علي الحمــداني
بتاريخ 11 أب / أغسطس الماضي ، وعلى هذه الصفحة ، ظهر لي مقالي الموسوم (سقوط الأقنعة ـ ماذا نعرف عن مشروع بايدن ..؟ )
يومها لم يكن الكونغرس الأمريكي قد تبنى مشروع تقسيم العراق الى ثلاث كيانات ، أو دويلات .. وأتخذ قراره ( غير الملزم ) بالأغلبية وبالموافقة على التقسيم .. ويومها لم يكن الكثير يعلم أن صاحب مشروع التقسيم هذا هو سيناتور من الحزب الديمقراطي إسمه جوزيف بايدن .. وهو ذات المشروع الذي أقره مجلس الكونغرس لاحقاً بعد أن طرحه بايدن للتصويت ، وقام ساسة العراق الجدد مابين معارض ومؤيد له وكأنهم لاعلم لهم به قبل أن يتبناه الكونغرس ذو الأغلبية من الحزب الديمقراطي المعارض للحزب الجمهوري أي حزب الرئيس بوش ..!
الذي دعاني الى العودة الى هذا الموضوع نقطتان ، الأولى تأييد ومعارضة المشروع من قبل الكيانات السياسية العراقية ،
والثاني هو رحلة المحروس عمار الحكيم الى واشنطن ولقائه جوزيف بايدن هذا ...!
ولكي يتسنى لي الربط بين هذا الموضوع وسابقه ، لابد من أن أقتبس بعض العبارات من موضوعي السابق ، وأعتذر مقدماً الى قرائي الأعزاء على هذا التكرار الذي لابد منه ، والذي أرجو أن لايكون مملاً وذلك لأهميته ..
أولا أن فكرة تقسيم العراق أصلاً تعود الى فترة التسعينات حين كان بيل كلنتون رئيساً للولايات المتحدة ، وهو من الحزب الديمقراطي . يومها تساءل المدعو ( فاولر ) من مؤسسة ( راند ) الأمريكية ، وأحد أعضاء الحزب الديمقراطي البارزين .. هل سيبقى العراق موحّداً عام 2002 ..؟ ! وفعلا سقط العراق تحت الإحتلال عام 2003 ...!!!
أما بايدن نفسه فقد تبنى موضوع التقسيم وبوقت مبكر مستنداً الى آراء وتحليلات جوزيف أدوردز أحد العاملين في معهد للدراسات الإستراتيجية يدعى ( معهد بروكينكز ) ، وعن ذلك يقول بايدن : (أنا أتفق مع جوزيف أدوردز من أنه إذا لم يتم التخطيط بشكل جيد لعملية التقسيم فإنه سيؤدي الى عدم الإستقرار ، بل يهدد بإنتشار الفوضى ...)
وفي مناسبة أخرى يقول بايدن ، الذي هو كما قلنا من الحزب الديمقراطي المعارض ، وهو ليس من المحافظين الجدد ، يقول : إن الرئيس بوش لديه إنطباع جيد وإيجابي عن مشروعه ، أي مشروع بايدن الخاص بتقسيم العراق .. وكذلك البعض من الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن ...!
ثانياً أن تأييد مشروع التقسيم من قبل القيادات السياسية الكردية .. أو الإعتراض عليه من قبل رموز الحكومة العراقية والأحزاب والكيانات الشيعية التي تمثل الحكومة ، لايعني الكثير ، وإنما يثبّت بعض الحقائق التي أصبحت معروفة لدى الجميع وهي عمالة مسعود البرزاني وإنتهازيته التي عرف بها طوال تاريخه السياسي منذ تقبيل أكتاف صدام حسين في بغداد لغرض إرسال الجيش العراقي لإنقاذه بعد أن باتت أربيل مهددة بالسقوط أمام قوات بيشمركة تابعة لجلال الطالباني .. في فترة كان (الأخوة الأعداء ) في صراع مسلح ، كانوا يسمونه ( قتال الإخوة ) ...!
وفعلا ، وكما هو معروف قام البرزاني بفتح أربيل لإستقبال دبابات الجيش العراقي ..
ثم الى قيامه بعد ذلك بإستضافة مؤتمر صلاح الدين لقوى (المعارضة ) العراقية ضد صدام حسين مع حفنة من السياسيين والعسكريين الأمريكان والإسرائيليين وذلك للتخطيط لإحتلال العراق .. الى مواقفه الحالية بعد الإحتلال والتي لاتخرج عن الدوران في نفس المحور كتوقيع عقود نفطية والتصرف كدولة مستقلة ، والمغالاة والمبالغة في إظهار كراهيته للعرب وللعراق بشكل عام ، ولعل الرجل يحتاج الى من يعلمه فنون (التقية) من قبل بعض زملائه في الحكومة العراقية فيما يتعلق بهذه النقطة....!!
ثم ها هو قد أثبت مرة أخرى بتأييده لمشروع تقسيم العراق وبهذه السرعة عن غباء سياسي وقصر نظر حقيقي تجاه مايجري حوله من أحداث ..! وعدم موازنة مواقف دول الإقليم لاسيما إيران وتركيا موازنة عقلانية ، مع إهماله الكامل للمصالح الدولية في المنطقة عموماً .. ومهما يكن من أمر فهذا شأنه ، والأيام ستثبت ذلك ، ومسعود البرزاني ليس الدكتاتور الوحيد الذي أبتلي به شعبه في منطقة الشرق الأوسط والعالم الثالث ..!
أما تصريحات الإستنكار التي تبنتها رموز حكومة بغداد وأحزابها وإئتلافها العتيد .. فهي أيضاً لاتعني ولا تضيف شيئاً ، فهي تدخل ضمن الإيحاء للشارع العراقي والإقليمي بوطنية حكام العراق وحرصهم على وحدة أراضيه واستقلاله وإستقلالية القرار العراقي .. فالتكتيك السياسي الحالي في المنطقة يتطلب من إيران وهي ( رموت كنترول ) حكام العراق ، أن لاتستعجل في إنشاء دولة للشيعة في جنوب العراق مع رغبتها في ذلك بدون أدنى شك ، ورغبة أزلامها في العراق وهم من يمسك بالحكومة حالياً ، لكنها لاتود أن يكون ذلك على حساب مصالحها الأهم ألا وهي قيام دولة للأكراد على حدودها الغربية وهو مايتضمنه مشروع بايدن أيضاً .. ولذلك فإن المصلحة الإيرانية حالياً هي في إستمرار حالة الفوضى في العراق وإستمرار تغذيتها لا في خلق حالة إستقرار ومن أي نوع كان حتى لو كان عن طريق تمزيق الخارطة العراقية ...!
بايدن بتصريحاته يعتقد ( أن تقسيم العراق ليس الحل الأمثل أو النموذجي ، أو أفضل الخيارات لإنهاء الصراعات الطائفية والأثنية ، إلا أنه في الظرف الملموس وبسبب إندلاع الإقتتال الداخلي يعتبر أفضل الخيارات المتاحة ..) .
التفسير المنطقي لهذه العبارة يعني أن إذكاء حالة الفوضى داخل العراق سيثبت صحة نظرية بايدن من أن التقسيم هو الحل الأمثل بل الحل الوحيد .. ولأن المشروع يأتي من سيناتور ديمقراطي ، يقول عن نفسه أنه لاينتمي الى المحافظين الجدد ، أي لايلتقي عقائدياً وليس فقط سياسياً مع بوش ، فذلك يوحي أن الكونغرس الديمقراطي المعارض لبوش ، سيقدم الورقة للحل العراقي حين يتسلم الديمقراطيون البيت الأبيض ، وهذه في حقيقة الأمر ورقة تقدم للناخب الأمريكي .. أي للإستهلاك الداخلي في المعركة الإنتخابية القادمة والتي ستبدأ في أبريل / نيسان القادم .. هذا الناخب الذي تشير الإستطلاعات الى أن نسبة كبيرة منه تريد إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق وعودة الجنود الأمريكان من أتون الحرب الفيتنامية الجديدة ..! والتي بدأ ترنح العسكرية الأمريكية جرائها
حقيقة الأمر أن كلا من الديمقراطيين والجمهوريين لايريدان الإنسحاب الكامل من العراق لتضارب ذلك مع المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم .. وكلاهما لايريدان للعراق أن ينقسم الى ثلاث كيانات ، لأن ذلك هو ضد رغبة حلفاء أميركا المهمين في المنطقة مثل تركيا والسعودية ، ولا يعقل أن تضحي أميركا وتحت حكم أي من الحزبين بهؤلاء الحلفاء على حساب مصالحها .. ولكن الحزب الديمقراطي وهو في مرحلة التمهيد لحملته الإنتخابية القادمة بعد خمسة أو ستة أشهر ، قد بدأ (بتكتيك) التصويت على القضايا الساخنة والعالقة ، مستفيداً من أغلبيته في الكونغرس ، ومحاولا خلق المواقف المحرجة للحزب الجمهوري الحاكم وسياساته ، حتى أن البيت الأبيض سارع وأعلن أن قرار الكونغرس الخاص بالتقسيم لايمثل رأي الإدارة الأمريكية والرئيس بوش ..! ، وكما حدث مؤخراً بالنسبة لتصويته على مجازر الأرمن في تركيا العثمانية محاولا إستفزاز الحكومة التركية والتي سارع الرئيس بوش والإدارة الأمريكية بطمأناة الرئيس التركي أوردغان حولها وبإسلوب إعتذاري .. لذلك نرجع ونقول أن قراءة مسعود البرزاني للأحداث هي قراءة في الإتجاه الخاطئ..!
سمعنا قبل فترة عن مجلس عشائر فيدرالية الجنوب في العراق .. وقرأنا بيانهم المذيل بتواقيعهم ، ثم سكنت الريح فجأة ، فلا تعليق من المجلس ، ولا تعليق من حكومة بغداد ، ولاتعليق من إيران ، ولا من الأمريكان .. و ( رحم الله أمرئ عرف قدر نفسه ) ...!
ولابد ، ونحن نتكلم عن الغباء السياسي وقصور النظر لدى رئيس إقليم كردستان ، أن نلتفت الى المراهقة السياسية التي حملها معه عمار نجل عبد العزيز الحكيم خلال زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة ..
جلس عمار الحكيم أمام جوزيف بايدن وكله ، والحق يقال ، حكمة من رأسه حتى مقعده المصون .. وذكرت لنا الصحافة ومنها جريدة الحياة الصادرة يوم 6/10 وبقلم الكاتب الصحفي الأستاذ جهاد الخازن ، أن عمار قد طرح على الأمريكان ( مشروعاً ) ينص على مايلي ــ وأرجو أن تمسكوا أنفاسكم ــ : ( عقد تحالف شيعي ـ أميركي ضد السنة في العراق والمنطقة ...!!! )
هذه ليست نكته ، إنه كلام إبن رئيس المجلس الإسلامي في العراق ، وخليفته في هذا المنصب ، وأحد أبرز الكتل في الإئتلاف الشيعي الحاكم ..
عمار الطباطبائي الأصفهاني ، الفارسي حتى النخاع ، يريد إتفاقاً شيعياً مع ( الشيطان الأكبر ) كما يطلق على أميركا أولاد عمومته وأولياء نعمته وواضعي سياسة حزبه ، وأعني بهم الإيرانيون .. فتأملوا الى أي مدى وصلت الضحالة في تشابك المصالح .. والتخبط في وحول السياسة ..؟!
عندما قام عبد العزيز الحكيم بزيارته الى البيت الأبيض والتقى الرئيس جورج بوش وذلك في شهر كانون الأول / ديسمبر 2006 ، كان أول تصريح أطلقه بعد وصوله الى واشنطن هو أنه لايريد للجيش الأمريكي الإنسحاب من العراق ..
الكل يعرف ان عبد العزيز هو رجل إيران في العراق .. وأن الإدارة العامة لحزبه لاتزال في طهران وأن ظاهر التصريحات الإيرانية تقرأ على أساس التشديد على الإنسحاب الأمريكي من العراق ، وقد وصلت هذه التصريحات حد الوقاحة عندما أعلن نجاد إستعداد بلاده لملأ الفراغ الذي سيخلفه الإنسحاب الأمريكي ...! يعني إحتلال إيراني للعراق ..!
على أية حال كان ذلك ماقاله عبد العزيز الحكيم في واشنطن .. وطالب في مباحثاته أن تقوم القوات الأمريكية بإتخاذ إجراءات أشد قوة ضد البعثيين والإرهابيين ( أي السنة ) ..!
وبعد أقل من سنة على هذا التصريح والطلب الحكيمي ، جاء تصريح ( مشروع ) عمار الحكيم ...! هذه المرة ليتضمن حلف ( شيعي ـ أمريكي ) ضد السنة في العراق والدول العربية ...!
ومابين التصريحين حدثت أمور كثيرة منها على سبيل المثال لاالحصر تفكك الإئتلاف وإنشقاق حزب الدعوة ، وقيام جبهات جديدة شيعية وسنية .. ، ووصول الحكومة المالكية الى نهاية الطريق المسدود ..، وظهو تعاون عربي سني مع الأمريكان ، وتسليح العشائر السنية العربية ، وبدأ القصف المدفعي والصاروخي لإقليم مسعود البرزاني من قبل إيران وتركيا .. وأشياء أخرى سنرى ميلادها قريبا .. فالليالي حبلى بكل غريب .. ولابأس آل الحكيم فالرياح أحياناً تأتي بما لاتشتهي السفن ....!!!
lalhamdani@yahoo.com
أنه أ
No comments:
Post a Comment