Tuesday, March 25, 2008

حَصَـادُ خَمْـسٍ عِجَــاف ...! ـ 5


علي الحمــداني

الحصاد الأخير وليس الآخِر ..

تحدثنا في الأقسام الأربعة الماضية من هذا الموضوع عن جوانب مختلفة تركت بصماتها الواضحة على العراق والشعب العراقي وخلال خمس سنوات منذ أن سقط البلد تحت الإحتلال الأجنبي .

وقد تناولت تلك الجوانب ، الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي .. وانتهينا منها الى محصلات ونتائج أصبحت ملموسة على ارض الواقع .. هناك من يعترف بوجودها ، وهناك من ينكر ذلك ، وهناك من يحاول أن يلقي تباعات كافة السلبيات على المناوئين للحكم الحالي بشكل تعصبي من نوع أو آخر ، ومثل هذه المحاولات للتخلص من المسؤولية ، هي من سمات النفس الإنسانية عند فشلها أو فقدانها للحجة أو التعصب لحزب أو طائفة .. وفي التاريخ العراقي وغيره أمثلة حية على ذلك .

الصعوبة تتمثل في طرح المحصلات النهائية ، وليس فقط جمع نتائج ماتوصلنا اليه في كل حلقة ..
فلو أننا إكتفينا بعملية الجمع هذه وإعادة تلخيصها وسردها ، فإننا نكون كمن يطرح محاضرة أكاديمية لتثبيت نقاط رئيسية في ذهن المستمع أو القارئ ..
ولكن ، الموضوع يختلف هنا ، إذ أن الطرح سيكون الإطلاع على وجهات نظر خارجية ، لتسليط الضوء على المعطيات المطروحة ، لتعزيز هذه النقاط من جهة ، ولمعرفة تحليلات الإعلام الخارجي والمحللين السياسيين والسياسيين أنفسهم لما جرى ويجري في العراق .. وعند ذلك يكون الوقوف على الحقائق المجردة أكثر ثباتاً ومصداقية وعدم الإكتفاء فقط بالسرد الإنشائي ، وتأرجحه بين المؤيدين والمعارضين ، بإعتباره يمثل وجهة نظري ككاتب لهذا الموضوع ، وهناك مَن هو معي ، ومَن هو ضدي ، وهذا شيئ طبيعي ..!

لذلك ، سنبدأ من حيث إنتهت وسائل الإعلام الخارجية ، ومن خلال ذلك نستعرض ماتوصلنا اليه في الحلقات الماضية من حقائق وتحليلات .

ولكن قبل ذلك ، لابد أن أُذكّر القارئ الكريم ، أننا وبإستعراضنا لتداعيات خمس سنوات صعبة ، أن الوضع العام في العراق قبل هذه السنوات ، سواء سياسياً أو إقتصادياً أو إجتماعياً ، لم يكن بالوضع المثالي ، إذ قد يخطر على بال البعض من أنني أقف الى جانب النظام السابق واكتب ماأكتب...! ولكن ، حديثي إنصرف الى سنوات الإحتلال الخمس لأنه يُفترض أن يعمل من أتى مع الإحتلال من الساسة ، وكذلك الإدارة الأمريكية التي نفّذت عملية إسقاط النظام السابق ، على إجراء تغييرات الى الأمام كما كان يصرح ويتعهد به الجميع ، وليس الرجوع الى الخلف كما حدث حالياً .!
مع فهمنا لهذه المعادلة ، وأسباب التخطيط لها ووضعها موضع التنفيذ !

لم أكن أتصور على الإطلاق ، أن كلمة إحتلال العراق ، وكما يعلم العالم كله بما في ذلك الرأي العام الغربي ، هي كلمة غير صحيحة ، ولا يجب أن يوصف العراق حالياً بها ، حتى إستمعت الى تصريح ( همام حمودي ) وغيره في مؤتمر البرلمانيين العرب الذي إنعقد في أربيل ، حيث إحتج العراق وكذلك ( الكويت ) !! على كلمة الإحتلال التي وردت على لسان ممثل الجامعة العربية في كلمته الإفتتاحية ..!
همام حمودي ، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي ، يقول : إن العراق ليس تحت الإحتلال ، وإنما وجود القوات الأجنبية هو نتيجة قرار دولي وبناء على طلب عراقي ببقائها !! تماماً كما يقول بوش وكما قال بلير وغيره من ساسة الإمبريالية العالمية ، وكما كان منطقهم دائماً في إحتلال أراضي الغير واستعباد شعوبها وعلى مر التاريخ ..

حين دخل الجنرال ( مود ) الى بغداد في 1918 ، أعلن أن ( البريطانيين ) جاءوا محررين وليسوا فاتحين ..! كانت تلك كلمة تنطوي على الذكاء والخبث .. لكسب تأييد الشيعة في العراق كما كان يتصور ، حيث أن التحرير كان من العثمانيين ( السنّة ) ..!
لقد إستمر ذلك ( التحرير ) .. لعقود ، وتم ( تحرير ) نفط العراق من قبل ثلاث شركات بريطانية :
IPC , BPC , MPC .
أي شركة نفط العراق ( كركوك ) وشركة نفط البصرة و شركة نفط الموصل ...!

وحين أصدر عبد الكريم قاسم ، قانون النفط رقم 80 ، قال أحد الساسة البريطانيين المخضرمين وهو أدورد هيث ، والذي أصبح رئيساً لوزراء بريطانيا عن حزب المحافظين في السبعينات : " لقد إنتحر قاسم " ..
يعني إما العمالة أو الموت ..
وكما قال بوش بعد إحتلال العراق : " من هو ليس معنا فهو ضدنا " ...!

وبالعودة الى تصريح همام حمودي فإنه يؤكد ذلك ، ويؤكد أيضا ًما أشرت اليه من خطورة يعاني منها العراق وعلى كافة الأصعدة ، والمتمثلة بعمق العمالة والإنحراف ، أوبيع العراق حقيقةً .. وبكلمة أدق وأصدق ..!
وماكان لشخص مثل همام حمودي ، ليصرح بذلك ، لولا موافقة رئيسه عرّاب السياسة العراقية الحالي عبد العزيز الحكيم ، والذي بدوره لقي حفاوة الإستقبال في واشنطن من قبل عرّاب السياسة الأمريكية الشهير الصهيوني هنري كيسنجر !

أما إعتراض ( الكويت ) ـ وماأدراك ما الكويت ـ ! على هذه الكلمة فلم يأتِ من فراغ بالطبع ..!!!

أليس غريباً أن يتطابق ولأول مرة منذ عقود ، الطرح العراقي بالذات مع الطرح الكويتي ..؟
همام حمودي وجاسم الخرافي !!

ُنقل عن المباحثات الجانبية للمؤتمر وعلى لسان وليد الطباطبائي ، عضو الوفد البرلماني الكويتي ، أنه قد قدّم مذكرة حول شطب ديون العراق السابقة للكويت والبالغة 14 مليار دولار ، مضافاً اليها ماتبقى من التعويضات وهو 25 مليار دولار بعد أن دفع العراق 12 مليار من نسبة 5 % من عائدات النفط وبموجب قرار الأمم المتحدة .. مقابل تزويد الكويت بالفائض من مياه شط العرب ..!! (الملف بريس ) .. !

ثم أليس غريباً ان يتزامن ذلك في وقت تنعقد فيه المباحثات العراقية ـ الأمريكية ، الخاصة بالتعاون والمعاهدات طويلة الأمد ..؟ ولا ندري الى أي مدى من ( التحرير ) سوف تصل اليه نتائجها ..!

ألا يعني ذلك أن التلاميذ النجباء ، يطيعون معلمهم فيما يقرر ويأمر ..؟

هذا كله قد يعطينا الإجابة على إطلاق كلمة ( العِجَاف ) على هذه السنوات الخمس .. والتي ربما سنشهد قريباً محاسبة من يطلق عليها كلمة سنوات ( الإحتلال ) !! فقد تصبح كلمة الإحتلال ، خطاً أحمراً لايجوز تجاوزه ..!

لقد وضعت حكومة العراق وبالإشتراك مع الكويت .. ( إدبية جديدة ) في مؤتمر أربيل ..!

والغريب أن يتمادى أعضاء البرلمان العراقي من حزب الدعوة والمجلس الأعلى وبعض الآخَرين
( بالتحفظ ) على موضوع إحتلال إيران لثلاث جزر عربية إماراتية جغرافياً وديموغرافياً في البيان الختامي للمؤتمر ، بعد أن نوقش الموضوع في اللجنة السياسية .. وعلى لسان خالد العطية أحد ازلام الحكيم أيضاً ، وهو نائب رئيس البرلمان العراقي .. مقابل صمت مطبق من رئيس البرلمان محمود المشهداني ..!!!
التحفظ الطائفي الفارسي ، جاء مفاجأة للجميع .. ومعهم الحق ، فهم لازالوا يعتقدون أن العراق لايزال مع القضايا العربية ، أو جزءاً من الوطن العربي .. ونسوا أن برلمان وحكومة العراق في غالبيتها هي حكومة فارسية تمثل فرعاً للإدارة العامة في طهران ..! وكافة الأحداث السياسية تُقرأ بهذا الإتجاه ، سواء داخل العراق أو على صعيد السياسة الخارجية أو في المؤتمرات الدولية والإقليمية .. وقد آن كما يبدو الإفصاح عن ذلك علناً على يد حكومة المالكي ..

إذن هي : لا لكلمة الإحتلال للعراق ، ونعم للإحتلال الإيراني لأراضٍ عربية .. ولاحظوا التوقيت!

وأيضاً ، وقبل أن نتناول وجهات النظر الخارجية ، أرى من المناسب أن نمر ولو سريعاً على جانب مهم في حياة المواطن العراقي .. ذلك الجانب هو القانون وسلطته .

كنا نسمع في العهد السابق للإحتلال عن الممارسات اللاإنسانية ، والغير قانونية ، والتي كانت تتخذ ضد المواطن العراقي .. ولا أدعي هنا ، أنها كانت مجرد دعايات وتضخيم إعلامي وإشاعات .. بل كان هناك فعلا تجاوز غير إنساني بحق معارضي النظام ، لم تخلو من تصفيات جسدية وتعذيب وإرهاب ..
كانت هناك سجون المخابرات العامة ..
وكانت هناك سجون الأمن العامة ..
ومعتقلات خاصة ببعض رموز النظام ..
كما كان هناك تجاوزات على القانون .. واعتقالات بدون توجيه تهم معينة .. ومحاكمات صورية .. وتصفيات جسدية ..

وانتقل العراق من العهد ( الديكتاتوري ) الغاشم ، الى عهد ( الديمقراطية ) و ( دولة القانون ) !
وأصبح ( المظلوم ) السابق ، في موقع الحاكم ( العادل ) ..!
وكان لابد ، والحالة هذه ، أن يشهد العراق تحولاً في مسار القانون والقضاء .. وإسقاط كافة ممارسات النظام السابق الشاذة ، وتطبيق مبادئ دولة القانون والدستور ..! ورفع الظلم عن كافة المظلومين وبكل أجناسهم وألوانهم ، وبدون خلق حالة جديدة من ظالمين ومظلومين ..!
أليس هكذا يقول المنطق ...؟

ولكن ماذا في عراق اليوم ، الديمقراطي ، ذو النظام القانوني والدستوري ..؟

ـ سجون أمريكية تحتجز الآلاف بما فيهم الأطفال القصّر والنساء ..
ـ سجون عراقية ، يقول تقرير منظمة الصليب الأحمر الدولية ، وهي منظمة محايدة وتقاريرها سرية ، أن هناك 30 ألف مواطن عراقي محتجز فيها ( هذا الرقم يرجع الى شهر اكتوبر / تشرين الأول من السنة الماضية ) ..
ـ فضيحة سجن أبو غريب ، التي شاهدها العالم على شاشات التلفزة .. وتعذيب الأمريكان لضحاياهم من السجناء العراقيين ..!
ـ معتقل وزارة الداخلية في الجادرية .. والفضيحة التي كشفها الأمريكان أنفسهم والخاصة بالمعتقلين هناك وأساليب تعذيبهم ..
ـ معتقل في وزارة الصحة .. كان يدار بإشراف وكيل الوزارة ومسؤول الأمن ..!
ـ معتقلات سرية خاصة بالميليشيات الطائفية ..
ـ صدور مايسمى قانون العفو العام والمصادقة عليه .. وتعطيله بعد ذلك .. حيث لم نسمع عن إطلاق سراح المعتقلين بموجبه ..!
ـ رفض السلطات الأمريكية في العراق لطلب تقدم به مانغريد نواك ، المحقق في قضايا التعذيب في الأمم المتحدة الأسيوع الماضي ، لزيارة السجون الأمريكية في العراق ، والسجون ومنشآت الحجز العراقية ، للتأكد من موضوع قيام الميليشيات بإدارة مراكز التعذيب في السجون العراقية وبعلم الحكومة العراقية ..
عاد الرجل أدراجه .. وصرح بذلك في جنيف !
نواك هو بروفيسور نمساوي في القانون .. وأستاذاً جامعياً حتى عام 2004 ، حيث إلتحق بوظيفته في الأمم المتحدة .

أما المحاكم وقرارتها ، فليست بحاجة الى الكثير من القول :
ـ تبرئة وفيق السامرائي من جريمة الأنفال .. وكان حين وقوعها يشغل منصب مدير الإستخبارات العسكرية تحت حكم صدام حسين ! والذي يشغل حالياً المستشار العسكري لرئيس الجمهورية جلال الطالباني ..! وقد تسربت بعض الأنباء عن أن قرار المحكمة بالبراءة ، جاء بناء على تدخل شخصي من مسعود البرزاني لدى منير حداد رئيس المحكمة ..!

ـ إدانة سلطان هاشم وزير الدفاع في العهد الماضي بجريمة الأنفال وصدور الحكم بإعدامه
وهو لم يكن عند وقوعها يشغل منصب وزير الدفاع ، ولم تثبت مشاركته فيها وبأي شكل ..!
إيران هي من يطالب برأس سلطان هاشم .. وليس الأكراد المتضررين من حملة الأنفال .. وهذا هو سبب الصدام بين رئاستي الوزارة والجمهورية ..!

ـ ضرب رئيس الوزراء عرض الحائط للدستور العراقي الذي ينص على مصادقة الرئاسة على أحكام الإعدام بحق بعض أركان النظام السابق بما فيهم صدام حسين ، وتوقيعه للقرار ، وتسليم الأمريكان للحكومة العراقية المدانين الذين تم تنفيذ الأحكام بحقهم ..

ـ رفض الرئاسة العراقية تصديق الحكم على المدانين بقضية الأنفال .. وإمتناع الأمريكان من تسليم المدانين بسبب عدم المصادقة .
على العكس تماماً عما حدث في الأحكام السابقة .. والدستور هو نفس الدستور ..!!

ـ تبرئة ساحة حاكم الزاملي ، وكيل وزارة الصحة ، وكذلك مسؤول الأمن في الوزارة من التهم الموجهة اليهم والمتضمنة قتل وخطف وتعذيب أشخاص ، وإختلاسات مالية تصل الى 50 مليون دولار ! وذلك لعدم كفاية الأدلة .. وكيف تتوفر الأدلة ، وقد هدد الشهود بالقتل إن هم أدلوا بشهاداتهم أمام المحكمة ..؟

ـ القضاء العراقي يعلن لنا عن ملاحقة قانونية بحق حازم الشعلان ، وزير الدفاع في حكومة أياد علاوي لإختلاسه مبالغ تجاوزت المليار دولار .. ويضللون الرأي العام بالقول أنهم على إتصال بالشرطة الدولية ( الأنتربول ) لجلبه للمحاكمة ..! وهم يعلمون أين حازم الشعلان .. ومن هم شركاء حازم الشعلان ..! .
إنه يقيم في بريطانيا والتي يحمل جنسيتها ، أيها السادة ، ولايحتاج الأمر الى كبير عناء وشرطة دولية .... وإذا أردتم عنوانه فعلى الرحب والسعة ...!
نفس الأمر ينطبق على عقيل الصفار وكيل وزارة الأمن الوطني سابقاً ، وإختلاساته ومكان وجوده حاليا .. فعلى مَن يضحك القضاء العراقي ( النزيه ) ..!! ؟؟

هذا غيض من فيض .. ولست بصدد مناقشته تفصيلاً ، بقدر رغبتي في الإشارة اليه فقط ، كجانب من جوانب الممارسات في ظل حكومات الإحتلال . وقد أعود اليه بموضوع مستقل أكثر تفصيلاً .

إذن .. ماهو الفرق بين عهد ( الديكتاتورية والدكتاتور ) .. وعهد ( الديمقراطية ودولة القانون ) ..؟
سؤال .. مجرد سؤال ، لايحتاج الى عناء كبير للإجابة عليه .. أمام الحقائق والأحداث اليومية ..!


غالباً ، ومن خلال إهتماماتي وعملي ، أتابع ماينشر على الصحافة الأجنبية في الغرب ، أو مايتم بثه إذاعياً أو تلفزيونياً .. فيما يخص العراق .. وأعتقد أن الكثير من القراء الأفاضل ، يطلعون مثلي على هذه الأنشطة الإعلامية .. ولكنني هنا ، أود أن أنقل ـ وخصوصاً للعراقيين في الداخل ـ خلاصة لبرنامج وصلني تسجيل له من قبل أحد الأصدقاء ، بثته القناة الرابعة المستقلة للتلفزيون البريطاني بتأريخ 22 شباط / فبراير الماضي ، يتضمن تحليلاً للأحداث التي سبقت الهجوم على العراق قبل خمس سنوات ، وما تضمن ذلك من إتصالات ولقاءات سياسية .. وقد أذيع البرنامج تحت عنوان (لانهاية على المدى المنظور ) ! .
لقد قام معدي البرنامج ، وعلى مدى ساعة ونصف ، بالإتصال بشخصيات سياسية وعسكرية أمريكية وكذلك محللين سياسيين وصحفيين .

جيرالد بيرك ، عمل مستشاراً أمريكياً لوزارة الداخلية العراقية بعد الإحتلال .. يقول معترفاً ، أن إدارة بوش كانت على يقين من أنه لاعلاقة ومن أي نوع بين صدام حسين وتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن .. وأنه لاوجود لأي أسلحة للدمار الشامل لدى العراق . ويمضي بالقول ، أنه قد ثبت لاحقاً صحة هذه الحقائق للعالم ، والرأي العام الأمريكي ، والتي كانت قد أُخفيت ، وضلّل في حينها ساسة أمريكيين وقادة جيش بخصوصها .. حتى لقد وصل الأمر ، بأن يقول العراقيين ، بعد خمس سنوات من الفوضى التي خلقها الأمريكان ورجالهم في العراق ، لعله كان محظوظاً من مات قياساً الى مَن بقي يعاني ..!!

لقد أيد وجهة النظر هذه ، مارك كارلاسكو ، المحلل في إستخبارات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ، مابين عامي 1997 و 2005 .. والذي عمل بالتنسيق مع عملاء المخابرات الأمريكية في العراق ، خصوصاً في المنطقة الكردية في شمال العراق ، وذلك قبل سقوط صدام !
وأضاف ، أن الخطة التي كانت معلنة من قبل الإدارة الأمريكية الى المسؤولين العسكريين تتلخص بدخول القوات الأمريكية الى العراق بحدود آذار / مارس أو نيسان / أبريل 2003 .. وأنها ستبقى هناك حتى آب / أغسطس من نفس السنة ، أي بحدود اربعة الى خمسة اشهر ، تنسحب بعدها بعد أن يتم تنصيب أحمد الجلبي رئيساً للعراق خلالها .. أي أشبه ماتكون بإنقلاب عسكري تنفذه القوات الأمريكية !

الخطة هذه تمت تهيئتها من قبل الثلاثي : بول ولفيتز ، وكيل وزارة الخارجية ، وأحد كبار صناع القرار السياسي الأمريكي ، ودونالد رامسفيلد ، وزير الدفاع ، وجورج تينت ، الذي اصبح مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية ..
أما ديك جيني ، نائب الرئيس الأمريكي ، فكان هو من تبنى الخطة بتفاصيلها المعلنة وغير المعلنة ، وقام بحث الرئيس الأمريكي على المضي قدماً في تنفيذها ..!

أما كولن باول ، وزير الخارجية .. وريتشارد آركن ، نائب رئيس الأركان .. وبصفتهما من العسكريين المحترفين ، وبرتبة جنرال ، فقد كانا غير متحمسَين للخطة ، من الناحية العسكرية على الأقل ..! ولكن يبدو أن صوتهما قد ضاع وسط ضجيج من كانوا يحيطون بالرئيس ودفعه للموافقة ،
عرض البرنامج هنا صورة ألتقطت في تلك الفترة ، تجمع بين ، أحمد الجلبي ، جلال الطالباني ، موفق الربيعي ، وجورج بوش ، في البيت الأبيض ..!!

يؤيد رأي مارك كارلاسكو ، كل من ، باري بيرسون ، احد الصحفيين الذي كان على إهتمام خاص بكل مجريات غزو العراق ، و لورنس ويلكنسون ، المستشار في وزارة الخارجية الأمريكية ..!

لو نعود الى الوراء قليلاً ، وبالتحديد عام 1992 ، نرى أن إدارة الرئيس جورج بوش ( الأب ) كانت قد إعتمدت أحمد الجلبي ، للقيام بدور مستقبلي رئيسي في العراق ..!

ولو عدنا قليلاً الى الوراء ، الى عام 1991 ، وهو عام الإنسحاب العراقي الكارثي من الكويت .. نسمع هنا الجنرال شوارتسكوف ، قائد قوات التحالف ضد العراق لإخراجه من الكويت ، يقول : أنه وبعد مباحثات خيمة ( صفوان ) ، المتعلقة بإستسلام القوات العراقية ، تم إعلامه شخصياً ومن قبل الرئيس بوش الأب ، عندما إندلعت ( الإنتفاضة الشعبانية ) في جنوب العراق .. أن عليه أن يوصل للجانب العراقي ، وبالذات لصدام حسين ، أن أميركا لاتمانع في قيام صدام بضرب إنتفاضة الشيعة بل ستقدم الخدمات والحماية للجيش والطيران العراقي .. وهذا ماتم فعلاً ..! فقد أُبلغ وقتها موفق الربيعي بذلك ، وتم ايضاً إبلاغ قيادات حزب الدعوة والمجلس الإسلامي والمعارضة ، ومن قِبل الأمريكان بما نصه ، أن قيام إنتفاضة ضد صدام آنذاك أمر غير مقبول ، ويتعارض والخطط الأمريكية الآنية والمستقبلية ...!
وقال الجميع وهم من الشيعة ... نعم لذبح الشيعة ...!!

ونرجع مرة أخرى الى الوراء ، وهذه المرة الى عام 1983 ، حين قدم دونالد رامسفيلد الى بغداد وقابل صدام حسين ـ ويعرض البرنامج صوراً للمقابلة ـ وتم عقد صفقة بيع مواد كيمياوية الى العراق من قبل أميركا !! ولو صحّت عملية إستخدام السلاح الكيمياوي من قبل صدام ضد المدنيين الأبرياء في حلبجة والجنوب .. فإن مصدر تلك الكيمياويات المدمرة هو الولايات المتحدة نفسها ، حليفة الأكراد والمعارضة العراقية ..!

هذه كانت أبعاد المؤامرة الصهيونية ـ الأمريكية ، والتي تبناها قادة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية في عهدي جورج بوش الأب وإبنه ..!

اما على الصعيد العسكري الأمريكي ، قيادةً وأفراداً ، فقد عمل التثقيف السياسي وعلى مدى شهرين سبقت الغزو في مارس 2003 ، أن الهدف من العملية العسكرية هو إزالة الحكم الدكتاتوري من العراق ، ونشر الديمقراطية ، وأن العراقيين سوف يستقبلون ( المحررين ) الأمريكان بالزهور ..!
كما أن المهمة سوف تأخذ بضعة اشهر فقط .. هذا كلام محللين سياسيين وقادة عسكريين أمريكان .. يعتقدون أن ماأشيع عن الخطة وتولي احمد الجلبي للحكم ، لم يكن سوى عملية تضليل ليس فقط للرأي العام الأمريكي ، بل للمعارضة العراقية نفسها ، والتي وضعت ثقتها الكاملة والمطلقة بالأمريكان ولسنوات عديدة .. إضافة الى أن أميركا كانت مصدر تمويل قادة المعارضة بملايين الدولارات لغرض صرفها على خطة تغيير النظام العراقي ..!

قبل الهجوم بحوالي شهر ، وبالذات في يوم 25/2/2003 ، أعلن الجنرال الأمريكي إريك شينسيكي ، رئيس أركان الجيش الأمريكي ، وأمام لجنة خاصة في الكونغرس الأمريكي ، أنه ومن وجهة نظر عسكرية صرفة ، وفيما لو أردنا فعلاً ، الى دخول العراق وإحداث التغيير المطلوب ، فإننا نحتاج الى بضع مئات الآلاف من الجنود ، وليس الى 100 ألف فقط كما قرر ولفيتز ورامسفيلد .. لأن ذلك سوف لن يؤدي الى تحقيق الخطة بالوقت الذي تتحدث عنه الإدارة الأمريكية السياسية .. وأن الوضع يمكن أن يتدهور وبالإتجاه المعاكس .. وقد يأخذ ذلك سنوات طويلة ..!
كان الرجل يتحدث كمحترف عسكري .. كمن يتنبأ بما حدث فعلاً في العراق ..!
لم يلتفت أحد من الإدارة الأمريكية الى ماقاله .. وكأن الخطة المعلنة للجيش هي غير الخطة المتفق عليها سياسياً ..!
لقد كان القائد الأمريكي ، يتحدث على ضوء ماوصله من معلومات الخطة .. ويجهل ماتم إخفاؤه عنه من خطط سياسية .!

حصل الغزو .. وبالعدد الذي قرره رامسفيلد وجماعته .. وتولى جي كاردنر منصب الحاكم المدني في العراق .. لكنه لم يبقَ في منصبه إلا لفترة قليلة .. وعن ذلك يقول كاردنر نفسه ، أنه إختلف مع الإدارة الأمريكية بخصوص حل الجيش العراقي ، وأن ذلك سوف ينعكس على أمن العراق الداخلي وسوف يؤدي الى الفوضى .. وفعلاً ذاك ماحدث ، لأنه يبدو أن الإدارة الصهيونية ـ الأمريكية ، كانت تعلم ماذا تفعل . لذلك تم إعفاء كاردنر من منصبه .. وأتى محله بول بريمر ..!

من الأمورالتي نقلت عن كاردنر .. قوله ، أن قوات التحالف خلال الحرب العالمية الثانية ، ظلت تخطط لمدة عامين عما يجب عمله بعد إحتلال المانيا ، بحيث لاتخلق ردود فعل كارثية وفوضى داخل المانيا .. بينما في خطة إحتلال العراق ، فإن تخطيط قوات التحالف لنفس الغرض لم يأخذ سوى شهرين سبقت الغزو ..!

ويقول كاردنر : حين عمّت الفوضى بغداد بعد السقوط ، وبدأت أعمال النهب والتدمير ، إتصل بي ضابط من الجيش العراقي برتبة عالية وأخبرني أنه قد تم لكم إحتلال العراق ، ولكن أعمال الفوضى هذه ستؤدي الى مزيد من الفوضى والقتل والإرهاب والعنف ، إذا لم تتوقف الآن ، وإذا ماكنتم فعلاً راغبين في وقف كل ذلك وإصلاح الوضع الأمني والسياسي في بغداد .. فأنا أطلب منكم مهلة أسبوع واحد لكي أجلب 10000 جندي من الجيش العراقي ليعمل معكم في السيطرة على الأمن ، وأنا كفيل بتحقيق ذلك .. يضيف كاردنر ، أنه على الفور ، إتصل بالإدارة الأمريكية في واشنطن بخصوص ذلك .. لكن الجواب كان بالرفض .. وازدادت الفوضى .. واستدعيتُ الى واشنطن .. وتم عزلي من منصبي وتعيين بول بريمر محلي ..!

دخل الجيش الأمريكي الى بغداد في 9/4/2003 .. وبدأت مع دخوله ، أعمال النهب والسرقات والهجوم على الوزارات والمؤسسات العراقية ، عدا وزارة النفط التي وضعت تحت حراسة مشددة منذ اللحظات الأولى .. وقام الغوغاء بنهب وحرق هذه المؤسسات العراقية مثل المتحف والمكتبة الوطنية ودار الكتب .. وقد تم نقل مايحدث من قبل القيادة الأمريكية في العراق الى رامسفيلد بصفته وزير الدفاع .. وطلبوا منه الموافقة على إعلان قانون طوارئ ومنع تجول في بغداد لغرض السيطرة على الوضع ..
ماذا كان جواب رامسفيلد ..؟
عدم التدخل .. ورفض إعلان قانون طوارئ ..!

ينقل البرنامج ، عن شهود عيان ، أنهم إتصلوا بالقيادة الأمريكية في فندق فلسطين في بغداد .. وأخبرهم الأمريكان ، أن الجيش الأمريكي سوف يتدخل وخلال ساعات لوقف الفوضى العارمة .. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث ..!

ومضت الخطة المعتمدة على نظرية الفوضى الخلاقة .. والصدمة والترويع .. في التنفيذ .. ولاتزال بعد مرور خمس سنوات عجاف ...!!!

lalhamdani@yahoo.com

للإطلاع على بعض مقالات الكاتب ، يرجى الدخول الى :

http://alialhamdani.blogspot.com

مع ملاحظة أن الموقع لايزال تحت التحديث وستكتمل بقية المقالات عليه قريباً .












No comments: