Friday, April 18, 2008

هل نحن نعيـش عصر غابة .. الأسد والثعلب والحمار..؟!

هل نحن نعيـش عصر غابة .. الأسد والثعلب والحمار..؟!

علي الحمـداني

إبتلاني الله بهوس متابعة الأخبار .. وقبل ذلك أُبتُليت بنقمة التفكير .. وفوق كل ذلك .. أحاطت بفكري مشكلة تحليل الحدث السياسي ، لعلي أخرج بنتيجة تفسر مايحدث في كل يوم على أرض العراق ، فأحاول أن أضع كلمة بجانب أخرى .. وسطراً بعد سطر .. وصفحة تلي صفحة .. حتى أرى أمامي مقالاً صحفياً أستطيع أن ادفع به الى ( كتابات ) .. ولسان حالي يقول : ( أعانك الله يازاملي في كل ماتتسلم على بريدك .. وربما هذا المقال أحدها ..!! )

نعم .. لم أرتكب خطأً في التعبير ، ولم تتشابك الكلمات وتختلط ، بما في ذلك عنوان مقالي هذا ..
نعم .. إنه هَوَس متابعة الخبر !
نعم .. إنها نقمة ، وأي نقمة أن تفكر !
نعم .. إنها غابة فريدة من نوعها ، ليس لها مثيل لا في أحراش الأمزون ، ولا في مجاهل أفريقيا ، ولا في غابات الهند !

إنها قصة .. قد تكون ورَدَت في قصص ، كليله ودمنة ، أو في حكايات ألف ليلة وليلة .. أو بقيت في جعبة الجدات والأمهات يروينها جيلاً بعد جيل ..!

تقول الحكاية :

يحكى أنه كانت هناك غابة خضراء وارفة الظلال .. كثيرة الخيرات .. إستولى عليها يوماً أسد نزق يحب البطش والتفرد ، وينصب نفسه حين وحيث يشاء ، ملكاً مطلق السلطة على أراضي حيوانات الله !
ولكي يتسنى له ذلك ويتمكن مما يريد .. قام وبمساعدة الثعلب بترهيب وقتل وطرد من يخشى جانبهم ويخاف صولتهم .. وكانت تلك أول خطواته وإنجازاته !

وحين تمكن من ذلك ، وتقديراً لخدمات الثعلب ، قام بتعيينه رئيساً لوزرائه .. على الرغم من أنه كان بدون وزراء إلا بعض من يختار له الثعلب ، من الثعالب الصغار والقرود وحشرات الأرض وديدانها ..

ولكي يضمن ، بقاء رئيس وزرائه ، وهو الملك المتفرد بحكم الغابة .. كان عليه أن يطلب منه أن يجمع له من يؤيد قراراته ، ويصدّر له القوانين.. كقانون التحكم بخيرات الغابة ، وقانون إنتخاب لأدارتها ، وقانون معاهدة طويلة الأمد يقبل بها أهل الغابة (الفارغة ) لتضمن له التسلط والتحكم في المستقبل ، فقام الثعلب بمكره المعروف وبتوجيه سيده المطاع ..
باختيار الحمار لهذه المهمة ..!!

وهكذا تبلورت الصورة الجديدة للغابة في مركزها الخصب .. وبقي الآخرون يحومون حولها وفي أطرافها .. يدخلون اليها أحياناً ، تارة بالحيلة والتسلل ، وتارة بالعنف ، وأحياناً بالمهادنة .. أو مانسميها بلغة العصر الحديث ، أو بلسان البشر .. ( السياسة ) !!

بعد حين ، يبدو أن الحمار بدأ ( يلعب بذيله ) كما يقال .. فبدأ ببعض الحمير الصغار ، وهو بالطبع يتعاطف معهم لأنهم أبناء جلدته ! بأن سمح لهم مع بعض القرود التسلل من مناطق ( الجوار ) ، وذلك في غياب ضوء النهار ، وإختفاء سكنة الغابة من الأقوياء ، وعتمة الليل الطويل ، لكي يلهوا ويلعبوا في الغابة .. ويحاول أن يستفيد من وجودهم لكي يزهو ويفخر بسلطته وأفضاله عليهم ، كما بدأ يغمض العين عن تحركاتهم وتحركات الحشرات والديدان وسرقاتهم لبعض ثمار الغابة ، والتي لايحق لأحد لمسها إلا بأمر الأسد صاحب القرار الأول والأخير بإعتباره ملك الغابة ..!

ومضى الحال ، حتى فاحت الروائح النتنة ، وبدأ أولئك يصدقون أنهم ذوي شأن ، وأن لهم حرية التصرف ، كما أن لهم حقوق في الغابة وما تحويه من كنوز وخيرات .. واصبحت للسرقات مسميات جديدة ، مثل إعادة بناء الغابة ، وتعميرها ، ودخلت مصطلحات العصر التي أتت مع الملك ، مثل الإستثمار وحرية التحرك والرأي أو ما يسمى في عالم البشر : ( الديمقراطية و حرية الكلمة وحرية الإنتخاب ) وغير ذلك من الأمور التي صَعُبَ عليهم في البداية فهمها ، ثم وجدوا أنه من الأسهل وضعها بصيغة جديدة تختلف عن غيرهم من خلق الله ، لسهولة تمريرها ،.. وذلك ماكان ..!

وجاء اليوم ، حين وجد أسد الغابة الحاكم المطلق بأمر القوة والسلطان ، أن عليه أن يفعل شيئاً .. فأرسل في طلب الثعلب ، ليسأله عما يحدث .. ولما لم يجد لديه الجواب الشافي .. قرر وضعه في موقف محرج لكي يختبره .. ثم طلب منه أن يجلب له الحمار لكي يأكله ...!

واحتار الثعلب ، رغم دهائه الذي عرف عنه ، وحيله التي إشتهر بها .. ولكنه وافق على مضض ، فالتضحية بالحمار أو بالحمير خير من فقدان مركزه بصيحة واحدة من الأسد ، خصوصاً وأن هذا الأخير هو من كان قد جلبه من إحدى أطراف الغابة بعد أن كان مغموراً ووضعه في منصبه !

وفي الأخير ، ذهب الى الحمار ..

وبما عُرِفَ عنه من دهاء وحيلة ومعسول الكلام .. جلس الى جانب الحمار ، وقال له :
مولانا .. وولي نعمتنا ، ملك الغابة .. يريد أن يقابلك ، لكي يلبسك التاج .. ويكرمك على خدماتك !
ولأنه حمار .. فقد صدّق كلام الثعلب .. وذهب معه
وما أن حضرا الى مقر الأسد ! حتى نهض الأخير ، ورفع يده ليبطش بالحمار .. فأصابت أذنيه الكبيرتين وقطعتهما .. فهرب الحمار !

إستشاط الأسد غضباً ، وقال للثعلب .. يجب أن تحضره من جديد !
واحتار الثعلب بهذا الموقف الذي يزداد صعوبةً وتعقيداً !!
ولأنه لاسبيل لمخالفة الأوامر ( العليا ) .. ذهب الى الحمار مرة أخرى !

جلس اليه .. وقال له .. لماذا هربت .. إنك حقاً لاتفهم شيئاً في أساليب التعامل والسياسة ؟
لقد أراد مولانا ، أن يزيل أذنيك ، حتى يستطيع أن يضع التاج على رأسك .. فتعال معي !
ومرة ثانية .. ولأنه حمار ، فقد صدّق كلام الثعلب ، وذهب معه الى الأسد !
وحين رفع الأسد يده ليبطش به ، أدار ظهره يريد الهرب مرة ثانية .. فأصابت يد الأسد ذيل الحمار فقطعته ..!
إنه أسد ، ولكنه كما يبدو أحمق ، لايحسن إلا الضرب العشوائي بتهور واستهتار !!

واستشاط غضباً لفشله المرة بعد الأخرى .. والتفت الى الثعلب ليطلب منه أن يجلب الحمار .. وإلا !
ذهب الثعلب مرة أخرى الى الحمار .. يؤنبه على غبائه وتسرعه في الهرب .. وقال له .. كيف تهرب ألا تعلم أن الأسد قد تعمد قطع ذيلك كي تستطيع أن تجلس على كرسي الحكم براحة وإستقرار ..؟
هيا لنذهب اليه مرة أخرى وعليك أن تعتذر منه على تسرعك وعدم فهمكَ ..!!

ولأنه حمار ، فقد توجه للمرة الثالثة الى الأسد ..
وهذه المرة .. لم يتركه الأسد يفلت .. فقد قضى عليه وأكلهُ ..!

إلتفت الأسد الى الثعلب .. وقال له ..

هذه المرة أريد منك أكثر من حمار مطيع لايخالف أوامري في التحكم بشؤون الغابة ، لأنني أفكر في تقطيعها ..! ولكن..
ربما من الأفضل ، أن تجلب بعض الثعالب من بني جنسك ليتولوا المهمة .. ولابأس أن يكون معهم بعض صغار الحمير المطيعين .. وكذلك بعض القرود .. ومن يشاءون من الحيوانات على شرط أن تسمع وتطيع .. فنحن هنا نريد تعاون الجميع .. ونريد للجميع أن يستفيدوا ويفيدوا .. لقد سمعت أن البشر يسمّون ذلك ( الديمقراطية ) .. أنا أفهم ذلك .. ولكن يجب عليهم أن يفهموها كما أريد أنا لاكما يريدون هم .. لكي يعيشوا في الغابة ، بعد أن أصبحت مُلكاً لنا ..!

هزّ الثعلب رأسه .. وانتشى لكلام الأسد ، فها هو قد وافق أخيراً على تولي الثعالب حكم أجزاء الغابة المنكوبة ..!
وبدأ العمل على الفور .. واجتهد في إختيار مجموعات ( سمعاً وطاعة ً ) .. فهناك الكثير من المكاسب يريدها الأسد .. وهناك مكاسب يريدها الثعالب ، وهاهم سوف يحصلون عليها بفضل دهائه وتقربه من الأسد .. وسوف يعترفون به الآن أنه فوقهم ، وأنه الكبير .. والحكيم ..!!!

lalhamdani@yahoo.com

www.alialhamdani.blogspot.com

No comments: