6 علي الحمـــداني
العصر الذهبي لصدام .. القوة والحرب .. 1970 ـ 1980
نبدأ من عام 1973 ، عام الحرب مع إسرائيل .. تلك الحرب التي خطط لها من قبل السادات والأسد بدعم من الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية .. والتي كانت تهدف الى إستعادة أراض عربية محتلة منذ عام 1967 وإستعادة المعنويات العربية الهابطة منذ تلك الحرب .. وكذلك محاولة جر الولايات المتحدة لكي تلعب دور وسيط السلام . وكما هو معروف ، أن العراق وتحت حكم صدام غير المباشر بصفته أنذاك نائبا للرئيس البكر فإن خيوط اللعب بسياسة العراق ومراكز القوة كانت في يديه .
لم يُشعر العراق بتلك الحرب أو ساعة بدءها او مخططاتها ، وعزي ذلك ( دبلوماسيا ) الى أن العراق ليس له حدود مشتركة مع إسرائيل ، ولم يخسر أية أراض خلال حرب 1967 .. ولكن بواطن الأمور من وجهة نظر محللين غربيين ، وحتى إسرائيليين كالبروفيسورة ( أوفرا بن غيو ) الأستاذة في جامعة تل أبيب ، كانت تريد أن تبقي العراق بعيدا عن هذه الحرب التي ربما كان الأمريكان على علم بها ...!
مع ذلك فقد دفع العراق بقواته العسكرية عبر الحدود السورية .. وبقواته الجوية فوق سيناء .. ولكن الحرب سرعان ماتوقفت على الجبهة المصرية ، وبدأت محادثات الكيلو 101 العسكرية بين مصر واسرائيل بعد أن عبرت اسرائيل القناة من ثغرة الدفرسوار ، ويقال بمعلومات إستخبارية أمريكية ، لكي تبدأ صفحة السلام بين مصر وإسرائيل خصوصا بعد أن إستعادت مصر سيطرتها على أغلب صحراء سيناء .. في حين بقيت الجبهة السورية على حالها .. ولم يتم توسيع رقعة الحرب فيها بالرغم من المشاركة العراقية التي فرضت نفسها ...!
سياسيا ، وبالرغم من المشاكل التي كانت قائمة مع الشيعة ، والأكراد ، والشيوعيين ، فإن صدام تمكن من فرض هيمنته على الموقف في الداخل العراقي .. كانت القوات المسلحة العراقية تحت السيطرة التامة بقيادة صدام ووزير دفاعه عدنان خير الله شقيق زوجته .. كما قامت المخابرات السوفياتية ، وكذلك الألمانية ، بتدريب قوات أن عراقية خاصة عرفت ( بمكتب الأمن القومي ) برئاسة صدام المباشرة .. وقد وزع بعض هؤلاء على السفارات العراقية في الخارج أيضاً وبنفس الإستراتيجية التي كانت يتبعها النظام السوفياتي .. أما الجيش فكانت مهمة توسيعه قد أنيطت بعزت ابراهيم الدوري نائب صدام ، الرجل الذي لايزال متخفيا حتى الآن ومطارد من القوات الأمريكية في العراق .. !! وقد تم تجهيز الجيش العراقي بتسليح متقدم ..
أما مايتعلق برئيس الجمهورية أحمد حسن البكر فقد تحول منصبه تدريجياً الى منصب تشريفي بروتوكولي لاغير ...!
وعلى صعيد الولايات المتحدة وإسرائيل .. فإن دعمهما للأكراد قد إنخفض أو توقف ، وذلك بعد توقيع معاهدة الجزائر بين شاه إيران محمد رضا بهلوي وصدام حسين .. حيث توقف الدعم الإيراني المباشر للحركة الكردية في شمال العراق وبدأت صفحة جديدة بين العراق وايران الشاه وعائلته حيث قامت زوجة الشاه فرح ديبا بزيارة للعراق زارت خلالها العتبات المقدسة في النجف وكربلاء مما شكل إحباط للمعارضين الشيعة لصدام والذين يجدون دائما في إيران الملاذ والعون ...!
أما الدعم المعنوي السوفياتي لشيوعيي العراق فقد إضمحل ، خصوصا بعد تأييد صدام للغزو السوفياتي لأفغانستان ..
وعلى مستوى الوطن العربي ، فكان السادات مشغولا ومندمجا في مباحثات سلام مع إسرائيل في 1978 و1979 ، في كامب ديفيد وواشنطن وتحت الرعاية الأمريكية ..! في حين كان جيران العراق السعودية والكويت يرون في صدام ( جار جيد ) وحليف ..! وذلك أيضا يدخل في حلقة التطابق مع السياسة الخارجية الأمريكية آنذاك ...! أما الدول العربية الفقيرة مثل السودان والصومال فقد كانت تتمتع بسيل المساعدات العراقية والدعم المالي لها ...! كما كان الفلسطينيون وتحت رئاسة ياسر عرفات أقرب مايكونون الى صدام ونظامه ودعمه لهم ...!
إقتصاديا .. بدأ السوق العراقي يتحول الى مستهلك للصناعة الغربية إبتداءاً من السلاح وإنتهاءاً بالسيارات والمعدات الصناعية والزراعية ، وصولا الى طائرات الهليوكوبتر والمقاتلات الحربية الفرنسية ...!
هكذا كان يبدو المشهد العام في العراق في السبعينات .. ولكن إسرائيل بقيت ترى في صدام خطرا حيث كانت مجموعات فلسطينية متطرفة تعيش في بغداد وتتخذ منها قاعدة ضد إسرائيل كما تتلقى من الحكومة العراقية كل الدعم والتأييد ...! بالرغم من أن اللغة التي كان يتحدث بها صدام آنذاك ضد إسرائيل كانت تميل الى المصطلحات اللغوية المعتدلة نوعا ما ، وتتشابه مع لغة بقية القادة العرب الموصوفين بالإعتدال كالملك حسين والسادات وملوك وأمراء الخليج ...!
لقد كانت إدارة الرئيس كارتر ، التي نجحت في جمع السادات ومناحيم بيغن في إتفاقية سلام ، غير راضية حقيقة عن تصريحات بيغن بخصوص بعض الزعماء العرب الآخرين .. وكان كارتر يحلم بجر صدام نفسه الى محادثات سلام مع إسرائيل .. وبناء علاقات أمريكية ـ عراقية أفضل تنعكس بالفائدة على المصالح الأمريكية سياسياً وإقتصاديا ً ...!
أما على صعيد الداخل السياسي العراقي ، فقد بدأت صفحة جديدة ... تلك الصفحة بدأها الرئيس العراقي أحمد حسن البكر نفسه ، فيما أُعتُبر تحديا لسلطة وهيمنة صدام حسين .. تلك هي دعوته لإتحاد مع سوريا بين جناحي حزب البعث الحاكم في البلدين ..! هذه الدعوة بحد ذاتها تشكل تحديا لإسرائيل قبل صدام ، حيث أن إسرائيل كانت قد أمّنت جناحها الغربي بإتفاقية السلام مع مصر ، وكانت متفرغة سياسيا وعسكريا للجناح الشرقي الذي تشكل سوريا والعراق رأس الحربة فيه ...!
في الأول من اكتوبر 1978 ، قام البكر بمبادرة شخصية ، حيث عرض على سوريا ، إرسال قوات عراقية اليها كدعم عسكري للموقف السوري ، وكخطوة أولى لتحقيق ( إتحاد ) بين البلدين ...!
قام الرئيس حافظ الأسد بزيارة الى بغداد في السادس والعشرين من نفس الشهر لعقد لقاء قمة يجمعه مع الرئيس البكر ونائبه صدام ..
في الإجتماع أُعلن عن إدانة لمبادرة السادات بالسلام مع إسرائيل ، وعن الإعلان عن إتفاق دفاع مشترك . ثم قام الرئيس البكر بالطلب من الرئيس الأسد ، بأن يتم إعلان ( إتحاد عراقي ـ سوري ) يكون فيه هو ، أي البكر ، رئيساً .. والأسد نائبا لرئاسة الإتحاد .. وهذه المبادرة تعني بكلمة أخرى إبقاء صدام في الظل ...!
لاحظ الأسد أن صدام كان قويا جداً وفاعلا .. فطرح على الرئيس البكر أنه لاحاجة الآن لجيش عراقي في سوريا ، وأن يكون تحقيق الوحدة بين البلدين بخطوات تدريجية إيجابية على مختلف الأصعدة وعبر عدد من السنين حتى يُضمن نجاحها ..
حاول البكر مجدداً إقناع الأسد بمبادرته بخصوص الوحدة ، وذلك عندما قام بزيارة الى دمشق في يناير 1979 .. مكررا طلبه في دمج جناحي حزب البعث في البلدين كخطوة أولى ورئيسية ، الأمر الذي وافق عليه الأسد .. وهو الأمر الذي جعل صدام أن يقرر بداخله بإنهاء الموضوع كلياً ...!!
في 12 فبراير 1979 ، عاد الخميني من منفاه في فرنسا الى طهران ، وسقط نظام شاه إيران ، الأمر الذي في الحقيقة ساعد صدام ..! فمن جهة أرسل االبكر برقية تهنئة الى الخميني ، ومن الجهة الثانية رحب الأسد بالنظام الإيراني الجديد الذي إعتبره ظهور حليف جديد للعرب ضد إسرائيل ...!! وبينما كانت العلاقات السورية ـ الإيرانية تنتعش .. كانت العلاقات العراقية ـ الإيرانية تخمد الى درجة البرودة الشديدة ..!!
خلال إسبوع من عودته ، قال الخميني أنه ( يريد النجف )..! ، فأجاب صدام على الفور ( أن الخميني شاه بمظهر جديد )...!
وبدأ صدام يجمع حوله الأفراد من العشائر من منطقة تكريت في عملية إستعراض لسيطرته وقوته أمام البكر ..! بل وأعلن عدم رغبته بالإتحاد مع سوريا في الوقت الحاضر .. مما حدا بالبكر الإتصال بالأسد ليخبره إما أن يقبل الإتحاد الآن ، أو أن ينسى الموضوع كلياً...! وحينما لم يجب الأسد على رسالة البكر .. قام صدام بحل اللجان المشكلة للعمل على تحقيق الإتحاد والتي شكلت بعد لقاء البكر والأسد في دمشق ...! كخطوة إستباقية لتطويق البكر وإجباره على الإستقالة ...!
قام صدام بزيارة للسعودية والأردن .. وفي الأردن أقنع الملك حسين بأن يسعى لدى الأمريكان لإعادة علاقة صدام القديمة بالمخابرات المركزية الأمريكية .. وأعرب له عن عزمه على هدم أية محاولة لقيام وحدة عراقية ـ سورية ، مقابل دعم أمريكي له ، وعدم إيقافه من عزل البكر ..! وكانت تلك رسالة لقيت الترحيب من الملك حسين كما كانت رسالة غير مباشرة الى الإسرائيليين الذين كانوا متخوفين من التقارب العراقي ـ السوري ....!!
كان توقيت طرح صدام دقيقاً .. حيث أن إدارة كارتر الأمريكية قد إعتبرت نظام الخميني نوع من التهديد لمصالح المنطقة ، وكذا كان موقف السعودية والأردن ...! ( هذا كله قبل أن تقع حادثة إقتحام السفارة الأمريكية في طهران وإحتجاز الأمريكيين كرهائن في نوفمبر 1979 ..)
وعند شعور صدام بأن موقفه قد دُعم بالكامل .. وأن أميركا قد إستجابت له .. وأنه أصبح يتمتع بإسناد قوي .. قرر عندها القيام بإنقلاب داخل حزب البعث الحاكم في العراق وذلك لعزل البكر ...!! وفعلا أذاع البكر بياناً من تلفزيون بغداد مساء 16 تموز 1979 ، أعلن فيه ( تقاعده ) وبناءً على ( أسباب شخصية ) فُسّرت للرأي العام العراقي على أنها اسباب صحية .. وخلال السنتين التي تلت ذلك تم تصفية إبن البكر وزوج إبنته في حادثين مفتعلين ومنفصلين ...! ثم توفي البكر نفسه (بأزمة قلبية)..!
ولكن الأهم من ذلك كان تصفية قيادات من الحزب في محاكمة على غرار محاكم الشعب الشيوعية وقد صورت تلفزيونيا بناء على أمر صدام .. حيث جمعت قيادة الحزب في قاعة الخلد قرب القصر الجمهوري في بغداد .. وعلى مرأى من الشعب العراقي .. تم إعتقال أعضاء القيادة الموالين للبكر أو الذين أيدوا خطوته في الوحدة مع سوريا .. وتم إعدامهم بعد ذلك مباشرة بتهمة ( التآمر ) مع النظام السوري ضد العراق ...!!!
قبل ذلك الإجتماع في قاعة الخلد .. والذي ضم 400 من قياديي الحزب .. كان قد ألقي القبض على عبد الحسين مشهدي ، سكرتير مجلس قيادة الثورة ، والعضو البارز في الحزب .. وبعد التعذيب والترغيب ، وافق مشهدي على الشهادة ضد رفاقه أعضاء الحزب الذين أعدت له قائمة بأسمائهم وأدوارهم في ( المؤامرة ..!) .. وفعلا في ذلك الإجتماع في 18 تموز ، قام مشهدي بالإعتراف أمام الجميع بأسماء (المتآمرين) بالتواريخ والتفاصيل .. وبعد إنتهائه من ذلك .. تم سحبه مع البقية الذين ذكر أسماءهم الى خارج القاعة وكانت تلك نهايتهم ...!
إثنان وعشرون قياديا في الحزب والدولة منهم عدنان الحمداني ، ومحمد محجوب ، ومشهدي ، ومحمد عايش رئيس إتحاد النقابات العمالية ، ومحمد دبدب رئيس إتحاد الطلبة ، وعبد الخالق السامرائي الذي كان مسجونا منذ 1973 وغيرهم تم إعدامهم وقد أُمرَ اعضاء متقدمون في القيادة بالمشاركة في إطلاق النار على المحكومين بالإعدام من رفاقهم في الحزب .. ، فيما أودع 40 آخرون في السجن ..! . كان رئيس المحكمة طه ياسين رمضان ...!
على المستوى الداخلي أصبح صدام قائدا من الطراز ( الستاليني ) وبدون منازع .. وعلى الصعيد الخارجي بدأ بتجهيز الجيش وبتسارع بمختلف الأسلحة ومن مصادر عدة منها الإتحاد السوفياتي وكان التسليح من الدول الغربية قد إبتدأ ببطأ بعد إتفاقية الجزائر مع شاه إيران عام 1975 ، وكانت أول صفقة عام 1976 مع فرنسا في عهد الرئيس ( جورج بومبيدو ) حيث باع الى العراق مابين 60 الى 80 طائرة ميراج ( أف 1 ) المقاتلة ، ثم عام 1977 باعت فرنسا للعراق 200 دبابة (أي أم إكس 30) ، ثم صفقة سلاح مع البرازيل عام 1978 ، ومع ايطاليا لشراء قوارب حربية .. كانت هذه الدول الثلاث من المستوردين الرئيسيين للنفط العراقي في السبعينات ..! إضافة الى الإتحاد السوفياتي بالطبع ..!
في تلك الحقبة بدأت رياح الحرب العراقية ـ الإيرانية تهب ... وبنتائجها .. كانت بداية النهاية .. وهذا ماسيكون موضوعنا في الأقسام المتبقية ...
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment