علي الحمـداني
إسمه جوزيف بايدن ، سيناتور عن الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي .
مشروعه يتعلق بتقسيم العراق الى ثلاث كيانات : شيعية وسنية وكردية ..!
عرّاب أفكاره المدعو ( فاولر ) من مؤسسة ( راند ) الأمريكية والذي تساءل في بداية التسعينات من القرن الماضي وقد بدأت بوادر أزمة الحكم العراقي بعد إحتلال الكويت ، وبدأ كما يبدو العد التنازلي لحكم صدام حسين ، حين قال : هل سيبقى العراق موحّداً عام 2002 ؟! . ويبدو أن فاولر كان دقيقاً في حساباته الرياضية التي أتت بعد بضعة أشهر فقط من توقعاته الزمنية وتقديراته وذلك في نيسان 2003 ...!!
الرئيس بوش .. لديه إنطباع إيجابي عن مشروع بايدن ..! كما يقول الرجل ..! أما عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي وبعد لقائهم به ، فقد إستجابوا بإيجابية أيضاً للمشروع ، والذي تدل عليه بضع كلمات تقول : ( إن تقسيم العراق هو المخرج الوحيد للخروج من المأزق ...!)
تعالوا الآن الى قراءة سريعة لهذا المشروع وهو موضوعنا الأول في سلسلة مقالات ( سقوط الأقنعة) والتي سنتعرف عليها الواحدة بعد الأخرى مع مجريات الأحداث في العراق الجريح ...!
أولا يتفق جوزيف بايدن مع جوزيف أدورد من معهد ( بروكينكز ) في بحثه الذي يقول : ( أنه إذا لم يتم التخطيط بشكل جيد لعملية التقسيم فإنه سيؤدي الى عدم الإستقرار ، بل يهدد بإنتشار الفوضى ..) ويقارن أدورد بين تجربة البوسنه والعراق ..! فالأولى جيرانها صربيا وكرواتيا كانا يهدفان الى تقسيم البوسنه .. في حين أن جيران العراق لايريدون ذلك ..!
ولعلنا هنا نتساءل : هل أن إيران لاتريد فعلا تقسيم العراق ..؟ من الممكن أن تنطبق صحة هذا المبدأ مع السعودية والأردن وسوريا وتركيا .. ولكن إيران الدولة الأكثر إهتماماً إقليمياً فيما يتعلق بالعراق والداعم الرئيسي والمهم لحكومات الإحتلال الأربع بسبب عوامل كثيرة ، لعل المذهبية الدينية والتعصب الطائفي أحداها فقط ، هل أنها لاتريد تقسيم العراق فعلاً ..؟
أعتقد أن الجواب المنطقي لهذا هو بنعم ، على الرغم من دعاوى أعوانها داخل السلطة العراقية مثل عبد العزيز الحكيم وغيره الذين لايفتأوون يبشرون بإقليم جنوبي شيعي .. والسبب الذي أستند اليه ، ولعله ماقصده جوزيف أدورد وجوزيف بايدن ، أن تقسيم العراق في واقع الحال سيؤدي الى أضرار كبيرة بالمصالح الإيرانية منها على سبيل المثال قيام دولة كردية في العراق أو حتى دولة عربية سنية قد تحتضن أحد أكبر القوى المعارضة الإيرانية والتي تشكل هاجساً إيرانيا مستمرا ، تلك هي منظمة مجاهدي خلق ..
ماتريده إيران فعلا ، هو إستمرار حالة الفوضى والتدهور في العراق ، على الرغم من تصريحات مسؤوليها بأنهم يعملون على إستقرار وأمن العراق .. ولكن هذا من باب الأكذوبات السياسية التي تقتضيها المصالح ومن يسمع ذلك سواء من دول التحالف المحتلة للعراق أو دول الجوار أو القوى والأحزاب السياسية العراقية بكافة ألوانها ، يعلم أن إيران لاتريد أن يستقر العراق ولسبب مهم هو تحقيق مصالحها من خلال خلق دور قيادي لها في تسيير شؤون العراق بالإعتماد على أزلامها في الداخل ، وكذلك جعل العراق ورقة مساومة حين يقتضي الظرف ، لتفاوض بها الأمريكان ..!
لقد كان حل الجيش العراقي والشرطة العراقية بحجة أنها مرتبطة بنظام صدام حسين ، هو من أكبر أهداف كل من الإيرانيين والأكراد ، ليس فقط من منطلق الثأر والإنتقام من الجيش ، مع وجود هذا النوع من التفكير لديهما ، وهو حقيقة لم تخفيها التصريحات الكردية أو ألإيرانية ، ولا تصرفهما بالقيام بأعمال إنتقام ضد بعض الشخصيات العسكرية السابقة والتصفيات الجسدية .. إنما هناك عامل سياسي أبعد من مجرد إذلال الجيش العراقي أو حتى العلم العراقي كما وصل المدى عند القيادات الكردية .. إنه حالة فتح الباب على مصراعيه لخلق حالة الفوضى ، التي يسميها السياسيون الأمريكان ( الفوضى الخلاقة ) ..! ويعتمدها السياسيون العراقيون الجدد كأساس لخلق حالة الهيمنة الطائفية وتصفية الخصوم تحت ذرائع وطرق مختلفة ماكانت لتتم في ظل إستقرار وطني . ولحد هذه اللحظة ، لايزال نوري المالكي ، يزرع العقبات في طريق أي حل قد يؤدي الى مصالحة وطنية من أي نوع ، في حين يصرح بأنه يعمل على إقرار الأمن وتحقيق المصالحة وهي ليست أكثر من أكذوبة أخرى بدأت تثير الإشمئزاز لدى الجميع ، وقد توّج تصريحاته هذه وهو في طهران بالقول أن إيران تعمل على تحقيق الأمن في العراق ، ورفضَ أن يكون لإيران أي دور في التدخل بالشأن العراقي ، وهو ماأصاب من سمعه بالغثيان سواء من أبناء العراق أو سياسييه أو القوى الخارجية لأنه ليس أكثر من محاولة حجب الشمس بغربال ودعوة الآخرين لتصديق ذلك ..!!
حل الجيش العراقي ، كان أول خطوة في التقسيم الطائفي والعرقي في العراق الجديد ، ثم تكريس ذلك التقسيم منذ اليوم الأول لمجلس الحكم ، ثم سريان ذلك الى جميع مفاصل الدولة والمجتمع .. !
لقد إعتمد بريمر ذلك ، وما كان بريمر ليعمل بمعزل عن سياسة البيت الأبيض أو من يقف وراء صنّاع القرار هناك ولعل أحد هؤلاء هو جوزيف بايدن ..!
وحين بدأ الإنقسام الطائفي والعرقي يظهر للعيان ويزداد إحتقاناً مع مرور الوقت ، بدأ موضوع التقسيم يظهر بعبارات ومصطلحات مختلفة أبرزها مصطلح ( الفيدرالية ) التي حمل لوائها كل من عبد العزيز الحكيم ومسعود البرزاني .. وللفيدرالية مبررات طرحت أيضاً .. منها الجانب الإقتصادي وحصص الأقاليم من واردات النفط ..! ومنها حقوق الطائفة والقومية المشروعتين في إدارة شؤونهما
ومنها خصوصية المناطق والحفاظ على الأمن فيها وآخر ماسمعناه في هذا الصدد هو مشروع ماسمي بشخصيات العشائر الجنوبية في فيدرالية الجنوب وإصدارهم بيان بذلك يحمل تواقيعهم ويؤكد المرة بعد الأخرى ( أن الهدف من ذلك ليس الإنفصال ...!!) وإنما تحقيق الأمن والعدالة والإستقرار.
كان إختبار بريمر لايعدو التحقق من إمكانية تطبيق أفكار فاولر .. ووجد بريمر بالطبع الإستجابة لإختباره في شخصيات دينية طائفية ، وقومية عرقية .. تولت مقاليد السلطة العراقية .. وهكذا بدأت مسيرة الألف ميل بخطوة بريمر الأولى ...!
لقد كان من أبرز إفرازات هذا النهج ، وهو مايهم إدارة المحافظين الجدد ، هو ظهور مشروع قانون النفط والغاز الجديد الذي عمل المالكي جاهدا ولايزال على تمريره وإقراره برلمانيا بعد أن أقرته حكومته ، ربما لعلمه أن شرط بقائه على رأس الحكومة العراقية مرهون بهذا القانون اللصوصي ، ولايزال الضغط الأمريكي عليه مستمراً حيث أعطي المهلة الى منتصف الشهر القادم ( لإقرار الأمن وتحقيق المصالحة ...! ) والمقصود في حقيقة الأمر هو ( إقرار وتنفيذ قانون النفط والغاز ) ...!
لقد أدخلت الحماقة السياسية الأمريكية بقيادة بوش نفسها في النفق المظلم هذه المرة ومنذ أن وضع بوش توصيات بيكر ـ هاملتون على الرف وترك الأخذ بمعظمها ، واستدار لتنفيذ بند فتح الحوار الأمريكي ـ الإيراني .
لقد وجد بوش في هذه التوصيات تحفظات على مشروع بايدن المتعلق بالتقسيم ويبدو أن ذلك لم يروقه كتاجر نفط قادم من تكساس أكثر من كونه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لأن في مشروع التقسيم ورقة أخيرة لتنفيذ وتحقيق قانون النفط والغاز في حال إخفاق الحكومة المركزية العراقية من تحقيق ذلك .. لاسيما وأن مدة ولايته قد بدأت تقترب من نهايتها .. وها نحن نرى توقيت إعلان قانون النفط والغاز في كردستان وإقراره هناك ، وتصريح رئيس وزراء الإقليم أن كردستان أصبحت تمتلك للمرة الأولى نفطها وغازها ، ولعل ذلك إشارة مرسلة الى البيت الأبيض تتضمن الولاء لأفكار بوش ، سيما وأن عشرات الآلاف من الجيش التركي القوي تنتظر على الحدود العراقية التركية للدخول الى كردستان ، وأن الأخيرة أي حكومة كردستان بحاجة ماسة الى أن تثبت أمريكا لها دعمها الموعود سيما وقد قامت من جانبها بالإثبات لأميركا ولاءها المطلق ...!
يقول بايدن : ( إن تقسيم العراق ليس الحل الأمثل أو النموذجي ، أو أفضل الخيارات لإنهاء الصراعات الطائفية والأثنية ، إلا أنه في الظرف الملموس وبسبب إندلاع الإقتتال الداخلي يعتبر أفضل الخيارات المتاحة ) ولا شك أن تفسير هذه العبارة من النظرة السياسية تعني أنه يُراد بالعراق أن يستمر في الصراع لدرجة الحرب الأهلية والمواجهة المذهبية والعرقية ، حينها ستثبت نظرية بايدن صحتها ويصبح التقسيم الخيار الوحيد .. وحينها لن تكون هناك عقبات لمصالح أميركا الإقتصادية في العراق ، بل أن قانون النفط والغاز سوف لن يكون مهماًُ سواء أُقر أم لم يقر ، مادامت الأقاليم الشمالية والجنوبية تتحكم بنفطها وغازها وفقاً للحسابات الأمريكية ..
يختلف بايدن مع أدورد في تفاصيل عملية تقطيع أشلاء العراق ..! فالأول يقترح أن تكون بغداد مدينة دولية ( مستقلة ) ، في حين أن الثاني يعتبر أن ذلك سيؤدي الى مزيد من حالة عدم الإستقرار ..! ولابد إذن أن تكون بغداد جزء من عملية التقسيم ...! ويبدو أن الإدارة الأمريكية ميّالة الى هذا الرأي إذ كما نعلم فقد بدأت حكومتها الرابعة في بغداد بتطبيق فكرة تقسيم العاصمة الى قواطع طائفية ووصل الأمر الى بناء الجدران العازلة ، ولكن كل ذلك يتم تحت شعار تطبيق خطة الأمن وفرض سيادة القانون ....!!!
هذه النقطة فقط يختلف فيها بايدن عن أدورد .. إلا أنهما يتفقان على : ( رسم الحدود بحيث لاتؤثر على الموارد النفطية ..! وإصدار هويات لكل إقليم ، ووضع نقاط تفتيش على حدود كل إقليم وذلك بهدف محاصرة " العناصر المتطرفة " ...!! )
تقدر كلفة العملية مليار دولار حسب مايذكر التقرير .. وتحتاج الى نحو 300 ألف جندي تساعدهم (قوات التحالف) ..!
يبقى السؤال الأخير الذي تغافل عنه مشروع بايدن وخطة أدورد ، وهو دور المقاومة العراقية ، والشخصيات الوطنية العراقية ، وفوق ذلك الشعب العراقي الذي يتلاحم بالدم والزيجات بين طوائفه وعشائره المختلفة .. ثم المتغيرات السياسية التي تحدث حاليا في العراق بما يشكل جبهات معارضة بدأت تظهر ضد حكومة الإحتلال الرابعة برئاسة المالكي ...! والأهم من ذلك كله سياسياً هو الداخل الأمريكي وإقتراب الحزب الديمقراطي من البيت الأبيض ..! وبدء الحديث عن جدول زمني للإنسحاب الأمريكي من العراق ، ثم جاء الحديث عن توسيع دور الأمم المتحدة في العراق وهو ماذهب اليه المشروع الأمريكي ـ البريطاني بعد رحيل بلير ..! بما يمكن أن يحدث تغييراً في سياسة واشنطن سواء رضي بوش أم أبى ...!
* بعض المعلومات مستقاة من تقرير نشر على موقع شبكة أخبار العراق .
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment