الحلقة الأولى
صدر مؤخرا كتاب باللغة الإنكليزية تحت عنوان ( إتحاد ضد بابل ) للكاتب والصحفي "جون كولي"
الكتاب غير عادي من حيث أحداثه التاريخية التي ترجع الى آلاف السنين كما تم تدوينها في الإسرائيليات ، ثم أعتمدت لاحقا ، في وقتنا الحالي ، كخطط سياسية إستراتيجية ، وكآيديولوجية للتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي ضد العراق ، والذي بني على منطلق عقائدي وديني بحت …!
المقال الذي بين أيدينا يكشف الأسرار لأهم ماورد في الكتاب .. أسرار مذهلة عن حجم المؤامرة الدولية ضد العراق ، والتي كان الإحتلال الأمريكي له عام 2003 أحد أول خططها ونتائجها ، وليس آخرها كما يتصور البعض .. ولا تزال هذه المرحلة في موضع التطبيق مع كل مارافقها من تدمير متعمد للبنى التحتية وللإنسان ووصل الى حد لايصدق ولا يمكن تصوره .. لكنها في واقع الأمر هي هدف أُحسنَ وضعه ، وخطط له بعناية من أجل تحقيقه ..!
إنه ألإلتقاء العقائدي بين تلمود اليهودية .. وأهداف الصهيونية .. وإيمان محافظي أميركا الجدد بذلك إيماناً مطلقا …
إنه الجواب على السؤال الكبير … لماذا العراق ..؟!
لمحات من التاريخ القديم :
يحكي أحد الأناشيد الكنسية في الأربعينات ، والذي إنتشر ترديده في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية وظهور الزعيم النازي أدولف هتلرفي ألمانيا ، وقيامه بإبتلاع جيرانه الدول الأوربية الواحدة بعد الأخرى .. وإظهار عداوته لليهود بوضعهم في معسكرات إعتقال ثم إرسالهم الى ( المحرقة ) أو ماأصبح يعرف ( بالهولوكوست )
يحكي النشيد الذي كان يردده الصبية والفتيات الصغار في مدارس الأحد والكنائس عن قصة قيل أنها قد وردت في كتاب " دانيال " من العهد القديم " التوراة " . تقول القصة أن ثلاثة من الأطفال أتوا من ( أرض إسرائيل ) هم : شادراك وميشاك وأبيدنكو ، كانوا من بين سبايا اليهود في ( بابل ) زمن الملك البابلي " نبوخذنصر " .. وأن الملك أمرهم بأن يعبدوا الآلهة البابلية فرفضوا .. فأمر الملك بحرقهم ( على غرار محرقة هتلر لليهود …!) ، ولكن الرب ( يهوا ) قد أخرجهم من النار من دون حرق ولو بسيط …!
إن العهد القديم وما ذكر فيه عن آشور وبابل .. وإعتقال اليهود من إسرائيل القديمة في ( يهودا والسامرة ) .. هو تأريخ حي لكثير من المتطرفين من اليهود والمسيحيين ومثقفيهم وقياداتهم الدينية والسياسية ، وقد لعب دوراً آيديولوجياً رئيسياً وحضي على تأييد مطلق داخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص ..! ولربما كان مقابل كل مائة مقاتل أمريكي على أرض العراق عام 2003 عدد مماثل إن لم يكن أكثر من المتحمسين لإحتلال العراق من المسيحيين الجدد المؤمنين بالصهيونية داخل الولايات المتحدة ، ومنهم حاليا وبلا أدنى شك الرئيس الأمريكي جورج بوش ، وأركان إدارته المهمين والفاعلين ، والذين رأوا في فكرة ( الحرب على الإرهاب ) هي حرب صليبية جديدة قائمة بين ( الخير والشر ) ..!
على من يريد أن يتفهم وضع الشرق الأوسط اليوم ، لابد له أن لايهمل في دراسته للتاريخ القديم ، والسبب هو إعتقاد مؤيدي إسرائيل اليوم ومن أصحاب النفوذ والقرار السياسي ، أن إسرائيل ماهي إلا نتاج تاريخي قام على عقيدة الكتاب المقدس والشواهد التاريخية المؤيدة لذلك بدءاً من مملكة إسرائيل القديمة ، ومروراً بالأباطرة الذين حكموا المنطقة من أمثال حمورابي ونبوخذنصر ثم الإسكندر المقدوني الذي يقولون أنه توفي في بابل ودفن فيها عام 323 قبل الميلاد . وأنه بعد قرنين من السبي البابلي وحسب المصادر الدينية الإسرائيلية عاد ( أطفال ) إسرائيل الى فلسطين تحت قيادة نبيين من أنبيائهم وهما عزرا وناحيميا .
وحتى هذا اليوم ، يعتقد المسيحيون الجدد من المؤمنين بالصهيونية ، ومنهم الإدارة الأمريكية الحالية أن المسيح سوف لن ينزل الى الأرض في آخر الزمان ، حتى يتم إعادة بناء هيكل سليمان في موقع المسجد الأقصى الحالي ، وهذا مايفسر إصرار إسرائيل على إجراء الحفريات تحت المسجد ولعدة سنوات بحثا عن الهيكل أو مايقود اليه …!
أما بعض اليهود العراقيين بالأصل ممن تركوا العراق الى إسرائيل بعد قيامها عام 1948 ، فإنهم يتحدثون عن أموال وممتلكات يهودية قديمة قدم التاريخ تعود الى اليهود أجدادهم قد تم تدميرها ومصادرتها خلال فترة حكم صدام حسين وما سبق ذلك في تاريخ الدولة العراقية الحديثة …! ولعل هذا يفسر لنا عملية السرقة المنظمة لآثار معينة قديمة من العهدين البابلي والآشوري من متحف بغداد من قبل منظمات يهودية وبحماية الجيش الأمريكي عند دخول الأمريكان الى بغداد في التاسع من نيسان / ابريل 2003 …!
وكما أن التاريخ يشير الى أن ( بلاد مابين النهرين ) كانت مهد الحضارة الإنسانية ، فإن الإسرائيليات ، ومع إعترافها بتلك الحقيقة ، تضيف الى ذلك العلاقة فيما بين العراق من جهة واليهود واليهودية من جهة أخرى .. ويرجعون في ذلك الى مصادرهم في أول كتب العهد القديم ، وأن ( جنة عدن ) تقع في العراق وبالذات عند ملتقى نهري دجلة والفرات جنوب العراق …!
بداية الصراع بين اليهود وأعدائهم ، يبدأ مع تاريخ التوراة حسب المصادر الإسرائيلية ، حين تحدى الأراميون الإمبراطورية الآشورية الذين بدأت جيوشهم تزحف غربا من بلاد مابين النهرين بإتجاه فلسطين . في نفس الفترة وبحدود 950 قبل الميلاد ، كان السوريون قد بدأوا بالزحف شرقا بإتجاه حدود الإمبراطورية الآشورية ، بينما كانوا يقاتلون في الجنوب والغرب اليهود فيما يسمونه (مملكة إسرائيل ) .. إلا أن اليهود بادروا وعقدوا صلحا مع السوريين لغرض الوقوف معاً لتحدي الإمبراطورية الآشورية .. وتقول مصادرهم أن ذلك قد تم فعلا ( بحكمة اليهود ) ، حيث قام الطرفين بمواجهة الجيش الآشوري واضطروه الى التراجع في معركة ( قرقر ) في سوريا ..
بعد هذا النصر عاد الإسرائيليون والسوريون الى القتال بينهما من جديد .. ! هكذا تذكر المصادر مما يدلل على تكتيك يهودي أو خيانة لمعاهدة الصلح ، حيث أن عدويهما كانا كل من السوريين والآشوريين على حد سواء ..!!
في 841 قبل الميلاد ، عاد الآشوريون الى الحرب مرة ثانية .. وهذه المرة ، كما يذكر التاريخ التوراتي ، قرر ملك إسرائيل ( جيهو ) أن يقاتل لوحده وينفرد بالنصر من دون السوريين ، وفعلا صمد بوجه الهجوم العسكري الآشوري لمدة أربع سنوات ، توفي خلالها ( جيهو ) وتسلم الحكم بعده الملك ( مناحيم ) . في ذلك الوقت طلب الملك ( آهاز ) ملك يهوذا ، المملكة الإسرائيلية الثانية الى جانب مملكة السامرة من مناحيم أن يعيدا تحالفهما مع السوريين ، ولكن كان الوقت قد تأخر لذلك إذ هاجم الملك الآشوري السوريين ، ربما بعد أن وصل الى علمه خبر الإعداد للتحالف الجديد مع الإسرائيليين ضده ، وتمكن من إحتلالهم ودخل دمشق عام 732 قبل الميلاد .. ثم إستدار الى الإسرائيليين ودحرهم واقتاد معه الى ( العراق ) ثلاثة من قبائلهم كأسرى ، وهم حسب مايذكر التاريخ الإسرائيلي ، قبائل ( كادو ) و ( روبين ) و ( مانسايا ) ــ هكذا ورد في كتاب " الملوك " من العهد القديم ، أو التلمود الإسرائيلي .. ــ
بعد موت الملك الآشوري ، تمرد الإسرائيليون على الحكم الجديد وأوقفوا دفع ( الجزية ) الى الآشوريين ، وعقدوا هذه المرة تحالفا مع مصر .. إلا أن الآشوريين ردوا على ذلك بحملة عسكرية كبيرة حاصرت ثم إحتلت ( مملكة السامرة ) ، وأخذت بقية القبائل الإسرائيلية العشرة كسبايا وأسرى الى ( العراق ) وإنهارت على إثر ذلك مملكة إسرائيل ..!
إعتبر الأنبياء اليهود ، أن ذلك هو عقوبة من الله لليهود بسبب الفساد الذي كان قد إستشرى بينهم ، وإبتعادهم عن تعاليم التوراة ( هذا النص ورد في كتاب " عاموس " من العهد القديم )
أما القبائل العشرة الذين أُخذوا أسرى الى العراق ، فلم يسجل تاريخ الإسرائيليات أنهم قد عادوا بعد ذلك الى موطنهم ، أي أنهم قد بقوا في العراق مع القبائل التي سبقتهم ، وبالذات في مملكة آشور شمال العراق وجباله ، حيث يذكر التاريخ لاحقا عن إمتزاجهم بالدم وخلال قرون عديدة مع سكنة الجبال الشمالية للعراق ، ويعزي بعض المؤرخين الأكراد الحاليين الى كونهم من سلالة تلك القبائل اليهودية المسبية ..!
في 701 قبل الميلاد ، قام الملك الآشوري المشهور ( سنحاريب ) بهجوم جديد ، حاصر به هذه المرة أورشليم ( القدس ) .. ولكن الإمبراطورية الآشورية ، كانت قد بلغت نقطة ضعفها وخصوصا بعد أن بدأت الإمبراطورية البابلية وسط بلاد مابين النهرين بالنهوض ، ثم حصلت على إستقلالها من ألإمبراطورية الآشورية العجوز ، وبدأت تظهر كإمبراطورية فتية منذ عام 626 قبل الميلاد عندما إنهارت الإمبراطورية الآشورية كلياً…
في العام 597 قبل الميلاد ، قام البابليون بإكتساح مملكة يهوذا في فلسطين وأخذوا معهم حسب مصادر التلمود 3023 يهودي الى العراق .. وهذه كانت الحملة الأولى من ثلاث حملات عسكرية الثانية وقعت عام 587 قبل الميلاد ، وأُسر فيها 832 يهودي ، والثالثة وقعت عام 581 قبل الميلاد وأُسر فيها 745 يهودياً ، وهؤلاء جميعا تم أخذهم الى ( العراق ) ، " وردت هذه الأرقام والتواريخ في كتاب هرميا من العهد القديم "
واليوم ، فإن كافة الباحثين والمؤرخين ومن مختاف الديانات والعقائد يتفقون على أن الملك البابلي الشهير نبوخذنصر ( 604 ـ 562 ) قبل الميلاد ، قد أبقى على الأسرى اليهود واستخدمهم كعبيد لتوسيع بناء بابل …
في عصرنا الحالي ، وفي وقت مبكر من القرن الماضي ، بدأت مع ظهور السينما الصامتة في هوليوود في اميركا ، عدة أعمال سينمائية أبرزت معاناة اليهود لاسيما في تاريخ سبيهم الى العراق ، ومن أشهر تلك الأعمال السينمائية التي تبنتها ماكنة الإعلام الصهيوني فيلما بعنوان (ميلاد شعب) مدته 178 دقيقة ، قام بتمثيله أبطال السينما الصامتة المشهورين آنذاك مثل ليليان كيش وروبرت هارون وماي مارش وغيرهم .. وقد عرض في أميركا وأوربا ، وترجم الى عدة لغات وسبقته حملة دعاية كبيرة ..
كان ذلك قبل 80 عاما من قرار صدام حسين بإعادة بناء مدينة بابل القديمة وتمجيد الملك البابلي نبوخذنصر الذي يناصبه اليهود في العالم الحقد والضغينة …!
في يوم من منتصف الثمانينات من القرن الماضي .. طُلبَ من دوني جورج خبير الآثار القديمة ومساعد مدير المتحف العراقي في بغداد ، التوجه الى بابل بناء على أمر من رئيس الجمهورية .. وهناك وجد صدام حسين مع مجموعة من مساعديه ومرافقيه .. حيث طلب اليه صدام وضع الخطط لإعادة بناء بابل القديمة ، وخصوصا قصر نبوخذنصر ومعبد ( مردوخ ) لكي تكون جاهزة في مهرجان بابل الذي سيقام عام 1987 .. ثم إلتفت صدام وسأل دوني سؤالا محددا ( كيف نعلم متى بني القصر على وجه التحديد ..؟ وهل كان في زمن نبوخذنصر أم لا ..؟ ) ، فما كان من دوني إلا أن قدّم لصدام قطعة من اللبن ( الطوب ) القديم وعليها ختم نبوخذنصر والتاريخ وعبارة أنها بنيت لتمجيد الإله مردوخ …!
عندها قال صدام لدوني ( يجب أن يظهر إسم صدام حسين والتاريخ على قطع الطوب التي ستستخدم في إعادة البناء …)
كان ذلك طلب لايمكن ردّه ، مع أن كثير من علماء الآثار في العالم قد إعترض على ذلك من الناحية الفنية والتاريخية .. ولكن الأكثر من ذلك أنه كان عمل يمثل صفعة للتاريخ التوراتي اليهودي الذي يأخذ موقفا عدائيا من نبوخذنصر بالذات ومن بابل بشكل خاص ، ومن العراق بشكل عام …..!!!
وقد عبرت عنه وسائل الإعلام الصهيونية ، وكتب في ذلك عدد من كتّابهم .. وبدأوا يذكّرون بسبي الآلاف من اليهود واستعبادهم وموتهم وهم يعملون عبيدا في بناء بابل القديمة …!
سلسلة طويلة من الأحداث التاريخية تبناها تلمود اليهود ومعتقدهم الديني ، وكان العراق القديم والعراقيون القدماء من آشوريين وبابليين محور وسبب المأساة اليهودية القديمة .. كما كان هتلر يشخّص هذه المأساة في الأربعينات من القرن الماضي وخلال فترة حكمه النازي والحرب العالمية الثانية …!
ولعله لانستغرب الآن عندما نقرأ الشعار الصهيوني الذي وُضع وأعتُمد في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا والذي يقول : ( دولة إسرائيل من الفرات الى النيل )….!!
ننتقل في القسم الثاني لتناول لمحات من تاريخ الدولة العراقية الحديثة والتي لعبت الصهيونية العالمية دورا فيها ، قبل أن نبدأ بإستعراض مأساة العراق اليوم والإصبع الصهيوني فيها ..!
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment