علي الحمـــداني 5
سألني أحد الأصدقاء .. لماذا تم إختياري لعنوان ( سقوط الأقنعة ) لهذه السلسلة من المواضيع التي أكتبها ، مضيفاً أنه يفهم أن بعض ماكتب فيها تناول كشف بعض الفضائح المالية والسياسية لبعض من أُبتلي شعب العراق بحكمهم ، ولكن بعضها لايعدو التحليل السياسي للأحداث التي تدور على الساحة العراقية والإقليمية .. ولهذا الأخ أقول : نعم إن كشف الفضائح والصفقات المالية بشكل خاص والتي أصبحت مرادفة للأداء اليومي لبعض رجالات الحكومة في العراق هو من أبرز سمات كشف الأقنعة المزيفة التي يرتدونها وإسقاطها لكي تُرى الوجوه على حقيقتها لاتغطيها اللحى ولا تضفي عليها الهيبة عمامة .. ولكن متابعة الحدث السياسي اليومي ، يدخل أيضاً ضمن عملية إسقاط الأقنعة ولو تغير شكل القناع من قناع اللصوصية الى قناع المناورات والدجل السياسي .. وحين تسقط هذه الأقنعة بالكامل حينها سيسقط أصحابها حتماً بعد أن تنكشف سوءاتهم .. ولعل مقالي اليوم هو من ضمن هذه المجموعة ، ولكن فضائح السرقات ونهب الشعب الجائع المغلوب على أمره سوف لن تهمل أبدأً لا بأنواعها ولا بمقدارها ولا بأماكنها ولا بأسماء أبطالها ...!
يقول أحد المرافقين للسيد المالكي في زيارته الدمشقية ، مشيراً الى الحكومة السورية ، أن التهاون في مراقبة الحدود أمر غير مقبول ، وأن المسلحون يستخدمون الطرق التي كانت تستخدمها المعارضة العراقية لتهريب الأسلحة خلال عهد صدام ...!
دعونا نقف وقفة بسيطة هنا عند هذا التصريح الفذ ... إذا كان في العراق حكومة فعلاً ، وكان رجالها يوما من المعارضين لصدام ويقومون بتهريب الأسلحة الى العراق ، وهذه الحكومة مدعومة بأكثر من 160 ألف عسكري أمريكي بأجهزتهم الإستخبارية .. ولا يستطيعون وقف المقاتلين والأسلحة على هذه الطرق المعروفة لديهم جيداً ، ولو صح ذلك ، ألا يدل تصريح هذا المستشار ، على غباء في الطرح وعجز وشلل في الحكومة ..؟
ويضيف المصدر ، وكما نقلت وكالات الأنباء ، أن رئيس الوزراء العراقي سيحث الرئيس الأسد على إتخاذ إجراءات للتصدي لذلك ...!
يعني .. سوريا سوف تتصدى بقوات عسكرية وأجهزة إستخبارية لمنع وصول السلاح والمقاتلين الى العراق .. وهذا طبعاً سيكون داخل الحدود الدولية السورية .. أما العراق فلا حول له ولا قوة لفعل أي شيء بصدد ذلك داخل حدوده ، ولعل العذر العراقي ، أن الحدود السورية العراقية هي من ضمن مناطق السنّة العرب الذين فشلت هي وأمريكا في السيطرة عليها فاضطروا للمهادنة والتفاوض معهم بل والأكثر من ذلك تسليح بعضهم ...! ثم أن الأكثر من ذلك أيضاً هو خطة ديفيد بتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق بتسليح السنّة وفق خطة أسماها ( قوات الحراسة ) ، ليس فقط في المناطق الحدودية الغربية بل وداخل المدن وخصوصاً بغداد ضمن الأحياء السنية . تشرف على ذلك دائرة الإستخبارات العسكرية في الجيش الأمريكي ، ويقول بتريوس أن الخطة مستخلصة من نجاح خطة تسليح الأنبار ...!!
إذن عن ماذا يتكلم السيد المالكي ..؟ وهو يعلم أن كلا من رايان كروكر و ديفيد بتريوس سوف يقدمان تقريرهما الى الرئيس بوش حول العراق ، وقد إختارا لذلك يوم ( 11 سبتمبر ) ، أي في الذكرى الخامسة لأحداث سبتمبر 2002 .. وهذا حسب تصريح الناطق بإسم البيت الأبيض غوردون كوندرو ..! وسوف يتضمن التقرير فشل الخطة الأمنية المالكية ، فشل المصالحة الوطنية العراقية ، وعدم جدوى زيادة القوات العسكرية الأمريكية .. وهذا كله في وقت بدأت فيه بريطانيا تتململ وتتحدث عن خطط لسحب قواتها المتبقية في العراق والبالغة بحدود 5000 جندي ، بعد أن كان العدد عند إحتلال العراق عام 2003 هو 45000 جندي ...!
ولكن لم يفت كوندرو القول من أن المالكي سوف ينقل رسالة قوية الى دمشق بشأن منع تسلل المقاتلين الى العراق عبر الحدود ...!
إذن الرجل يعرف أن الرسالة ستكون قوية .. ولكنه يعرف أيضاً أن مردودها سيكون هشّاً كهشاشة حكومة بغداد ...!
ثم أننا سمعنا ، عندما قام المالكي بزيارة إيران ، نفس النغمة النشاز ، وهي رغبته في الطلب الى إيران وقف دعمها للمليشيات ومساهمتها في إحلال الأمن في العراق ، بل أن ذلك قد ورد في المؤتمر الصحفي المشترك ( المالكي ـ نجاد ) .. ولكن ، حتى الطفل في العراق أصبح يدرك حجم التدخل الإيراني ، ونوع العلاقة التي تربط إيران بسوريا .. فعن ماذا يتحدث المالكي ...؟؟
وبعد كل هذا ، يقول السيد محمد ناجي عطري ، رئيس الوزراء السوري ، ونقلا عن وكالة الأنباء السورية الرسمية ( أن وجود قوات إحتلال في العراق هو الذي جلب قوات التطرف وأشعل دورة العنف ، وأن تلك القوى هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تدهور الوضع الأمني في العراق ...! )
مثل هذا التصريح بمضامينه صدر من القادة الإيرانيين خلال وجود المالكي في طهران وعلى رأسهم خامنئي ونجاد ... فهل أصيبت أميركا بالصمم بعد أن أصابها العمى ...؟ أم أن المالكي ، ولصعوبة موقفه وتورطه ، لم يعد يستطيع أن يكون سوى حجر الشطرنج تنقله أصابع أميركا بين إيران ، وتركيا ، وسوريا ...؟ وهي تعلم أن هذا الحجر الشطرنجي سرعان ماسيخرج خارج رقعة الشطرنج بالعبارة المشهورة ( كش ملك ) ...!!
أعتقد أن الأدهى من كل ذلك ، فإن المالكي أعانه الله ... ، لايستطيع وحزبه وجماعته ، إلا بالتصريح تلو الآخر بضرورة وجود القوات الأمريكية في العراق ، وأن إنسحابها سيشكل كارثة أمنية وسياسية
إذن علام هذه الزيارات وسماع تصريحات المسؤولين في كلا البلدين إيران وسوريا بضرورة خروج الإحتلال ...؟؟ !!
لقد قال السيد المالكي وهو يرد على تصريح السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري ، الذي قال : ( إن سوريا مستعدة للتعاون إذا أظهر المالكي موقفاً عراقيا مخلصا يقود الى مصالحة شاملة ... ووضع جدول لإنسحاب القوات الأمريكية ...!!) قال المالكي : ( إن جدولة الإنسحاب مسألة ثنائية تبحث بين بغداد وواشنطن ...) وأهمل الإجابة على فقرة ( المصالحة الشاملة )...!!
لم يكن لقاء المالكي بالرئيس الأسد أكثر حظاً ولا أقل مهانة .. وقد لفت الرئيس نظر ضيفه الى القرار العربي في قمة الرياض . الرياض التي رفضت يوماً إستقبال المالكي ..! وركز على أن الحل في العراق سياسي وليس أمني ، وأيضا وضع الجدول الزمني لإنسحاب القوات المحتلة للعراق ..
المالكي يفهم ذلك أيضاً .. وكان يعرف الطروحات مقدما بعد لقاءاته مع العطري والشرع ، ولكن ماذا بيده أن يصنع .. وهل بقيت منه أيدي تستطيع أن تصنع شيئاً ...؟؟!
إذن وبالمفهوم الدبلوماسي والسياسي ، فإن الزيارة قد فشلت ، ربما حتى قبل أن تبدأ ...! وأميركا طبعاً كانت تعرف ذلك وتتوقعه وكأنها تريد بذلك أن تضع حجراً جديداً على ظهر رئيس الوزراء أعانه الله ....!
لقد إقترب يوم تصفية الحسابات في سبتمبر ...! وعلى بوش أن يتخذ قراراته ..!
ولكن ، والحق يقال ، أن الزيارة الميمونة ، تضمنت فقرتين مهمتين لحكومة العراق .. الأولى فارسها جواد البولاني وزير داخلية المالكي الذي أعلن أنه سيبحث مع السوريين موضوع تسليم مطلوبين من نظام صدام حسين يبلغ عددهم 13 شخصاً ...! وهو في هذا يحاول أن ينجح فيما فشل فيه زميلاه في زيارتهما للأردن ، موفق ( الربيعي ) ، وباقر صولاغ ..!
إنها شريعة وتفكير الإنتقام لاأكثر والتي قدمت لنا منها الكثير حكومات الإحتلال الأربع ، وخطوة تستعجل بها حكومة الرباعية قبل أن تترك كراسيها ...
أما الموضوع الآخر فهو محاولة إقناع سوريا بفتح أنبوب النفط العراقي الذي يمر عبر أراضيها والذي أغلق منذ 26 عاماً .. وهذه أصلا خطوة في محاولة ترضية ومسح أكتاف الأكراد أطراف حلف المالكي الرباعي ، والذين يطمعون في تصدير نفط كركوك لحسابهم حين ( يتسنى ) لهم ذلك .. فهو أهم منافذ حقول كركوك النفطية إضافة الى المنفذ التركي الذي يعلم الأكراد بإستحالة إستخدامه من قبلهم ...!
حتماً ستنتهي الزيارة ببيان مشترك أو مؤتمر صحفي يشنف آذاننا بنجاحها .. وهذا سيكون المنظور..!
أما المستور ، فبيننا وبينه أسابيع ، حين يتم الإتفاق الأمريكي على شخصية رئيس الحكومة الخامسة بعد أن تنهي مساوماتها مع دول الجوار والداخل العراقي ، ولكل حادث حديث ...!
Lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment