علي الحمداني
ثمة تساؤلات كثيرة تدور في ذهني ، وربما في أذهان الكثيرين .. منذ أن تفجرت الأزمة بين التيار الصدري وحكومة العراق برئاسة المالكي في مدينة البصرة وبقية مدن الجنوب العراقي وأجزاء كبيرة من بغداد .. وتحول الصدام السياسي الى صراع دموي ، بالرغم من أنه بدأ وبحسب تصريحات قيادات التيار الصدري ، كإعتصام سلمي .. على أن ينتقل الى عصيان مدني إذا لم تستجب حكومة المالكي لمطالب التيار .. والذي يبدو أن المالكي وبناء على نصح وتوجيه عبد العزيز الحكيم والأمريكان إستغل ذلك وأخذ المبادرة فوجّه ضربة إستباقية عسكرية الى تنظيم جيش المهدي طبقاً للنظرية العسكرية ، أن أفضل وسائل الدفاع هو الهجوم ..!
بعد مرور ثلاثة ايام على القتال ، وهي المدة التي كان قد حددها المالكي كإنذار لجيش المهدي بالإستسلام للحكومة .. نرى أن الموقف قد إزداد تعقيداً .. وبدء يؤشر الى إهتزاز الموقف الحكومي وضعفه من خلال :
أولاً تمديد مدة الإنذار الى عشرة أيام .. والتعهد لمقاتلي التيار بدفع المال لهم لقاء تسليم سلاحهم ..
وثانياً ، وهو الأهم ، مشاركة قوات الإحتلال لأول مرة بضربات جوية بالقنابل والصواريخ لأماكن تواجد جيش المهدي ، وحسبما صرح الجنرال البريطاني هولوواي .. وهو نفسه الذي كان قد صرح مع بداية الأزمة ، أن قوات التحالف سوف لن تتدخل ، وأن الأزمة هي أمر عراقي داخلي .. وقد فسرت التحليلات السياسية في الصحافة ذلك ، بأنه عملية إختبار لقدرات قوات الحكومة في السيطرة على الأمن ، لاسيما بعد أن تسلمت هذه القوات مواقع القوات البريطانية في البصرة ، في عملية إستعراضية أمام شاشات التلفزة وصوت موسيقى المارشات العسكرية ..!
على الجانب السياسي للأزمة .. هناك أيضاً تساؤلات مشروعة ..
لماذا وقف مقتدى الصدر مع المالكي إبتداءأ ومنحه صوت كتلته والذي أوصله الى رئاسة الوزارة ؟
ولماذا لم يقم الصدريون لحد الآن بسحب الثقة من الحكومة في المجلس النيابي لغرض إسقاطها بعد أن تفقد الأغلبية البرلمانية ؟
في تصوري أن الإجابة على التساؤلين هو واحد : وهو محاولة منع كتلة المجلس الأعلى بقيادة الحكيم من أن تتولى مقاليد الأمور ..
فالمنافسة كانت على أشدها بين المالكي وعادل عبد المهدي ممثل الحكيم .. واختار الصدريون أهون الشرين ، وأعطوا اصواتهم للمالكي ، أي لحزب الدعوة . ولو أنهم ألأن أقدموا على سحب الثقة من الحكومة ، فستكون هناك فرصة كبيرة للمجلس الأعلى للفوز بإنتخابات جديدة بشكل من الأشكال بما في ذلك عمليات التزوير ، وهم أساتذه يشاد لهم بذلك .. وجلب مرشحهم لرئاسة الوزارة لاسيما وأن عبد العزيز الحكيم قد باع نفسه للأمريكان وأصبح الأداة الطيعة لهم لكي يحقق أهدافه وأهدافهم في تقسيم العراق وإعلان مايسمى فيدرالية الجنوب أو إقليم الجنوب .. الأمر الذي فشل حزب الدعوة في تحقيقه لحد الآن .. وقضية تقسيم العراق كما هو معروف هو مطلب صهيوني قبل أن يكون أمريكيا وهو يدخل ضمن المشروع الصهيوني ( الشرق الأوسط الجديد ) ..!
ويمكن إضافة حقيقة تاريخية الى كل ذلك .. وهي أن حزب الدعوة ، قد أُسس وقام على أكتاف الصدريين لاسيما والد وعم مقتدى الصدر .. وتم سلبه على يد الأمريكان وذلك بدعم أضعف شخصيتين فيه وأكثرهما إنتهازية ، وهما المالكي والجعفري لقيادته وبالتالي قيادة الحكومة .. لغرض تمرير مخطط الإحتلال ..!
حين أجبر ، دك تشيني ، نائب بوش ، خلال زيارته الأخيرة للعراق ، الرئاسة العراقية ، وبالتحيد عادل عبد المهدي ، على تمرير قانون المحافظات الذي كان معطّلاً منذ الموافقة عليه في البرلمان .. بدأت هواجس المجلس الأعلى وعبد العزيز الحكيم ومن ورائهما إيران بالتخوف من عواقب إجراء الإنتخابات المحلية في الجنوب ، لأن ذلك يعني ، أن الورقة الرابحة سوف تذهب الى التيار الصدري الذي يمثل أنصاره الأغلبية في تلك المحافظات ..
رافق ذلك ، تنحي مقتدى الصدر ، عن القيادة في الوقت الحاضر بهدف معلن هو التفرغ لتحصيل العلوم الدينية ، وإسناد القيادة الى هيئة أو مجلس من قيادات التيار .. وهذا يعني ، أن التيار بدأ يشعر بقرب سخونة الأحداث ـ رغم أن حضور مقتدى بقي طاغياً على مجريات الأحداث ـ وفعلاً حدث ماكان متوقعاً ، وبادر المجلس الأعلى من خلال ميليشيته " فيلق بدر " والتي تقوم بدور اللاعب الرئيسي في قيادات وأفراد الجيش والشرطة .. بتفجير الأزمة ، وبحجة مطاردة ( الخارجين عن القانون والعصابات ) ..!
علي الدباغ ، المعروف بشطحاته في التصريحات السياسية ، قال أن قوات الأمن والجيش لاتستهدف جيش المهدي ولكنها تستهدف ( عصابات ومجرمين ) ..
والكل يرى رأي العين ، ويعلم أنه لايعقل أن يكون عدد هذه ( العصابات ) بهذه الكثافة ، بحيث تشمل إضافة الى جيش المهدي أفراداً من أبناء العشائر وتنظيمات سياسية أخرى كحزب الفضيلة .. ومواطنين عاديين إنضموا للقتال في سبع محافظات جنوبية ، وأكثر من 13 منطقة في العاصمة بغداد .. والكل يسمع تصريحات سياسيي التيار ورجال الدين بخصوص مايحدث والتي تؤكد أن الصراع الدموي هو بين جيش المهدي والتيار الصدري من جهة ، والمالكي والحكيم وميليشيات بدر من جهة أخرى.. والكل يعرف أسباب إستهداف التيار بهذا الوقت تحديداً ..
فكيف تُعقل إذن تصريحات المالكي والدباغ ، وهل أن العصابات والمجرمين بهذا العدد .. بحيث يصل الأمر الى إستخدام فرق من الجيش العراقي والشرطة وقوات أمريكية في بغداد.. وطائرات الإحتلال لقصف البصرة ..؟!!
لعمري ، هذا هو الهراء والهذيان بعينه ..! بعد أن تعوّدت أسماعنا على أكاذيب رئيس الوزراء وعصابته منذ عامين وبدون خجل أو رادع أخلاقي ..!
ثمة حقيقة أخرى ، ترجع الى يوم إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، حيث سمع كل من شاهد الفلم المصور لعملية الإعدام ، هتاف ( مقتدى ، مقتدى ، مقتدى ) في آخر الفلم .. وقد كذّب الصدريون حضور أي منهم لعملية الإعدام .. وهو أقرب الى التصديق ، بسبب أن كريم شاهبور أو المعروف ( بموفق الربيعي ) ، هو من أشرف كلياً على العملية ، ومن حضر كان من أطراف الحكومة ومن المجلس الأعلى .. وقد أكدت معلومات سلطات الإحتلال نفسها ذلك ، حين أكدت أن (الربيعي ) ، هو من صور الفلم .. ولايعقل أن يأتي الربيعي ولا المالكي ولا الحكيم ، بقيادات صدرية معهم .! لقد كانت كما يبدو فبركة لزيادة الحقد على التيار الصدري ، خصوصاً بعد أن كان له موقف متميز من مذابح الفلوجة ، وإستنكاره لما يحدث هناك ..
ثم قاموا بتسريب صورة لرجل ملثم على منصة الإعدام .. وقالوا أنها لمقتدى الصدر .. وتم تكذيب ذلك لاحقاً حتى من قبل الجهة التي قامت بنشر الصورة ووقعت في الفخ ظناً منها أنها قد حققت سبقاً صحفياً ..!
إنه هاجس الخوف من أي تقارب شيعي عروبي صدري مع السنّة ..! وهذه حقيقة تم إفسادها من خارج التيار ، ومن داخله عن طريق المتسللين الى صفوفه ..!
إيران .. لاتريد للصدريين البقاء ، بسبب تعاطف عروبي جنوبي معهم ..!
اميركا نفسها لاتريد للصدريين الظهور .. بسبب تبني الصدريون لمبدأ مناهضة الإحتلال الأمريكي للعراق والطلب بإنسحاب القوات الأمريكية من العراق .. أو على الأقل جدولة الإنسحاب زمنياً ..!
كل ذلك حدث ـ وكان طبيعياً أن يحدث ـ نتيجة قلة خبرة قيادة التيار الصدري سياسياً .. وتغيير مواقفه من الأزمات العراقية .. ثم تغلغل عناصر إجرامية وغير عقائدية بين صفوفه في محاولة لقلب الأوضاع من داخل التيار .. وذلك حدث بالتأكيد بجهد وتوجيه حكومي وحكيمي ..!
ومع معرفة التيار بهذه الحقائق ، إلا أن السيطرة عليها ، لم تكن بالعملية السهلة .. فقامت قيادته بإعلان وقف إطلاق النار وتجميد أنشطة جيش المهدي ، وقامت لاحقاً بتجديد ذلك عند إنتهاء مدة التجميد .. الأمر الذي لم يرق للمجلس الأعلى ومن وراءه ومن يعمل في معيته مثل حكومة المالكي لأنه كان خطوة ذكية تهدف الى سحب البساط من تحت أرجلهم .. فلجأوا الى الورقة الأخيرة وهي إفتعال الأزمة الحالية لجر التيار الى الصراع المسلح . تزامن ذلك مع الإعلان عن مطاردة (مجرمين وخارجين عن القانون وبسط هيمنة الدولة ) ..!!
ولكن يبدو أن الرياح بدأت تأتي بما لاتشتهي السفن .. فتم تمديد المهلة المعطاة لمقاتلي التيار من قبل المالكي ، واللجوء هذه المرة الى إغراءات المال ، ثم تدخل طيران الإحتلال الى جانب الحكومة .. ثم الإيعاز الى البرلمان العراقي بالإجتماع لبحث سبل الخروج من الأزمة .. يعني اللجوء الى عملية إلتفاف سياسي ، في حال فشل الخطط العسكرية .. وكورقة أخيرة ..!
المطلوب الآن من قادة التيار الصدري .. عدم السقوط في الفخ من جديد ..!
لقد قام آية الله ، سماحة الشيخ فاضل المالكي ، مساء 27 / 3 ، بتفجير قنبلة في وجه إيران والحكيم ورئيس الوزراء الإمّعة ، حين أصدر رسالته من موقعه الديني المتميز .. وكان من أبرز ماتضمنته خطبته ، الفتوى بتحريم قيام الجيش والشرطة العراقية بقتل أبناء جلدتهم .. وذلك قطعاً غير ملزم لعناصر ميليشيا بدر داخل المؤسسة العسكرية .. ولكنه قطعاً سيكون ذا تأثير في بقية المنتسبين ..
لقد وضع النقاط على الحروف ، وسمى الأشياء بمسمياتها .. فقال عما يجري أنه إنتفاضة سلمية واسعة تسود مدن العراق إحتجاجاً على الظلم والفساد الذي يسود العراق حالياً .. وانتقد العملية العسكرية التي أطلقت عليها الحكومة عملية ( صولة الفرسان ) .. وقال عنها أنها عملية صولة فرسان الحكومة ضد الشعب العراقي ، وأن الحكومة لاتستهدف المجرمين كما تقول ، بل تستهدف غالبية الشعب العراقي ..! وأن مايحدث هو إعتداء صارخ على الشعب العراقي ، وأن الحكومة الحالية تمارس ماقامت به الحكومات السابقة من عمليات تدمير وقتل تستهدف المواطنين الأبرياء ..
ودعا المواطنين الى الوقوف ضد ذلك ..
كرر في كلمته مصطلح العراق تحت الإحتلالين .. ويقصد به الإحتلال الأمريكي والإحتلال الإيراني والذي أشار الى الأخير بكلمة ( الشعوبية ) ..
بعد كل هذا ، فالعراقيون ينظرون وينتظرون الكثير من قادتهم الدينيين والسياسيين .. شيعةً وسنّةً ..
على المراجع الدينية الشيعية الأخرى أن تكون واضحة الآن في قول كلمة الحق بوجه الحاكم الجائر وإلا أصبحت كالشيطان الأخرس .. وهذا أيضاً موجّه الى علماء الدين من السنة وهيئتهم وديوان وقفهم وأحزابهم السياسية المعارضة ..
بل أكثر من ذلك .. فإن البوصلة الآن تتجه الى أحزاب المعارضة العربية السنية ، بل والى قيادات المقاومة العراقية ، لكي تقول كلمتها وتؤدي دورها ، ولكي يصبح الشعب العراقي بمجموعه كتلة واحدة ، في إنتفاضة شعبية من الشمال الى الجنوب ، ومن الغرب الى الشرق .. لكي تسقط مخطط الإحتلال المهزوز أصلاً .. وحكومته المتخبطة .. وأحلام الحكيم وسادته في طهران ..
إذا كانت الحكومة العراقية بقيادة المالكي ، قد تنكرت لمن وضعها في سدة الحكم ، وقامت بضربهم بهذا الشكل ، وهم من الشيعة ، ولكن ذنبهم أنهم شيعة العشائر العربية ، أحفاد ثوار العشرين .. فإنها حتماً ستلتفت بعد ذلك الى السنة العرب بإطلاق رصاصة الرحمة .. من بندقية إيرانية أو أمريكية أو بكليهما .. وهي قد بدأت فعلاً وكما هو معروف بتصفية عناصر العشائر العربية السنية هنا وهناك ، من مجالس الصحوة ، بمساعدة إيرانية ، وبتنفيذ من جماعة ( القاعدة ) المتعاونين مع إيران .. ومن رجال حكومة المالكي ومليشيا الحكيم ..
بكلمة أخرى .. إلتقت مصالح الفرقاء على هدف واحد ..
وبكلمة أخرى واضحة .. نحن لانريد أن يأتي اليوم الذي يقول فيه قادة المعارضة العربية السنية .. إنما أُكلنا يوم أُكل الثور الأسود ..!
lalhamdani@yahoo.com
يمكن الإطلاع على مقالات الكاتب على موقع :
www.alialhamdani.blogspot.com