Thursday, March 6, 2008

الأحزاب ألإســلامية .. دولة الخلافــة .. أم خلافة الدولــه..؟ ــ 3

هنالك قاعدة فيزيائية معروفة تقول : ( لكل فعل رد فعل ، مساو له في المقاومة ومعاكس له في الإتجاه ) . والقول يمكن أن ينطبق على الأحزاب السياسية بشكل عام خصوصا تلك التي تتنافس فيما بينها ويعمل الواحد منها ضد الآخر . فعندما يكون الفعل داخل ضمن منافسة ديمقراطية يكون رد الفعل ضمن نفس الدائرة ، وعندما ينتقل الفعل الى اسلوب التجريح والنقد الهابط يكون رد الفعل من قبل الطرف الآخر بنفس الاسلوب والمستوى ، اما عندما تكون الأفعال قد بدأت تميل الى العنف ومنطق القوة فحتما سيكون رد الفعل بنفس الأتجاه ويتصاعد مع تصاعد الفعل وقد يصل الى حالات مستحكمة من البغض والكراهية والأحقاد ، وهو في الحقيقة جزء من طبائع النفس البشرية على فطرتها مهما صقلت اجتماعيا او ارتقت ثقافيا .
مفهوم الحزب السياسي بشكل عام ومبسط هو عبارة عن مجموعة من البشرتؤمن بفكرة معينه ولها أهداف تسعى اليها تنضوي تحت قيادة لها ومنهاج عمل محدد ثابت او متغير حسب ماتقتضيه الأحداث وتتلقى القواعد أوامرها من القيادة عادة وتمضي في تحقيقها كل حسب موقعه ومستواه الحزبي ، ويكاد يكون هدف كل الأحزاب السياسية واحد وهو الوصول الى موقع السلطة وادارة الحكم لتطبيق منهاجه وتسيير البلد والمجتمع وفق المنهاج المحدد وبالتالي تحقيق أهداف سلطوية ومادية ، وهو ايضا ماينضوي تحت الطبيعة البشريه في عشق السيطرة والقوة وامتلاك القرار. أن الفرق بين نظام الحزب الواحد والتعدديه الحزبيه وطريقة ارتقاء اي منها الى السلطة سواء كان عن طريق الأنتخابات او عن طريق الأنقلابات العسكريه يكاد يكون ضئيلا من وجهة نظر التطبيق العملي لمنهاج الحزب الحاكم مع الفارق ان الحزب الديمقراطي يتحرك في تطبيقاته لأمد محدود ثم ينتقل الى صفوف المعارضة بينما الحزب الديكتاتوري يبقى في موقعه ويحاول الحفاظ على بقائه بكافة الأساليب المشروعة وغير المشروعة بما فيها استخدام سياسة البطش والتنكيل بأعدائه .
نتساءل هنا عن موقع الحزب الإسلامي المنهج والهدف ( أي حزب بهذا المسمى ) ضمن تصنيف الأحزاب السياسية اين يكون وكيف يصل الى هدفه وما هو منهاجه بشكل عمومي ؟ الأحزاب الأسلاميه عموما تلتزم بخطة الوصول الى تحقيق هدف تطبيق حكم اسلامي على المجتمع التي تنتمي اليه سواء بانقلاب ثوري او بتدرج ديمقراطي كأي حزب علماني آخر مع اختلاف الهدف . ولكن ماهو منهج عمل وخطة وهدف الحزب الأسلامي هنا من واقع تكوين الحزب ومبادئه وأهدافه التي يفترض أن تستند الى التشريع السماوي أي القران الكريم والى السنة النبوية الشريفة وهي التطبيق والتفسير ألأمثل للقران الكريم :
1) الدعوة 2) العمل على قيام حكم اسلامي 3) تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية
الدعوة هي مهمة ملقاة على عاتق كل مسلم ولكن لايصح أن يكون كل مسلم داعية وذلك لحاجة الدعوة الى تخصص في العلوم الاسلامية ودراستها فقها وتشريعا وتفسيرا ، اضافة الى توفر عوامل اخرى في الداعية منها تمكنه اللغوي وقابليته الكلاميه وقدرته على الإقناع واستعداده للإجابة على مايطرح عليه من أسئلة ، بإختصار مثله كمثل الأستاذ الجامعي المتخصص في مادة معينه يلقيها على طلبته الذين يختلفون ذهنيا وشخصيا من ناحية استقبال المعلومات وتختلف مشاربهم ورغباتهم وتصرفاتهم الشخصية وطروحاتهم ،ويتمكن بقدراته وعلمه أن يوصل المادة العلمية الى الجميع . يلاحظ هنا ان الدعوة الى الإسلام لاتحتاج الى انتماء لحزب او جماعة اسلامية لتحقيق نجاحها ولكن لو حدث ذلك بسبب تمويل مالي لمهمة الداعية وتوفير الدعم له فإن الدعوة لابد أن تنحرف تلقاء ذلك الحزب او الجماعة في استغلالها لكسب عناصر جديدة تعمل ضمن الحزب . ولو تم ذلك يكون قد ران على الدعوة الخالصة مالايليق وخرجت عن إطارها الشرعي الحقيقي من حيث نشعر ام لا ، ولأصبحت أقرب الى اي دعوة لأنصار جدد يسعى اي حزب سياسي علماني الى تحقيقها . من هذا المنظور نرى انتفاء أهمية وجود حزب اسلامي وراء الدعوة الإسلامية بل اصبح من الواجب لأبقاء الدعوة خالصة للإسلام أن لاتأتي عن طريق تنظيم سياسي اسلامي لتلافي أي خلط قد يحدث في هذا الجانب ويرتب اثارا عكسية سواء شعرنا بذلك أو لا
اما العمل على قيام حكم اسلامي فهذا طلب مشروع لتطبيق الشرع في حكومة ما .. ولكن يبقى السؤال ماهو طريق تحقيق حكم ما في دولة ما في وقتنا الحاضر..؟ والجواب هو إما أن يتم ذلك عن طريق القوة والاستيلاء على السلطة او عن طريق انتخابي ، وفي كلا الحالتين يجب ان يسبق او يعقب ذلك تحرك لبناء علاقات عامة مع المحيط الدولي خصوصا اذا كان النظام الجديد بحاجة الى تعريف من حيث المحتوى والهدف ليحقق نوع من التمازج مع المجموعة الدوليه وبناء علاقات مشتركة دون المساس باستقلاليته او مبدأيته . لقد فشلت الأحزاب الإسلامية من الوصول الى ذلك اما بسبب عدم تضمين الدعوة الاسلامية لهذا في مناهجها او لأقتصارها فقط على مبدأ الدعوة الشخصية والتعريف بالإسلام لكسب أناس جدد او لكليهما ، واذا ما أضفنا الى ذلك تطرف جماعات حكمت بإسم الإسلام كالقاعدة وطالبان ومن سار على منهاجهما في دول اخرى والإنعكاس السلبي الذي تركه ذلك على المجموعة الدولية بما فيها الدول الإسلامية وتأثيره عليها يمكن أن نتصور حجم الضرر الذي عاد على الإسلام وليس فقط على هذه الجماعات خصوصا عند استغلال ذلك من قبل أعداء الإسلام والكائدين له .
يقول الرئيس الأمريكي جورج بوش ( إن تنظيم القاعدة يريد إقامة امبراطورية اسلامية متشددة تتسم بالعنف تتخذ من العراق قاعدة لها لتوحيد المسلمين تحت درع واحد )...! . أتى هذا التصريح في أعقاب اعلان ( مجلس شورى المجاهدين ) التابع للقاعدة عن تأسيس إمارة اسلاميه في غرب العراق ، وهذا التصريح بحد ذاته قد اضاف حملا فوق أحمال السنة والمقاومة العراقيه وكأنه عني به التوقيت مع تصاعد دور المقاومة العراقية ضد المحتلين ، ولم يصدر وحسب معلوماتي اي شئ يقابل هذا التصريح ويدحضه ويقف ضده من قبل بقية الأحزاب الإسلامية في العراق ..!
يقول المحلل السعودي السيد فارس بن حزام : ( القاعدة قد تستطيع اقامة دولة اسلاميه في غرب العراق اذا لم يكن هناك جيش أمريكي في تلك المنطقة ، لكن سيكون من الصعوبة بمكان أن يخترقوا اي دولة أخرى حيث يوجد جيش وجهاز للدولة ، وأن حلمهم الكبير هو اقامة دولة اسلامية لكن ليس هناك مايشير الى أن هذا قد يحدث ) . وكثيرا ما تحدث اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة قبل اختبائه عام 2001 عن الإطاحة بحكام مسلمين يعتبر أنهم يدينون بالفضل للقوى الغربية وإزالة الحدود بين الدول الحديثة لتوحيد المسلمين في ظل الخلافة . كلام من هذا النوع وبهذا المستوى ينطلق من رجل هو العدو الأول للغرب كما يصوره إعلامهم ويوحي بأنه قائد اسلامي وزعيم روحي في الوقت الذي يمقته ومواقفه اكثرية المسلمين يمكن أن نتصور حجم الضرر الذي يحدثه كما قلنا والخدمة التي يقدمها لأعداء الإسلام .
لعل من المفيد هنا نقل آراء بعض المعنيين من مفكرين وكتاب بهذا الخصوص . تقول الدكتورة مضاوي الرشيد المعارضة السعودية المقيمة في لندن : ( أستطيع أن أرى العالم العربي باسره ينزلق الى العنف الطائفي لهذا لاارى امكانية قيام هذه الخلافة ، وان هذا مجرد جزء من حرب الشعارات التي يشنها تنظيم القاعدة ، لقد اتخذت الخلافات الكثير من اشكال فيما مضى ، ومع التطور على مدار الزمن بين الطوائف الاسلامية المتناحرة فقد واجه الخليفة العباسي في بغداد منافسة لقيادة جميع المسلمين من قبل خليفة فاطمي شيعي في مصر المسلمة وآخر سني في الاندلس . غير أن كلمة خليفة لازالت تستحضر صورا ايجابية في أذهان بعض المسلمين وأن الكلمة تستخدم اكثر فاكثر في سياقات متنوعة للتدليل على نظام يتسم بالإستقامة الأخلاقية . وفي ظل وسائل الإتصالات الجديدة هناك إحياء لفكرة الخلافة ولكن بمعنى مجتمع فعلي بلا حدود اقليمية .
اما الدكتور اسعد ابو خليل استاذ السياسة في جامعة كاليفورنيا الامريكية فيقول : ( بالنسبة لمعظم الأحزاب السياسية التي تتبع الاسلام السياسي سواء من التيار السائد او من التيار الأقل درجة منه فإن حدود الدولة المعاصرة تم قبولها وليس هناك مصداقية على الإطلاق لفكرة أن السعي الى الخلافة هو الهدف الأكبر للحركة الإسلامية في المنطقة ).
من بين الجماعات السياسية التي اشارت الى الرغبة في إقامة خلافة في الأجزاء المسلمة من أراضي بلادها : الحركة الأسلامية في الصومال ، وجماعة العدل والإحسان في المغرب والمتشددون الإسلاميون في اسيا الوسطى . أما الزعيم الروحي لمسلمي نيجيريا البالغ عددهم 70 مليون نسمة فيطلق عليه اتباعه لقب الخليفة ويشار الى المنطقة المسلمة من البلاد بإسم خلافة سوكوتو . اما تنظيم الجماعة الإسلامية في جنوب شرق اسيا وهو اكبر تنظيم متشدد في تلك المنطقة فيحلم بإقامة خلافة في المنطقة . لكن في العالم العربي آثرت جماعة الإخوان المسلمون في مصر الا تركز جهودها على هدف الخلافة بالرغم من أن علماء كثيرون أشاروا الى أن الجماعة العربية الاسلاميه نشأت وتطورت ربما لتلبي احتياجا نفسيا معينا بعد اربع سنوات فقط من إلغاء الخلافة في اسطنبول عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك .
17/12/2006

No comments: