علي الحمــداني
الحصـاد السـياسـي
في هذا الجانب هناك جملة مقومات أو أسس يتم من خلالها الحكم على طبيعة النظام السياسي للدولة فهناك في دول العالم كما هو معروف عدة أنواع من النظم السياسية .
منها ، على سبيل المثال ، النظم الدكتاتورية ، حيث يكون القرارالسياسي محصور بيد شخص واحد وهو الحاكم الدكتاتور ، مع وجود أجهزة تنفيذية وتشريعية ، إلا أنها عبارة عن أجهزة هيكلية لغرض إستكمال الشكل السياسي لمقومات الدولة ليس إلا !
ومنها ، نظم الحزب الحاكم الواحد الذي يتولى شؤون إدارة الدولة وفق مصلحة الحزب ، وهو صورة أخرى من صور الدكتاتورية ، حيث عادة ماتنحصر بيد الأمين العام أو رئيس الحزب عناصر إتخاذ القرار ، وتتولى تشكيلات الحزب المتمركزة في مفاصل الدولة المهام التشريعية والتنفيذية .
ومنها النظم الديمقراطية والتي تستند في الجانب التشريعي على ممثلي الشعب ، ومراقبة الجانب التنفيذي ، أي الحكومة ، والتي تبثق بدورها من الأغلبية في مجلس النواب . وعندما يكون النظام رئاسياً ، فإن رئيس الحزب الفائز ، والذي هو منتخب أصلاً لرئاسة الحزب من خلال إنتخابات محلية ، سوف يكون رئيساً للدولة .. أما في حالة كون النظام ملكياً ، فإن رئيس الحزب الفائز سوف يكلف بتشكيل الحكومة من قبل الملك ، أو حتى من قبل رئيس الجمهورية المنتخب في معظم النظم الرئاسية بإستثاء بعضها ومنها الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يقوم الرئيس بمهام رئيس الوزراء
المدد الزمنية الرئاسية لشخص الرئيس أو رئيس الوزراء ، أي الدورات الإنتخابية ، تحدد أيضاً وفق الدستور ، وذلك لمنع بقاء شخص بعينه في كرسي الرئاسة الى مالانهاية وتفرده بالسلطة وكمعيار مهم للنظام الديمقراطي .. بعد ذلك عليه أن يستقيل من رئاسة حزبه ، لإتاحة الفرصة أمام عنصر جديد ليتولى هذا المنصب ويخوض المعركة الإنتخابية من جديد ، حيث تحدد نسبة نجاحه ، كمية ونوعية ومدى نجاح القرارات المتخذه خلال فترة حكم الحزب ، ونوعية الإنجازات المتحققة على صعيد المصلحة العامة في كافة نواحيها ، ومصلحة الدولة العليا من خلال سياستها الخارجية .
ماعدا هذه الأنواع الثلاثة ، فإنه توجد هناك بعض الأنظمة ( المرقّعة ) من هذا النظام أو ذاك ، حتى لو أطلقت على نفسها مسمى النظم الديمقراطية .. ومنها ماهو شاذ عن الجميع كالنظام العراقي ، في الوقت الحاضر .. والذي ولد ولادة مشوهة بعد غياب نظام الحزب الواحد والسلطة الدكتاتورية (...)
ماهو واقع النظام العراقي ..؟
ـ رئيس جمهورية معيّن بموجب نظام المحاصصة الطائفية .
ـ رئيس وزراء منتخب وفق نفس النظام الطائفي ، وعلى أساس أغلبية أصوات التكتلات السياسية.
ـ مجلس نيابي منتخب وفق أسس الكتل السياسية والتحالفات .
الملاحظة الأولى على هذه التشكيلة .. أنه في النظام الرئاسي الجمهوري يتم إنتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرةً ، بعد أن يكون قد أُنتُخب من قبل حزبه لترأسه ، كما في اميركا وأوربا ( عدا الأنظمة الملكية ) ، وفي بقية دول العالم حتى في تلك التي تصنف تحت مسمى ( دول العالم الثالث ) !
ثم يقوم الرئيس ، بتعيين رئيس الوزراء ، حيث يشكل هذا الأخير حكومته من الأغلبية .. وتعرض على رئيس الجمهورية !
الحالة في النظام العراقي فيما يتعلق بهذه الناحية ، حالة فريدة من نوعها .. فهي لاتندرج تحت صفة النظام الرئاسي ، والعراق دستورياً هو نظام جمهوري .. ولكن .. رئيس الجمهورية معيّن في منصبه
كما أنه لايمتلك صلاحية تسمية رئيس الوزراء ، كالنظم الجمهورية أو الملكية الأخرى !
وإذا ماإنتقلنا الى مجلس النواب ، فنرى أن نظام الإنتخابات ، أو قانون الإنتخابات ، هو أيضاً غريب من نوعه .. حيث يتم التصويت من قبل الشعب لكتل أو تحالفات سياسية ( ألإئتلاف العراقي الموحد ، التحالف الكردستاني ، جبهة التوافق ، حركة الوفاق .. وهكذا ) ، وقد وضع رقم يمثل كل فئة من هذه الفئات ، فيكفي الناخب أن يسجل رقم 555 ، كما حدث في الإنتخابات الأخيرة ، ليذهب صوته الى الإئتلاف ..! وقد لعبت الفتاوى الدينية كما هو معروف دوراً في حرف مسار التصويت ، واللعب بعقول البسطاء من الناس والذين يطلقون عليهم العامة لتمييزهم عن الخاصة أصحاب العمائم ..!
أما في ظل النظم الديمقراطية ، فالعملية على العكس تماما ً ، والمعروف أن هذه النظم لم تأتي من فراغ ، أو بتجربة بسيطة ، بل هي نتاج حضاري لعقود إن لم نقل قرون من الزمن !
في هذه النظم ، يتم الترشيح لمقاعد البرلمان بأسماء أشخاص ينتمون الى أحزاب سياسية ، أو أشخاص مستقلين ، وذلك كل عن دائرته الإنتخابية الجغرافية . وبنتيجة فرز الأصوات فإن الحزب الذي يحصل مرشحيه على النسبة الأعلى ، يكون هو حزب الأكثرية ، والذي سيقوم بتشكيل الحكومة
حيث سيتولى رئيسه منصب رئيس الوزراء .. أما بقية الأشخاص المنتخبين ، فسوف يكونون أعضاء في البرلمان يمثلون أحزابهم أو أنفسهم كمستقلين وفي جانب المعارضة ، ولهم تأثيرهم الفاعل على القرارات المتخذة ، أو محاسبة الحكومة على سياستها ، يعني ليس فقط رفع الأيدي ..!
إذن ، أين يقف النظام العراقي ..؟
رئيس جمهورية غير منتخب ولانعرف من المسؤول عن تعيينه دستورياً ..! فإن قلنا أنه رئيس الوزراء هو مَن يعينه ، فإننا نكون قد قلبنا المعادلة الدستورية في النظم الجمهورية الرئاسية ، وإن لم يكن رئيس الوزراء ، فمن المسؤول إذن ..!؟
أما رئيس وزراء فيمثل كتلة سياسية أو مجموعة كتل أطلق عليها الإئتلاف يجمع بينها تحالف مذهبي وعرقي ..!
أما البرلمان فأعضاؤه من الكتل كالإئتلاف وغيره ، والتيارات السياسية كما في حالة التيار الصدري وغيره ، فيصبح فلان النائب عن التحالف الفلاني ، وعلان النائب عن التيار العلاني ..!
وإذا ما أضفنا الى كل ذلك ، التوزيع الطائفي والعرقي للمناصب الرسمية من قمة الهرم نزولاً الى قواعده ، لوجدنا حجم الكارثة في فوضوية النظام السياسي العراقي وعدم إستقراره . لرئيس الدولة نائبان ، أحدهما عربي سني والآخر عربي شيعي ( تقسيم طائفي ومذهبي ) ، ولرئيس الوزراء نائبان أحدهما عربي والآخر كردي ( تقسيم عرقي وقومي ) ، رئيس الجمهورية نفسه كردي ، في حين رئيس الوزراء شيعي ، ورئيس البرلمان سني ..
الوزارات السيادية أو المهمة ، مقسّمة هي الأخرى بنفس الطريقة ، الداخلية والنفط والمالية وزراء شيعة ، الخارجية وزير كردي ، والدفاع وزير سني .. وبقية الوزارات وُزعت حقائبها بطريقة مشلبهة .. فأصبحت هذه الوزارة شيعية ، وتلك سنية ، والثالثة كردية ، والأخرى مسيحية .. ويشغل فيها أبناء الطائفة او المذهب او الدين أكثر المناصب من وكلاء الوزارات نزولاً الى المدراء العامين والى الكوادر الأخرى ..
لقد أصبح الحديث الآن عن تشكيل حكومة ( وحدة وطنية ) أو ( حكومة تكنوقراط ) ، ضرب من الهراء حتى لو حدث ذلك ، بسبب التغلغل والسيطرة الطائفية والعرقية في كيانات الوزارات نفسها وفي دوائرها ، حتى تلك التي خارج العراق كالسفارات ..!!
وعلى ذكر السفارات ، أتحدى كل من يقدم لنا إحصائية عن موظفي سفاراتنا في الخارج ، لكي نرى نسبة الأكراد فيها قياساً الى العرب السنة أو الشيعة ..!
كيف وصلنا الى هذا الواقع ..؟
لم يكن تكريس هذا النظام المشوه من قبيل الصدفة ، أو بسبب الصراعات ، أو بسبب نقص التجربة السياسية ، كما قد يتصور البعض ، مع ماكان لهذه العوامل من تشجيع على الإنحراف .
السبب هو أن مركز القرار كان ولايزال بيد سلطة الإحتلال ، التي بدأت بالحاكم المدني الأمريكي ، ثم إنتقلت الى السفير الأمريكي .. وهؤلاء جميعاً على إدراك تام بما يعنيه النظام السياسي الديمقراطي وكيفية العمل تدريجياً على تطبيقه فيما لو صحت وتوفرت النيات الصادقة لديهم لتحويل العراق الى بلد ذي نظام ديمقراطي ، كما يعلنون ويصرحون ، المرة بعد الأخرى ..
إنه فقط كلام للإستهلاك المحلي ، وحقن تخدير لتمرير المخططات ..!
الأهم ، هو أن مهمة الإحتلال لاتتضمن إصلاح النظام السياسي العراقي ، لامن قريب ولا من بعيد ، بل أنه خارج أجندتها السياسية المحددة والمرسومة بعناية ، وذلك من منطلقين أساسيين :
الأول : تحقيق الهدف الأبعد من إحتلال العراق عسكرياً .
والثاني : هو مبدأ صهيوني قديم تم تكريسه منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 ، يقوم على عدم السماح بقيام أي نظام عربي ديمقراطي متكامل ، وأن تبقى إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في المنطقة ، ومركز الثقل فيها في قاموس السياسة الدولية ..!
وقبل مناقشة ذلك بالتفصيل ، لابد لنا من إستعراض سريع لما تم منذ 9 /4 / 2003 ، في الجانب السياسي فقط ، حتى يومنا هذا :
ـ الإحتلال العسكري للعراق .
ـ تعيين حاكم ( مدني ) أمريكي .
ـ إبتكار نظام مجلس الحكم .
ـ تعيين رئيس وزراء إنتقالي وإفشاله بعد ذلك .
ـ تشريع قانون غريب للإنتخابات .
ـ الوصول الى الوضع الحالي لنظام الحكم .
ولا أعتقد أننا بحاجة الى الكثير من التفاصيل لإستعراض هذه النقاط منذ اليوم الأول للإحتلال .. ولكن بالوقوف عند النقطة الأخيرة ، نجد أن العراق قد دخل في دائرة مغلقة ، أصبح من الصعب معها إجراء أي إصلاح جذري .. وسيكون البلد محظوظاً ، لو إستطاع تحقيق مجرد ترميم إصلاحي وفي واقع الأمر فإن ماكانت تهدف اليه الإدارة الأمريكية هو الوصول الى هذه النتيجة وفي هذه المرحلة .. ولايجب أن نتصور أن الظروف الطارئة على الموقف السياسي ، قد أجبرت الأمريكان على إتخاذ ماإتخذته ولأسباب خارجة عن إرادتها .. لأن مثل هذا التصور لايعدو أن يكون طفولة وسذاجة سياسية .. فالخطة موضوعة بتفاصيلها إبتداءاً ، وقد تم إحتساب كافة الإحتمالات ، حتى تلك غير المتوقعة ، وهذا هو حال السياسة العالمية دائماً .
إن أي تصور من هذا القبيل ، هو كمن يريد أن يبرئ ساحة أمريكا من جرائمها .. وتصريحات منفذ الحرب ومجرمها الأول جورج دبليو بوش ، عادة ماتأخذ هذا المنحى ، في إلقاء تبعات نشر الغسيل الوسخ على الآخرين ، وإعاقتهم خلق العراق الديمقراطي الحر الموحد ..!!!
لماذا إذن إختارت أميركا الطريق الصعب ..؟
هل هي فعلاً قد إختارت الطريق الصعب ..؟ أم الأصح أنها قد إختارت الطريق الذي يوصل الى الهدف الصعب ؟
هذا هو منطق وحصاد الخطوات الأمريكية منذ اليوم الأول لدخولها الى العراق ، حيث تحول من دولة مستقلة الى دولة محتلة ..!
عندما قرر بول بريمر تقليعة وموضة مجلس الحكم ، كان يعرف ماذا يفعل وبالتحديد .. لأنه لو كان مخلصاً في خلق قيادة مرحلية للعراق لكي تنقله الى النظام الجديد ( الديمقراطي ) ، لكان فعل ذلك منذ اليوم الأول لتسلمه إدارة العراق ، وذلك عن طريق مجلس رئاسي مثلاً من ذوي الشأن في العراق الجديد ليخرج بقرارات جماعية متكافئة تكفل مصالح كافة شرائح الشعب العراقي .. ولما قام بحل الجيش العراقي الرسمي والشرعي ، ليخلق حالة العداء والمقاومة المسلحة ، وإختلاط الحابل بالنابل كما يقال بإنضواء أعضاء من المليشيات كفيلق بدر ، والمهدي ، والبيشمركة ، الى الجيش والشرطة العراقية ( الجديدين ) ، ومنحهم الرتب العسكرية العشوائية وكذلك المناصب العسكرية !
إن تأريخ العراق وغيره من دول المنطقة ، يعرف تجربة سابقة من تجارب الإحتلال من قبل الدول الكبرى ، وكانت من أهمها آنذاك بريطانيا وفرنسا ، ففي فترة ( حكومات الإنتداب ) وحكم ( المندوب السامي ) طبقت تلك التجارب مرحلياً وانتهت لصالح المحتلين ، ومن غير المعقول أن تكون أميركا على جهل بالتجربة البريطانية التي سبقت إستقلال دول المنطقة ، ومن ثم خلق النظام الحليف لها .. ولا أن تغفل بريطانيا ، وهي الشريك الأساسي في جريمة غزو العراق ، عن حث حليفتها الولايات المتحدة لتطبيق التجربة السابقة . هذا إذا كان الغرض فعلاً هو خلق دولة جديدة ومستقرة لتخلف دولة ( الدكتاتورية والحزب الواحد ..!) .
لقد تم إحتلال العراق على أي حال ، وكان يجب أن تكون الخطوة التالية كسب الثقة ، وتحقيق الإستقرار .. لغرض جنيهم منافع الإحتلال .. أليس هكذا يقول المنطق ..؟
بريمر أراد أن يكرس مبدأ الطائفية والعرقية وتغذيته عندما إبتكر تجربة مجلس الحكم ورئاسته الدورية ولمدة شهر واحد لكل من أعضائه الذين يجمعهم المجلس وتفرقهم الطائفة والعرق ...!!
وبريمر ، أراد كسب الوقت ، أو بالتحديد منح الوقت والفرصة لوقوف التيارات المختلفة على أرجلها خلال تلك السنة التي إستغرقها نظام مجلس الحكم ، تمهيداً لبدء عملية الصراع والإقتتال فيما بينها !
وهذا فعلاً ماحدث ، حيث ظهرت خلال تلك السنة الميليشيات المسلحة المنتمية الى الأحزاب والطوائف وبدأت بتنظيم صفوفها ، وبدأنا نسمع عن فرق الموت التابعة لأحمد الجلبي ، وإختفائها بإختفائه من الساحة ..! ثم فسح المجال للأحزاب والتيارات الطائفية والعرقية بإنشاء التكتلات ، وإغماض العين عن حدود العراق للسماح بدخول المسلحين تحت مسميات مختلفة ، وبالطبع ، وكنتيجة لكل تلك التحديات وأولها الإحتلال ، ظهرت المقاومة العراقية المسلحة كحق طبيعي وشرعي .
محصلة خطة بريمر ، ومجلس الحكم ، كانت ذات هدفين مهمين :
ـ إعتماد المحاصصة الطائفية في أي حكومة مقبلة في العراق .. وهو ماحصل وبنجاح باهر ..!
ـ والأهم ، تثوير الفوضى داخل العراق ونموها ، لغرض تحقيق نظرية ( الفوضى الخلاقة ) التي وضعها كبار الصهاينة والمحافظين الجدد ، وحمل لواء تطبيقها في العراق ، بول وولفيترز ، دونالد رامسفيلد ، روبرت غيتس ، ثم زلماي خليل زاد .. وهذه ايضاً كانت خطوة مهمة لتحقيق سياسة بقاء الإحتلال .. لابل إنتقلت الحمى الى المسؤوليين العراقيين بالتوسل بالإحتلال للبقاء خوفاً من تدهور الوضع الأمني .! .
لقد نقلت الينا الأخبار مؤخراً ، أن عدد الجنود الأمريكيين سيرتفع بحلول تموز / يوليو من هذا العام الى 140 ألف ، أي بزيادة مقدارها 8000 جندي ( بهدف توفير الضمانات للمطالب الأمنية ...!!! )
وكثيراً مانسمع عن مداهمات واعتقالات وتحقيقات قام بها الجيش الأمريكي هنا وهناك .. وأتمنى أن أسمع يوماً تفاصيل هذه العمليات ونتائجها على لسان الأمريكان أو الحكومة ، لأعرف مايجري في بلدي كعراقي ..!
ماهو الهدف الصعب إذن ..؟
ببساطة ، هو تحقيق الوصول الى فكرة أو إستراتيجية ( الشرق الأوسط الجديد ) .. الصهيونية المنشأ ( راجع سلسلة مقالات للكاتب بعنوان ـ الشرق الأوسط ، قديمه وجديده ، معادلة واحدة بحلول مختلفة نشرت على ست حلقات إبتداءاً من 22/11/2006 ) .
ولكن .. كيف يمكن الوصول الى هذه الإستراتيجية عبر السياسة الأمريكية في العراق ..؟
في الحقيقة ، يكون السؤال أكثر دقةً ، لو قلنا السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ومن خلال إحتلال العراق ..
هنا علينا أن نعود الى المنطلقين اللذين أثرناهما تحت عنوان " كيف وصلنا الى هذا الواقع ..؟ "
ـ تحقيق الهدف من خلال الإحتلال العسكري للعراق :
إن مبررات الإحتلال قد وضعت قبل وقوعه بفترة طويلة ، وبنيت على أساس إعلامي نظري محض موجه للرأي العام ، يعلم أصحاب القرار ببطلانه ، وثبت زيفه خلال سنوات الحصار ، تلك هي فرضية أسلحة الدمار الشامل العراقية .. وتهديد صدام ( للأمن القومي الأمريكي والعالمي ! ) .. حتى لقد تحدث توني بلير نفسه في إحدى المناسبات ، عن إمكانية صدام بإطلاق صواريخه (عابرة القارات) ..! ، وأن تلك العملية سوف تستغرق حوالي 25 دقيقة ! ( حسب تقدير الخبراء .!! ) .
وعلى الرغم من عدم تأكيد وجود أي من هذه الأسلحة المدمرة على لسان خبراء هيئات التفتيش التابعة للأمم المتحدة ، بل وتصريح بعضهم ببطلانها .. إلا أن إدارة بوش ، أصرت على المضي قدماً لضرب العراق ، وحاولت أن تضفي الشرعية الدولية على الهجوم ، بأن جعلته يتم تحت مظلة الأمم المتحدة ، و ( قوات التحالف الدولية ) .
تبرر الإدارة الأمريكية الحرب ، للقضاء على تهديد صدام ( للأمن العالمي ) ، و ( تحرير ) الشعب العراقي ، و ( تطبيق الديمقراطية ) ، والقضاء على ( الدكتاتور ) !
هذا كله ، قد أثبت بعد خمس سنوات بطلانه ، وسيبقى كذلك ولو بعد خمسين سنة ..!
إذن ، هل هو لمجرد السيطرة على النفط العراقي وإحتياطاته الضخمة ..؟
بالطبع كلا .. مع أن هذا العامل مهم وحيوي لحكومات شركات النفط الأمريكية .
السبب ، أن النفط العراقي كان يباع أصلاً للولايات المتحدة وأوربا واليابان وروسيا والصين والشرق الأقصى .. أي لكافة الدول الصناعية بالدرجة الأولى .. ولم يكن سوق النفط العراقي في زمبابوي أو مدغشقر أو غانا أو بنغلاديش على سبيل المثال ! تماماً كما يباع نفط إيران والسعودية والخليج الى الدول الكبرى ، ولهذا لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً ، ولو بصورة شفوية ، عما كان يجري من سرقة الكويت لنفط حقول الرميلة الجنوبية ، وحتى ما تفعله إيران اليوم من سرقة نفط العراق من حقل مجنون فلا فرق لديهم من أين ياتي تصدير النفط اليهم ، مادامت الدول الكبرى هي من يتحكم بأسعاره ، وما دامت منظمة الأوبك وحكام الدول النفطية .. في جيب الغرب !
هناك عوامل أهم من النفط ، ومن صدام ، في إختيار العراق كهدف عسكري ، في مقدمتها مايتعلق بالمنطلق الثاني الذي سنأتي عليه وهو إسرائيل ! ولكون العراق ايضاً يمثل أرضاً خصبة للإحتلال نتيجة التركيبة الديموغرافية للسكان ، وخصوصاً ( المظلومين ) من الشيعة والأكراد ! الى جانب وجود عدد آخر من القوميات والطوائف .
لقد عملت سنوات التمهيد للحرب ، أي سنوات الحصار البالغة 13 عاماً ، على تفكيك اللحمة الإجتماعية للشعب العراقي ، ومنحت الأكراد وبدعم إسرائيلي مباشر من السير على طريق الإنفصال والإيحاء لهم وتشجيعهم على ذلك .. حتى اصبح العراق نموذجاً لإختياره من بين دول المنطقة لإحتلال أمريكي طويل الأمد !
ـ جميع المصطلحات البراقة التي أُطلِقت كمبررات لغزو العراق ، كما ذكرنا ، ماهي إلا حملة إعلامية لاغير .. فالموضوع العراقي أبعد من ذلك بكثير تاريخياً وآيديولوجيا !
العراق هدف يهودي ديني ، يرجع الى ماقبل الميلاد ، الى أيام الإمبراطوريتين الآشورية والبابلية ! ( راجع كناب " إتحاد ضد بابل " للكاتب الأميركي جون مولي ، الذي نشر عام 2005 .
Alliance Against Babylon , by John Mooley
وترجمة أهم فصوله من قبل الكاتب ، والتي نشرت على حلقات على هذه الصحيفة وبعنوان " من أجل بابل والتلمود ، تم ذبح العراق .. إبتداءاً من 20/4/2007 ) .
هذا أولاً ، وثانياً ، أن الغرب بشكل عام ، ومن منطلق صناعة القرار الإسرائيلي والنظرية الصهيونية ، ليس من مصلحتهم قيام نظام ديمقراطي حقيقي في أي دولة عربية .. وإلا إنتفى وجود دولة إسرائيل ، لأن النظام الديمقراطي ، والإنفتاح الإقتصادي الذي سيواكبه ، سوف يكون بمثابة كارثة على إسرائيل .. التي يتمسك الغرب وإسرائيل بمصطلح كونها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة العربية ، لدرجة أصبحت معها كولاية أمريكية أو دولة من دول الإتحاد الأوربي في المنطقة العربية وسوف نتناول هذا الجانب تفصيلاً في الحلقة القادمة الخاصة بالجانب الإقتصادي من هذا الموضوع
وبالأخذ بهذين المنطلقين .. أي الإحتلال العسكري ، والتفوق الإسرائيلي ، تكون نظرية الشرق الأوسط الجديد ، قد وضعت أولى لبناتها على الخارطة السياسية .. ونلاحظ الآن الخط المتوازي الذي يسير عليه الوضع السياسي اللبناني مع المسار العراقي ، ولنفس السبب والهدف ، وذلك لوجود التشابه الديموغرافي والجغرافي بين البلدين .. شيعة في الجنوب في البلدين ، سنة وأكراد في شمال العراق ، وسنة ودروز في شمال لبنان ، أحزاب مسيحية علمانية ، وتيارات إسلامية ، إيران الى الشرق من العراق ، وسوريا الى الشرق من لبنان ..!! إضافة الى ماتشكله لبنان في حالة نهوضها من خطر إقتصادي على إسرائيل ، وكانت دائماً هدف للتدمير الإسرائيلي .. وهذا أيضاً ما سوف نتناوله في الحلقة القادمة ..!
وللتذكير فقط ، وبعجالة ، ما يعنيه مشروع الشرق الأوسط الجديد ، نقول ، أنه إعادة هيكلة معاهدة التقسيم الشهيرة ( سايكس ـ بيكو ) البريطانية ـ الفرنسية ، بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 .. وتقسيم الدول العربية كما هو وضعها الحالي على أساسها .
إعادة الهيكلة أو التقسيم وبموجب مشروع الشرق الأوسط الجديد ، يعني خلق دويلات جديدة تنفصل عن الدول الأم الحالية ، سمها إن شئت ، ( أقاليم ) أو ( ولايات) !! والعمل يجري حثيثاً من أجل ذلك في العراق ولبنان ، وفي السودان شماله وجنوبه ، وفي شمال أفريقيا حيث العرب والبربر وهكذا ..!
وبالعودة الى الوضع العراقي السياسي الحالي ، وقبل أن نختتم هذه الحلقة ، وبالإضافة الى ماتطرقنا اليه في بداية المقال حول الوضع الدستوري المشوه والمسخ للحكم العراقي في السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية .. والذي كان نتيجة طبيعية لوضع غير طبيعي ، وانعكست أثاره على المواطن العادي ، اي الشعب العراقي . يمكننا إختزال كل ذلك ، وبدون التطرق الى التفاصيل التي أصبحت معروفة وملموسة على أرض الواقع بما يلي :
ـ ظهور وتنامي قدرات الميليشيات العسكرية المسلحة والتي تنتمي الى أحزاب وجماعات وبالأخص تلك التي تحمل النفس الطائفي الديني .
ـ ظهور العصابات المسلحة الخارجة على القانون ، شانها شأن الميليشيات المسلحة ( راجع بعض مقالات الكاتب ، مثل سقوط الأقنعة / آب 2007 ، والنفط مقابل البقاء / نفس الشهر ، وغيرها على رابط مقالات علي الحمداني ، أسفل هذه الصفحة )
ـ إنقسام الدولة العراقية جغرافياً الى كتل ومجموعات طائفية وعرقية ، وبدء الدعوة الى تكريس هذا الإنقسام تحت مسميات الأقاليم ، على يد كتاب ومنظّرين ، كان آخر ما وقع عليه نظري ، مقالة طالب واعي الربيعي ، على صفحة كتابات بتاريخ 27/2 .. وبعنوان " دولة الجنوب القادمة .. حق مقدس " ، وقد سبقه كتاب أخرين هنا وهناك ، يمجدون أستقلال كوسوفو ، ويحاولون مقارنته بالعراق .. وللحق لم نسمع قائد كردي واحد دعا بصراحة الى الإستقلال لإقليم شمال العراق ، بالرغم من وجود هذا المبدأ لديهم والإيمان المطلق به بل يتبعون الأسلوب التكتيكي .. ، على عكس مايفعل بعض السياسيين الشيعة من أنصار الحكيم ، هذه الأيام ..! وخصوصاً بعد عودة الحكيم من واشنطن ، وإجتماعه العلني بالصهيوني " هنري كيسنجر " المنظّر السياسي الأمريكي المخضرم ووزير الخارجية الأسبق ..! . وقبل أيام جدد عمار الحكيم دعوته لذلك ، محاولاً التبرير بإبتسامته المعهودة أن ذلك سيحقق إستقرار العراق سياسياً وإقتصادياً ..!!!
ـ فقدان السيطرة المركزية للحكومة على هذه التجمعات أو ( الأقاليم ) ، بسبب الأحزاب والميليشيات والتكتلات والتيارات السياسية .. وفشلت حتى في فرض رفع العلم العراقي الرسمي الجديد في كل أنحاء العراق ( الديمقراطي الموحّد ) !
ـ ضعف الإدارة الحكومية ، بل وعجزها عن أداء مهامها كسلطة تنفيذية ، وقد فشلت وعلى مدى أشهر من إعادة تشكيل الوزارة ، أو حل مشاكل المجلس النيابي ، أو خلق التنسيق اللازم مع رئاسة الجمهورية ! ولعل أحد الأمثلة القريبة هو موضوع قانون إدارة المحافظات المعطل عن التصويت عليه .. السبب في ذلك هو نفوذ عبد العزيز الحكيم والدائرين في فلكه ، لأنه يعلم أنه لو أُقر القانون الآن لفقد سيطرته على جنوب العراق ، ولأصبحت دعوته الى إقليم الجنوب ليست في صالحه ولا في صالح إيران ..!
ـ توسع الهوة التي تفصل الشعب وإحتياجاته الضرورية عن الحكومة العراقية في المنطقة الخضراء!
ـ تحول النظام الدستوري العراقي الى مجرد هيكل مدون على الورق ، وتعطل أكثر بنوده عن التنفيذ!
ـ تحّول الهم الحكومي الحالي الى كيفية التمسك بالكراسي والى أي مدى وبأي ثمن ! حتى وهي لاتحظى بثقة البرلمان .. وهذا مسار أشبه مايكون بديكتاتورية تحبو في مرحلة الطفولة !
ـ أصبح العراق ، الساحة الفارغة التي تلعب عليها أطماع دول الجوار ، وتحت ذرائع وأعذار مختلفة ، ولكنها في واقع الحال ، تمثل إستراتيجية عمل منظم وبالتنسيق مع قوات الإحتلال ومع شخوص الحكومة العراقية المتشبثين بالبقاء ( راجع مقالات " سقوط الأقنعة " للكاتب ) .
كل هذه النقاط ، قد تفسر لنا ، وتجيب على السؤال : ( كيف وصلنا الى هذا الواقع ..؟ )
والآن الى أين تتجه بوصلة السياسة الدولية للمرحلة أو المراحل القادمة فيما يتعلق بالوضع السياسي العراقي الفريد من نوعه ..؟
وللبحث بقية ...
lalhamdani@yahoo.com
لمراجعة مقالات الكاتب ومدوناته ، يرجى الدخول على الرابط :
www.alialhamdani.blogspot.com
يرجى ملاحظة أن الموقع أعلاه تحت التحديث ، وسيأخذ بضعة أيام قبل تنزيل كافة المقالات .
No comments:
Post a Comment