الحرب على الحقيقة

ــ ترجمة مختصرة علي الحمــداني 5)

نعودالى عام 1991 ، حين ربحت " جبهة الإنقاذ " الإسلامية في الجزائر الإنتخابات العامة . ولكن قبل أن تتمكن الجبهة من إستلام مسؤولياتها كما كان مقررا في كانون الثاني / يناير 1992 ، قام الجيش الجزائري بعملية إنقلاب ألغى فيها الإنتخابات ، كما قام بإعتقال عشرات الآلف من أعضاء ومؤيدي الإنقاذ ، ونقلهم اللى معسكرات إعتقال في الصحراء . وتم للجيش إستلام السلطة وإجبر الرئيس الشاذلي بن جديد على الإستقالة .. منذ ذلك الوقت دخلت الجزائر في معترك صراع دموي مسلح حصد عشرات الآلاف من الأرواح . ومما لاشك فيه ، واستنادا الى عشرات التقارير ، أن الغرب كان وراء الإنقلاب الذي قاده الجيش للحيلولة دون إستلام السلطة في البلاد من قبل الأسلاميين ..

أظهرت سلطة الإنقلاب الرغبة في تعاونها مع السياسة الأمريكية ، وذهبت أبعد من ذلك الى إظهار استعدادها للتعاون مع إسرائيل عن طريق تأسيس منظومة تعاون أمريكية ـ شرق أوسطية ـ شمال أفريقية .

على إثر هذه الحالة المضطربة ، بدأت بوادر المجموعات الإسلامية تظهر على الساحة ، وبشكل مجموعات مسلحة ، فيها من جبهة الإنقاذ ومن غيرهم .. ولكن حسب ماكان يظهر من التقارير ، أن هذه المجموعات م تكن على إتفاق كامل مع جبهة الإنقاذ ، ولم تدخل في وحدة معها ، وحتى أعمال العنف التي كانت تحدث لم تكن بتنسيق بين هذه المجموعات والجبهة ..!
المجموعة الإسلامية إستقطبت الإفغان العرب ، أي العرب الذين كانوا قد تطوعوا مع بن لادن في الحرب الأفغانية . ووصل الآلاف منهم الى الجزائر عن طريق الشبكات العالمية في البوسنه والبانيا وايطاليا وفرنسا والمغرب والسودان . كانت طلائع هؤلاء قد أرسلت مباشرة من قبل بن لادن الى الجزائر وكان عددهم يتراوح بين 400 الى 1000 مقاتل كلهم جزائريين ، وهذا كان قد تم قبل حدوث الإنتخابات والإنقلاب عليها ، وابتدأ بحدود منتصف الثمانينات ..

بحسب تقارير المخابرات الأسترالية ، فإن المدعو " أبو قتادة " المقيم في بريطانيا ، كان مستشار بن لادن فيما يتعلق بالمجموعات الجزائرية . وكان على تنسيق مع بن لادن بخصوص هذه المجموعات وكذلك المجموعة التي أطلق عليها " الجماعة السلفية للدعوة والقتال " التي بدأت ايضا تنسيقها مع القاعدة في 1997 . في تلك السنة والسنة التي تلتها ، كانت الإحصائيات تشير الى مقتل حوالي 150000 جزائري . وامتدت هذه الشبكات بأنشطتها الى داخل أوربا ، وصولا الى كندا واميركا .

كانت حوادث العنف التي تحدث في الجزائر تشوش على مقاومة جبهة الإنقاذ الإسلامية ونشاطاتها ضد الحكومات الديكتاتورية ، والتي كانت من منطلق إعادة حقها المسلوب منها والذي حصلت عليه في الإنتخابات العامة ، لكنها وبحسب معظم تقارير المراقبين للوضع الجزائري آنذاك ، لم تكن متورطة في أعممال القتل العشوائي للمدنيين ، أو القيام بأعمال خطف وعنف ، كما كان يحدث من قبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال وبعض المجموعات الإسلامية الأخرى ، وقطعا من بعض عصابات الإجرام والمنتفعين الذين إستغلوا الوضع المضطرب على الساحة الجزائرية لتحقيق مكاسبهم اللامشروعة ..! (( تعقيب : من المناسب هنا إجراء مناظرة بسيطة في تشابه الموقف في العراق الآن ، وما كان يحدث ولايزال في الجزائر ..! مجموعات إرهابية متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة الذي يشك في إنتمائه وبرامجه وممارساته المشبوهة ، كما ظهر لنا جليا لحد الآن .. ومقاومة اسلامية وطنية تريد إعادة الحقوق الى إصحابها ، وتعمل ضد الحكومة الموالية للغرب . هذا في الجزائر .. وفي العراق الآن تتشابه الصورة الى حد بعيد من خلال وجود إحتلال عسكري أجنبي وحكومة موالية لهذا الإحتلال ، ووجود مقاومة اسلامية ووطنية تعمل ضد الإحتلال والحكومة الموالية له ، وكذلك وجود مجموعات إرهابية سواء من تنظيمات القاعدة أو من المليشيات أو من عصابات الإجرام وفرق الموت تعمل على قتل المدنيين وتدمير البلد وتلقي أبواق الدعاية الحكومية والأمريكية بتبعة ذلك على المقاومة وتطلق على الجميع مسميات مثل " الإرهابيين والتكفيريين والصداميين ...وهكذا " .التكتيك واحد ومن أجل هدف واحد لايكاد يخفى على أحد . ))

هناك ملاحظة أخرى ، اشار اليها المراقبون والمحللون السياسيون ، مثل مراسل مجلة " باريس ماتش " وجريدة " الصنداي تايمز " اللندنية ، وهي أن الجيش الجزائري وقوات الأمن لم تكن تقوم بواجباتها كما يجب ، ويشك حتى في تعاونها مع الإرهابيين وذلك ردا على المجازر التي ترتكب في القرى الجزائرية ضد المدنيين العزل ، منها على سبيل المثال ، قتل اكثر من 1000 قروي بينهم النساء والأطفال في السابيع الثلاثة الأولى من عام 1998 ، حدثت على بعد حوالي 300 متر من قاعدة عسكرية جزائرية ، ومع ذلك لم يتم تحريك جندي واحد لنصرة أهل القرية التي تعرضت للمجزرة والتي كان يسمع صراخ أهلها وأصوات طلقات الرصاص . وقد افاد بعض القرويين ، أن قسم من المهاجمين كانوا يرتدون الزي العسكري الجزائري ...! (( تعقيب : أليس هذا مايتم فعلا وبتطابق غريب في العراق اليوم ..؟ ))

ملاحظة أخرى ، قدمتها تقارير المراقبيين . كان مسلحين مرتدين الزي العسكري ، شوهدوا وهم يقومون بتعذيب أسرى من المدنيين وحرق مناطق مختلفة من أجسامهم ، و.. إستخدام المثقب الكهربائي في التعذيب الذي يؤدي الى الموت ..!. الأكثر من هذا ، ان الجندي الذي نقل الخبر وعمره 23 سنة ، ولنطلق عليه حرف (م) ، قال أنه شاهد ( لحى مستعارة ) كانت تلبس من قبل بعض المهاجمين من قوات الأمن للتمويه على أن المهاجمين هم من المتطرفين الإسلاميين ..!! . في إحدى تلك الهجمات التي تمت بهذه اللحى المستعارة ، وجد لاحقا في مكان الجريمة 28 جثة مقطوعة الرأس ...!

هذه الحقيقة أُكدت لاحقا من قبل بعض الصحفيين البريطانيين وهو " جون سويني " و " ليونارد دويل " على لسان المدعو " يوسف " وهو جزائري كان يعمل لحساب المخابرات البريطانية داخل قوى الأمن الجزائرية ، والذي أمضى في مهمته في الجزائر 14 سنة ، وعاد حاليا ليسكن في بريطانيا ..! (( تعقيب : كلما مضيت في قراءة هذه الأحداث الإجرامية ، أكاد اتصور مايحدث اليوم في العراق .. طرق التعذيب والقتل بالمثقب الكهربائي وهذه الطريقة قد ثبت إستخدامها في العراق من الآثار التي وجدت على الجثث ، كذلك القيام بهجمات ضد المدنيين من قبل وحدات الأمن والشرطة أو الجيش بلباسهم العسكري وقتل الأبرياء ، وكما حدث ويحدث في العراق الآن وتلقى تبعاته إما على الميليشيات الفلانية أو الإرهابيين الفلانيين ..! التخطيط يكاد يكون مصدره واحد ، وأسلوب التطبيق واحد ..والفترة الزمنية التي تفصل بين قمة أعمال العنف في الجزائر ومثلها في العراق لاتتعدى العشر سنوات ...))

هذه الجرائم ، كان من أبرز من يقودها إثنان ، هما محمد مدين و إسمه الرمزي " توفيق " ، والثاني هو جنرال في الجيش الجزائري وإسمه سمين لاماري . كان الإثنان يعملان ضمن جهاز المخابرات الجزائري ، وفي الحقيقة في القمة من ذلك الجهاز . كان الهدف الرئيسي من مخططهما هو ضرب المقاومة الجزائرية وإفقادها لشعبيتها . لقد قام الجنرال لاماري في 1992 بتأسيس مايسمى " فرق الموت " ، وقامت هذه الفرق بقتل الكثير من المدنيين . ليس هذا فقط ، بل قامت بقتل بعض ضباط الجيش الجزائري ممن يشك في ولائهم للسلطة ..! ، كذلك قامت بتنفيذ عملية تفجير قنبلتين في باريس صيف عام 1995 ، قام بالتخطيط لتنفيذها كل من كولونيل محمود وشخص آخر يدعى الياس حبيب . والأخير هو مسؤول جهاز المخابرات في السفارة الجزائرية في باريس ..!

يقول أحد ضباط الأمن السري الجزائري ، الذي أطلق عليه " النقيب هارون " ، والذي هرب الى بريطانيا وطلب حق اللجوء فيها ، يقول في تقريره أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني ، بأن زملائه السابقين ، قاموا باعمال قذرة ، وهذا نص تعبيره ، في قتل صحفيين ، وقتل وتهديد مذيعات في التلفزيون ، وضباط ، وحتى نساء وأطفال ..!

في نوفمبر 1997 ، قام أحد ضباط الجيش الجزائري ، المدعو " حكيم " ، بالإتصال بصحيفة " لوموند " الفرنسية ليعطي معلومات عن تفجيرات باريس في 1995 . والتي راح ضحيتها 8 أشخاص ، وجرح 143 كانت من تدبير قوات الأمن والمخابرات الجزائرية ، ويضيف ، أن القاعدة التي تسير بموجبها خطط الجيش والأمن الجزائري على يد بعض الضباط المرتبطين سريا بمركز القوى هي " كسب الرأي العام الداخلي والعالمي بالقيام بمثل هذه الأعمال وإلقاء تبعاتها على المقاومة وخصوصا جبهة الإنقاذ . في حين كان مثلا أحد إرهابيي الجماعة الإسلامية وهو دكتور جميل زيتوني ، قد وضع إسمه أمام الرأي العام باعتباره المطلوب رقم واحد من الإرهابيين . زيتوني كان حقيقة هو وكيل مرتبط بالمخابرات الجزائرية ، وكان يعمل مع المجموعات الإسلامية في الصحراء الجزائرية حيث تم تدريبهم هناك وبالآلاف . بكلمة أخرى كان جزءا من شبكة القاعدة وهو ( إرهابي ) مطلوب من هذا المنظور .. ولكنه كان أيضا قد جند من قبل المخابرات ...!!

لقد قامت المخابرات الجزائرية بملاحقة المدعو " حكيم " بعد تصاله يصحيفة " لوموند " ، وتم إختطافه من باريس ، وأرسل الى أحد المعتقلات في الصحراء حسب ماافادت عائلته التي بقيت على اتصال بالهيئات الإنسانية والصحف لمعرفة مصيره . وحين نشرت صحيفة " الأوبزرفر " البريطانية تحقيقا عن موضوعه ، قامت عائلته على الفور بالإتصال بالصحيفة المذكورة التي وعدت بإستقصاء الموضوع .. ولكن .. أتى الجواب بعد فترة مخيبا لآمال عائلته ، حيث قالوا لهم أن نتائج تحرياتهم أثبتت أنه قتل في حادث طائرة هيلوكوبتر كانت تقله الى الصحراء الجزائرية ....!!!

بعد أفغانستان ، البلقان ، الجزائر ، واميركا نفسها ... ماذا عن ( أبو سياف ) والمخابرات المركزية الأمريكية في الفيلبين ...؟
هذا سيكون موضوعنا ليوم غد .

lalhamdani@yahoo.com