Thursday, March 20, 2008

الحكــيم بين زيارتين ...!


علي الحمــداني

المدة الزمنية بين الزيارتين ( التاريخيتين ) الى ( عاصمة الشيطان الأكبر ) ، هي قرابة سنة واحدة ، وبين الزيارتين ظهرت على الساحة العراقية نتائج أو بكلمة أدق تطبيقات لتوجيهات البيت الأبيض فيما يخص الخطط الأمريكية ، والتي كما يبدو قد إعتمدت في تنفيذها في هذه المرحلة على الأقل على رئيس المجلس الإسلامي في العراق ( عبد العزيز الحكيم ) .. وحتى إشعار آخر ...!

في مقال نشر لي على هذه الصفحة بتاريخ 6/12/2006 ، أي قبل سنة واحدة ، بُعيد الزيارة الأولى ، تحت عنوان (زيارة الحكيم الى البيت الأبيض ) تناولت فيه أسباب وأبعاد وتداعيات تلك الزيارة ، وأتت الأحداث خلال السنة المنصرمة لتثبت صحة تحليلاتي لكل ما جرى في تلك الزيارة ، التي بدأت بلقاء سريع في عمّان ، إنتقل بعدها الحكيم مباشرة الى واشنطن ملتحقاً بالرئيس بوش بعد بضع أيام من إنتهاء لقاء عمّان . والمقال لايزال محفوظ في أرشيف كتاباتي ، لمن أراد أن يطلع عليه ..

ثلاثة أمور مهمة حدثت ، بعد عودة الحكيم من واشنطن الى بغداد في السنة الماضية
الأول : قيام الأمريكان بتسليم صدام حسين الى السلطات العراقية لتنفيذ حكم الإعدام فيه.
الثاني : الدعوة علناً الى قيام إقليم ( جنوب العراق ) ، أي دولة شيعة إيرانية الولاء ، حكيمية القيادة .
الثالث : بدء الحملة الشرسة لتطويع الشيعة العرب ، وضرب التيار الصدري وتهميشه ، كما حدث في مجزرة الزركة في كربلاء ، وما تلى ذلك في نفس المدينة ، إضافة الى الديوانية والسماوة والناصرية والعمارة والبصرة ، ومعاقل الصدريين في مدينة الصدر في بغداد .. والذي لايزال قيد التنفيذ ...!

تلك كانت القراءة الأولية لنتائج تلك الزيارة .. وقبل أن أنتقل الى الزيارة الثانية للرجل المريض الذي يستعد للقاء ربه ، يوم لاينفع مال ولا بنون .. لابد من أن أعود بذاكرة الشعب العراقي الى أيام حكم صدام حسين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، حين عمل المرحوم محمد باقر الحكيم ، على تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، وذلك خلال وجوده وأخيه عبد العزيز في إيران هرباً من سطوة صدام وطغيانه .. وكيف تم آنذاك تأسيس منظمة ( فيلق بدر ) مستقطبة الشباب العراقي الذي أُجبر على العيش في إيران بعد ترحيلهم عنوة ً وظلماً من قبل صدام ، وكانت تعمل بهدف إسقاط حليف الشيطان الأكبر في العراق ، أي صدام .. وتثقيفها على معاداة الشيطان الأكبر وحسب الأدبيات الإيرانية السائدة ...
وتعود بي الذاكرة ، في عملية مقارنة ، تعكس أكاذيب السياسة وألاعيبها ، بين تضليل شباب متحمس مغلوب على أمره ، ومهجّر من وطنه .. وبين مايحدث اليوم من تحول البوصلة 180 درجة ، على يد قائد المجلس الأعلى ، ومنظمة بدر .. وكيف أصبح رجل إيران الأول في العراق .. معتمد بوش الأول في العراق .. والغريب ، أن إيران تعلم بكل ذلك وأكثر .. ومع ذلك لايزال الرجل معتمدها الأول في العراق .. في حين لاتزال إيران تظهر بمظهر العدو الأول للشيطان الأكبر ....!!!
وكيف توجهت بنادق ميليشيا البدريين الى صدور إخوانهم الصدريين .. بدل صدور أبناء الشيطان الأكبر في العراق ....!
معادلة معقدة .. إن لم تكن مستحيلة .. ولكنها الأمر الواقع اليوم تحت تأثير الأعيب السياسة القذرة التي لم يكن أحد ليتصور أن تنضوي في مخططاتها عمائم تبكي علياً والحسين وآل بيتهما عليهم السلام أجمعين ..!

كان ذلك ، كما قلنا ماحدث بعد الزيارة الميمونة الأولى ( للسيد ) الحكيم الى ( كعبة ) واشنطن ..!
وعلينا الآن أن ننتظر نتائج الزيارة الثانية ، والتي أتوقع أن تستكمل المسيرة التي بدأت قبل عام ، وبتطرف أكثر .. وسيتم إفتتاحها أيضاً بتنفيذ أحكام الإعدام الجديدة .. ثم العمل على إستكمال المخطط.
والمتتبع لأحاديث نجل عبد العزيز وخليفته عمار الحكيم على الفضائيات ، يمكنه أن يستشف رائحة الغدر القادمة برغم من تغليفها بمعسول الكلمات ، وسماحة الإبتسامات التي يظهر بها عمار خلال أحاديثه ، وتكراره لكلمة ( إعزائنا ) حين يتحدث عن ( أعزائنا في التيار الصدري ) ، و ( أعزائنا في التوافق ) ...!

وحين يتكلم عمار عن تقسيم العراق ، في معرض إجابته عن إقليم الجنوب ، أو ( الفيدرالية ) ، المنبثقة من دستور ( بول بريمر ) ..!! يقول لنا ، محاولا تثقيفنا ، أن هناك في العالم 70 دولة فيدرالية ، وهي دول متقدمة ومستقرة .. فلماذا لايطبق هذا النظام في العراق ..؟
لقد نسي الشاب الوسيم ، أن الدول الفيدرالية في العالم ، تكونت من مجموعة دويلات وأقاليم تجمعها أعراق وخلفيات تاريخية ومصالح مشتركة ، لتكوّن دولة فيدرالية ( موحدة ) .. وليس العكس ، أي تفتيت الدولة العراقية الموحدة الى أقاليم ودويلات بلباس الفيدرالية .. وهي سابقة لم يعرفها تاريخ الدول الحديثة ..!
ثم هل نسي ( السيد ) ، أن الفيدرالية لم تقم في العراق بعد ، وقد فقدت الحكومة المركزية في بغداد سيطرتها على ( إقليم كردستان العراق ) في اهم موضوع والذي يدرج عادة تحت صلاحيات الحكومة المركزية ، كما قال عمار نفسه ، وهو موضوع النفط .. فأصبحت حكومة الإقليم توقع عقود نفط مستقلة بعضها من حقول خارج المنطقة الكردية والواقعة في محافظة نينوى .. متحدية بذلك على لسان رئيس وزرائها والناطق الرسمي بإسم حكومة الإقليم ، الحكومة العراقية ووزير نفطها الشهرستاني ...؟ وبدأ تراشق التهم واللعنات بينهما ...!
فهل هو أو والده يتكلم فعلاً عن فيدرالية ، أم عن تقسيم لبلد موحد ضمن خطة مشروع ( الشرق الأوسط الجديد ) الذي يقوم على تفتيت دول المنطقة الى دويلات والذي وضعته الصهيونية وتبنته إدارة المحافظين الجدد الأمريكية الحالية .. وفعل ذلك حتى الحزب الديمقراطي المعارض حين مرر مشروع ( بايدن ) الخاص بتقسيم العراق في الكونغرس الأمريكي ذو الأغلبية الديمقراطية ..!؟

يظهر ( السيد ) عمار الحكيم ، كما والده أيضاً ، خلال اللقاءات التلفزيونية جالساً على كرسي مُطَعّم ومُذَهّب من أثاث بيت طارق عزيز ، وعبد حمود مرافق صدام .. في منطقة الجادرية .. بعد أن إتخذا منهما سكناً لهما .. وأتخيل لو أن أحد من أهل البيت الأطهار ، وُضع في نفس الموقف بعد الإستيلاء على (غنائم حرب ) .. لوهبها لله ولرسوله .. وبلغة العصر الحديث ، كان يمكن أن تكون مستشفيات أو دور عجزة . أو دور رعاية أيتام .. أو مدارس .. أو غير ذلك مما يستعفف من يدعي الإنتساب الى السلالة المحمدية .. والإقتداء بالسيرة العلوية .. أن يتخذه منها سكناً ..! ناهيك عن مد اليد الى من يعادي الله ورسوله ، وقتل أبناء عمومته ودينه ...!!

أقول هذا .. وتحضرني ، قصص ومواعظ وحوادث ، خلدها التاريخ لنا على لسان مَن هو مع الحق ومَن الحق معه ، كما في الحديث الشريف ، ذلك هو أمير المؤمنين علي عليه السلام .

ولكن قبل ذلك ، أستذكر الآية الكريمة ، وأقدمها لعمار وأبيه ومن على شاكلتهما :
( بسم الله الرحمن الرحيم . وسَكَنْتُم في مساكن الذين ظَلَموا أنفُسَهم وتبين لكم كيفَ فَعَلْنا بهم وضَرَبنا لكم الأمثال . صدق الله العظيم . ) .

يحدثنا التاريخ عن قصة ذلك الرجل الذي جاء الى أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ، يسأله أن يكتب له عقداً لبيت كبير يبنيه .. نظر اليه الإمام بفراسته وبصيرته وحكمته .. وقرأ على وجهه حب الدنيا والطمع بما فيها ، فقال له : نكتب أن لدارك حدود أربعة هي الموت ، والقبر ، والبعث ، والحساب إما الى جنة وإما الى نار .. فقال الرجل : جئتك لتكتب لي عقد دار لاعقد قبر ... فارتجل الإمام علي عليه السلام أبيات الشعر التالية :

النفس تبكي على الدنيا وقد عَلمتْ
أن الســـــــــعادة فيها ترك مافيها

لادار للمرء بعد الموت يســــكنها
إلا التي كان قبل المــــوت يبنيـها

فإن بناها بخير ، طاب مســـــكنه
وإن بناها بشـــــــــر طـاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمــــــعها
ودورنا لخراب الدهــــــر نبنيــها

أين المـلوك التي كانت مســـلطنة
حتى سقاها بكأس الموت ســاقيها

فكم مدائن في الآفـــاق قد بنيــــت
أمست خراباً وأفنى الـوت أهليها

لاتركنن الى الدنيـــا وما فيــــــها
فالموت لاشك يغنينا ويغنيـــــــها

لكل نفس وإن كانت على وجَــــل
من المنية آمــــــــــــــــال تقويها

المرء يبســــــط والدهر يقبضـها
والنفس تنشرها والموت يطـويها

إن المـــــكارم أخلاق مطـــــــهرة
الدين أولها والعقل ثانيــــــــــــــها

والعلم ثالثها والحـــــــلم رابعــــها
والجود خامسـها والفضل سادسها

والبر سابعها والشـــــــــكر ثامنها
والصبر تاســــعها واللين باقيــــها

والنفس تعـلم أني لاأصـــــــــادقها
ولســـــت أرشـد إلا حين أعصيها

واعمل لدار غد رضــوان خازنها
والجـــار أحمــد والرحمـن ناشيها

قصورها ذهب والمســـك طينتـها
والزعفران ربيع نابت فيـــــــــها

أنهارها لبن محض ومن عســــــل
والخمر يجري رحيقاً في مجاريها

والطير تجري على الأغصان عاكفة
تســـبح الله جهراً في مغـــــــــــانيها

من يشتري الدار في الفردوس يعْمرها
بركــــعة في ظلام الليل يحييــــــــــها


تقول الرواية ، فما أن إنتهى من إنشادها ، حتى أدمعت عينا الرجل .. وقال سجّل ياأمير المؤمنين أنني قد وهبتها لله ولرسوله ...!


لا أدري لماذا كلما قرأت ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا مُنْظَرين )

ولا أدري لماذا كلما أعدت قراءة الأبيات الحكيمة أعلاه .. ومررت على حكمة مثل ( لو دامت لغيرك ماوصلت اليك ) ..

لا أدري لماذا أستعيد ثلاثة عقود ونيف من حكم صدام .. وأرى التأريخ يعيد نفسه مع هؤلاء الذين جلسوا في قصوره .. وأسال نفسي سؤالاً محدداً .. هل يعقل أن تفعل كل ذلك عمائم ولحى وجبة وعيون دامعة .. أم أن قذارة السياسة والعمالة قد رانت على القلوب والى الأبد ...!!؟؟

lalhamdani@yahoo.com


No comments: