Tuesday, March 25, 2008

حَصَـــادُ خَمْــــسٍ عِجَـــاف ...! ـ 4 ـ


علي الحمـــداني

الحصـاد الإجتماعي


قد يبدو للوهلة الأولى أن الجانبين السياسي والإقتصادي هما اللذان يلعبان الدور الأساسي في أحداث البلد والمتغيرات التي طرأت عليه جرائهما ، وهو مايلاحظه الباحث أو المحلل السياسي قبل كل شيئ وهذا صحيح الى حد بعيد ، ولكنه لايمثل كل أطراف المعادلة ، ولا كل التداعيات التي عانى ويعاني منها العراق خلال الخمس سنوات الأخيرة !

هناك طرف مهم يرتبط بهذين الجانبين إرتباطاً عضوياً ، وهو الجانب الإجتماعي ..
وعندما يتطلب التغيير في الجانب السياسي الوقت الأقل بمفهوم المتغيرات وخطط السياسة الدولية ، سواء كان التغيير من الداخل أو من الخارج .. فإن عملية الإصلاح الإقتصادي عادة ماتأخذ وقتاً أطول بعد عملية التغيير السياسي لكي تتم عملية الإستقرار والنمو ، وقد تستمر عدة سنوات إستناداً الى طبيعة البلد الذي حصل فيه التغيير السياسي ، كأن يكون غنياً بثرواته الطبيعية ، أو عائداته المالية ، وكذلك يعتمد هذا الجانب كثيراً على الوضع السياسي الجديد بعد التغيير..
الجانب الإجتماعي ، وفي حالة كونه قد تعرض الى إنتكاسات وتدهوركما هو عليه الحال في العراق فإنه سياخذ الوقت الطويل جداً قبل إمكانية معالجته ، وذلك لعمق الآثار السلبية التي تتركها الفوضى السياسية والإقتصادية على نفسيات الناس وطريقة تفكيرهم ومستقبلهم .. وتغير البنية الإجتماعية والأخلاقية للفرد والعائلة وبالتالي تداعيات ذلك على الجيل الجديد ... وهنا تكمن الخطورة ..!

بكلمة أخرى . إن عملية التفكك للنسيج الإجتماعي ، عملية معقدة وصعبة ، وتأخذ ربما عقود من الزمن قبل إعادة ذلك النسيج الى وضعه الطبيعي الذي عرفته العائلة العراقية ومارسته ضمن محيطها من الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء وزملاء وشركاء العمل .. وهكذا !

لذلك ، يمكن أن نعتبر المشكلة الإجتماعية في العراق اليوم ، هي المحصلة الصعبة ، حتى لوعاد الوضع السياسي والإقتصادي الى حالة إستقرار ووضع طبيعي . وستأخذ وقتاً إضافياً بعد ذلك لكي تعود الى ماكانت عليه أو على الأقل الى شبه ماكانت عليه .. لأن معالجتها تتعلق بالذات الإنسانية نفسها وليس بقرارات سياسية أو إقتصادية يمكن إتخاذها وتنفيذها لإصلاح الوضع العام ..!

إن عملية التفكك الإجتماعي ، تعود الى ماوراء السنوات الخمس ، أي سنوات الإحتلال وفوضى السياسة والإقتصاد ، والوضع غير الطبيعي المتأزم والمنحرف .. وربما الى عقود سبقت من الأحداث الساخنة والمعاناة الإقتصادية والإضطراب الإجتماعي وحركات الإنقلابات العسكرية والحروب ، والى آخر القائمة ..!

ولكن ، يبقى ماحدث في السنوات الخمس الأخيرة ، يمثل حالة إنفجارية لأحداث هذه السنوات الصعبة وما حدث ويحدث خلالها من تطاحن عرقي وطائفي وعشائري وجغرافي ، مضافاً اليها الصعوبات الإقتصادية والفوضى في الأمن ، ومضافاً اليها تراكمات الماضي ، فكانت أشبه ماتكون بالبركان الذي يبدأ بغازات وأبخرة ، ثم يتحول الى دخان ونار ، وأخيراً الى حمم ملتهبة تجرف أمامها الأخضر واليابس .

ومع الأسف ، لايزال الدفع الداخلي والخارجي هو بهذا الإتجاه لم يتغير مساره ، وذلك على يد منتفعي الداخل من الساسة ورجال الدين ورؤساء الأحزاب وزعماء الكتل والتنظيمات ، وقادة عصابات الميليشيات ، ومن يدور بفلك كل هؤلاء من المنتفعين من الخط الثاني والثالث والعاشر !
كذلك من منتفعي الخارج من صناع السياسة الدولية وأصحاب القرارات إقليمياً وعالمياً ، ويأتي على رأس هؤلاء الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الصناعية ، ثم إيران !

أميركا بصفتها القوة المحتلة للعراق ، المتكفلة بتنفيذ مخطط ( الصهيونية ـ المحافظين الجدد ـ وملوك البترول من الشركات العالمية ) ومصالح هؤلاء جميعا سياسياً وإقتصادياً .
أما إيران فقد تولّت الدور الرئيسي ولعبته منطلقة من مصالحها الخاصة ومطامعها الإقليمية ونَفَسها الطائفي المذهبي .. فقدمت بمشيئتها أو بدون مشيئتها خدمة متميزة للمخطط الأمريكي ـ الصهيوني ! ( راجع مقالات الكاتب " ميزان الربح الإيراني " في 6/12/2006 و " الزواج العرفي الأمريكي ـ الإيراني " في 7/1/2007 ) .

هذه التداعيات ، سنأخذها بالتفصيل في الحلقة القادمة والأخيرة ، والخاصة بالمحصلة النهائية .. ولكنني أردت أن أشير اليها فقط في هذه المقدمة .. وذلك للدور الذي لعبته كل من إيران وأميركا في التأثير في المجتمع العراقي تحت الإحتلال والحكم الجديد الذي هدفه الأول تنفيذ السياسات الخارجية ومصالحها ، مضاف اليها مصالحه الخاصة ، بهدف الإحتفاظ بالمكاسب التي حققها والبقاء على رأس الهرم السياسي المحلي ، وأقول المحلي ، لأن رأس الهرم الحقيقي تتربع عليه سلطات خارجية وأجنبية ...!

من هذه النتائج والمحصلات ، يمكن أن ننتقل الى الجانب الإجتماعي وحصاده البائس والمخيف على المجتمع العراقي ، والبصمات التي تركها على الفرد العراقي ، والتي ستستمر ربما لسنوات أو عقود قادمة ..!


أين يقف المجتمع العراقي في محنته الإجتماعية ..؟

نعود الى بعض النقاط التي تعرضنا لها في الحلقة الأولى لكي نلقي عليها الضوء .
نقاط تمس صلب الفرد العراقي والعائلة العراقية ، ومشاكلها الحالية والمستقبلية ..!

أولاً : الأمن .

العراقي اليوم ، ومن أي طائفة أو دين أو قومية أو منطقة جغرافية ، يعاني من تبعات إنعدام الأمن ، على الرغم من التصريحات المضللة والكاذبة للمسؤولين الأمريكان أو المسؤولين العراقيين على حد سواء .

لقد نشأ العنف ونشط ليس بسبب الضعف الحكومي أو سوء إدارة قوات الإحتلال ، كما قد يظن البعض . العنف نشأ أصلاً على يد القوات الأمريكية وبدعم وتشجيع منها ، وعلى يد من تولوا مسؤولية الحكم في العراق ، ومن يقف معهم . بل أن تهيئة وتحضير أدوات العنف في العراق قد سبقت دخول الجيش الأمريكي الى العراق ، وكانت من مستلزمات نجاح خطط الإحتلال وبقائه للفترة الطويلة التي خطط لها إبتداءاً . وعلى سبيل المثال :

ـ فيلق بدر ، المؤسس في إيران منذ سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية ، وهو الذراع العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق بقيادة آل الحكيم . تم تدريبه وتسليحه وتمويله بإشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني . ولست هنا في معرض البحث في خلفيات هذه الميليشيا ، أو في مستوى ونوعية قادتها ، أو جرائمهم التي نفّذوها بحق أسرى الحرب العراقيين في الثمانينات .. ولكنني سأشير فقط الى دور هذه القوة المسلحة ، والتي أصبحت معروفة لنا كعراقيين ومن خلال ممارساتها اليومية ، ومنذ الأيام الأولى لعودتها الى العراق من إيران بعد الإحتلال !
لقد تكفلت بالإضافة الى إرتكاب جرائم القتل والإغتيالات ، الى دور أهم ، وهو تسللها الى مؤسسات الجيش والشرطة الجديدين بعد أن تم حل الجيش العراقي الرسمي ! فاكتسبت الطابع الرسمي !

ـ جيش المهدي ، المدعوم من إيران أيضاً ، وبإشراف الحرس الثوري ، والذي لعب دوراً مشابهاً لدور فيلق بدر ، ولكن على الجهة الثانية من رقعة الشطرنج العراقية ..! وقد تم الإنضواء الى صفوفه عناصر خاصة من الجيش السابق من أبناء الجنوب كفدائيي صدام والجيش الشعبي الحزبي ممن تحولوا 180 درجة من البعثية العلمانية الى الطائفية الشيعية الإيرانية .
قام جيش المهدي ، ولايزال ، بأعمال العنف والفوضى الأمنية وبالتسلل الى الأجهزة الأمنية والإدارية خصوصاً في الجنوب ، وبسكوت من قبل الإحتلال وحكوماته ، حتى وصل الى ماهو عليه الآن .

ـ فرق الموت ، التي ذاع صيتها ، خصوصاً في الأيام الأولى من الإحتلال .. وهم مجموعات من المرتزقة القتلة ، تم تمويلهم وتدريبهم أمريكياً قبل الإحتلال في هنغاريا ، وأدخلوا الى العراق بعد الإحتلال وتحت إشراف أحمد الجلبي . وتحول بعضهم الى بعض الميليشيات ، أو العمل بشكل (مستقل) ! كعصابات إجرامية !

ـ مجموعة شركات الحماية الأمريكية من المرتزقة المدربين ، والذين أدخلوا الى العراق تحت ستار حماية المسؤولين والمنشآت الحكومية والأماكن الحساسة والمهمة .

ـ ميليشيات البيشمركة التابعة للحزبين الكرديين ، والتي دربت لسنوات طويلة بإشراف أمريكي ـ إسرائيلي .. وتم تسليحها وتحويلها الى شبه جيش نظامي في شمال العراق ومنذ أوائل التسعينات بعد دخول العراق تحت الحصار وضعف سيطرة الحكومة المركزية الكاملة على المنطقة .
قاموا ولازالوا بأعمال إجرامية وأعمال عنف في المحافظات الشمالية مستهدفين أمن السكان من العرب والتركمان والآشوريين ، لاسيما في الموصل وكركوك وديالى وقرى سهول نينوى . كما لعبوا نفس الدور الإجرامي في مجازر الفلوجة وقرى الأنبار ، كما ولهم دور في العاصمة بغداد ..!

ـ ميليشيات ومجموعات مسلحة أخرى تنضوي تحت تنظيمات ومسميات حزبية عربية وسنية أو إسلامية ، لعبت أيضاً دورها في الإخلال بالأمن في المناطق التي تحت سيطرتها .
ـ مجموعة القاعدة التي عبرت الحدود لاسيما عبر إيران ، قادمة من أفغانستان ، وبتجاهل أمريكي في بداية السنوات الأولى من الإحتلال .. ثم ظهر للعيان الدعم الإيراني الكامل لها وإستغلالها في ضرب مجموعات الصحوة المدعومة من قبل قوات الإحتلال تكتيكياً ! ، وكذلك بضرب هذه المجموعات من قبل فيلق القدس الإيراني مباشرة ، بهدف الإبقاء من قبل إيران على حالة الفوضى الأمنية في العراق ، ونقل المعركة مع الأمريكان الى الساحة العراقية بما يشبه سياسة لوي الذراع ! ( راجع سلسلة مقالات الكاتب المترجمة عن كتاب الحرب على الحقيقة ، والمنشورة على موقعه ، حول القاعدة ، والدور الأمريكي ..)

ـ عصابات مسلحة مكونة من مجرمين وقتلة ولصوص لاتجمعهم روابط أو تنظيمات حزبية أو سياسية أو طائفية .. بل أن قاسمهم المشترك هو عمليات الخطف وطلب الفدية والسرقات والإعتداء على الحرمات مستغلين غياب دولة القانون وبتشجيع خفي من أطراف لها مصالح في تنامي أعمال الإجرام داخل العراق ! بعض هؤلاء ممن أُطلق سراحهم من السجون قبل الإحتلال ، والبعض الآخر كانوا ممن إستهوتهم اللعبة لتحقيق الكسب المادي !

هؤلاء جميعاً ـ ويجب أن نتذكر هذه الحقيقة ـ ماهم إلا أفراد من المجتمع العراقي .. وعلينا أن نتصور ومن الناحية الإجتماعية والسيكولوجية ، التغيرات النفسية والإنحرافات الإجتماعية التي أنتهوا اليها ، والى أي مدى زمني سيستمر ذلك .. فحين يتحول شخص سوي الى مجرم لأي سبب ، ولكي يعاد الى وضعه الإنساني ، يحتاج الى علاج وخبراء ووقت .! هذا بالنسبة لشخص تحول الى مجرم لسبب ما وعلينا أن نتصور ، الكارثة ، وقد أصبح في العراق ( الجديد ) مئات الآلاف من هؤلاء ، وراءهم عوائل وأطفال سوف يكونون جيل المستقبل .. أي ملايين البشر المرشحين لكي يكونوا مجرمين ..؟
ثم ، نحن نتكلم هنا ليس عن جرائم عادية تحدث في أي مجتمع من قبل قلّة منحرفة .. بل نتكلم عن جرائم فاقت حدود التصور ، كالتفجيرات ، والسيارات الملغومة ، والإنتحاريين ، والقتل على الهوية وقطع الرؤوس ، والإغتصاب .. وغير ذلك ، وضحاياهم أيضاً قد بلغوا عشرات بل مئات الآلاف .. والأعمق من كل ذلك أن منفذي تلك الجرائم يؤمنون بأن مايفعلونه نابع من مبادئ مقدسة لديهم كالدين أو الطائفة أو الإنتماء الحزبي ..!

لقد أدت سياسة الحكومة العراقية ، ونشاطات هذه الميليشيات الى نتيجة مهمة كانت على رأس أولويات القيادة الأمريكية والمصالح الإيرانية ، تلك هي خلق حالة الفوضى المستمرة وحالة الصراع المسلح بين أطياف الشعب العراقي ، فتوسعت نتيجة لذلك الهوة بين المسلمين وغير المسلمين ، وبين العرب والكرد ، وبين الشيعة والسنة ، وبين العرب بعضهم ضد بعض ، والكرد بعضهم ضد بعض ، أي هوة تفصل بين الأديان والقوميات والطوائف التي عاشت بوئام وتناغم على مدى قرون عديدة ، وتم نقلها الى حالة صراع وثأرات دينية وعرقية ، وبدعم أمريكي وإقليمي ، وسوف يستمر لعقود زمنية طويلة !

في الوقت الذي يتوقع أي عراقي ، أن تقوم الحكومة العراقية بإتخاذ إجراءات للحد من أنشطة الميليشيات بعد أن وصلت الى ماوصلت اليه ، نرى ان العكس تماماً يحدث وبأمر من رئيس الوزراء المالكي .. مما يؤكد سير الحكومة في مخطط تصاعد الفوضى وعدم الإستقرار ، إضافة الى المبدأ الطائفي الذي تعتمده في سياساتها .
لقد حملت الأخبار ، أن المالكي ، وبالرغم من إعتراض رئاسة الجمهورية ، قد أمر بتعيين 18,000 عنصر من عناصر ميليشيات بدر والمهدي وحزب الله ، في الداخلية والأمن الوطني ، ورفض فكرة تعيينهم في وظائف مدنية في الوزارات الأخرى ! ومنح أكثر من خمسة الآف عنصر منهم رتباً عسكرية عشوائية تصل الى رتبة مقدم !
يجدر بالذكر ، أن بعض هؤلاء ، وبحسب مصادر رئاسية ، هم من المطلوبين للقضاء العراقي عن جرائم قتل وخطف وإختلاسات وسرقات !! فسياسة مَن ياترى ينفّذ رئيس وزراء العراق ..!؟

ثانياً : الخدمات .

إن فقدان الخدمات العامة للمواطن العراقي خلال سنوات الإحتلال خاصةً ، ترجع الى عدة عوامل منها :

ـ طغيان الفوضى الأمنية وإنعكاس ذلك على توفير الخدمات بشكلها الصحيح والإنسيابي والطبيعي وهبوطها الى أدنى المستويات .
لقد تعرضنا في الوضع الأمني بشكل عام ، وبنظرة سريعة الى أسباب وعوامل فقدان الأمن في العراق يمكن أن نرى نوع وحجم الكارثة التي يمر بها البلد والمواطن .. وبإضافة عامل مهم الى هذه الأسباب والعوامل ، وهو مشاركة الأطراف الحاكمة نفسها ، بشكل أو بآخر ، بتدهور الأمن .. يمكننا أن نتصور مدى عمق الكارثة ، وبالتالي صعوبة أو ربما إستحالة إيجاد الحل الجذري لها في ظل حكومات من طراز حكومة الجعفري أو حكومة المالكي ، أو ماسبق ذلك ، وما سيليه في ظل نفس الإستراتيجية ، إذا لم تتم السيطرة الحقيقية على الأمن ، وهو مايبدو في ظل أوضاع وسياسات الحكومة ، كما هو الحال الآن ، في عداد المستحيلات .!

ـ فضائح الفساد المالي وسرقة الأموال العامة من قبل المسؤولين بحيث تصبح معه قضية توفير الخدمات مستحيلة ، إلا إذا كانت ستعود بالنفع الخاص على اللص الذي يشغل منصباً حكومياً .
سبب ذلك ، أولاً عدم إكتراث هؤلاء بحال المواطن والصعوبات الحياتية التي يواجهها ، وإنشغالهم بتحقيق الثروات الطائلة على حسابه ، وثانياً ، لأن السرقات نفسها ، هي وفي معظمها ، تتناول التلاعب بالمال المخصص في الميزانية للخدمات العامة ، صحية أو تعليمية أو خدمية ، وتحويله الى الحسابات الخاصة بدلاً من توظيفه في مشاريع الخدمة العامة . آخر تقرير أمريكي حسابي ذكر أن
5 % فقط من المبالغ المخصصة لإعمار العراق قد تم صرفها لهذا الغرض في عام 2007 ...!!
فأين ياترى ذهبت بقية ال 95 % ..؟؟

ـ عدم إكتراث سلطة الإحتلال بهذا الجانب ، أي الفساد المالي ، أو محاولة السيطرة عليه ، لكونها قد دخلت الى العراق ليس لغرض الإصلاح وخدمة الشعب العراقي ، بل لتحقيق أهداف سياسية وسيطرة إقتصادية ، ولذلك تركت الفساد المالي للحاكمين ـ مع علمها به ـ على وضعه الحالي !
وإلا كيف يمكن تفسير عدم إتخاذها خطوة واحدة لتحجيم أنشطة الميليشيات مثلاً ، مع علمها أن قادة هذه العصابات هم أطراف مهمة وفاعلة في الحكومة العراقية ، وتتعامل معهم كسياسيين وقادة !؟
وهل نسينا مبلغ 9 مليار دولار التي خرج بها بول بريمر من العراق ؟
وهل تم سؤاله من قبل حكومته عنها ..؟ أو هل أثارت الحكومة العراقية هذا الموضوع مع الأمريكان وهي التي يفترض بها الأمين على المال العراقي العام .. إنها إذن شراكة اللصوص لاغير !
وكيف يمكن تفسير ، أنه وبعد خمس سنوات لم تتمكن سلطة الإحتلال أو الإدارة الأمريكية ببناء مشروع واحد في العراق في مجال توفير الطاقة الكهربائية أو تصفية مياه الشرب أو غير ذلك ..؟
ماذا تعني عبارة ( إعادة إعمار العراق ) .. وأين عمل هذه اللجنة ..؟

بالنسبة للسؤال الأخير ، هناك إجابة واحدة عليه ، وهي ليست من باب الحدس والتوقعات .. وإنما من واقع التجربة المرّة في العراق ..!

إعادة إعمار العراق .. أُحيلت الى شركة " هالبيرتون " الأمريكية ، وهذه الشركة هي إحدى شركات مجموعة " كارلايل " الأمريكية العملاقة . " كارلايل " نفسها تضم في مجلس إدارتها أساطين السياسة الأمريكية والبريطانية والعالمية ، من جناة الأرباح الخرافية من بؤس الشعوب والدول التي تحت الهيمنة الأمريكية ، منهم : جورج هيربرت بوش ( الأب ) ، جون ميجر ، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عن حزب المحافظين ، رئيس الفليبين السابق ، رئيس وزراء تايلند السابق ، .. وممثل عن مجموعة شركات عائلة " بن لادن " السعودية ..!!

" هالبيرتون " ، أحيلت اليها ايضاً ، خطة إعادة إعمار أفغانستان ..!! ( راجع ترجمات الكاتب " الحرب على الحقيقة " ) ، وحصدت جراء ذلك 13 مليار دولار لحد عام 2007 ..!

بالنظر لهذا الوضع السياسي والإقتصادي الشاذ ، القائم على تحقيق مصالح الحكام العراقيين والمحتلين الأمريكان بالتفاهم والتراضي ، وكذلك مصالح إيران من خلال الإرتباط العضوي والمصيري لأحزاب السلطة العراقية بها .. فقد تراكمت على أرض الواقع المأساوي عدة نتائج ، ليس فقط في حقل الخدمات ، ولكن في كافة النواحي الإجتماعية للفرد والعائلة العراقية !
يمكن تلخيص ذلك بما يلي :

ـ وصول معدلات الفقر الى دون الخط العام ، وهذا الواقع لاتجده حتى في دول أفريقية وآسيوية معدمة !
أما البطالة بين الشباب والعاملين فقد بلغت حسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة قبل عدة اشهر الى نسبة 43 % ، أي أن نسبة غير العاملين أقل بقليل من نصف مجموع القوى العاملة في العراق !
هذا في وقت وصل فيه بعض فرسان السلطة العراقية ممن كانوا في خانة ( المظلومين ) الى حد التخمة في كل شيئ ، وسأتناول ذلك ببعض التفصيل في الحلقة القادمة الخاصة بالمحصلة النهائية .

ـ يتم ذلك في الوقت الذي يحرم منه نصف مليون طفل عراقي من التعليم ، ومثلهم قد هاجر خارج العراق ، ومثل ذلك عدد الفتيات اللواتي تركن الدراسة والعمل .. وفي وقت وصل عدد المعتقلين من الأطفال عام 2007 ، والموجودون في السجون الآن ، الى 1350 طفلاً.
هذه أرقام منظمة ( اليونيسيف ) التابعة للأمم المتحدة !

ـ يتم ذلك والبطاقات التموينية التي تعتمد عليها أكثر الأسر العراقية في معيشتها ، تحتضر ، بعد تقليص كميات المواد التي توزع خلالها ، وحذف مواد أخرى نتيجة عدم توفر المال اللازم في الميزانية الحالية ، وهي الميزانية التي تطالب الأحزاب الكردية برفع نسبتها فيها الى 17 % لتغطية رواتب ميليشيات البيشمركة ...!!!
الكلام ، فيما يخص البطاقة التموينية ، هو لوزير التجارة العراقي عبد الفلاح السوداني !

ـ يتم ذلك والمرأة العراقية تعاني الأمرين في فقدان التعليم ، وتوفر سبل المعيشة ، وتراجع دورها الريادي في المجتمع العراقي ، وتفشي الدعارة .. ووصل الحد الى بيع الأطفال ، كما نقلت إحدى الصحفيات السويديات ..!
المرأة العراقية ، وبتجرد ، قد تراجع دورها وتعطل ، إبتداءاً من إلغاء المادة 188 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 ، وإبدالها بالمادة 41 ، من الدستور العراقي الجديد ! التي تكرس الطائفية في التعامل مع العراقيين ..
بكلمة أخرى ، كان قانون الأحوال الشخصية قبل حوالي 50 عاماً ، أكثر إنصافاً للفرد العراقي والمرأة على وجه الخصوص ، مما هو عليه بعد هذه المدة !
إضف الى كل ذلك ، أعمال القتل ضد النساء في البصرة وديالى ومنطقة كردستان ، إضافة الى مناطق أخرى .. القتل الذي أخذ طابع العنف ضد المرأة ، لدرجة العثور على مقبرة جماعية لثمان نساء في منطقة ديالى ..! إضافة الى إكراه النساء على الإنحراف وممارسة الدعارة ، بسبب الوضع المالي المتردي للعائلة العراقية !

إن سيطرة عامل الإرهاب وفقدان الأمن .. أوقف العادات الإجتماعية للعائلة العراقية ، كالتزاور ، وقضاء الأوقات خارج المنزل ، والأهم إنقطاع صلات العائلة بأبنائها نتيجة هجرتهم الى الخارج !
ومن بقي في العراق ، إنجرف بعضهم إما بأعمال العنف ، أو الإدمان على المخدرات ، والأخيرة ظاهرة كانت غريبة على المجتمع العراقي .. ولعلنا نتذكر الأنباء الخاصة بعمليات التهريب للمخدرات من إيران الى البصرة والجنوب ، وحتى القيام بزراعتها في مناطق ديالى بتشجيع إيراني لتفكيك البنية الإجتماعية للعائلة .

كل مافعلته الحكومة العراقية ، هو الإتصال بوكالة غوث اللاجئين وحكومات سوريا والأردن ومصر لرعاية الأسرة العراقية المهجّرة ، والأرقام تتحدث في نفس الوقت عن 48 مليار دولار تخصيصات ميزانية 2008 .. فأين هي حصة من ترك بيته ومدينته وهاجر داخل العراق .. ومَن ترك بلده الى الخارج ليعيش حياة أشبه بالتسول ؟

ولو اردنا أن نحدد محصلة ، او معالم محصلة للحالة الإجتماعية في العراق ، لانتهينا الى حالة مخيفة لم يسبق أن مر بها العراق في تاريخه المنظور !

حالة ، لو تم حصول تغيير جذري الآن ، فإننا نحتاج الى أجيال لكي يتم التخلص من تبعاتها ..
حالة خلقتها خمس سنوات فقط .. ومجموعة عصابات تسمى حكومات ومسؤولين !!

سنستعرض خلاصة كل ذلك .. في الحلقة الأخيرة القادمة !

lalhamdani@yahoo.com

للإطلاع على مقالات الكاتب ومدوناته ، يرجى الدخول على الرابط :

http://alialhamdani.blogspot.com

يرجى المعذرة لعدم إكتمال كافة المقالات على الموقع أدناه ، وسيتم إكمال تنزيلها خلال ايام .

No comments: