علي الحمـــداني
منذ أن بدأت الأزمة السياسية بين طرفي الإئتلاف الحكم في العراق ، وهما شيعة إيران ـ العراقيين و الحزبين الكرديين ، حول موضوع كركوك ، والمادة 140 من الدستور العراقي ، وأخيراً وليس آخراً الأزمة التي خرجت من تحت رماد الصراع الى نار ظاهرة للعيان ، وتلك هي توقيع حكومة إقليم المنطقة الشمالية من العراق لعقود إستخراج وبيع النفط العراقي من المناطق الشمالية مع شركات أجنبية ، وبدء ردة الفعل الحكومية ، وآخرها إلغاء عقد نفطي مع كوريا الجنوبية بسبب توقيع شركة كورية لعقد مع حكومة الإقليم الكردية .!
يعني صراع اللصوص على الغنائم بعد السرقة ..!
منذ أن بدأت ، هذه الأزمة لتضيف عبئاً جديداً على الأمريكان فوق أعبائهم التي لايحسدون عليها ، والتحركات السياسية السرية والعلنية على قدم وساق ! تارة في المجلسين النيابيين في بغداد وأربيل ، وتارة بالتراشق بالتصريحات ، وأخرى باللقاءات والزيارات .. وفي كل ذلك فإن جلال الطالباني يحاول أن يظهر بأنه يلعب دور حمامة السلام ، فهو من جهة رئيس جمهورية ! ومن الجهة الثانية رئيس أحد الحزبين الكرديين الحاكمَين في شمال العراق !
حكومة الشيعة الإيرانية في بغداد تعلم كل ذلك بما فيها الأكاذيب والإلتفافات والضغوط الكردية ، ولكنها ساكتة على مضض ، على الأقل في الصورة العامة أمام العراقيين والعالم ، وذلك للإبقاء على أصوات الأكراد في مجلس النواب الى جانبها لتمرير مخططاتها سواء الطائفية منها من خلال الوحي الإيراني ، أو السياسية ومن خلال الوحي الأمريكي .. والنتيجة هي التشبث للبقاء مهما كان الثمن ، ومهما تبلغ حجم التنازلات لهذا الطرف أو ذاك .!
قبل أن أنتقل الى المعطيات والتداعيات التي بدأت تظهر تدريجياً ، والتي دعتني أصلاً الى كتابة هذا الموضوع .. أود أن أشير الى بعض الرسائل التي وصلتني على بريدي بعد عدة مواضيع كتبتها عن ( أزمة ) العلم العراقي ، وأحداث التفجيرات الأخيرة في الموصل ، والتي كانت كإعلان ساعة الصفر ( لتطهير ) الموصل من ( القاعدة ) و ( الإرهابيين ) !
الرسائل وصلتني من قراء أكراد ـ وأحتفظ بها في أرشيف رسائلي ـ ، تكاد تتفق على منحى واحد ، ذلك هو محافظة نينوى كهدف وكحلم من أحلام القيادات الكردية .
إحدى الرسائل تقول : ( سيأتي اليوم الذي تستيقظ فيه لترى أن الجسور التي تربط جانبي مدينة الموصل الأيمن والأيسر قد نسفت أو أقيمت عليها نقاط العبور من المنطقة العربية الى المنطقة الكردية ..!)
الأخرى تقول ، وبنفس المعنى : ( أنه لاوجود للموصل في الجانب الأيسر . الموصل فقط في الجانب الأيمن ، والجانب الأيسر يتبع كردستان ...!)
والثالثة تؤكد لي : ( أن العلم الكردي سيرفرف قريباً في الجانب الأيسر من الموصل ...!)
وللقراء الكرام ، الذين لايعرفون مدينة الموصل ، أود أن أوضح لهم ، أن الجانب الأيمن هو الموصل القديمة بأغلبية سكانها العرب ، وينتهي في أطرافه البعيدة بالبادية التي تفصل العراق عن الحدود السورية .. أما الجانب الأيسر فهو خليط من العرب والأكراد والقرى المسيحية ، وهو الأقرب الى المنطقة الكردية جغرافياً ، حيث تنتهي في أطرافه البعيدة حدود محافظة نينوى ، لتبدأ حدود (كردستان العراق ) ! ويفصل بين الجانبين نهر دجلة ..
هذه الرسائل وغيرها من رسائل الشتم والسب ، لاتهمني بقليل أو كثير ، فهي تعبر عن إنعكاسات لشخصيات مريضة ركبتها الشوفينية ، وأدار رأسها الغرور .. ولكنني ذكرتها فقط لتعطي ربما بعض الإنعكاسات عما يدور في تلك الرؤوس ، أو ما تم زرعه فيها وغسلها عليه من أحلام التطهير العرقي وحلم ( كردستان ) الكبرى ..!
المهم ، في كل ذلك هو الأحداث والمعطيات التي يجب أن تؤخذ بشكلها الظاهر والباطن وتحلل سياسياً . وسأتناولها يإختصار قدر المستطاع ، حتى لو شعرت ، أن رأيي خطأ ولكن قد يحتمل الصواب .. وربما رأي الطرف الآخر هو الصائب مع إحتمال الخطأ ..! إلا أنني متأكد أن الخوض في هذا الموضوع يأتي في التوقيت الزمني الصحيح ، وربما يسبق الحدث المحتمل .!
بعد ظهور التمرد الكردي على حكومة بغداد في موضوع العقود النفطية ، برزت فجأة أزمة حزب العمل الكردستاني ، والتهديد التركي العسكري ، تلته الحشود التركية ، ثم العمليات العسكرية المحدودة في المنطقة الكردية العراقية خصوصاً عمليات القصف الجوي التركي .!
تم كل ذلك وموضوع كركوك والمادة 140 موضوعة على أجندة مجلس النواب العراقي ومجلس النواب الكردي .. وتركيا كما هو معروف ، حليفة أميركا وكذلك إسرائيل ، وهي عضو في حلف الناتو العسكري الأمريكي ـ الأوربي ، ومن أكبر المعارضين لموضوع ( تكريد ) كركوك التي يسكنها عدد كبير من التركمان ، وكذلك من أكبر المعارضين لموضوع إبقاء نفط كركوك تحت السيطرة الكردية ، والذي تمتد أنابيبه الى الموانئ التركية ، وما يشكله ذلك من فوائد إقتصادية جمّة لها ، خصوصاً وقد بدأ الحديث عن فتح خط النفط العراقي عبر سوريا الى ميناء بانياس ، وبدأ الحديث يتسرب عن إحياء خط نفط كركوك ـ حيفا في إسرائيل ..!
جاءت أزمة حزب العمل الكردي ـ التركي ، المدعوم من مسعود البارزاني ، والذي يتخذ من أراضي شمال العراق قواعد عسكرية له ، لتتفجر بتوقيت زمني ملفت للنظر .. وكل عاقل يفهم ، أن ذلك ماكان ليتم وفي هذا التوقيت بالذات لولا الضوء الأخضر الأمريكي .. كما أتت محدودية العمليات العسكرية التركية بمثابة جر أذن لمسعود البرزاني كهدف أولي ، قبل جره الى المرحلة القادمة للموافقة مجبراً على حل أزمة كركوك والنفط ..!
وخلال هذه الفترة الزمنية نفسها ، قامت حكومة الأفليم الكردي برئاسة مسعود البارزاني ، بضم أجزاء تابعة جغرافياً لمحافظة نينوى تحتوي على النفط ، وتقع ضمن المناطق 8 و 9 من خارطة النفط العراقية ، وهي جبل قند ، وعين سفني ، وغيرها .. وبدأ الأكراد فعلا بالتنقيب عن النفط فيها وتوقيع بعض العقود مع شركات أجنبية ..!
أما لماذا أعتقد أن أجزاء من محافظة نينوى وحتى أجزاء من مدينة الموصل قد تم وضعها على مخطط تقطيع العراق ، بعد كل ماتقدم ، فهو ماتم حتى الآن منذ يوم الأربعاء الماضي حين حدث تفجير كبير في منطقة ( الزنجيلي ) في الجانب الأيمن من المدينة ، وبدء الإعلان عن حملة عسكرية كبيرة لملاحقة فلول ( القاعدة ) !
قبل ذلك يجب أن نلتفت الى تصريح مسعود البارزاني قبل أشهر ، حين رفض تشكيل مجلس صحوة في الموصل ومغزى ذلك ..!!!
تزامن ذلك التصريح مع موافقة حكومة بغداد على تشكيل ذلك المجلس شرط أن يكون برئاسة ( فواز الجربة ) .. الأمر الذي كانت تعلم حكومة بغداد أنه سيرفض بشكل قاطع من قبل العشائر العربية في الموصل ، وهو ماحدث فعلا .. وتم طي ذلك الموضوع ..!
وقبل كل ذلك ، وخلال سنوات بعد الإحتلال ، تم تحشيد وتنظيم النفوذ الكردي وتفعيله في الموصل من خلال تنصيب نائب محافظ كردي وهو خسرو كروان ، ورئيس مجلس المحافظة اللص الهارب سالم حاجوعيسى ، الكردي أيضاً .. وجعل أغلبية مجلس المحافظة المكون من 41 عضواً من الأكراد ، ووضع لوائين من البيشمركة ، وهما اللواء الثاني والثالث ، داخل مدينة الموصل .! إضافة الى أعداد كبيرة من هذه الميليشيا في أجهزة الشرطة في المدينة ..!
ذلك كله لم يكن محض صدفة ، أو أمر إقتضته الضرورات الأمنية ، اللهم إلا إذا كانت بغداد قد تخلت عن هذه المحافظة ، أو وافقت القوات الأمريكية المحتلة على هدف ما ..!
عند إعلان المالكي ، بدء الحملة العسكرية في الموصل ، نلاحظ أن سمات هذه الحملة تختلف عن سابقاتها في الأنبار أو ديالى أو حتى أطراف بغداد .. حين قادت القوات الأمريكية حملاتها العسكرية بمشاركة من الجيش العراقي ، وقوات ( الصحوة ) في تلك المناطق ..
إلا أن الأمر مع حملة محافظة نينوى ، يبدو معكوساً .. فقد أسندت قيادة الحملة للجيش العراقي (....) وبمساندة أمريكية جوية على الأغلب ! وتم إضافة 3000 شرطي الى قوات الشرطة لمساندة العملية وتنفيذها .. وكما أعلن اللواء عبد الكريم خلف الناطق بإسم وزارة الداخلية العراقية ، والكل يعلم من هم حقيقةً قوات وزارة الداخلية من الشرطة ..!! ثم أخيراً غياب أي دور لأبناء عشائر الموصل العربية في هذه الحملة ، وللأسباب التي ذكرتها آنفاً ..!
إذن فقد تكامات الصورة ، للمخطط الخبيث ، وهو إطلاق يد الأكراد في محافظة نينوى بمساعدة ميليشيات حكومة بغداد الطائفية المتمثلة بالجيش والشرطة ..!
فهل ستكون هذه الحملة مقدمة لإرساء قواعد مخطط جديد ، وحلم قديم يحمله العقل الكردي ، وخطة أمريكية بديلة لوضع الأمور في نصابها في كركوك ، وطمأنة تركيا الحليفة ..؟؟؟
يقول تقرير نشرته وكالة الأخبار الأمريكية ( أسوشيتد بريس ) كتبه ( ستيفن هيرست ) ونشرته الوكالة يوم 27/1 الجاري ، في وصف ( حملة الموصل ) مايلي ، وتحت عنوان ( القوات العراقية تستعد لضرب القاعدة ..) :
(( تحركت القوات المسلحة العراقية يوم الأحد الماضي الى مواقع قريبة من مدينة الموصل شمال العراق ، وذلك للإستعداد لضرب أهداف للقاعدة ، في آخر معقل قوي لديهم في العراق ، كما صرح بذلك اللواء رياض جلال توفيق قائد العمليات العسكرية في محافظة نينوى ، (الكردي الأصل ) ..!
ولم تصرح لا القيادة الأمريكية ولا العراقية بعدد أو حجم هذه القوات التي ستشارك في العملية .. في حين قال محمد العسكري المتحدث بإسم وزارة الدفاع العراقية ، أن معظم هذه القوات قد وصلت الى الموصل ..! وأضاف ، أن العمليات العسكرية ضد القاعدة ستبدأ قريباً جداً ، وأن القطعات العسكرية سوف تستخدم المدرعات والدبابات وطائرات الهليوكوبتر في تنفيذ العمليات ..!
من جهة ثانية ، قال متحدث عسكري أمريكي بداية هذا الشهر ، أن الجيش الأمريكي سوف لن يرسل قوات اضافية الى الموصل التي هي آخر معقل آمن لتنظيم القاعدة في العراق (...)
( يلاحظ من تصريح محمد العسكري ، أن مثل هذه التفاصيل عن العمليات العسكرية تصدر لأول مرة خلافاً للعمليات السابقة في الأنبار أو ديالى ، وأنها تضمنت توقيتات وأنواع الأسلحة التي ستستخدم ...!!! إنها حقاً أمر غريب عسكرياً ، كمن يعطي إنذاراً للعدو عن موعد الهجوم وطريقته والأسلحة المستخدمة ، وعدد ونوع القوات ..!!! .
أما تصريح المتحدث العسكري الأمريكي ، فقد جاء قبل أحداث التفجيرات في الموصل ، والتي إعتبرها المالكي السبب والذريعة في بدء الهجوم على " القاعدة " في الموصل ..!) أما البنتاغون ، فقد إعتبر العملية مهمة من ناحية تنفيذها من قبل قوات عراقية (...) ، إلا أنها ستتم بمساندة أمريكية ! وقال ( جورجي سمث ) المتحدث العسكري ، ( إن الموصل قد أصبحت مركزاً إستراتيجياً للقاعدة ) وأضاف ( لقد كانت هناك أطنان من المتفجرات في العملية الأخيرة في الموصل ، وقد سارعت الحكومة العراقية على الفور بإلقاء اللوم على القاعدة .. ومع ذلك لازلنا نعمل مع الحكومة العراقية للوقوف على حقيقة ماحدث ، وأين كانت هذه المتفجرات الكبيرة ، وكيف تم التفجير ؟ أو من كان وراء قتل قائد شرطة الموصل بتفجيره وهو يتفقد موقع الحادث ..؟؟ )
يقول زهير الجلبي ، أحد مساعدي رئيس الوزراء نوري المالكي ، أن مساعدات عاجلة وصلت من تركيا ، وكردستان ، والهلال الأحمر العراقي للجرحى وعوائل الضحايا .." حوالي 380 دولاراً للجرحى ، وحوالي 1660 دولارا لكل عائلة فقدت أحد أبنائها في الإنفجار (...) ))
هذه خلاصة تقرير الأسوشيتد بريس ، ويظهر جلياً من خلاله تضارب التصريحات ، وغرابتها ، إضافة الى إيراد حقائق غير صحيحة على لسان المتحدث الأمريكي ، ومساعد المالكي ، مثل المساعدات من حكومة (كردستان) .. والتي تؤكد الأخبار بما فيها تلك التي صدرت على لسان دريد محمد كشموله ، محافظ الموصل ، وأحد أزلام حكومة بغداد ، وحكومة كردستان .. أن المساعدات الطبية وغيرها متوفرة في الموصل ولم يتم طلب أية مساعدات من ( كردستان ) ولا حاجة لذلك ..
ربما من المناسب ، أن أذكّر السيد دريد هنا ، أن من قاد عمليات قتل العشرات من أفراد عائلته (كشمولة) مابين الحادي عشر والثالث عشر من آذار / مارس 1959 .. في دورهم الواقعة في شارع الفاروق في مدينة الموصل ، إثر فشل إنقلاب عبد الوهاب الشواف في معسكر الغزلاني في الموصل هو المدعو ( محسن صالح ) ، الكردي من منطقة العمادية ، ومعه ثلة من عصابته ..! ومحسن صالح هذا الآن أحد الكبار في حزب البرزاني ، ونائب في برلمان كردستان .. كما تعمل إبنة أخته في مكتب هوشيار زيباري في وزارة الخارجية ...!!
من ناحية أخرى ، يؤكد لنا كافة من إتصلنا بهم ، أن موقف حكومة الأكراد من الحادث المأساوي سواء في الموصل أو خارجها ، كان سلبياً ، وبدون إكتراث أو إهتمام إنساني ، ولم يتم نقل أي من الجرحى الى أربيل مثلا لتلقي العلاج .!
وأنا أكاد أنهي موضوعي هذا ، حملت الينا الأخبار اليوم 28/1 ، مقتل خمسة جنود أمريكان في مدينة الموصل ، إثر مهاجمة دوريتهم في المدينة ...!!!
الغموض ، كما أشرنا يكتنف هذه العملية ، سواء من ناحية توقيتها ، أو الإنفجار الذي حدث ، أو طريقة معالجتها عسكرياً ،أو الإعلان عن تفاصيلها ، أو إنتماءات وهويات المشاركين فيها من البيشمركة وميليشيات الشرطة الطائفية ..
سننتظر النتائج التي ستسفر عنها .. وأرجو أن أكون مخطئاً من كونها عملية مخطط لها بأصابع كردية ، ودهاء طائفي ، وتوجيه أمريكي ...!
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment