3 علي الحمـــداني
عملية " عزرا ـ ناحيميا "
يقول الكاتب والصحفي جون كولي : في يوم غائم من شهر كانون الثاني / يناير 1969 ، كنا حوالي 15 صحفيا في الباص الذي أقلنا الى فندق بغداد وسط العاصمة العراقية لقد جئنا لتغطية خبر الإعدام العلني في 27 من الشهر ، والذي عرضه تلفزيون بغداد ويظهر 14 جثة معلقة في ساحة التحرير ، مركز بغداد . من بين هؤلاء 9 من اليهود العراقيين .. وقد تم تنفيذ حكم الإعدام بهم لتجسسهم لصالح إسرائيل .. واضافت بعض وسائل الإعلام " ولصالح الولايات المتحدة " .. وحين سألنا عن التفاصيل .. قام أحد الأشخاص بالإعلان عن طريق المايكروفون في الباص " أنه بإمكاننا الذهاب الى أي مكان نشاء .. والتكلم مع أي شخص نرغب بالكلام معه ..! " . عندها طلبنا أن نذهب الى منطقة يهودية في بغداد .. ومضى الباص بنا في شوارع فرعية ضيقة ، وأخيرا توقف قرب كنيسة يهودية في إحدى المناطق ، وسمح لنا بالدخول الى الكنيسة ، حيث وجدنا في الداخل أحد الحاخامات اليهود وكان في الثمانينات أو ربما التسعينات من عمره ويقف الى جانبه شاب يرتدي على رأسه القلنسوة اليهودية ، وقام بترجمة ماكان يقوله الحاخام الذي تكلم باللغة العربية ، ومما قال : " أنظروا .. نحن أبقينا على الكنيسة .. ونمارس عبادتنا كبقية الأديان وبحرية "
كان يقف خارج البناية أحد ألأفراد ويبدو أنه من جهاز المخابرات يرتدي بدلة سوداء انيقة ، ويحمل بيده جهاز راديو للإتصالات .. ولاحظنا أنه يحمل تحت جاكيته مسدسا أو ربما رشاش صغير .. " ولانخفي ، أننا كنا نتوقع في تلك الظروف أي شيء من الإعتقال الى ماهو أسوأ ..! . وفجأة تكلم الينا ذلك الشخص قائلا : أننا هنا في دعوة رسمية .. كمن يحاول طمأنتنا .. ثم بدأ يتكلم بجهاز الراديو ، ثم ناوله الى ضابط كان يقف قريبا منه ، وكنا نسمع الضابط يردد عبارة " نعم سيدي .. نعم سيدي .." ، ثم اشار الينا بيده أن نعود الى الباص ، الذي تحرك بنا ..
كنا على أحد الجسور التي فوق نهر دجلة حين أخذت الكاميرة التي كانت معي ، ومن شباك الباص ، إلتقطت صورة للنهر .. وكان ذلك كما يبدو خطأ كبير إرتكبته ولم أحسب حسابه .. إذ فجأة سارت بمحاذاة الباص سيارتين من نوع " بيجو " ، يظهر أنهما كانتا مرافقتين لنا ، ثم سبقتنا إحداهما ووقفت أمام الباص بشكل متقاطع ، حيث وقف الباص في منتصف الجسر .. ثم قام مرافقنا بالتوجه نحوي قائلا " الكاميرة .. الكاميرة .." ماداً يده ليأخذها . هما إلتفت إلي زميل لي وهو " أريك بيس " من صحيفة نيويورك تايمز ليقول لي : " إعطه الكاميرة .. إنه يظن أننا جواسيس نلتقط بعض الصور الممنوعة .." ، وقمت بتسليمه الكاميرة ، ثم بدأ يتكلم بجهاز الراديو الذي معه .. وبعد دقائق ، قام بفتح الكاميرة ليأخذ الفلم من داخلها ، وأرجعها لي .. ثم قال لنا أننا سوف نذهب الى محطة التلفزيون ..
بعد فترة وجيزة وصلنا الى المحطة ، حيث تم جلوسنا في صالة ، وكانوا يقدمون لنا الشاي ، إلا أنه لم يكلمنا أحد .. ولاحظنا أن مرافقنا إختفى في إحدى الغرف الجانبية .. بقينا هناك لمدة ساعتين ، ثم بدأ الظلام مع حلول المساء ، عندها قدم أحد الأشخاص وأخبرنا أننا سنذهب الى وزارة الإعلام حيث سيتم فحص الصور والأفلام التلفزيونية التي إلتقطناها ، وسيتم إرسالها عبر الوزارة كما تقتضي التعليمات .. وذاك ماحدث حيث رجعنا الى الفندق ، لنغادر من مطار بغداد صباح اليوم التالي ...!
بعد 34 عاماً على هذه الرحلة ، وكانت بغداد قد سقطت تحت الإحتلال الأمريكي .. كانت لاتزال هناك جالية يهودية بسيطة لاتتعدى 26 شخصا من بينهم أبن الحاخام الذي قابلناه عام 1969 ، وكان هو المسؤول عن الجالية ...!
ولكن أيضا ، علمنا ، أن اليهود ، وفي فترة مابعد الإحتلال الأمريكي ... بدأوا بشراء الأراضي والأملاك من دور وعمارات في بعض مناطق بغداد ، ومن خارج العراق وبترتيب ومساعدة أشخاص كانوا في السلطة الحكومية العراقية في بداية فترة الإحتلال ...!!!
لقد بدأ مجدداً الصراع التلمودي الإسرائيلي القديم مع العراق ....!!!
هنا لابد من الرجوع مجددا الى فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين ، لنواصل الأحداث في محاولة لربط الماضي بما يحدث اليوم .. حيث كانت يومها فلسطين تحت الإدارة البريطانية المباشرة .. والعراق الملكي تحت الحماية البريطانية ..! ولفهم ما حدث آنذاك وما حدث لاحقا ، سنلقي أولا نظرة على حياة اليهود العراقيين .
يؤكد بعض المؤرخين أن عدد اليهود في بغداد أو ( ولاية بغداد ) العثمانية في القرن التاسع عشر ، كان يوازي عدد المسيحيين ، ويقترب من عدد المسلمين . وكما كان حال جميع الأقليات العراقية مثل الكلدان والآشوريين واليزيديين ، فإن اليهود أيضا عاشوا معهم وجنبا الى جنب مع المسلمين ومع العرب أو في مناطق الكرد ، وكانوا عائلات معروفة ، ويتمتعون بحرياتهم الدينية والإجتماعية والإقتصادية التجارية ، ويطلق عليهم بالعربية ( الملّة ) كما هو الحال مع المسيحيين ، وذلك للتعبير عن الديانة
يعتبر اليهود العراقيين أنفسهم ورثاء طبيعيين لليهود البابليين القدامى ، وخلفائهم في العادات والتقاليد .. وغالبا ماكانوا متقدمين في الأعمال التجارية والمصرفية ، كما في المهن التخصصية والحرفية ، وظهر منهم العديد من الأطباء والمحامين ورجال الأعمال الكبار ..
يقول الباحث ( حنا بطاطو ) ، أنه في عام 1927 عندما أُسست غرفة تجارة بغداد ، كان هناك من الأعضاء المؤسسين شركات بريطانية وفرنسية ، إضافة الى التجار العراقيين .. وهؤلاء أُطلق عليهم " أعضاء الدرجة الأولى " ، وذلك لكون رأس مال كل منهم لايقل عن 27,500 دينار عراقي .. وكان هذا مبلغا كبيرا آنذاك ...!
وفي عام 1939 ، أي تاريخ الحرب العالمية الثانية ، كان عدد أعضاء الغرفة 498 عضواً ، منهم 215 يهوديا .. ويضيف بطاطو عن تقرير بريطاني ، أن اليهود في البصرة كانوا يقودون العمل التجاري أكثر من المسلمين أو المسيحيين ، ومع حلول عام 1920 ، بدأوا بتوسيع تجارتهم من العراق الى إيران ، وكانوا منافسين حقيقيين للتجار والشركات البريطانية التي قدمت الى العراق بإستيرادهم البضائع البريطانية من بريطانيا ومن الهند ، ثم بدأوا بإمتلاك شركاتهم الخاصة في كل من بريطانيا والهند ويسجل لنا أن أحدهم وهو ( عزرا ساسون ) كانت أملاكه تقدر في تلك الفترة بمليوني دولار .. كما كان هناك أيضا من التجار الكبار ( زيون بخّور ) و (عزرا صالح ) اللذان يملكان شركات في بومبي في الهند وفي لندن ..
لقد كانت عائلة ساسون من أغنى وأقوى العوائل اليهودية ماليا وتجاريا ، وقد اطلق بعضهم عليها ( روتشيلد العراق ) .. مؤسسها هو داود ساسون عام 1850 حيث كان منذ ذلك الوقت يتاجر مابين العراق والهند واليابان واوربا ، وعندما توفي في 1864 ، تولى ورثته إدارة إمبراطوريته التجارية ووسعت لتغطي سنغافورة والشرق ألأقصى ، ودخلت مجال الصيرفة والبنوك .. ولعل من بقايا هذه الشركات في وقتنا الحاضر الشركة البريطانية المعروفة لمستحضرات التجميل وصالوناته وهي شركة (فيديل ساسون) .. أما سفير أسرائيل في اليونان وحتى عام 2005 فهو أحد الأحفاد ويدعى ديفيد ( داود ) ساسون ..
في فترة الإحتلال البريطاني للعراق ، عمل اليهود بالتنسيق مع المسلمين وغيرهم من التجار العراقيين وبقوا مبتعدين عن الأمور السياسية الخاصة بالبلد في ظاهر حالهم ولهذا فإنه عند نشوء المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية ، لم تتأثر هذه العوائل بإنعكاسات هذه المشكلة في بداياتها في الثلاثينات والأربعينات...!
شهدت فترة الثلاثينات في العراق إضطرابات سياسية ، وظهور تكتلات وطنية وقومية . من أبرز الأحداث آنذاك كان إنقلاب ( بكر صدقي ) ، ثم موت الملك غازي في حادث إصطدام سيارته وبشكل غامض .. ثم وصول مفتي القدس أمين الحسيني الى العراق بعد أن كان قد نفاه البريطانيون من فلسطين الى سوريا .. ثم بدأت حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ، حيث قام بعزل عبد الإله الوصي على عرش العراق بعد موت الملك غازي ، الذي ترك ورئيس وزرائه نوري السعيد الى خارج العراق .. حينها نزلت القوات البريطانية في البصرة مجدداً ، وتحركت قوات أخرى من غرب العراق وتم القضاء على الحركة الإنقلابية وأعدم أبرز قادتها ..
يقال أنه تم قتل 100 يهودي خلال الإضطرابات التي وقعت عند حدوث إنقلاب رشيد عالي .. وسرعان ماإلتقط ذلك ( ديفيد بن غوريون ) أحد زعماء الصهيونية العالمية وأول رئيس وزراء إسرائيلي ليطالب بإجلاء اليهود من العراق حفظاً على سلامتهم ..! وهو ماكان قد تقرر سابقا في المؤتمر الصهيوني بالعمل على فتح الهجرة الى فلسطين وتشجيعها بالإغراءات أو بالقوة .. والى ذلك يشير ( شلومو هليل ) العراقي الأصل ومؤلف كتاب ( عملية بابل ) في مذكراته ..!
وفعلا ، وبعد أن تم تأسيس ميليشيات ( الهاغانا ) الصهيونية في فلسطين عام 1942 ، بدأت الصهيونية العالمية تركز على يهود العراق والدول العربية الأخرى ، والذين كانوا في الحقيقة غير متحمسين لتلك الهجرة ..! وبدأت الهاغانا بتهريب وكلائها الى العراق خصوصا لتحقيق هذا الغرض ، ومن أبرز أولئك الوكلاء ثلاثة هم : شاؤول أفيكار ، أنزو سريني ، سماريا كاتمان .. الذين وصلوا الى العراق من فلسطين ، في مهمة وضع نواة للحركة الصهيونية خصوصا بين الشباب اليهودي ...! ووضعوا خطة لتهريب الأسلحة اليهم عبر شرق الأردن وتركيا وإيران ، كما بدأوا بوضع برامج تدريبية لهم .. وفي عام 1943 ، أدخلوا نظام الإتصالات بالراديو اللاسلكي وبرسائل سرية مشفرة مع تنظيم الموساد الأسرئيلي في تل أبيب الذي كان يتولى عمليات تهجير اليهود وتوطينهم في فلسطين ...!
بحلول عام 1951 ، كانت النواة التي بدأها الوكلاء الصهاينة الثلاثة في العراق عام 1942 ، قد وصلت الى 16 فرعاً وحوالي 2000 عضواً ، منهم 300 مجند قد أكملوا تدريبهم العسكري ..!
لقد أوضح شلومو هليل دوره الرئيسي في هذه العملية والتي أطلق عليها ( عملية عزرا ـ ناحيميا ) وهو الإسم الرمزي المقتبس من التوراة ، فيقول أنه كان يتحرك مابين فلسطين والعراق ، وبالطائرة أحياناً ، وأحيانا ً بإرتداء الزي العربي ( العباءة والعقال ) ليتنقل بالطرق البرية مابين فلسطين والعراق وتركيا وإيران ، في حين كان قد تم إنشاء محطة مخابراتية للموساد في بغداد نفسها تحمل أسماء رمزية ثلاث هي ( ديكيل ) و ( أورين ) و ( بيرمان ) .. أما في طهران فكانت المحطة الأكبر وتحمل أيضا أسماء رمزية ثلاثة هي ( كولدمان ) و ( نوري ) و ( ألون ) .. هذه الأسماء كانت تستخدم في الشفرة اللاسلكية بين بغداد وطهران وتل أبيب ..!
كان الإسرائيليون يستخدمون جبال شمال العراق للتنقل الى إيران وبمساعدة من الأكراد الذين كانوا قد بدأوا علاقات حميمة مع الإسرائيليين ...!
قامت الخلايا الإسرائيلية بنقل اليهود من عبادان وخرمشهر وديسفول وكرمنشاه الى طهران أولاً ، ثم عن طريق البر الى تركيا ، ومنها الى فلسطين .. وأحيانا إستخدام الطريق الجوي المباشر من طهران الى فلسطين .
عمل شلومو هليل في بغداد في 1947 و 1948 و 1950 ، وفي طهران 1949 ، وعمل على تنظيم ترحيل اليهود . وقد تمّ إختيار منطقة ( بيت سين ) في فلسطين لهبوط الطائرات القادمة من طهران او أماكن أخرى لكونها بعيدة عن مقرات وتواجد القوات البريطانية ..!
في 1950 منح الموساد شخصية جديدة لشلومو هليل وهي ( تشارلس أرمسترونغ ) من ( مؤسسة الشرق الأدنى للنقل الجوي )...!
في كتابه الموسوم ( عملية بابل ) وصف لنا شلومو هليل كيف أن ( تشارلس أرمسترونغ ) ..!! قام في 1949 بعقد صفقات ناجحة مع نظام نوري السعيد على شكل إتفاق لمدة سنتين يقوم خلالها بنقل اليهود العراقيين جواً من بغداد الى إسرائيل .. وقد إستطاع نوري السعيد من تمرير قانون في البرلمان العراقي يسمح لليهود العراقيين بمغادرة العراق ( إذا هم شاءوا ذلك ..! ) ، وفي حالة سفرهم تسقط عنهم الجنسية العراقية ، وتجمد أموالهم في العراق ...! ، وقد حدد شهر آذار 1951 موعداً لإنتهاء العمل بهذا القانون ...!
لقد كان القانون بالطبع يخدم الإسرائيليين الذين نجحوا من خلاله في ترحيل 100،000 يهودي عراقي الى فلسطين ، ومعظمهم من المثقفين والمهنيين والحرفيين من الذين تحتاجهم فعلا ( دولة ) إسرائيل وهي في بداية تأسيسها .. كان هذا في الوقت الذي كانت فيه حكومة نوري السعيد قد قررت إرسال الجيش العراقي ليقاتل الإسرائيليين غرب نهر الأردن ( الضفة الغربية حاليا ) مع بقية الجيوش العربية ....!!
أما ( نعيم غيلادي ) اليهودي العراقي المولد ، والذي إنتقل بعد ذلك للعيش في الولايات المتحدة ، فيتحدث لنا في عام 1998 من أميركا حيث يقيم ، عن عائلته (هارون) والتي تعتبر من العوائل المحافظة الدينية في العراق ، وكيف أنهم أعادوا بناء قبر النبي ( أزيكيل ) او ( ذي الكفل ) قرب آثار بابل القديمة .. ويذكر أنه شخصيا عمل مع نواة الموساد في العراق عند تأسيسها وأنه قد قبض عليه في عام 1947 وهو في سن 18 من قبل الشرطة السرية في بغداد عندما كان يحاول أن يهرّب شاب يهودي في مثل عمره آنذاك . وعند التحقيق معه لمعرفة بقية أعضاء شبكته ، تم نزع ملابسه وإيداعه غرفة باردة في السجن في شهر كانون الثاني / يناير ، وكانوا يصبّون عليه الماء البارد ، ثم تم تحويله الى سجن ( أبو غريب ) سيء الذكر وقت صدام وبعد الإحتلال الأمريكي . ويكمل أنه تمت محاكمته وحكم بالإعدام .. ولكن تم تهريبه من السجن بتزويده بملابس عسكرية ، وتم إيصاله أخيراً الى إسرائيل في مارس 1950 .
في إسرائيل تم تغيير أسمه الى ( هلاسكي ) ليصبح إسمه مشابهاً لأسماء اليهود ( الأشكيناز ) أي اليهود الغربيين القادمين من أوربا ، حيث كانت هناك تفرقة ولا زالت بين اليهود الشرقيين والغربيين داخل إسرائيل .. مما جعله يترك الى الولايات المتحدة .. إلا أنه يشير أيضا الى تبوأ الكثير من اليهود العراقيين لمناصب رفيعة منهم على سبيل المثال وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة أيريل شارون ( شاؤول موفاز ) ، وهناك أيضا ديفيد ليفي ، ويهودا شينهاف الذي ينحدر من عائلة ( المعلم ) اليهودية العراقية ، ووالده صالح شينهاف كان من التجار العراقيين ، وقد إستوطنوا في صحراء النقب مع 40 يهودي عراقي آخر ، وأطلقوا على أنفسهم ( فريق البابليون ) . يهودا هذا قتل عام 1991 وعمره 62 عاما في أحد الصواريخ التي أطلقها صدام حسين على تل أبيب .
بالعودة الى خروج أو إخراج اليهود العراقيين من العراق حسب الخطة الصهيونية ، فإن كافة المستندات التي كتبت ونشرت من قبل كتاب سياسيين يهود تؤكد على حقيقة دفع اليهود الى الهجرة الى إسرائيل ، من هؤلاء نعيم غيلادي نفسه ، الحاخام المير بيرغر ، مردخاي بن بورات ، حاييم شماش ، موشي باغنو .. وغيرهم . كل هؤلاء يؤكدون أن الموساد وعملائها من النواة التي أسست في العراق في الأربعينات ، كانوا وراء أعمال العنف والتفجيرات التي إستهدفت المحلات والممتلكات والأحياء والكنائس اليهودية في العراق ، إضافة الى دور السينما ومركز ثقافي ومكتبة ، لغرض إرهابهم وإجبارهم على الهجرة ، وقامت ماكنة الدعاية الصهيونية النشطة بإلقاء تبعة ذلك على المتطرفين المسلمين والقوميين العرب والوطنيين العراقيين الذين هم ضد اليهود وإسرائيل ...! .
يؤكد ( ليا كوهين ) أحد الكتّاب اليهود ، أن ماحدث من تفجير للكنيس اليهودي في السليمانية بما فيها من يهود أكراد كان من تدبير وتنفيذ الموساد .. ومثل ذلك ماحدث في تفجير مصرف الرافدين ومصارف عراقية أخرى وكذلك إدارات صحف في بغداد والبصرة .. لقد بلغ عدد اليهود الذين تركوا نتيجة أعمال العنف هذه 12،000 يهودي وهم ماكانوا يمثلون 10% من الجالية اليهودية العراقية ..!
وإذا ماربطنا كل ذلك بالقانون العراقي الذي كان قد صدر في عهد نوري السعيد والخاص بالسماح لليهود العراقيين بالهجرة .. وتجميد أموال من يهاجر منهم .. علمنا عمق تأثير تلك الخطوة من خلال ماتركته لدى اليهود من شعور بالغبن والظلم .. وهو ماتم إستثماره بدرجة عالية من قبل الإعلام الصهيوني ، ومحاولة ربطه ( بمآسي ) اليهود عبر التاريخ في العراق في زمن الآشوريين والبابليين .. وتوثيق ذلك بالمصادر التوراتية التي يؤمن بها المجتمع اليهودي والغربي ..
لقد كان ديفيد بن غوريون وهو أحد أعمدة الصهيونية العالمية ، وراء المخطط لإبقاء الباب مفتوحا للتطلع على الإرث اليهودي في العراق غبر آلاف السنين ، ونقل ذلك من جيل الى آخر .. وهو مابدأ تحقيقه بعد سقوط بغداد عام 2003 ، وإنتهاء صدام حسين ، الذي لم يكن هو نفسه بمنأى عن تفعيل ذلك خلال سنوات حكمه كما سنرى في المستقبل ...!!
أميركا ..إسرائيل .. إيران .. وأكراد العراق ..!!
بعد سقوط بغداد بيد القوات الأمريكية في ربيع 2003 ، وبعد وقت قصير من ذلك ، صرح مسؤول كبير في الحزب الديمقراطي الكردستاني ، بما أدخل الفرح على قلب بوش وإدارته من المحافظين الجدد في البيت الأبيض والبنتاغون .. وهذه ليست المرة الأولى التي يعرب فيها الحزب عن تقربه وتمسحه بالسياسة الأمريكية والسياسيين الأمريكان .. ففي عام 1972 ، قال الملا مصطفى البرزاني نفسه ( أنه يرحب بالوجود والتأثير الأمريكي ، وهذا يمكن أن يحدث إذا ماإمتدت القوة الأمريكية لتشمل كردستان ..)
أما التصريح الذي اشرنا اليه ، والذي أطلقه براسيك نوري شاويس ، مساعد مسعود البرزاني ، وهو مهندس خريج ألمانيا .. والذي أطرب تصريحه آذان بوش فهو (يجب على الأمريكان البقاء في العراق لإعادة الأمن وجعل الإدارة والمصالح الحكومية تعمل بشكل صحيح من جديد وتعيد البناء .. ويمكن بعد ذلك للقوات الأمريكية ترك العراق ولكن عليها الإبقاء على قواعد عسكرية لها في العراق .. نحن نحتاج الى تحالف مع الأمريكان ...!)
الحديث عن القواعد العسكرية الدائمية في العراق لقي الرضا والقبول في إسرائيل .. الحليف القوي لأميركا في المنطقة ، والمساعد الكبير لأكراد العراق ...!
في عام 1973 ، أعرب الجنرال ( عزرا وايزمان ) قائد القوة الجوية الإسرائيلية ، والذي أصبح لاحقا رئيساً لإسرائيل ، في كلمة له مع بعض كبار ضباطه عن أمله في ( أن يرى قواعد لإسرائيل على الفرات ...!)
وفي عام 2003 ، عندما رفض البرلمان التركي منح أميركا حق إستخدام الأراضي التركية لمهاجمة العراق ، وهو الطلب الذي كان قد تقدم به بول ولفيتز مساعد رونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وربطه بعرض مغر بمنح قروض بمليارات الدولارات لتركيا ، سارع كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني ، والإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني ، بالترحيب بالطلب الأمريكي .. ولهذه المبادرة خلفية تاريخية تجمع كل من أميركا وإسرائيل والأكراد العراقيون .!
وقد إنضم الى هذا التحالف عام 1958 شاه إيران محمد رضا بهلوي ...!
في بدايات القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الأولى ، كان بعض السياسيين البريطانيين ومنهم ونستون تشرتشل ينظرون الى موضوع كردستان بإمكانية جعلها محمية بريطانية أخرى في المنطقة مثل مصر وفلسطين والعراق نفسه .. ولكن جزء من كردستان ، كان قد وُعدَ به الفرنسيون في معاهدة سايكس ـ بيكو . ثم بعد 1920 ، وبعد توقيع معاهدة الهدنه مع الأتراك من قبل الحلفاء ، طرح الرئيس الأمريكي ولسن فكرة مشروع إقامة دولة مستقلة للأرمن وأخرى للأكراد .ز ولكن هذا المشروع جوبه بمقاومة من قبل الأتراك وكذلك الفرنسيين والإيرانيين أيضاً ، مما أدى الى تجميده وفشله ..
لقد بدأت حركات المقاومة والتمرد على الحكومات المركزية العراقية من قبل الأكراد ، أولا من قبل الشيخ أحمد البرزاني ، ثم أخيه الملا مصطفى البرزاني ، حيث تم ضربه للمرة الأولى في الثلاثينات من قبل تركيا بقيادة نظامها الجديد من قبل كمال أتاتورك ، ونوري السعيد بمساعدة البريطانيين ، وشاه إيران رضا شاه .. وترك مصطفى البرزاني الى منفاه في الإتحاد السوفياتي ..
بعد 1958 ، عاد مصطفى البرزاني من منفاه ليقيم في شمال العراق ، وبقيت العرقة بين الكرد والحكومات العراقية المركزية تتأرجح بين الحروب ، والمصالحات وتقبيل كل منهما للآخر ...!
كانت سياسة رضا شاه الوقوف ضد الأكراد ومع حكومة بغداد ، أما إبنه محمد رضا بهلوي ، فقد إتخذ موقفا معاكساً تماماً ، وأستفاد من علاقاته بإسرائيل والمخابرات المركزية الأمريكية لتغذية ذلك ولتمهيد الطريق للإتصالات الإسرائيلية ـ الكردية ..!
كان بن غوريون يؤمن بضرورة العمل على استمرار نشاط الموساد في مصر والعراق ، ووضع خطة تقضي بتأسيس موضع قدم لهم في منطقة كردستان ، والتي ستعتبر مهمة بالنسبة لإسرائيل في المستقبل .. وهذا ينطلق من فلسفة بن غوريون بالإعتماد على الأقليات غير العربية في الدول العربية وأفريقيا ..!
لم يأت التأييد الجدي والفعلي من قبل إسرائيل للأكراد حتى عام 1964 حين تسلم ( مائير أميت ) رئاسة الموساد ، ولو أن العلاقة كانت ترجع الى ماقبل ذلك العام . في عهد أميت ، إجتمع ( شيمون بيريز ) وزير الدفاع آنذاك مع وكيل كردي كان يعمل جاسوساً لصالح إسرائيل خلال الأشهر الأولى من قيامها ، وهو ( خمران علي بدرخان)
في 1965 ، وفي أب من تلك السنة ، نظمت الموساد دورة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر لمقاتلي ( البيشمركه ) الكرد ، وأعقبتها دورات مشابهة .. وقد أطلق على الدورة الأولى الإسم الرمزي ( مارفاد ) أي السجادة ...!
في أواخر صيف 1966 ، طلب إثنان من مساعدي ( ليفي أشكول ) رئيس الوزراء ، ومن المتخصصين بالشؤون العربية ، بالقيام بعملية مسح في كردستان ومقابلة البرزاني لغرض تقديم دراسة ميدانية .. وقد تم عتماد الدراسة ، ووضع البرنامج تحت رئاسة ( حاييم ليفاكوف ) ، حيث تم إرسال فريق طبي من أطباء وممرضين اسرائيليين مع مستشفى عسكري ميداني الى المنطقة الكردية ، وتم نقلهم بالطريق البري من إيران ..!
يقول ( إلييف ) سكرتير حزب العمل الإسرائيلي في بداية السبعينات ، أنه وصل الى ( حاج عمران ) في كردستان على رأس وفد ، وقد نظّمت الزيارة بواسطة (أحمد الجلبي ) وكان ذلك عام 1972 ، وكان بغنتظارنا بعض مساعدي البرزاني ، وبعد قضاء ليلة هناك ، أخذونا على البغال الى المقر السري للبرزاني في الجبال ..! وكان لقاؤنا وديا وحميماً . وقد ناقشنا خلال اللقاء المساعدات الإسرائيلية للأكراد ، وقد قال لي مصطفى البرزاني بالنص ( أرجو إبلاغ رئيس الوزراء والوزراء أننا " إخوة" وسوف لن ننسى " أفضالكم " هذه أو ننسى أنكم اليهود أول وأفضل من ساعدنا في ساعة الشدّة ..!!) ثم قدم البرزاني خنجره الخاص هدية لي ، وأعطاني خنجرا آخر لأقدمه بإسمه الى صديقه رئيس الكنيست ..!
عندما كشف ( إلييف ) هذه المعلومات في 1978 ، كان البرزاني مريضا ومسلوب القوى ، يعيش اشهره الأخيرة ( سجينا ) لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية متنقلا مابين الفندق والمستشفى في واشنطن ...! .. ويضيف ألييف أن عضو الكونغرس الأمريكي ( ستيفن سولارز ) اليهودي ، قد أبلغه بأنه يتمنى أن لاتكون نهاية البرزاني أنتهاء للعلاقة بين الأكراد وإسرائيل ...!
خلال شهر العسل الأسرائيلي ـ الكردي ، قام البرزاني بعدة زيارات الى إسرائيل ، زار خلالها المستوطنات الإسرائيلية وقادة سياسيين بارزين من أمثال مناحييم بيغن وموشي دايان وأبا إيبان وشيمون بيريز .. وغيرهم ..! كما أن الموساد كانت قد اسست نواة المخابرات الكردية ودعمتها والتي أطلق عليها ( الباراستان ) وكان المنسق في ذلك ( مردخاي هود ) في إسرائيل و ( إلياهو كوهين ) في مقر البرزاني في كردستان ..! وكانت تصل الى البرزاني شهريا دفعة مالية بمقدار 50,000 دولار لإستخدامها في التهيأة لإعداد المقاتلين والقيام بعمليات لإشغال الجيش العراقي ...!!!
علميا ، قام فريق طبي من الباحثين الهنود والإسرائيليين والألمان ، بتحليل 526 كروموسوم " واي " ، وذلك في عام 2001 .. أخذت الكرموسومات من ست مجموعات هم : أكراد يهود ، أكراد مسلمين ، فلسطينيين عرب ، يهود شرقيين ، يهود غربيين ، وبدو من صحراء النقب ...وقد أظهر التحليل ، أن كروموسومات اليهود الشرقيين والأكراد تتطابق الى حد بعيد ، ويقول التقرير : أن سلالات اليهود من أولئك الذين كانوا قريبين من المناطق الكردية ، ربما يشتركون في الآباء قبل مئات السنين ...!!
يقول الكاتب الإسرائيلي ( أليزير زافير ) في كتابه ( أنا كردي ) أن البحث المذكور هو فرصة لإستثماره لجعل العلاقة بين اليهود والكرد متينة ومتواصلة وذلك لإبقاء الجيش العراقي بعيدا عن إسرائيل .. وهو الجيش الذي تتطلع إسرائيل أن تراه قد إنتهى ....!!! كما أن العلاقة مهمة لتقوية علاقة رضا بهلوي بإسرائيل والأكراد ...!
ننتقل في الموضوع القادم الى حلقة جديدة في سلسلة التآمر على العراق .. تلك هي حلقة صدام حسين ....!!
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment