علي الحمــداني
وأخيراً أقر مجلس النواب العراقي ( قانون ) العلم العراقي الجديد .. تلك المشكلة العظيمة التي لاتزال قائمة في العراق ، بعد أن تمت تصفية وحل كافة المشاكل المستعصية الأخرى ، مثل المصالحة الوطنية ، وترسيخ النظام الديمقراطي ، والسيطرة على عصابات القتل والنهب والتدمير ، وعزل كافة اللصوص والسرّاق لثروات البلد من المسؤولين الحكوميين ، وحل مشاكل الكهرباء والماء والخدمات الصحية التي يعاني منها المواطن وتحسين حالته الإقتصادية والإجتماعية والأمنية ، وتأمين حدود العراق من دخول عصابات الإجرام والتخريب ، وتأمين مصادر الثروة النفطية والسيطرة عليها من السرقة والعبث ، وإعادة إعمار البنية التحتية التي خرّبت ودمّرت على مدى مايقارب الخمس سنوات ، والقضاء على مشاكل البطالة والتضخم وتوفير لقمة الخبز للمواطن العراقي ، وإعادة السيادة الوطنية الى أبناء العراق من أيدي المحتل الأجنبي .. فلم يبقى إذن سوى الإلتفات الى شكل العلم العراقي لكي يتوافق والمزاج الكردي .. لكي يصبح العراق دولة كاملة السيادة ، ديمقراطية المنهج ، حرة ومستقلة ..!
يذكرني كل ذلك بعام 2003 ، عندما تربع ( بول بريمر ) على عرش العراق ، وقد جلب معه الإمعات ليديروا الحكم في العراق ظاهرياً أمام الناس ، وكأن العراق يحكمه أبناؤه .. فقام بتلك المسرحية الهزلية الهزيلة ، بإستحداث ( مجلس الحكم ) ..!
وعلى طريقة الحروف الأبجدية التي تتبع في الإمتحانات الشفوية في المدارس الإبتدائية ، قام بريمر بتسليم ( رئاسة الحكومة ) وبشكل شهري ، أي ( بدورة شهرية ) ، لكل واحد من أولئك ، وبحسب إسمه الأول مبتدأً بحرف الألف .. وهكذا ..!
ولعل الرجل ، كان يضحك ، في مجالسه الخاصة على مافعل ، وما قَبِلَ به أعضاء مجلس الحكم من مهزلة لم يسبق مثلها في التاريخ السياسي للدول .. وكان الأعضاء ( الأفاضل ) وعندما يأتي دورهم لرئاسة العراق لمدة شهر ، ينتشون كالطاووس أمام عدسات الصحافة ، وهم يطلقون التصريحات والوعود والإنجازات ، وأنهم يفعلون مالم يفعله سلفهم الشهري ، وربما خلفهم للشهر اللاحق .. كالأطفال او ( الزعاطيط ) كما نقول باللهجة البغدادية ، وهم يتنافسون أمام المعلم في الصف الدراسي ...!!
الآن .. صوّت المجلس على شكل العلم الجديد ( بشكل مؤقت ) ، ولمدة عام واحد ، وأعلن رئيس المجلس المشهداني ، أن العلم الجديد سيرفع إعتباراً من يوم الثلاثاء القادم .!
التصويت تم بحضور من حضر من نواب ( الشعب ) ..! ولكن من لم يصوت مع التغيير لم يصوت ضده ، لسبب بسيط وجبان .. لقد غابوا عن إجتماع المجلس ، لكي يمرر القانون .. فمرحى لنواب التوافق والإسلاميين ودعاة الوطنية ..!
هناك من يقول ، أن ذلك قد تم لحل المشكلة وترضية الأحزاب الكردية !
ربما هذا صحيح بعض الشيئ ..
ولكن الأقرب للتصديق ، أنه قد تم بالضحك على عقلية تلك الأحزاب الكردية ، مادامت بهذا المستوى الفكري ، تماماً كما تعطي الطفل المشاكس اللعبة التي يريدها لتكسب سكوته وعدم إزعاجه للآخرين ، ولو لفترة محدودة ، وهنا وفي هذه الحالة ستكون الفترة لمدة سنة .. حيث سيمرر الأمريكان وحلفائهم مايقدرون عليه من مشاريع عراقية وإقليمية ، وبدون مزعجات ..!
الموضوع حتماً قد تم بنصيحة وموافقة من قبل كروكر ، السفير الأمريكي في العراق .. ومثل كروكر ، ورايس ، وبتريوس ، وغيتس ، ماكان ليخفى عليهم أفق عقلية مسعود البرزاني ، ولا طريقة تفكيره أو طبيعة عناده الموروثة ...!
أما من يصوّت ، أو من يغيب ، فهذا خاضع للشأن الأمريكي ، الذي أتى بهم .. وقل ولاتستثني منهم أحداً ، فهذه الكعكة من ذاك العجين ...!
لقد إستضافت ، إحدى قنوات التلفزة الفضائية ، نائب رئيس برلمان كردستان العراق ، عدنان المفتي لتناقش معه هذا الموضوع ( الإستراتيجي ) المهم !
من النقاط التي أصرّ عليها المفتي ، أن النجوم الثلاثة في العلم الحالي ، هي رمز لشعار حزب البعث وهي : الوحدة ، الحرية ، والإشتراكية . ومثل ذلك لايجوز رفعه في سماء ( كردستان ) ..
ثمة نقطة تاريخية مهمة ، نسيها المفتي ، أو قد لايعرفها ، وهي أن الوان العلم والنجوم ، تم إختيارها في منتصف الستينات ، في وقت لم يكن حزب البعث يحكم العراق ، وكانت بالإتفاق بين العراق ومصر وسوريا إبان بحث مشروع وحدوي بينهم في زمن عبد السلام عارف .. ولا علاقة للثالوث البعثي بالنجوم .. حيث في سوريا يحكم البعث أيضاً ، ولكن تتوسط العلم السوري نجمتان فقط .. وعلى أي حال ، إذا قال المفتي فصدقوه ..!!!
أعتقد ، أن الخطوة الأخرى التي سيطالب بها قادة الأحزاب الأكراد ، ربما بعد سنة ، هي تغيير ألوان العلم الرئيسية وهي الأسود والأحمر والأبيض ..! لأنها رموز للحضارات العربية التي يكرهونها ويحقدون عليها ! وتكاد معظم أعلام الدول العربية تشترك في هذه الألوان .. ـ وأرجو من القراء أن يتذكروا ماأقوله الآن ، وذلك عندما يحين الوقت ـ .. وإلا لماذا نص القانون على أن تكون مدة العلم الحالي سنة واحدة ..؟؟
ثم أثار المفتي ، نقطة أخرى ، حين سأله مقدم البرنامج ، عما إذا كان الأكراد سيرفعون العلم الجديد الى جانب علمهم في المنطقة الكردية .. أجاب بالتأكيد ، وبرر ذلك ( بالنظام الفيدرالي ) ..!
(في النظم الفيدرالية ترفع كل ولاية أو إقليم علمين ..! )
الحقيقة التي يراوغ فيها المفتي ويكذب بخصوصها أمام العدسات ، أن أعلام الولايات والأقاليم ترفع فقط في داخل البرلمانات الإتحادية ، وفي المناسبات الوطنية ، ووراء حكام الولايات في اللقاءات الرسمية .. أما على المباني الرسمية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، فلا يرفع إلا علم الدولة الإتحادية ..
أنصح هذا العبقري ، بملاحظة ذلك في الولايات المتحدة ، والمانيا ، وسويسرا ، وحتى في المملكة المتحدة حيث توجد أعلام ويلز ، واسكتلندة ، وإنكلترة ، ولكن يبقى العلم الرسمي البريطاني المسمى
Union Jack
العلم الوحيد المرفوع في المقاطعات الثلاث وبشكل رسمي ..!
هل المفتي يستغفل المستمعين .. ؟ هل هو غبي أم يتغابى ..؟ أو كما يقول إخواننا المصريين في مثلهم الشعبي ( عايز تستكردنا ...!!) ، ولكلمات المثل دلالات لاتخفى ..!
قرر البرلمان العراقي ، الإبقاء على عبارة ( الله أكبر ) تتوسط اللون الأبيض للعلم العراقي بعد رفع النجوم ، وجعل الخط العربي الكوفي يحل محل الخط المكتوبة به العبارة حالياً !
لقد راوغ ، المفتي ، مرة أخرى ، بالتملص من الإجابة على الشعاع الأصفر الذي يتوسط علم مايسمى بكردستان .. وكأنه على إستحياء من أن يقول أنه رمز ( شمس مهاباد ) ..!
حتما أنهم سيطالبون ، بعد سنه ـ والأعمار بيد الله ـ ...!
بإضافة اللون الأصفر الى الوان العلم العراقي ، أو تبديل أحد الوانه بالأصفر ـ وأرجو أن تتذكروا ماأقول ! ـ
لماذا ، قرر البرلمان العراقي الآن تغيير العلم ؟
السبب أن إجتماعاً لرؤساء البرلمانات العربية تقرر عقده في أربيل في العاشر من آذار / مارس القادم .. وأصر البرزاني على عدم رفع علم ( البعث ) ، في ذلك الإجتماع .. فكان لابد من حل سريع وقرار بعلم ( مؤقت ) لمدة عام ، على الطريقة البريمرية .. وإسقاط نجوم شعار البعث ، وحدة ، حرية ، إشتراكية ..!
وأنا أكتب ذلك ، تحضرني نكتة ، أطلقها العراقيون في فترة سابقة ، تقول : سأل أحد الأشخاص كردياً عن شعار حزب البعث ، فقال ، بعد أن تمعن بالشعار ، أنه ( وحده مْرَيّه إشترا كُبّه ...!)
وأرجو أن لانقرأ الأحداث بلحن القول وبظاهر السطح .. فيتحول كل شيئ في العراق الى نكتة تُضحك العالم علينا ..!
لقد قامت من قبل .. عصابات عبد العزيز الحكيم ، وأحمد الجلبي .. وبعد سقوط العراق تحت الإحتلال .. بإسقاط وتحطيم تمثال ( أبو جعفر المنصور ) من على قاعدته في قلب بغداد !!
أُسقط تمثال مؤسس مدينة بغداد ..!
كأنه تمثال آخر لصدام ..!
وكانت الطائفية آنذاك تذكي الأحقاد ..!
وأسقطت النجوم من العلم ..!
والشوفينية هذه المرة تحرك الغباء السياسي ...!
والعالم لايزال يضحك علينا ...!
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment