ــ ترجمة مختصرة علي الحمــداني 7
من المعروف على مستوى الرأي العام العالمي ، أن كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، كانتا في المقدمة في قيادة ماسمي " الحرب على الإرهاب " ، وملاحقة اسامة بن لادن والقاعدة . لكن الحقائق على الأرض ، تشير الى أن السياسة الغربية والتي قادها البلدان ، هي التي كانت مسؤولة عن إنهيار وفشل منظوماتها الإستخبارية في السيطرة على بن لادن أو حتى تحجيمه ..!
للأطلاع على هذه الحقائق ، لابد من مرور سريع على ماتم فعلا بهذا المعنى في أماكن مختلفة من العالم .
حماية أسامه بن لادن في السودان :
في شباط / فبراير 1995 ، أعلنت السلطات الأمريكية اسم بن لادن وصهره محمد جمال خليفة من ضمن 172 من المنسقين ، مع 11 قيادي آخر كمسؤوليين عن محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك في عام 1993 .
وفي آذار / مارس 1996 ، عندما كان اسامة بن لادن لايزال موجودا في السودان بعد ان ترك المملكة العربية السعودية ، عرض الجنرال الفاتح عروة السوداني الجنسية والذي كان يشغل منصب سفير الأمم المتحدة في السودان ، والذي أصبح لاحقا وزير الدفاع السوداني . عرض أن يقوم بالقبض على اسامة بن لادن وإرساله إما الى السعودية أو الى الولايات المتحدة ، قائلا أن الأمن السوداني على إستعداد لمراقبة بن لادن عن كثب إذا رغبت الولايات المتحدة ... وأضاف : أنه إذا كان ذلك غير ممكنا فإنه بإستطاعتنا قطعا إعتقاله وتسليمه ..!
بدلا من أن تقبل الولايات المتحدة وتتحمس لهذا العرض سيما ,انها قد أعلنت اسم بن لادن وجماعته قبل سنة من هذا العرض كمسؤوليين عن محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 ، فإنها قامت بردة فعل معاكسة تماما من خلال جوابها على العرض السوداني بالقول : نفضل أن تطلبوا من بن لادن مغادرة السودان ولا تدعوه يذهب الى الصومال ...! . يقول الجنرال عروة ، عندها قلت لهم : إنه سيذهب الى أفغانستان في هذه الحالة .. فاجابونا : لابأس دعوه يفعل ذلك ....!!
في 15 مايس / مايو 1996 ، وبناء على طلب سابق من السلطات الكينية حول تسليم بن لادن ، قام وزير الخارجية السوداني بإرسال فاكس الى نيروبي معتذرا بأنه من غير الممكن إعتقال بن لادن ، وأن الحكومة السودانية قد طلبت فعلا من بن لادن ترك البلاد ، وأنه حر للسفر الآن ...!
لقد أدان عدة رسميين أمريكان ، خصوصا من وكالة الإستخبارات المركزية ، هذا القرار واعتبروه إضاعة لفرصة ذهبية للقبض على المطلوب رقم واحد ، أو على الأقل تحجيم دوره بوضعه تحت مراقبة دقيقة في السودان لمعرفة تحركاته وأنشطته ..!
يقول أحد المسؤوليين المشاركين في المفاوضات التي جرت بين السودانيين والأمريكان بخصوص هذا الموضوع بعد العرض الذي قدمه الجنرال عروة ، وبالحرف الواحد مايلي : " كان بإمكان الولايات المتحدة إستثمار العرض السوداني لمراقبة بن لادن ، ولكن يبدو أن المحاولة أُغلقتْ من قبل ذراع آخر مؤثر في الحكومة الفيدرالية . لم ارى ولم أفهم لماذا وضع مثل هذا الجدار العائق أمام أنشطتنا ، ولم يحصل مثل ذلك من قبل في كافة أنشطتنا .. هناك شخص ما ، أو جهة ما تعمدت أن تفلت هذه الفرصة وتضيع ..! كان بإمكاننا فعلا أن نضعه ( داخل قفص ) ، ليس بالضرورة إعتقاله ، ولكن لمراقبته عن كثب والوصول من وراء ذلك الى معلومات دقيقة ومهمة . هذه هي الحقيقة المرة والتي لو استطعنا استغلالها كما أردنا لمنعنا وقوع أحداث سبتمبر 2001 .. كنت أعلم أن ماأمرتنا به الإدارة الأمريكية سوف ينعكس علينا آجلا أو عاجلا .. وأنه سيعود لإصطيادنا ...!! "
هذا الحادث لم يكن في الحقيقة غير حادث واحد فقط من عدة حوادث تتعلق بمعلومات المخابرات السودانية عن شبكة القاعدة . فقد كتبت صحيفة " الأوبزرفر " البريطانية " أن قادة المخابرات على طلافي الأطلسي ـ يعني أميركا وبريطانيا ـ كانوا بإستمرار يهملون المعلومات المهمة المقدمة عن أسامة بن لادن وحوالي 200 عضو من شبكته ومن العناصر المتقدمة وذلك في السنوات التي سبقت أحداث سبتمبر 2001 . لقد قدمت مخابرات البلدين ملفات كبيرة وكثيرة موثقة بالصور الفوتوغرافية وبالمعلومات الشخصية عن جماعة اسامة ، إضافة الى معلومات غاية في الدقة والأهمية عن المصادر المالية للشبكة حول العالم ..!
كذلك رفض طلب من وكلاء مخابرات سودانيين في لندن للتنسيق مع المخابرات البريطانية لغرض تقديم معلومات هامة بخصوص بن لادن ..! وتضيف " الأوبزرفر " عن مصدر في المخابرات البريطانية " أم آي 6 " ، ان المعلومات التي قدمت لأميركا وبريطانيا عن بن لادن والقاعدة توفر معلومات دقيقة عنهما ليس بالأيام بل بالساعات ، وبدلا من أن يؤخذ بهذه المعلومات الثمينة ، فإن الحكومة السودانية أتاحت لإبن لادن و300 من الكادر المتقدم في شبكته بمغادرة السودان تحت ضغط من أمريكا والسعودية ، مما نعتبره خطأ لايغتفر من الناحية الإستخباراتية ..!"
بعد سنتين من خروج بن لادن من السودان وباوامر أمريكية ، قامت الولايات المتحدة بعملية قصف جوي لمعمل أدوية " الشفاء " السوداني مدعية أن السودان ( تساعد بن لادن ...!) و ( الإرهاب ..!) وذلك عن طريق إنتاج مواد كيمياوية وبيولوجية في هذا المعمل قد تساعد في صنع ( أسلحة دمار شامل ...!!) بالنيابة عن بن لادن ومساعدته على الإستمرار في أعماله الإرهابية ..! هذا كله بالرغم مما قدمته السودان الى أمريكا من عروض لإعتقال بن لادن حينما كان على أراضيها وتم رفضه والسماح لإبن لادن بالسفر وبحرية من السودان وكما أسلفنا ...!!
الغريب انه قبل اسبوع واحد فقط من الهجوم الجوي الأمريكي على معمل الأدوية في السودان ، كانت الحكومة السودانية قد قدّمت عرض جديد للقبض على أتباع شبكة بن لادن يشتبه في تورطهم في أعمال تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام . قدم هذا العرض مكتوبا الى " لويس فريح " وهومدير سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ، وذكر التقرير أن السودان قد إعتقلت فعلا إثنان من شبكة بن لادن وهما يحاولان عبور الحدود السودانية من كينيا ...!
بالرغم من القصف الجوي الأمريكي للمعمل السوداني ، فقد ابقت السلطات السودانية هذين الشخصين قيد الإعتقال ولمدة ثلاثة أسابيع ، على امل أن توضح الولايات المتحدة لموقفها منهما .. ولكن بعد أن قامت " مادلين أولبرايت " وزيرة خارجية كلينتون بمهاجمة السودان على أنه " دولة إرهاب " و " دولة مارقة " .. قامت الحكومة السودانية بإبعاد الشخصين عن أراضيهما وإعادتهما الى بلدهما باكستان ...! (( تعقيب : السياسة الأمريكية هي نفس السياسة ، ولعل من الأفضل تسميتها التضليل الأمريكي للرأي العام الداخلي والخارجي .. حماية بن لادن ، يبدو وكأنه كان هدف استراتيجي لصناع القرار في البيت الأبيض .. ولتحقيق مكاسب قادمة على حساب وتحت عذر الإرهاب العالمي ..! .. أسلحة الدمار الشامل .. هي ..هي .. نفس الإسطوانة المشروخة التي لعبت عليها اميركا في العراق ، كما فعلت في السودان لعزله تحت مسمى دولة إرهاب مارقة ..! وبعد أن أصبح تحت يد السودانيين معلومات اكثر مما يجب عن الخطط الأمريكية .. ولايزال هذا الخط يسير بوضوح في السياسة الأمريكية في معظم دول المنطقة العربية ، وأول الضحايا كان العراق ..! بالرغم من إنكشاف أمر هذا التكتيك السياسي الملتوي أمام الرأي العام ..! ))
إهمال معلومات المخابرات الروسية عن بن لادن :
لم تكن معلومات المخابرات السودانية عن بن لادن والقاعدة ، هي المعلومات الوحيدة التي أهملتها الولايات المتحدة كما يبدوعن قصد وتصميم .. بل حدث الشيء نفسه مع معلومات المخابرات الروسية ذات المستوى العالي والمعروف عالميا .
في مارس / آذار 2001 ، قدمت البعثة الروسية الى الأمم المتحدة تقريرا مفصلا الى مجلس الأمن عن نشاطات رجال القاعدة في أفغانستان . لقد قامت هذه الأجهزة بجهد غير عادي لجمع معلومات غاية في الدقة عن طالبان وإرتباطاتها بالقاعدة وقنوات هذا الإرتباط وخططهما الهجومية المستقبلية ضد أميركا بالذات والغرب بشكل عام ..! وكذلك عن دور الجيش الباكستاني والمخابرات الباكستانية في دعم القاعدة وطالبان ..!
وبحسب معلومات المخابرات المركزية الأمريكية ، فإن المعلومات الروسية كانت تنهال على إدارة الرئيس كلينتون خصوصا خلال السنة الأخيرة من ولايته ..
كانت المعلومات تشير ايضا الى اليمن ، وعن إمكانية القيام بهجوم في تلك المنطقة ضد المصالح الأمريكية .
لقد حدث ذلك الهجوم فعلا على البارجة الأمريكية " كول " في ميناء عدن ..! وحتى بعد ذلك الحادث إستمرت المعلومات من قبل المخابرات الروسية محذرة أميركا نفسها من هجوم وشيك على أراضيها وذلك قبل أحداث سبتمبر 2001 ..
هذه المعلومات وغيرها لم تلقى أي تحرك إيجابي أمريكي بالمستوى المطلوب على المستوى الرسمي او الإستخباري وبتوجيه من البيت الأبيض كما يبدو ...!!
هذا الذي ذكرناه كله ، لايكاد يذكر بالمقارنة مع توفير الحماية لإبن لادن من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ، والجيش الأمريكي ، وحماية مصادره المالية داخل أميركا نفسها ...!!!
هذا ماسيكون موضوع الحلقة القادمة
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment