علي الحمـــداني
لايكاد يمر يوم واحد على العراق ، إلا ونسمع عجباً ، ونرى ماهو أعجب ..!
المواضيع تزدحم ، والأحداث تتلاحق ، والمعلومات تتوارد ، ورد فعل الحاكمين عجب في عجب ..!
قيل سابقاً ، الأخلاق السائدة من أخلاق السائدين ! ولاعجب ..!
سادة الحاكمين هم المحتلين !
وسادة المتنفذين هم من يسمى رجال الدين !
وسادة رجال الدين مَن هم وراء الحدود قابعين !
وسادة العاملين في الحكومة ، هم من هؤلاء أجمعين !
فلنتأمل إذن حجم المهازل التي تحدث ، وتنوعها ، وغرابتها .. في هذا التسلسل الهرمي المُشين ..!
فهل بعد كل ذلك من يسأل ، لماذا تحول العراق وحكومته الى دولة كارتون .. أبطاله من أمثال (توم آند جيري ) ...! القط والفأر الأكثر شهرة في أفلام الكارتون الأمريكية ..؟؟
لنتناول أولاً ، ظاهرة ماأُصطُلح على تسميته ( مجالس الصحوة ) ! والمفارقات العجيبة حقاً في تركيبة ومهام وإدارة هذه المجالس ، ثم بعد كل ذلك موقف حكومة الببغاوات منها ، وكذلك موقف المحتل الأجنبي ، ومصادر وأساليب إستهدافها .. مما يجعلنا نتساءل وبشكل مشروع :
هل هي فعلاً مجالس إنقاذ للعراق ؟
ماهي حدود تحركها ؟
وماهو مصيرها ؟
عندما عاد عبد الستار أبو ريشة ، وهو من عشائر الأنبار ، من الأردن الى العراق .. أعلن فجأةً تشكيل ماسمي ( مجلس صحوة الأنبار ) ، وبدعم أمريكي كما يبدو ، إذ إعتمد في تمويل مجلسه وتسليحه على الأمريكان ، وقابل الرئيس الأمريكي بوش في العراق ، واجتمع لمرات عديدة مع قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال بتريوس وغيره من قادة الإحتلال .. خرج من أحد لقاءاته مع بتريوس ليعلن أنه سيطارد الإرهاب في محافظة الأنبار ، وأنه يأمل أن تتبع بقية ( العشائر ) في المحافظات الأخرى خطواته .. وكان قد أخبر بتريوس كما نقل عن الأخير ، أنه قال له ( أنهم ـ أي المجلس ـ على إستعداد لملاحقة الإرهابيين حتى في أفغانستان ..! )
بهذه الروح والهمة العالية بدأ أبو ريشة ، وقد لقي كل التأييد من الأمريكان .. فهو وجماعته من سيقوم بالقتال نيابة عنهم ، ويحفظ أرواح جنودهم !! وحافظ الرجل على إخلاصه ، حتى أُردي قتيلاً على يد مسلحين ، لاأحد يعرف حتى الآن من هم !
هل هم المقاومة العراقية ؟
أم هل هم القاعدة ؟
أم هل هم رجال حكومة المالكي وأعوان إيران في العراق ؟
أم هل هم الأمريكان أنفسهم ، بعد أن أدى الرجل دوره ، وتم تعميم تجربته في مناطق أخرى من العراق ، وأصبح تحالفه معهم مكشوفاً لدرجة قد تعطي إنعكاسات سلبية لاضرورة لها ..؟
توسعت تجربة مجالس الصحوة ! وتنافس المتنافسون على تشكيلها في ديالى ، وصلاح الدين ، والعاصمة بغداد في بعض مناطقها في الداخل ، وعلى حدودها الخارجية من الغرب والجنوب والشمال ..!
يقول ( كريكوري سمث ) وهو مدير الإتصالات في قوات الإحتلال ، أن عدد مجالس الصحوة قد وصل الى 186 مجلساً ، وتضم بين صفوفها 77 ألف مسلح ! وتم الإنفاق عليها من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من 62 مليون دولار ، مابين تمويل ! وتسليح .
من يقف اليوم ، مع هذه المجالس .. ومن يقف ضدها ..؟
الإجابة على ذلك ستكون بحد ذاتها لغزا يصعب حلّه !
يقف مع المجالس الإحتلال الأمريكي كما هو ظاهر ومعروف !
ويقف ضدها :
الحكومة العراقية !
شيوخ عشائر العرب السنّة !
إيران ، وأعوانها ورجال دينها في العراق !
المقاومة العراقية ضد الإحتلال !
الحكومة العراقية ، تحاول عرقلة تبني نشاطات المجالس وذلك برفض دمج أفرادها بقوات الجيش والشرطة ، وهو المطلب الأمريكي المعلن !! . تم إعلان ذلك على لسان حليف أميركا وإيران الأول عبد العزيز الطباطبائي الحكيم ! وعلى لسان المالكي رئيس حكومة الإحتلال الرابعة ! وكذلك من قبل كل من وزير الدفاع عبد القادر العبيدي ، ووزير الداخلية جواد البولاني !
ثم وافقت الداخلية ، على تعيين بحدود 200 عنصرمن المجالس في قوات الأمن !!!
إذن أين هو الدور الأمريكي هنا ، وهو الذي يقود البلد سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً ..؟ إنه المحتل الذي أتى بكل هؤلاء ومن معهم ومن يتبعهم ..؟ أم هل نسينا ذلك ..؟
لماذا سكت الأمريكان .. وتركوا الموضوع معلقا .. وهل يُعقَل ذلك ..؟
إجابة واحدة يمكن أن تفسر كل هذه التساؤلات ..
الأمريكان يريدون إستخدام مجالس الصحوة لصالحهم .. ويريدون إبقاء وجودها بشكله الحالي ، مشكلة معلّقة ، تضاف الى كافة المشاكل الأخرى والتي لايريدون فعلاً إيجاد الحلول لها .. أي بكلمة أخرى إبقاء حالة الصراع والفوضى قائمة في العراق الى حين !!
لهذا تجرأ حكام العراق على الوقوف بوجه الرغبة الأمريكية المعلنة ، من باب توزيع الأدوار ، وفهم الرغبة الأمريكية الحقيقية لما بعد مجالس الصحوة ..!
أما شيوخ عشائر السنة من العرب ، فهم قطعاً قد وقفوا على حقيقة مايدور من مناورات ، كذلك معرفة شيوخهم شخصياً لرؤساء هذه المجالس ومستواهم العشائري ونوعيتهم .. فكان رد فعلهم بالضد لما يجري .
يقول الشيخ عزيز الصديد ، من شيوخ عشائر شمّر : أنها مجالس غفوة وليست مجالس صحوة ! لأن الصحوة تعني طرد المحتل ومن جاء معه ..!
أما شيوخ عشائر الدليم ، فهم لايزالون على موقفهم ، ويؤكدون برفض وضع أيديهم بأيدي المحتل !
كما إعتبروا عبد الستار أبو ريشة لاصلة له بهم سوى صلة القرابة والنسب ، وأنه ليس شيخ عشيرة والأمريكان يعرفون ذلك !
الشيخ عبد الرحمن العبيدي ، من شيوخ عشائر العبيد ، إعتبر أن مجالس الصحوة ماهي إلا فتنة أمريكية لقتل إخواننا وأبناء عمومتنا .. وخلق نزاع لاآخر له بين العشائر العراقية ..!
أما الشيخ جمعة الدوار رئيس عشيرة البكّارة .. فقد إعتبر أن أبناء عشائر الجنوب العرب هم ورثة ثورة العشرين ، وعلى أبناء هذه العشائر الإنتماء الى وطنهم وتاريخهم !
أما إيران ، فقد وجدت في مجالس الصحوة ، خاصرة رخوة جديدة ، لتحقيق هدف مزدوج وهو إشعال نار الفوضى والطائفية في العراق ، والضغط على الأمريكيين من ناحية ثانية تماماً كم فعلت وتفعل من خلال الميليشيات الطائفية التي تمولها ، وبهدف تحقيق مكاسب سياسية نوعية على حساب الوضع في العراق ..!
لقد أصبح مؤكداً ، موقف إيران الداعم لتنظيم القاعدة في العراق . والقاعدة هي الهدف المعلن لمسلحي مجالس الصحوة (....) !
تقول مصادر إستخباراتية أمريكية ، أن توجيهات قد صدرت الى عناصر فيلق القدس الإيراني في العراق ، والذي يعتبر فيلق بدر ( الحكيمي ) جزء متلاحم معه عقائدياً ومصيرياً .. بضرب عناصر مجالس الصحوة في العراق وإغتيال قادتها ، وهو ماتم التنسيق معه مع بعض المتنفذين في حكومة المالكي .
ويضيف التقرير الذي نشر في لندن ، الى وصول دفعة من قوات القدس من إيران الى العراق لهذا الغرض ، وأشار الى أنها تتخذ من منطقة ( بغداد الجديدة ) مقراً لها ، بإشراف اللواء أحمد طه ، من وزارة الداخلية العراقية ، وبالتنسيق مع العميد قاسم عطا الناطق بإسم خطة ( فرض القانون ) ..!!
أما مقاومة المقاومة العراقية لمجالس الصحوة ، والتي تعمل هذه المجالس على طعنها في الظهر ، فهي نتيجة طبيعية لتبني المقاومة هدف إخراج المحتل من العراق ، وملاحقة أعوانه الذين أتوا معه ، وكذلك كافة التشكيلات التي يقوم المحتل بإستخدامها ومنها هذه المجالس ..!
ومن مجالس الصحوة .. ظهورها ، وأنشطتها ، وأفولها المتوقع .. الى مواضيع أخرى عالقة ومستحكمة لابد للمتابع والمحلل السياسي ، أن يمر عليها ليقف على مايحدث في العراق ( الجديد ) ، من تداعيات وفوضى يصح أن نطلق عليها المضحكة المبكية !
العلم العراقي الجديد ، هو أحدها ، وهو الذي قد رفعه المالكي بيديه الكريمتين يوم أمس في المنطقة الخضراء ..!
هذا العلم لايزال موضع رد وبدل في شمال العراق لسبب معلوم ، وفي بقية أنحاء العراق لأسباب أخرى ..!
طارق جوهر ، الناطق بإسم حكومة ( كردستان ) ، يقول أن العلم سوف لن يرفع إلا بعد مصادقة مجلس النواب هناك على ذلك ، وقد تأجل إنعقاد ذلك المجلس الى الأسبوع القادم !!
بينما فؤاد معصوم ، لايرى ضرورة لقرار المجلس المذكور بعد أن تمت المصادقة عليه في المجلس النيابي في بغداد ..!
العلم الجديد أيضاً قد تم الرفض بخصوص رفعه من قبل مناطق عراقية أخرى .. فقد صرح علي الحاتم السليمان ، رئيس مجلس عموم شيوخ العراق ، أن محافظة الأنبار ومجلس عموم عشائر العراق ، ومجالس الإسناد في المحافظات ، قررت عدم رفع العلم العراقي الجديد .. وأضاف ، أننا قد أصدرنا تعميماً رسمياً في محافظة الأنبار وجميع مكاتب المجالس وقوات الصحوة ومجالس الإسناد في المحافظات بضرورة الإبقاء على العلم الحالي وعدم رفع العلم الجديد .. وأنه سيتم رفع العلم الجديد عندما تكون لنا مشاركة حقيقية في البرلمان ، لأنه ومجالسه حالياً غير ملزمين بأي قرار يصدر عن البرلمان ، وبسبب عدم وجود ممثلين عنهم فيه .. وطالب العشائر في بقية المحافظات بعدم رفع العلم الجديد ..
لم يبقى إلا أن نرى هذا العلم يرفرف على مبنى مجلس رئاسة وزراء المالكي في المنطقة الخضراء في حين يرفرف العلم الآخر في بقية مناطق العراق في ظل حكومة الببغاوات ...!!!
الميزانية العراقية هي الأخرى ، لاتزال معلّقة للمصادقة عليها ، مابين الطلب الكردي المتمثل بحصة 17 % ، بسبب تغطية رواتب 90 ألف مسلح من البيشمركة ! يقولون عنهم أنهم يعملون كحرس ( لحدود ) العراق ! وبين الطلب الحكومي وهو 14 % ، كما كان عليه الحال سابقاً ..!
حرس حدود العراق أولئك ، يقومون بجرائمهم المكشوفة في الموصل وفي شمال العراق ...
لقد أشارت أصابع الإتهام الى أن مسؤول عملية تفجيرات الزنجيلي في الموصل هو :
الفريق مطاع الخزرجي .. ومعه وتحت إمرته آمر اللواء الثالث ( بيشمركة ) العميد نور الدين الهركي ، وآمر الفوج الثالث ( بيشمركة ) المقدم ولدار حميد ...!!
هذه الحقائق التي دفع حياته ثمناً لها ، الشهيد الدكتور خليل النعيمي ، رئيس كلية الشريعة في جامعة الموصل .. وبأمر من ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني ، نائب المحافظ ، خسرو كوران ...!!
وإذا أضفنا الى كل ماتقدم ، مواقف التيار الصدري من الحكومة ، وظاهرة ( المهدويين ) ، والمجازر هنا وهناك .. وخطة الأمن التي ستنهي عامها الثاني بدون جدوى تذكر ..
نرى أننا فعلاً نعيش في ظل ( حكومة ببغاوات ) ..!
وضع أسس نظرية الفوضى الخلاقة فيها ، هنري كيسنجر ، الذي رحب بعبد العزيز الحكيم في منزله بواشنطن تقديراً له ..!
وبول وولفوفيتز ، مهندس الحرب على العراق ، والذي تسلم مؤخراً منصبه الجديد ( رئيس الهيئة الإستشارية الأمريكية للأمن الدولي ) والتي تتبع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس .. وذلك بعد أشهر من إستقالته كرئيس للبنك الدولي بسبب فضيحة مالية ، حين منح علاوة كبيرة ( لصديقة ) له تعمل في نفس البنك ..!
ولاننسى منفذي تلك النظرية وعلى رأسهم ، دونالد رامسفيلد ، وبول بريمر ، وروبرت غيتس ، وزلماي خليل زاد ... وكلهم أحبة وأصحاب لعمائم المنطقة الخضراء ، وحكومات الإحتلال الأربع ..
وبعد ذلك ، ألم يكن مصطلح ( حكومة الببغاوات ) ، أرحم من مصطلح ( حكومة القرود ) ...!!!
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment