ــ ترجمة مختصرة ــ
علي الحمــــداني
(13)
باكستان ــ قاعدة النفوذ لإبن لادن :
طالبان هي صنيعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ بداياتها أيام ( الجهاد ) ضد قوات الإتحاد السوفياتي المحتلة لأفغانستان .. كما أنها تعمل بالتنسيق مع وكالة المخابرات الداخلية الباكستانية من نفس منطلق العلاقة التأريخية ..!
لقد أبقت المخابرات الباكستانية بالذات علاقاتها مع طالبان بسبب مشاكلها المستعصية مع الهند في كشمير .. ولذلك كانت تستخدم أحد معسكرات طالبان لتدريب أفراد من مخابراتها لإستخدامهم داخل الهند مع مقاتلين من طالبان .
القضية ترجع في جذورها الى بداية التسعينات ، حين منحت المخابرات الأمريكية تأييدها لحركة طالبان ، مستخدمة المخابرات الباكستانية كضابط إرتباط .. لقد كانت تجهز طالبان بكل أنواع المساعدات الممكنة حتى فيما يتعلق بالخبرات العسكرية والإستخباراتية ، وحتى الوقود اللازم لإدامة الحركة ..كما أنها أغمضت أعينها عن الأعداد الكبيرة من الباكستانيين المتطوعين الذين كانوا يعبرون الحدود الى أفغانستان للقتال الى جانب طالبان ..!
لم تكن نشاطات المخابرات الباكستانية في الحقيقة بعيدة عن معلومات ومراقبة المخابرات الأمريكية حتى فيما يتعلق بالإتفاق مع بن لادن ، وبإستخدام معسكرات ( خوست ) لتدريب المقاتلين الكشميريين وذلك في ديسمبر 1998 .
في تلك الفترة كان أحد بيانات اسامة بن لادن يقول ( بالنسبة لباكستان فإنه وبحمد الله ، فإن المؤسسات الرسمية تتعاون مع أهدافنا الإسلامية ، ولاتزال بعض الجهات الأخرى حبيسة النظام ، وندعو الله أن يعيدهم الى الطريق المستقيم ..)
يقول تقرير إخباري أذاعته شبكة ( سي بي أس ) ، أن أسامة بن لادن كان ليلة 11/9/2001 ، أي ليلة الهجوم على برجي التجارة في نيويورك بما عرف أحداث سبتمبر ، كان في باكستان لتلقي العلاج بإشراف الجيش الباكستاني ، حيث أُدخل الى المستشفى العسكري في (راولبندي) لإجراء غسل للكلى ، وتقول إحدى الطبيبات في قسم الأمراض البولية ، أنه في تلك الليلة ، تم إخراج جميع العاملين في القسم ووضع محلهم أشخاص آخرون ...! كما يذكر أحد موظفي المستشفى ، أنه في تلك الليلة التي هيىء فيها القسم ، رأيت بنفسي عدة سيارات تقف أمام باب المستشفى حيث نزل من إحداها شخص بمساعدة أشخاص آخرين ، تطلعت الى وجهه ولن أنسى تلك اللحظات .. لأن ذلك الوجه أصبح معروفا لاحقا على مستوى الإعلام العالمي .. إنه أسامة بن لادن ، وهو من أُدخل الى المستشفى في تلك الليلة ...!
لقد هيأت لابن لادن بعد خروجه من المستشفى في اليوم التالي ، أجهزة نقالة لغسل الكلى ، ومعدات طبية متقدمة ، وعلاجات وأدوية ، وأودعت له في مستشفى بشاور .. كانت تلك الأجهزة مقدمة من قبل الأمريكان الى المخابرات الباكستانية ..!
يقول أحد كبار المحققين الذين قادوا التحقيقات في أحداث سبتمبر 2001 ، وهو بول تومبسون :
من المعروف أن القاعدة ومنذ زمن طويل تعمل داخل باكستان ، لاسيما في الجزء الباكستاني من كشمير حيث تتحرك تحت حماية أجهزة المخابرات الباكستانية هناك . لذا فإن باكستان قد أصبحت إحدى قواعد طالبان والقاعدة المهمة بعد أفغانستان ، وهناك المئات منهم يمارسون نشاطهم من هناك وقد قدر البعض عددهم بحدود 5000 مقاتل .
وجود هؤلاء في باكستان والتي تدعي الولايات المتحدة أنها تلاحقهم ، مسألة محيّرة ، إذ أن الكشف عنهم لايحتاج حتى الى جهد استخباراتي ...!
وتشير صحيفة الغارديان في 24/12/2001 ، ومجلة التايم في 5/6/2002 الى أنه من المؤكد أن أسامة بن لادن ، وخالد شيخ محمد ، وغيرهم من كبار قادة القاعدة يعيشون في مناطق باكستانية وبحماية المخابرات هناك .. كما أن العثور على أماكنهم ليس بالعملية الصعبة .. ومع ذلك لم يحدث أي تحرك إيجابي لحد الان .
من الوقائع على مرونة وتهاون جهازي المخابرات في باكستان والولايات المتحدة حول هذا الموضوع ، أن مجموعة تجارية تدعى ( الأزهار ) ، كانت هي التي تقف وراء تمويل جاعة مسلحة تدعى ( جيش محمد ) ، وقد تم تجميد أموالها بعد أحداث سبتمبر مباشرة . ثم تم تبديل إسم المجموعة التجارية بإسم آخر ، ولم يحدث أي تجميد لأموال المجموعة الجديدة ، ولا يمكن أن يظن أي ساذج أن الإدارة الأمريكية ليست على علم بهذا التبديل في الأسماء ( ماذكر هو مقطع من تقرير نشر في صحيفتي الفاينانشيال تايمز البريطانية ، والواشنطن بوست الأمريكية في نفس اليوم 8/2/2003 . )
لكن الحقائق تذهب الى أبعد من ذلك :
في 4/9/2001 ، أي بإسبوع واحد فقط قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر .. ، وصل الى واشنطن وفد من المخابرات الباكستانية برئاسة الجنرال محمود أحمد .. وكان الوفد قد حضر بناء على دعوة من قبل المخابرات المركزية الأمريكية ورئيسها آنذاك جورج تينت . . وعندما حدثت هجمات سبتمبر ، كان الوفد لايزال في اميركا وفي خضم مفاوضات مع كل من المخابرات المركزية ووزارة الدفاع الأمريكية . الجنرال محمود أحمد هو من أصدقاء الجنرال برويز مشرف الرئيس الباكستاني ومن المقربين منه .
الحقيقة أن تلك الزيارة لم تكن الأولى برئاسة الجنرال محمود ، بل كانت الثالثة ، علما أن مساعده وأحد أعضاء الوفد ضياء الدين بت ، كان قد أمضى فترة طويلة في واشنطن خلال حكم نواز شريف لباكستان .. وحين عاد الى إسلام آباد وبعد أيام فقط من عودته ، قام برويز مشرف بإنقلابه العسكري على نواز شريف ...!
إذا ماعدنا الى أواخر سبتمبر 2001 ، فإن شبكة ( أي بي سي ) الإخبارية ، أذاعت تقريرا يتضمن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد لاحق عملية تحويل مصرفية من مصارف باكستانية الى مصرفين في فلوريدا ، والى حسابين لشخص واحد هو ( محمد عطا ) . مقدار التحويلين هو 100,000 دولار ولكن ملفات المكتب أظهرت أيضا أن محمد عطا هو أحد الأشخاص الذين هاجموا أحد برجي التجارة بطائرة ، وأنه قد قضى في ذلك الهجوم ..
وفي بداية أكتوبر .. وعندما كان التنسيق المخابراتي الأمريكي ـ البريطاني على وشك أن يبدأ بالتحقيقات حول الموضوع .. حدثت المفاجأة حين إختفى الجنرال محمود أحمد فجأة من المخابرات الباكستانية .. ثم أُعلن ان الجنرال قد تقاعد لأسباب صحية ..! ولكن تحقيقات المخابرات الهندية ناقضت هذه الرواية وأكدت أن الجنرال محمود قد أزيح من منصبه بناء على طلب أميركي من الرئيس الباكستاني ، وذلك لثبوت دوره في تحويلات الأموال من أسامة بن لادن الى محمد عطا ...!
لم يُشاهد الجنرال محمود بعد ذلك ....!!!
أما مايخص المبلغ المحوّل الى محمد عطا والبالغ 100,000 دولار ، فقد تم إعادة تحويل مبلغ منه مقداره 15,000 دولار الى الإمارات قبيل هجوم 11 سبتمبر .. ويعتقد أن ذلك ماتبقى من تمويل العملية ..
بحسب معلومات المخابرات التي قامت بتعقيب العملية ، ظهر أن المبلغ حوّل الى شخص يدعى مصطفى أحمد الهواساري ، وأنه قد ترك دبي الى كراجي بعد أن قام بسحب المبلغ المحوّل له ..!
أحمد عمر شيخ سعيد : إرتباط القاعدة ـ المخابرات المركزية الأمريكية ـ البريطانية ـ الباكستانية .
من هو أولا مصطفى احمد الهواساري .. إنه نفس الشخص الذي حوّل المبلغ أصلا من باكستان الى محمد عطا ، وأنه يدعى أيضا أحمد عمر شيخ سعيد .. وهو أحد المسؤوليين الماليين لدى أسامة بن لادن ..!
التحويل لمبلغ 100,000 دولار تم من حساب في كراجي الى دبي .. ثم من دبي الى فلوريدا .. بكلمة أخرى أن احمد عمر شيخ سعيد هو صاحب الحساب في دبي والمسجل بإسم آخر هو مصطفى احمد الهواساري ...!
أحمد شيخ سعيد ، حوّل المبلغ من كراجي الى دبي بمساعدة ونفوذ الجنرال محمود أحمد وذلك في عام 2000 ، وفي شهر حزيران من تلك السنة .. التحويل وصل الى يد محمد عطا وساعده الأيمن في أميركا المدعو مروان الشيحي في 18 سيتمبر عام 2000 ، أي قبل سنة تقريبا من وقوع أحداث سبتمبر ...!!
أحمد شيخ سعيد ، يحمل عدة هويات وجوازات سفر ، منهه إضافة الى مصطفى احمد الهواساري ، مصطفى محمود احمد ، والياس شيخ سعيد ...! وقد كان المسؤول الأول لدى بن لادن في تمويل عملية تفجيرات سبتمبر ، أو كما يحلو للقاعدة تسميتها ( غزوة مانهاتن ..) .
تذكر بعض التقارير الصحفية ، أن مجموع المبالغ المحولة يتجاوز المبلغ المذكور وتصل الى 500,000 دولار بحسب رأي الفاينانشيال تايمز ، و350,000 دولار حسب رواية صحيفة التايمز ، كما أن عدد الحسابات التني وزع عليها المبلغ في فلوريدا تبلغ 14 حسابا مصرفيا .
لكن المخابرات الهندية تؤكد أن احمد عمر شيخ سعيد يحمل هويات وجوازات إسمين آخرين يستخدمهما إضافة الى الأسماء المذكورة أعلاه وهما : جودري بشير احمد شابير و إمتياز صديقي ، كما أنه قام أيضا بتحويلات مماثلة لتمويل عمليات إنتحارية في كشمير الهندية ...!!
أيضا أكدت صحيفة ( نيويورك تايمز ) أن أحمد عمر شيخ سعيد هو قائد ( جيش محمد ) إضافة الى مسؤولياته المالية في تنظيم القاعدة ...!
جيش محمد هو تنظيم إسلامي مسلح مؤسس في باكستان ، إلا أن نشاطه محظور من قبل الرئيس الباكستاني برويز مشرف ومنذ ديسمبر 2001 .
الأهم من كل ذلك هو إتفاق كافة تقارير المخابرات المعنية ، والتي أبرزتها صحيفة التايمز ، أن شيخ سعيد له أيضا إرتباطات ببعض أجهزة المخابرات الداخلية الباكستانية ...!
في عام 1994 ، كان احمد عمر شيخ سعيد قد أعتقل من قبل السلطات الهندية داخل الهند ، وحكم عليه بالسجن ، وبقي لمدة خمس سنوات حتى عام 1999 ، حين أطلق سراحه في عملية تبادل مع رهائن في عملية إختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية في رحلة لها بين كاتمندو في التبت ونيودلهي . ويشير الى ذلك مصدر أمريكي مسؤول رفض التصريح بإسمه ، أن عملية الخطف تمت بمساعدة المخابرات الباكستانية ...! بكلمة أخرى أن المخابرات الأمريكية هي على علم بعلاقة هذا الشخص بكل من القاعدة والمخابرات الباكستانية في وقت واحد ...! إذ قد لعب دور الوسيط في التنسيق بين بن لادن وشراء مصادر من داخل المخابرات الباكستانية لصالح القاعدة .
وصفه بن لادن مرة بعبارة ( ولدي المفضل ) ...!
مع علم المخابرات الأمريكية والبريطانية بأنشطة احمد شيخ سعيد ، إلا أنه بقي بعيدا عن الملاحقة الحقيقية . ولكن حتى توقعات مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي ، والسفيرة الأمريكية في باكستان ويندي تشمبرلين ، بأن يتم إتخاذ خطوة ما بخصوص هذا الشخص ، بعد إجتماع الرئيس بوش وبرويز مشرف ، جاءت مخيبة للآمال .. إذ بقي كل شيء على حاله .. وحتى أوامر مشرف بحظر أنشطة جيش محمد لم تتعدى الصفة الرسمية ، ولم تؤخذ بالجدية الكافية أو الملاحقة ...!
وبالرغم من إصرار الحكومة الهندية وعبر القنوات الدبلوماسية والمخابراتية لملاحقة احمد شيخ سعيد أو تسليمه ، والضغط بهذا الإتجاه مع كل من الحكومتين البريطانية والأمريكية لإستخدام نفوذهما لدى باكستان .. إلا أن اي شيء لم يحدث بهذا الخصوص ...!
وأخيرا ، مما تجدر الإشارة اليه ، أن أحمد عمر شيخ سعيد ، هو من مواليد بريطانيا أصلا . وقد قامت الحكومة البريطانية بتقديم عرض له بأن تسمح له بالعيش في بريطانيا بحرية تامة مقابل قطع علاقاته بالقاعدة ، وإعطائه كافة الضمانات لذلك ، إلا أنه رفض هذا العرض ...!
الغريب أنه في السنة التالية لهذا العرض ، أي في عام 2000 ، سمح له بدخول بريطانيا ، ولم يُجرى معه أي تحقيق ...! وبقي يتردد على يريطانيا متى شاء .. ليصبح ، كما أشارت المصادر الهندية ، واحد من وكلاء المخابرات البريطانية والتي كانت معلوماتها المقدمة له جاهزة وموثقة بخصوص إرتباطه بالمخابرات الباكستانية وتنسيقه من خلالها مع المخابرات الأمريكية ، كما أنه معتمد من قبل أسامة بن لادن ..
يبدو أنه أخيراً قد قبل العرض البريطاني مقابل ثمن ، ولكن بالتأكيد .. بموافقة القاعدة ....!!!
للحديث بقية ....
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment