن يفتك بالمالكي ، لولا أن سارعت القوات الجوية الأمريكية والبريطانية لإنقاذ حياته ، بعد أن طلب النجدة منّا ، وبعد إلحاح شديد !!

طبعاً ، لم يفت كروكر ، من توجيه إنتقاد لاذع للمالكي لسببين ، الأول عدم إبلاغ القيادة الأمريكية بعملية ( صولة الفرسان ) !! ، إلا قبل 24 ساعة فقط .. والثاني أنه أكد ـ أي المالكي ـ للقوات الأمريكية إستعداد وقدرة القوات العراقية على حسم الموضوع !!

ونحن نقول .. كيف يمكن لجيش وشرطة من ميليشيات مرتزقة ، وقيادات هشّة ، وبقيادة قائد عام للقوات المسلحة ـ ومع إحترامي التام لكافة المهن ـ كان حتى خمس سنوات مضت ، صاحب محل لبيع ( السبح ) في منطقة السيدة زينب في دمشق ..! أن يدير عملية عسكرية صعبة ، لأنها حرب عصابات وحرب مدن .. وبعد كل ذلك يحسم الأمر وينتصر (.! )

وبالعودة قليلاً الى الوراء .. وقبل إنفجار الأزمة السياسية بين المالكي وبريطانيا .. وإحراج الأخيرة وبالذات الى يوم 5 / 4 ، حيث ظهر مقال على صحيفة " التايمز " أيضاً .. وبعنوان غريب هو :
( نوري المالكي يطالب الميليشيات بإعادة 50 مدرعة عراقية ..! ) كتبه مراسلها في بغداد " جيمس هيدر "
ننقل مقتطف من هذا المقال بالنص :

( وصف رئيس الوزراء العراقي المنهك نوري المالكي ، يوم أمس ، أن عملياته العسكرية ضد الخارجين على القانون ، كانت ناجحة ، على الرغم من أنه إستجاب للسلام مع الميليشات التي يقاتلها

إن رئيس الوزراء ، الذي يبدو مستقبله غير مؤكد ، سأل قادة ميليشيا المهدي بإعادة 50 سيارة ومدرعة عسكرية عراقية كانوا قد إستولوا عليها خلال المعارك ..!!! ثم يقول ، أنه ماضٍ قدماً في خططه العسكرية لفرض القانون والإستقرار !!

ثم قال المالكي في تصريحه بالحرف :

سمعنا أن أحد الأحزاب السياسية عن طريق ميليشياته ، قد إستولى على 50 سيارة تعود للحكومة .. أقسم بالله أنني لن أغادر البصرة قبل أن أسترجعها ، ومهما كلفني ذلك !

أنا مستعد لكي أعطي سيارات بدلها الى أولئك الذين إستولوا على سيارات الحكومة ، إذا ماتم إرجاعها الينا !! وبذلك نستطيع الحفاظ على سيطرة القانون (.!) )


هل تصرف المالكي بحماقة .. ففشل ..؟
هل ورّطه الأمريكيون ، وأدخلوه في النفق المظلم .. أم كان ذلك عن جهل وغباء سياسي ..؟
وهل يعقل أن الأمريكان لم تكن لديهم المعرفة عن تحركات الجيش العراقي إلا قبل 24 ساعة فقط من حدوث عمليات البصرة ، كما قال كروكر ..؟
أم هل لعب البريطانيون ورقتهم الرابحة .. وفي الوقت المناسب ..؟
فهل سيكون ماحدث .. وماتركه من آثار ، لازالت تتحدث عنها وسائل الإعلام والسياسة البريطانية ، هي مرة ثانية .. " القشة التي ستقصم ظهر البعير " ..؟

من يرى السياسة من الظاهر .. يعتقد أن زمام الأمور السياسية بيد الأمريكان ..
ومن يطلع على أعماق السياسة البريطانية من أحداث التاريخ .. سوف يدرك العكس ..

فهل يرى المالكي مايراه ساسة العالم ..؟

وهل هو يدرك أبعاد تصريحات كروكر وبتريوس .. فيخرج علينا أمس علي الدباغ الناطق بإسم المالكي ليصف لنا تقرير كروكر ـ بتريوس أمام الكونغرس بأنه : ( تقرير جيد ومهني ) ..!!
فهل فات علي الدباغ ورئيس وزرائه قراءة الفقرة الواردة في التقرير والتي تقول : ( أن الوضع في العراق هش وقابل للإنتكاس ) ..؟؟

أم أننا أصبحنا كالنعامة فعلاً ، وقد دفنت رأسها في الرمال .. وتصدق ، أن أحداً لايراها ..؟؟

lalhamdani@yahoo.com

www.alialhamdani.blogspot.com

No comments: