حملة الموصل !
هل هي تكتيك مرحلي لتحقيق أهداف إستراتيجية ..؟
أم فشل للحملة فَرضَه تكتيك المقاومة العراقية
علي الحمداني
مرت ( الحملات ) العسكرية في ظل حكومات الإحتلال وخصوصاً الحكومة الحالية برئاسة المالكي بعدة صفحات ، منها ماسمي بالحرب ضد الإرهاب كما حدث في الأنبار والفلوجة بالذات ، ومرة أخرى بخطة فرض القانون كما حدث خصوصاً قي بغداد ، أما في البصرة فقد أطلق عليها القضاء على العصابات والخارجين على القانون ، وفي الموصل القضاء على القاعدة .. وقد تم تنفيذ هذه العمليات تحت مسميات مختلفة ، ولكنها كانت جميعها من وضع وتنفيذ وإسناد قوات الإحتلال ، بالرغم مما نسمعه من جعجعات حول قيام قوات ( الجيش والشرطة ) العراقية بتولي مهام إدارة وتنفيذ هذه العمليات .
هذا صحيح الى حد ما ، فالقوات العراقية ( المسلحة ) تقوم بمهام قتالية ، ولكن ليس خارج وضع الخطط وإدارتها أمريكياً . ولقوات الإحتلال أسبابهم لذلك من منظورين أولهما هو لإظهار أن القوات العراقية في طريقها الى البناء والتطور وأنها ستكون مستعدة تماماً يوماً ما (...) لتولي المهمة الأمنية بنفسها ..وهذا يضمن إحتلالهم الى أجل غير محدد ، والثاني ، التقليل من الخسائر الأمريكية بإستخدام القوة العراقية كرأس حربة ، وقد طُبّق هذا وبنسب من النجاح في عمليات مايسمى قوات الصحوة وبإستخدام القوة البشرية لأبناء المناطق العراقية من العشائر .
أتت عملية " زئير الأسد " ! في الموصل والتي تغير إسمها بعد أيام الى عملية " أم الربيعين " ! بعد فترة وجيزة من عملية " صولة الفرسان " ! التي حدثت في مدينة البصرة وكادت إنعكاساتها أن تكون كارثية على الحكومة ، لولا إذعان مقتدى الصدر لضغوط وتوجيهات حكومة طهران .. أعقب ذلك تدخل مباشر من القوات الأمريكية والبريطانية لمساندة المالكي ، مما أدى الى تشرذم وتفتت مقاومة جيش المهدي .. وبالتالي تحقيق النصر الأمريكي ـ الإيراني ـ المالكي بشكل أو بآخر .. أعقبه غزل المصالحة بين مقتدى والحكومة !
هذه العملية ، كانت بمثابة المجس الذي أعطى مؤشرات لكافة الأطراف حول طبيعة التكتيك المستقبلي في عمليات مماثلة . لكن الأهم من ذلك ، أنه كانت هناك تجربة سابقة أكبر من هذه ، وأقرب الى طبيعة عملية الموصل المقترحة .. تلك هي تجربة الفلوجة ، والتي أعطت من خلال تجربتها ونتائجها ، مؤشرات يمكن إعتمادها في ضرب المقاومة العراقية وهذا ماتم التكتيك بخصوصه في حملة الموصل .
ـ إعترفت المقاومة العراقية أنها قد إنجرّت الى حرب نظامية على الأرض في الفلوجة ، وقدمت من أجل ذلك عدداً من خيرة مقاتليها على الرغم من تفهم قيادات المقاومة المتمرسة عسكرياً للموقف آنذاك ، وأنها يجب أن تكون بعيدة عن الحرب النظامية مع القوات الأمريكية ، وأن تبقي على إستراتيجيتها في حرب العصابات .. ولكنها وجدت نفسها في أتون معارك ضارية مع القوات الأمريكية دفاعاً عن أهالي الفلوجة .
ـ تم توقيت معركة الفلوجة ، بعد أن تأكد للقوات الأمريكية بتمركز عدد من فصائل المقاومة في محافظة الأنبار إستعداداً لخوض المعركة دفاعاً عن المحافظة .. وقد جاء تمركزهم هناك بسبب ضربهم في مناطق أخرى من العراق ، رافقته تسريبات إعلامية من قبل حكومة علاوي ، تتكلم عن منطقة غرب العراق ومحافظة الأنبار ودخول مقاتلين من سوريا الى المنطقة ، ووجود قواعد لجماعة القاعدة هناك .. وأن المنطقة قد غدت مركزاً لتصدير الإرهاب !!
ـ حداثة عهد المقاومة في تلك الفترة ، لاسيما وأنها تعتمد في قدراتها على تمويلها الذاتي ، وليس هناك من دولة إقليمية شيعية أو سنية تقف لمساندتها ، بخلاف جماعة القاعدة على سبيل المثال ، أو الميليشيات التي بدأت تظهر على الساحة مدعمة من مراكز وأحزاب حكومية وطائفية .. ومن إيران .
ـ إن سلطات الإحتلال والحكومة العراقية ، تعلم علم اليقين ، أنه لا يوجد أي نوع من التنسيق والتعاون بين المقاومة العراقية سواء تلك التي يقودها حزب البعث ، أو رجال الجيش العراقي الشرعي ، أو حتى الفصائل الإسلامية المسلحة .. وبين تنظيم القاعدة الذي ينظر اليه أولئك بعين الشبهة من حيث تاريخه وتعاونه مع الأمريكان ، وهو ما ثبتت صحته لاحقاً ، وحتى لدرجة إنكشاف تعاونه مع النظام الإيراني والمفترض أنهما على طرفي نقيض ... ! لكن الضرورة الإعلامية والحرب النفسية إقتضت ربط عمليات المقاومة بالعمليات الإرهابية وبجماعة القاعدة لغرض تشويه سمعة المقاومة من جهة ، وإذابة دورها أمام الرأي العام العراقي خصوصاً ، وكأنها غير موجودة وغيرفاعلة أصلاً !
كل هذه التكتيكات قد نجحت بدرجة او بأخرى .. وبقيت عين الإحتلال وحكومته في بغداد تنظر من زاوية أخرى على التطورات النوعية في عمل المقاومة العراقية حتى بعد التضحيات التي منيت بها في معركة الفلوجة والتي لم تتحول حتى في تلك الفترة الى إنتكاسات ، واستطاعت المحافظة على صمودها ، وتركيع القوة العسكرية الأمريكية التي تحاول دائماً تجنب تقديم خسائر بشرية كبيرة .
كانت أولى المحاولات من قبل المحتل بعد حرب الفلوجة ، هي محاولة مد الجسور مع المقاومة وفتح بعض الحوار معها خارج العراق ، وعن طريق اللقاء ببعض قادتها في الأردن . هذه المحاولة لم تثمر بما كان يسعى اليه الأمريكان لإصطدامها بمبدأية طروحات المقاومة .. ولم تنتهي بالنتيجة الى شيئ يذكر .
أصبح خلط الأوراق بعد ماتعرضت له محافظة الأنبار ومذابح الفلوجة وحديثة والقائم ، بمحاولة ربط أنشطة المقاومة بالقاعدة والإرهاب ومحاولة وضعهما أمام الرأي العام كوجهان لعملة واحدة ، أصبح أمراً مهزوزاً ومن الصعب تقبله ، وقد لعب إعلام المقاومة وصبرها ومبدأيتها وتكتيكها الدور المهم في ذلك .. فظهرت على السطح ماسمي " بمجالس الصحوة" كردة فعل عشائرية إنطلقت أول الأمر من غرب العراق ومن الأنبار بالذات ، وأعلن عن دورها ، أنها تستهدف القاعدة وتعمل على تطهير المنطقة من الإرهابيين ، وقامت هذه بدورها بنجاح الى حد ما من خلال الدعم والتمويل الأمريكي ، إلا أنها فشلت في إختراق تنظيمات المقاومة لغرض إستهداف عناصرها وتصفيتهم لحساب الأمريكان .
لقد لعبت حكومة بغداد أيضاً دورها بإتقان ، وذلك بالإيحاء ومن خلال مواقفها أنها ليست مع فكرة مجالس الصحوة .. بل ورفضت وعلى لسان مسؤوليها ضم هؤلاء الى الأجهزة الأمنية ، وكأنها تقف موقف الضد من هذه المبادرة الأمريكية والصحوة العشائرية .. في حين تولّت إيران ومن خلال مجنديها في العراق من فيلق القدس القيام بعمليات تصفية لعناصر هذه المجالس لحساب جماعة القاعدة ، وكانت تسعى الى هدف مزدوج من خلال ذلك وهو ، أولاً إضعاف دور العشائر السنية العربية ، وثانياً محاولة إختراق المقاومة ، بإعتبار أن الأخيرة كان لها موقف مضاد من هذه المجالس بسبب تعاونها مع القوات المحتلة . وهذا أيضاً لم يحقق أهدافاً تذكر لا للحكومة وأجهزتها الأمنية المتكونة من الميليشيات الطائفية الحزبية ، ولا لعرّابهم قاسم سليماني وفيلقه .. وأثبتت المقاومة مرة أخرى بُعد نظر في قراراتها .
وحين إندلعت أزمة جيش المهدي ، ومقتدى الصدر مع الحكومة والإحتلال الأمريكي ، وبدأ القتال هنا وهناك ، حتى وصل ذروته في مدينة البصرة .. إعتقد البعض أن الوقت قد حان لكي تعلن المقاومة العراقية موقفها المساند لجيش المهدي ، بل وتدخل بقوتها كشريك في المعركة أو الإنتفاضة .. ولكي أكون صادقاً معي نفسي ومع الآخرين ، كنت أنا شخصياً ممن وقف هذا الموقف ودعوت المقاومة ومن خلال رسالة مفتوحة الى أن الوقت قد حان لإعلان ثورة عشرين جديدة ضد المحتل وأعوانه .. ولكن وجهة النظر هذه لم تكن إلا ثورة داخلية في نفوسنا حاولنا ترجمتها الى واقع وعمل فعلي ..
لقد تلقيت شخصياً وعلى بريدي الألكتروني ، رسالة من إحدى فصائل المقاومة المهمة والمعروفة ، توضح لي أن دعوتي هذه مفهومة لديهم ولدى الآخرين ، ولكن مايجري ليس بمستوى الحدث هدفاً أو أسلوباً ، وأن مايحدث سرعان ماسينتهي بإتفاق صدري ـ حكومي ، وأن التجربة مع مقتدى الصدر لم تخرج سابقاً عن هذا الإطار والرجل يقود العمليات من إيران !!
مرة أخرى ، ثبت أن وجهة نظر المقاومة ، وبعد نظرها ، كانا الأصح والأعقل من الدعوات العاطفية .
لقد تعلمت المقاومة كما يبدو من تجربة الأنبار وغيرها دروساً بليغة ، أنضجت إستراتيجيتها البعيدة ، وتكتيكاتها المرحلية .
تم الإعلان عن حملة الموصل ( آخر معاقل القاعدة ! ) كما أطلق عليها القادة الأمريكان والمالكي نفسه . وقد أخذ هذا الإعلان فترة طويلة جداً من وجهة النظر العسكرية ، وحتى السياسية ، وسبقها بمدة قاربت الستة أشهر , وكان ذلك أمر تشوبه بعض الشكوك . وحتى بعد حدوث تفجير " الزنجيلي " والذي ثبت للقاصي والداني في حينه وبعد ذلك ، أنه كان من وضع وتنفيذ أزلام خسرو كروان ونور الدين هركي .. وقيام المالكي بإطلاق تصريحه الشهير من مدينة كربلاء ، بأن الوقت قد حان لبدء الحملة العسكرية .. وحتى بعد ذلك التصريح ، تأخر التنفيذ لمدة حوالي شهرين ..!
كانت تبريرات الحكومة وقادتها العسكريين ومسؤوليها في بغداد أو الموصل ، أن الحملة ستبدأ عند إكتمال التحشيدات العسكرية والخطط اللازمة .. وكانت هذه التبريرات غريبة حقاً من وجهة نظر عسكرية أو سياسية ..! فإرسال قوات من الجيش الأمريكي أو الحكومي الى الموصل ومن أي بقعة في العراق ، عملية لاتستغرق أكثر من أيام .. كما أن الهدف المعلن من الحملة ، وهو القضاء على آخر معاقل القاعدة والمخربين ، أمر غريب وغير مقبول من وجهة نظر عسكرية مهما تكن ساذجة ، لأن حرب العصابات أو مطاردة العصابات ، يجب أن تعتمد على عنصر المباغتة لتحقيق أهدافها ، وليس بالإعلان عن ذلك وعلى مدى أشهر عديدة ..!
إذن ، ماذا يكمن وراء كل ذلك .. هل هو فعلاً ضرب عناصر القاعدة ، والتي يفترض أنها قد إختفت هنا وهناك بعد ( إنذارها ) ببدء الحملة ..؟
هذ الرأي طبعاً ، لايمكن القبول به . مع أن طارق الهاشمي ، قد صرح بذلك قبل أيام ، وتكلم عن فقدان عنصر المباغتة في العملية أدى الى عدم القضاء كلياً على القاعدة ولكن الهاشمي ، صرّح بذلك .. وقد إنتهت العملية كما هو ظاهرها أو كادت أن تنتهي .. ولاندري أين كان قبل وقوعها وفي فترة الإعداد والإعلان عنها ، وهو العسكري المحترف ..!؟
لم يبقى إلا تبرير منطقي واحد لكل هذه العاصفة .. ذلك هو محاولة لجر المقاومة العراقية من مواقعها المختلفة في العراق ، وسحبها وتكديسها في منطقة الموصل وطوال هذه الأشهر التي سبقت تنفيذ العملية .. إعتقاداً منهم ، أن ذلك فعلاً سيحدث ، وستتدخل المقاومة بما فيها تلك التي هي موجودة في محافظة نينوى للدفاع ومواجهة القوات الأمريكية والعراقية المتحالفة معها والدخول معها في حرب نظامية ، وتكرار تجربة الفلوجة مرة ثانية .. وهذه المرة سيتم تحقيق شلل كامل لها وضربها ضربة قاضية !!
لكن ذلك ، لم يحدث ، ولم تقع قيادات المقاومة ، ضحية لهذه الخدعة .. وتم كشف اللعبة .. ومرة أخرى كان للفلوجة فضلها على الموصل وغيرها من مناطق العراق المحتل .
حين دخل الجيش الأمريكي والعراقي الى مدينة الموصل ومعهما قوات البيشمركة من داخل المدينة .. لم يواجهوا بإطلاقة نار واحدة ..!
فماذا حدث بعد ذلك ، لتغطية هذا الفشل المفضوح .. ؟
قامت تلك القوات بإعتقال الضباط والبعثيين السابقين من أهالي الموصل تحت ذريعة التحقيق معهم .. وقد بلغ العدد ، وحسب تصريحات مسؤولي الحكومة الى أكثر من 1500 معتقلاً ..!
لقد أرادت بهذه العملية ، إظهار شيئ من النصر .. وأنها قد وضعت يدها على بعض المخربين والعصابات وغيرها من التسميات التي ملّتها آذان العراقيين !!
وصل المالكي الى الموصل ، يصحبه وزيري الدفاع والداخلية وكذلك مستشار الأمن الوطني وغيرهم من ( القادة ) والمسؤوليين ! ولم يجد أمامه إلا إطلاق ذلك التصريح البائس حينما أعلن ( بعد إطلاعه على حقيقة الوضع ) أنه يأسف أن تُركت الموصل طوال خمس سنوات تحت تصرف البيشمركة ( ... ) ، ولا ندري ماهو دور رئيس وزراء دولة ، إذا كان لايعلم بما كان يجري في محافظة من محافظات العراق ..؟
وخرجت علينا بعد ذلك معلومات عن إجتماعاته مع شيوخ العشائر .. وتجنيده لأحد عشر ألفاً من أبنائهم مع قوات الجيش ..! وفرار خسرو كروان الى أربيل ..! وإتصال المالكي بالبرزاني ..! وتجميد دريد كشمولة محافظ الموصل ..! وعزل مطاع الخزرجي قائد الفرقة الثانية هناك وإحالته للتحقيق وتعيين شخص آخر محله ..!
ثم عاد المالكي الى بغداد ...!!!
وبدأ الجيش الأمريكي ببناء جدار ترابي مرتفع حول مدينة الموصل ، التي تربطها بالعالم الخارجي ، ثلاثة منافذ فقط .. الطريق الدولي الى الحدود السورية .. وطريق بغداد .. وطريق أربيل ..! وتم إطلاق إسم ( خط رياض ) على هذا الجدار ! كخط ماجينو في فرنسا في الحرب العالمية الثانية .. وخط بارليف في سيناء في حرب عام 1967 .. ورياض هو الفريق الركن رياض توفيق جلال ، قائد عمليات الموصل ! " الخبر بالصور من موقع ـ ستارس آند سترايبس ـ العائد للجيش الأمريكي " .
لقد حاول الأمريكان وحكومة بغداد .. سحب المقاومة العراقية الى حرب نظامية مفتوحة ، من شأنها القضاء عليها من جهة .. وتحقيق المخطط الكردي بإستغلال حالة الحرب والفوضى وفقدان الأمن لتكمل فرض هيمنتها على الموصل ومحافظة نينوى من جهة ثانية .. وتحول ذلك الى نصر جديد لتكتيك المقاومة العراقية وعدم وقوعها في الفخ ..
لقدأصبحت قوات الأمن المليشياوية الطائفية والعرقية الشوفينية .. تحت قرار ومبادرة المقاومة هذه المرة في جرها الى حرب عصابات كيف ومتى شاءت !!
lalhamdani@yahoo.com
www.alialhamdani.blogspot.com
هل هي تكتيك مرحلي لتحقيق أهداف إستراتيجية ..؟
أم فشل للحملة فَرضَه تكتيك المقاومة العراقية
علي الحمداني
مرت ( الحملات ) العسكرية في ظل حكومات الإحتلال وخصوصاً الحكومة الحالية برئاسة المالكي بعدة صفحات ، منها ماسمي بالحرب ضد الإرهاب كما حدث في الأنبار والفلوجة بالذات ، ومرة أخرى بخطة فرض القانون كما حدث خصوصاً قي بغداد ، أما في البصرة فقد أطلق عليها القضاء على العصابات والخارجين على القانون ، وفي الموصل القضاء على القاعدة .. وقد تم تنفيذ هذه العمليات تحت مسميات مختلفة ، ولكنها كانت جميعها من وضع وتنفيذ وإسناد قوات الإحتلال ، بالرغم مما نسمعه من جعجعات حول قيام قوات ( الجيش والشرطة ) العراقية بتولي مهام إدارة وتنفيذ هذه العمليات .
هذا صحيح الى حد ما ، فالقوات العراقية ( المسلحة ) تقوم بمهام قتالية ، ولكن ليس خارج وضع الخطط وإدارتها أمريكياً . ولقوات الإحتلال أسبابهم لذلك من منظورين أولهما هو لإظهار أن القوات العراقية في طريقها الى البناء والتطور وأنها ستكون مستعدة تماماً يوماً ما (...) لتولي المهمة الأمنية بنفسها ..وهذا يضمن إحتلالهم الى أجل غير محدد ، والثاني ، التقليل من الخسائر الأمريكية بإستخدام القوة العراقية كرأس حربة ، وقد طُبّق هذا وبنسب من النجاح في عمليات مايسمى قوات الصحوة وبإستخدام القوة البشرية لأبناء المناطق العراقية من العشائر .
أتت عملية " زئير الأسد " ! في الموصل والتي تغير إسمها بعد أيام الى عملية " أم الربيعين " ! بعد فترة وجيزة من عملية " صولة الفرسان " ! التي حدثت في مدينة البصرة وكادت إنعكاساتها أن تكون كارثية على الحكومة ، لولا إذعان مقتدى الصدر لضغوط وتوجيهات حكومة طهران .. أعقب ذلك تدخل مباشر من القوات الأمريكية والبريطانية لمساندة المالكي ، مما أدى الى تشرذم وتفتت مقاومة جيش المهدي .. وبالتالي تحقيق النصر الأمريكي ـ الإيراني ـ المالكي بشكل أو بآخر .. أعقبه غزل المصالحة بين مقتدى والحكومة !
هذه العملية ، كانت بمثابة المجس الذي أعطى مؤشرات لكافة الأطراف حول طبيعة التكتيك المستقبلي في عمليات مماثلة . لكن الأهم من ذلك ، أنه كانت هناك تجربة سابقة أكبر من هذه ، وأقرب الى طبيعة عملية الموصل المقترحة .. تلك هي تجربة الفلوجة ، والتي أعطت من خلال تجربتها ونتائجها ، مؤشرات يمكن إعتمادها في ضرب المقاومة العراقية وهذا ماتم التكتيك بخصوصه في حملة الموصل .
ـ إعترفت المقاومة العراقية أنها قد إنجرّت الى حرب نظامية على الأرض في الفلوجة ، وقدمت من أجل ذلك عدداً من خيرة مقاتليها على الرغم من تفهم قيادات المقاومة المتمرسة عسكرياً للموقف آنذاك ، وأنها يجب أن تكون بعيدة عن الحرب النظامية مع القوات الأمريكية ، وأن تبقي على إستراتيجيتها في حرب العصابات .. ولكنها وجدت نفسها في أتون معارك ضارية مع القوات الأمريكية دفاعاً عن أهالي الفلوجة .
ـ تم توقيت معركة الفلوجة ، بعد أن تأكد للقوات الأمريكية بتمركز عدد من فصائل المقاومة في محافظة الأنبار إستعداداً لخوض المعركة دفاعاً عن المحافظة .. وقد جاء تمركزهم هناك بسبب ضربهم في مناطق أخرى من العراق ، رافقته تسريبات إعلامية من قبل حكومة علاوي ، تتكلم عن منطقة غرب العراق ومحافظة الأنبار ودخول مقاتلين من سوريا الى المنطقة ، ووجود قواعد لجماعة القاعدة هناك .. وأن المنطقة قد غدت مركزاً لتصدير الإرهاب !!
ـ حداثة عهد المقاومة في تلك الفترة ، لاسيما وأنها تعتمد في قدراتها على تمويلها الذاتي ، وليس هناك من دولة إقليمية شيعية أو سنية تقف لمساندتها ، بخلاف جماعة القاعدة على سبيل المثال ، أو الميليشيات التي بدأت تظهر على الساحة مدعمة من مراكز وأحزاب حكومية وطائفية .. ومن إيران .
ـ إن سلطات الإحتلال والحكومة العراقية ، تعلم علم اليقين ، أنه لا يوجد أي نوع من التنسيق والتعاون بين المقاومة العراقية سواء تلك التي يقودها حزب البعث ، أو رجال الجيش العراقي الشرعي ، أو حتى الفصائل الإسلامية المسلحة .. وبين تنظيم القاعدة الذي ينظر اليه أولئك بعين الشبهة من حيث تاريخه وتعاونه مع الأمريكان ، وهو ما ثبتت صحته لاحقاً ، وحتى لدرجة إنكشاف تعاونه مع النظام الإيراني والمفترض أنهما على طرفي نقيض ... ! لكن الضرورة الإعلامية والحرب النفسية إقتضت ربط عمليات المقاومة بالعمليات الإرهابية وبجماعة القاعدة لغرض تشويه سمعة المقاومة من جهة ، وإذابة دورها أمام الرأي العام العراقي خصوصاً ، وكأنها غير موجودة وغيرفاعلة أصلاً !
كل هذه التكتيكات قد نجحت بدرجة او بأخرى .. وبقيت عين الإحتلال وحكومته في بغداد تنظر من زاوية أخرى على التطورات النوعية في عمل المقاومة العراقية حتى بعد التضحيات التي منيت بها في معركة الفلوجة والتي لم تتحول حتى في تلك الفترة الى إنتكاسات ، واستطاعت المحافظة على صمودها ، وتركيع القوة العسكرية الأمريكية التي تحاول دائماً تجنب تقديم خسائر بشرية كبيرة .
كانت أولى المحاولات من قبل المحتل بعد حرب الفلوجة ، هي محاولة مد الجسور مع المقاومة وفتح بعض الحوار معها خارج العراق ، وعن طريق اللقاء ببعض قادتها في الأردن . هذه المحاولة لم تثمر بما كان يسعى اليه الأمريكان لإصطدامها بمبدأية طروحات المقاومة .. ولم تنتهي بالنتيجة الى شيئ يذكر .
أصبح خلط الأوراق بعد ماتعرضت له محافظة الأنبار ومذابح الفلوجة وحديثة والقائم ، بمحاولة ربط أنشطة المقاومة بالقاعدة والإرهاب ومحاولة وضعهما أمام الرأي العام كوجهان لعملة واحدة ، أصبح أمراً مهزوزاً ومن الصعب تقبله ، وقد لعب إعلام المقاومة وصبرها ومبدأيتها وتكتيكها الدور المهم في ذلك .. فظهرت على السطح ماسمي " بمجالس الصحوة" كردة فعل عشائرية إنطلقت أول الأمر من غرب العراق ومن الأنبار بالذات ، وأعلن عن دورها ، أنها تستهدف القاعدة وتعمل على تطهير المنطقة من الإرهابيين ، وقامت هذه بدورها بنجاح الى حد ما من خلال الدعم والتمويل الأمريكي ، إلا أنها فشلت في إختراق تنظيمات المقاومة لغرض إستهداف عناصرها وتصفيتهم لحساب الأمريكان .
لقد لعبت حكومة بغداد أيضاً دورها بإتقان ، وذلك بالإيحاء ومن خلال مواقفها أنها ليست مع فكرة مجالس الصحوة .. بل ورفضت وعلى لسان مسؤوليها ضم هؤلاء الى الأجهزة الأمنية ، وكأنها تقف موقف الضد من هذه المبادرة الأمريكية والصحوة العشائرية .. في حين تولّت إيران ومن خلال مجنديها في العراق من فيلق القدس القيام بعمليات تصفية لعناصر هذه المجالس لحساب جماعة القاعدة ، وكانت تسعى الى هدف مزدوج من خلال ذلك وهو ، أولاً إضعاف دور العشائر السنية العربية ، وثانياً محاولة إختراق المقاومة ، بإعتبار أن الأخيرة كان لها موقف مضاد من هذه المجالس بسبب تعاونها مع القوات المحتلة . وهذا أيضاً لم يحقق أهدافاً تذكر لا للحكومة وأجهزتها الأمنية المتكونة من الميليشيات الطائفية الحزبية ، ولا لعرّابهم قاسم سليماني وفيلقه .. وأثبتت المقاومة مرة أخرى بُعد نظر في قراراتها .
وحين إندلعت أزمة جيش المهدي ، ومقتدى الصدر مع الحكومة والإحتلال الأمريكي ، وبدأ القتال هنا وهناك ، حتى وصل ذروته في مدينة البصرة .. إعتقد البعض أن الوقت قد حان لكي تعلن المقاومة العراقية موقفها المساند لجيش المهدي ، بل وتدخل بقوتها كشريك في المعركة أو الإنتفاضة .. ولكي أكون صادقاً معي نفسي ومع الآخرين ، كنت أنا شخصياً ممن وقف هذا الموقف ودعوت المقاومة ومن خلال رسالة مفتوحة الى أن الوقت قد حان لإعلان ثورة عشرين جديدة ضد المحتل وأعوانه .. ولكن وجهة النظر هذه لم تكن إلا ثورة داخلية في نفوسنا حاولنا ترجمتها الى واقع وعمل فعلي ..
لقد تلقيت شخصياً وعلى بريدي الألكتروني ، رسالة من إحدى فصائل المقاومة المهمة والمعروفة ، توضح لي أن دعوتي هذه مفهومة لديهم ولدى الآخرين ، ولكن مايجري ليس بمستوى الحدث هدفاً أو أسلوباً ، وأن مايحدث سرعان ماسينتهي بإتفاق صدري ـ حكومي ، وأن التجربة مع مقتدى الصدر لم تخرج سابقاً عن هذا الإطار والرجل يقود العمليات من إيران !!
مرة أخرى ، ثبت أن وجهة نظر المقاومة ، وبعد نظرها ، كانا الأصح والأعقل من الدعوات العاطفية .
لقد تعلمت المقاومة كما يبدو من تجربة الأنبار وغيرها دروساً بليغة ، أنضجت إستراتيجيتها البعيدة ، وتكتيكاتها المرحلية .
تم الإعلان عن حملة الموصل ( آخر معاقل القاعدة ! ) كما أطلق عليها القادة الأمريكان والمالكي نفسه . وقد أخذ هذا الإعلان فترة طويلة جداً من وجهة النظر العسكرية ، وحتى السياسية ، وسبقها بمدة قاربت الستة أشهر , وكان ذلك أمر تشوبه بعض الشكوك . وحتى بعد حدوث تفجير " الزنجيلي " والذي ثبت للقاصي والداني في حينه وبعد ذلك ، أنه كان من وضع وتنفيذ أزلام خسرو كروان ونور الدين هركي .. وقيام المالكي بإطلاق تصريحه الشهير من مدينة كربلاء ، بأن الوقت قد حان لبدء الحملة العسكرية .. وحتى بعد ذلك التصريح ، تأخر التنفيذ لمدة حوالي شهرين ..!
كانت تبريرات الحكومة وقادتها العسكريين ومسؤوليها في بغداد أو الموصل ، أن الحملة ستبدأ عند إكتمال التحشيدات العسكرية والخطط اللازمة .. وكانت هذه التبريرات غريبة حقاً من وجهة نظر عسكرية أو سياسية ..! فإرسال قوات من الجيش الأمريكي أو الحكومي الى الموصل ومن أي بقعة في العراق ، عملية لاتستغرق أكثر من أيام .. كما أن الهدف المعلن من الحملة ، وهو القضاء على آخر معاقل القاعدة والمخربين ، أمر غريب وغير مقبول من وجهة نظر عسكرية مهما تكن ساذجة ، لأن حرب العصابات أو مطاردة العصابات ، يجب أن تعتمد على عنصر المباغتة لتحقيق أهدافها ، وليس بالإعلان عن ذلك وعلى مدى أشهر عديدة ..!
إذن ، ماذا يكمن وراء كل ذلك .. هل هو فعلاً ضرب عناصر القاعدة ، والتي يفترض أنها قد إختفت هنا وهناك بعد ( إنذارها ) ببدء الحملة ..؟
هذ الرأي طبعاً ، لايمكن القبول به . مع أن طارق الهاشمي ، قد صرح بذلك قبل أيام ، وتكلم عن فقدان عنصر المباغتة في العملية أدى الى عدم القضاء كلياً على القاعدة ولكن الهاشمي ، صرّح بذلك .. وقد إنتهت العملية كما هو ظاهرها أو كادت أن تنتهي .. ولاندري أين كان قبل وقوعها وفي فترة الإعداد والإعلان عنها ، وهو العسكري المحترف ..!؟
لم يبقى إلا تبرير منطقي واحد لكل هذه العاصفة .. ذلك هو محاولة لجر المقاومة العراقية من مواقعها المختلفة في العراق ، وسحبها وتكديسها في منطقة الموصل وطوال هذه الأشهر التي سبقت تنفيذ العملية .. إعتقاداً منهم ، أن ذلك فعلاً سيحدث ، وستتدخل المقاومة بما فيها تلك التي هي موجودة في محافظة نينوى للدفاع ومواجهة القوات الأمريكية والعراقية المتحالفة معها والدخول معها في حرب نظامية ، وتكرار تجربة الفلوجة مرة ثانية .. وهذه المرة سيتم تحقيق شلل كامل لها وضربها ضربة قاضية !!
لكن ذلك ، لم يحدث ، ولم تقع قيادات المقاومة ، ضحية لهذه الخدعة .. وتم كشف اللعبة .. ومرة أخرى كان للفلوجة فضلها على الموصل وغيرها من مناطق العراق المحتل .
حين دخل الجيش الأمريكي والعراقي الى مدينة الموصل ومعهما قوات البيشمركة من داخل المدينة .. لم يواجهوا بإطلاقة نار واحدة ..!
فماذا حدث بعد ذلك ، لتغطية هذا الفشل المفضوح .. ؟
قامت تلك القوات بإعتقال الضباط والبعثيين السابقين من أهالي الموصل تحت ذريعة التحقيق معهم .. وقد بلغ العدد ، وحسب تصريحات مسؤولي الحكومة الى أكثر من 1500 معتقلاً ..!
لقد أرادت بهذه العملية ، إظهار شيئ من النصر .. وأنها قد وضعت يدها على بعض المخربين والعصابات وغيرها من التسميات التي ملّتها آذان العراقيين !!
وصل المالكي الى الموصل ، يصحبه وزيري الدفاع والداخلية وكذلك مستشار الأمن الوطني وغيرهم من ( القادة ) والمسؤوليين ! ولم يجد أمامه إلا إطلاق ذلك التصريح البائس حينما أعلن ( بعد إطلاعه على حقيقة الوضع ) أنه يأسف أن تُركت الموصل طوال خمس سنوات تحت تصرف البيشمركة ( ... ) ، ولا ندري ماهو دور رئيس وزراء دولة ، إذا كان لايعلم بما كان يجري في محافظة من محافظات العراق ..؟
وخرجت علينا بعد ذلك معلومات عن إجتماعاته مع شيوخ العشائر .. وتجنيده لأحد عشر ألفاً من أبنائهم مع قوات الجيش ..! وفرار خسرو كروان الى أربيل ..! وإتصال المالكي بالبرزاني ..! وتجميد دريد كشمولة محافظ الموصل ..! وعزل مطاع الخزرجي قائد الفرقة الثانية هناك وإحالته للتحقيق وتعيين شخص آخر محله ..!
ثم عاد المالكي الى بغداد ...!!!
وبدأ الجيش الأمريكي ببناء جدار ترابي مرتفع حول مدينة الموصل ، التي تربطها بالعالم الخارجي ، ثلاثة منافذ فقط .. الطريق الدولي الى الحدود السورية .. وطريق بغداد .. وطريق أربيل ..! وتم إطلاق إسم ( خط رياض ) على هذا الجدار ! كخط ماجينو في فرنسا في الحرب العالمية الثانية .. وخط بارليف في سيناء في حرب عام 1967 .. ورياض هو الفريق الركن رياض توفيق جلال ، قائد عمليات الموصل ! " الخبر بالصور من موقع ـ ستارس آند سترايبس ـ العائد للجيش الأمريكي " .
لقد حاول الأمريكان وحكومة بغداد .. سحب المقاومة العراقية الى حرب نظامية مفتوحة ، من شأنها القضاء عليها من جهة .. وتحقيق المخطط الكردي بإستغلال حالة الحرب والفوضى وفقدان الأمن لتكمل فرض هيمنتها على الموصل ومحافظة نينوى من جهة ثانية .. وتحول ذلك الى نصر جديد لتكتيك المقاومة العراقية وعدم وقوعها في الفخ ..
لقدأصبحت قوات الأمن المليشياوية الطائفية والعرقية الشوفينية .. تحت قرار ومبادرة المقاومة هذه المرة في جرها الى حرب عصابات كيف ومتى شاءت !!
lalhamdani@yahoo.com
www.alialhamdani.blogspot.com