علي الحمـــداني
من ينظر الى خارطة العراق اليوم ، عفواً ( العراق الجديد ) ..! ، ثم يقارن مايحدث على هذه الأرض الطيبة نتيجة حكمة أو ( حكيمية ) الحاكمين في بغداد ، من اللصوص العملاء أو العملاء اللصوص .. وأرجو ألا يظن القارئ الكريم ، أن المعنى واحد .. فهناك لصوص قبل أن يكونوا عملاء مثل أحمد الجلبي ومن على شاكلته ، والذين أتوا الى بغداد عملاء ومتخمين ويسألون هل من مزيد ! وهناك طبقة الجياع الذين أتوا كعملاء ثم بدأوا اللصوصية ، ومثلهم كثير وفي تزايد مستمر والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه .. حتى أن أحدهم وهو وزير مالية العراق باقر صولاغي بدأ يطالب علناً بإلغاء مايسمى ( هيئة النزاهة ) ! وستلغى .. فوجودها من عدمه لايعني شيئ ..
الأخبار تصلنا أن معدل سرقة النفط العراقي مثلاً ، عن طريق التهريب في البصرة يبلغ 10 مليون دولار يومياً لحساب أشخاص في الحكومة ، تشاركهم جماعات من الميليشيات والأحزاب ، وبالتعاون مع عوائل بصرية معروفة وخبيرة بعمليات تهريب النفط منذ أن كانت تعمل بإمرة عدي صدام ، وقد تحولت ـ سبحان الله ـ في الوقت الحاضر 180 درجة ...!
هذه الجماعات تملك المراكب الصغيرة للتحميل ، ونقل الحمولة في عرض البحر الى مراكب إيرانية وإماراتية .
هذا في البحر ، أما عبر الحدود ، فيهرب يومياً بحدود 300 ألف برميل نفط الى إيران .. وهذه المعلومات تضمنها تقرير خبير نفط أميركي إسمه ( جيري كايسر ) !
المنافسة ، والصدامات المسلحة ، على الغنائم النفطية في البصرة ، مستمرة بين ميليشيات المهدي وحزب الفضيلة الذي يشرف على حماية قوات المنشآت النفطية ، في حين يقع ميناء أم قصر تحت سيطرة ميليشيات المهدي ..!
أما الشرطة فإنها تتعاون مع ( مافيات ) التهريب .. ولكل شيئ ثمن !
أما على شط العرب نفسه ، فقد تم إنشاء مراسي صغيرة لأغراض التهريب ، تخضع الى هذه الميليشيا أو تلك ، والى هذا الشخص أو ذاك ..!
منها : مرسى محولة الزهير ، مرسى نهيجران ، مرسى الغانم ، مرسى بابل ، مرسى الرميلة ، مرسى الشرعة ، مرسى التحدي ، مرسى جزيرة حجام ..!
إضافة الى مناطق : الحفر ، والصناعية ، والزهد ، القريبة من شط العرب في مدينة البصرة !
هذه إحدى معارك ( دون كيشوت ) في الجنوب .. التي تستمر منذ قرابة الخمس سنوات ..! وبين حين وآخر تشتعل معارك أخرى بين المليشيات ( الأهلية ) والميليشيات الحكومية ( الحكيمية ) التي تمثلها قوات الجيش والشرطة ( البواسل ) ! كما يحدث في البصرة نفسها ، والديوانية ، والناصرية ، وكربلاء ، والعمارة ، والكوت .. تارة مع جيش المهدي ، وتارة مع جند السماء ، وأخرى مع المهداويين واليماني ، والتكفيريين ، والصحوات و .. و .. والى آخر القائمة !!!
دون كيشوت هذا ، هو أسطورة إسبانية ، تحكي عن شخص يحمل هذا الإسم يحب ويدافع عن إحدى النبيلات التي تدعى ( دي لوسينا دي توبيسو ) ، فيحمل سيفه الخشبي ، ويبدأ بمقاتلة طواحين الهواء والقصة رمزية للتعبير عن الجُبْن والتخاذل المغلّف بالشجاعة والإقدام ..!
الحال ، نفس الحال .. والمعركة ، نفس المعركة .. في كل زاوية من زوايا كل منشأة عراقية .. وفي كل بقعة من هذه الأرض المبتلاة ، وفي جيب كل مسؤول يحمل على رأسه عمامة ، أو يزين صدره برباط حريري من إنتاج باريسي ..!
أما في شمال العراق .. وحيث تقوم ( حكومة الإقليم ) ، فللسرقة واللصوصية ، أساليب وطرق أخرى من أبرزها الشكل الرسمي المتمثل بتوقيع عقود بيع النفط العراقي ، وكأنه إحدى إقطاعيات آل برزان وأيضاً ، هناك معارك ( دون كيشوتية ) ! لعل آخرها ، وحديث الساعة ، هو العلم العراقي الجديد (المؤقت) ومناقشة البرلمان الكردي اليوم 24 /1 لموضوع رفعه على المباني الحكومية هناك .. (صورة برلمان كردستان أسفل هذا المقال ) !!
وأكاد أجزم ، أن رفع العلم الجديد فيما لوتم ، فسيكون هو الآخر مؤقت .. وبسبب إنعقاد مؤتمر البرلمانيين العرب في مدينة أربيل في شهر آذار / مارس القادم .! وبعد ذلك سنرى !
حدثني ، أحد المعارف ، قبل أيام ، عن قصة واقعية حدثت قبل أكثر من ستين عاماً في بغداد .. وقال لي أنه حضر وقائعها ، بسبب أنه كان آنذاك في شبابه يعمل موظفاً بسيطاً في أمانة العاصمة .
لنسمي القصة : ( المعركة بين البغل والحمار وبينهما السائس ..! )
القصة تعود الى عام 1946 . يقول صاحبي :
(( لقد تعاركت الحيوانات في إسطبل أمانة العاصمة في بغداد ، فأصيب سائسها بضربة في بطنه ، حُمل على أثرها الى المستشفى . وقد تم تسجيل القصة في تقرير رفعه الطبيب البيطري الى أمين العاصمة ، وكان أمين العاصمة آنذاك هو الدكنور فائق شاكر .. كان ألمعياً ، فعلّق على التقرير تعليقاً مرحاً يفيض بالنكتة البارعة .
التقرير وجده أمين العاصمة على مكتبه في اليوم الأول لدوامه في منصبه الجديد ..
يقول التقرير :
سيادة أمين العاصمة المحترم
الموضوع : التقرير اليومي للحيوانات التابعة لأمانة العاصمة والتي تستخدم في نقل الأزبال والأوساخ وجر العربات .
مساء البارحة ، وبعد غروب الشمس بقليل ، قام البغل الأسود رقم 73 بممازحة رفيقه الحمار الأبيض رقم 201 ، المربوط الى جانبه بالأسطبل الواقع بالنزيزة مال الشيخ عمر (منطقة في بغداد ) وقد أدى هذا الشقا ( الشقا تعبير بغدادي عن المزاح ) على غير عادتهم كل يوم الى العراك أمام زملائهم وأسفر ـ مع الأسف الشديد ـ على فشخ الحمار بكوكة رأسه ( كوكة تعبير بغدادي يعني الجمجمة ، وفشخ يعني جرح بالرأس ) نتيجة ضربة زوج رداف قوية ومعاندة من البغل (ضربة زوج يعني ضربة بالحافر ، ورداف يعني الضرب بالحافرين معاً ) ، مما دفع زميله الحمار أن يخرج عن جادة الصواب ، ويملّخ البغل بعضة قوية شلعت ( قلعت ) وصلة ( قطعة ) من كتفه الأيمن وعند قيام النوبجي السايس رقم 11 ، جبار الأعور بالمفازعة ( الحجز بينهما ) ، أمام أنظار بقية الحيوانات ، أتته ضربة تياه ( تائهة ) غير مقصودة في بطنه ، وانطرح على الفشقي ( روث الحيوانات ) يتلوى من شدة الألم ، وقد أُدخل المصابون المستشفى البيطري بموجب ورقة الفحص الطبي رقم 93 في 25/9/1946 . أما السايس فقد قام بعدها سلامات ..
للتفضل بالإطلاع والأمر بما يلزم وإعلامنا
والأمر منوط بسعادتكم
توقيع
الطبيب البيطري ))
علّق الدكتور فائق شاكر ، أمين العاصمة ، على التقرير بما يلي :
(( 1ـ الحمد لله على سلامة السايس جبار الأعور .
2ـ يغرّم البغل والزمال بقطع العليج ( العلف ) عنهم لمدة ثلاثة أيام حتى يتأدبوا من الآن فصاعداً ويكونوا عبرةً لغيرهم من الحيوانات ، وليفهم كل من تسول له نفسه الخربطة أن الحكومة ساهرة وفاكّة ( فاتحة ) عيونها على الزغيرة والجبيرة ( الصغيرة والكبيرة ) ولا يتصوروا الدنيا عفترة كلمن بكيفه ( فوضى وكل حسب مزاجه )..!
3ـ يمنع الشقا ( المزاح ) بين الحيوانات بالشغل ( أوقات العمل ) وأثناء الراحة منعاً باتاً ، بأمري ، وتعلق قطعة ( لوحة ) بذلك في الإسطبل للإطلاع عليها ..!
4 ـ يُربَط الطبيب البيطري بين البغل والزمال وحتى إشعار آخر ، حتى يتأكد الطبيب ـ وهو الأب المسؤول عن أبنائه ـ أن البغل والحمار قد صفت قلوبهم وما بقيت بينهم عداوة تؤدي الى الكتل والمكتول ( القتل والمقتول ) ..!
5 ـ على مدير الإدارة بأمانة العاصمة أن يكتب الى معالي وزير الداخلية ليفاتح الجهات المسؤولة لنقلي فوراً الى أي وظيفة ماعدا أمانة العاصمة ، لأن ماعندي خلك ( صبر ) للزمايل والبغال ..!
أحنا ويا الأوادم هله هله .. عاد ويه الحواوين ( الحيوانات ) !!!
التوقيع
د. فائق شاكر
أمين العاصمة
26/9/1946 ))
إنتهت قصة البغال والحمير وسائسهما ، أم هل نقول ساستهما …؟؟
حقاً ، إن شر البلية مايضحك ..!
lalhamdani@yahoo.com
صورة برلمان ( كردستان )
هكذا ترفع الدول أعلامها على أبنيتها الرسمية !
وإلا فلا ...!
فأين ياترى سيوضع علم العراق (الفيدرالي ) الجديد ..؟؟
No comments:
Post a Comment