7 علي الحمــــداني
الإعصار .. وبداية الطريق الشائك ..!
بينما كان صدام حسين قد مهد الطريق أمامه في سيطرته التامة على مقاليد الأمور في الداخل العراقي وتصفية معارضيه في قيادة حزب البعث ، وحصوله على الدعم الأمريكي .. كان أمامه في الحقيقة أن يقبل الواقع على أرض السياسة العالمية ، الأمر الذي أطلق عليه أحد المحلليين ( القبول المتشائم ) .. فمن جهة كان هناك الغزو السوفياتي لأفغانستان في ديسمبر 1979 .. وقد أيّد صدام السوفيات بذلك .. ومن الجهة الأخرى كانت هناك الثورة الإسلامية المتطرفة التي حدثت في إيران بقيادة الخميني والتي بدأت تتحدث عن تصدير الثورة ( الشيعية ) الى أي مكان تقدر عليه ..!
قام الزعماء الأكراد بتقديم التهاني للخميني ..! ولكن الأكثر أهمية في نظر صدام هو تأثيرات هذه الثورة على الداخل الشيعي العراقي ..! ودعوة تلك الثورة لشيعة العراق بالإنقلاب على الحكم البعثي غير الإسلامي ( والتي فُهمَ منها ـ الحكم السني ـ ) . لقد كانت الثورة الإيرانية قد وضعت في خططها إمكانية خلق الإضطرابات الداخلية وربما الإنقلابات على حكومات المنطقة ليس فقط في العراق ، وإن كان هو الهدف الأول ، ولكن في دول الخليج الأخرى والتي فيها سكان من الشيعة أغلبهم من أصول إيرانية ، كالبحرين ، وشرق السعودية ، والكويت ...!
كانت المشكلة الأولى التي واجهت صدام بهذا الشأن ، هو آية الله محمد باقر الصدر ، الذي بدأ يدعو علنا ضد الحكم الديكتاتوري في العراق ، ويعلن تأييده لإيران الثورة ..! مما جعل صدام يرد بعنف بإعتقال ليس فقط الصدر بل مئات من إتباعه . ثم حدثت محاولة إغتيال طارق عزيز من قبل جماعة حزب الدعوة الذي أسسه ويرأسه الصدر وذلك في الأول من نيسان 1980 ، جرح على أثرها طارق عزيز ، وقتل بعض من مرافقيه وحرسه . تم ذلك خلال زيارة له لجماعة المستنصرية شرق بغداد والقريبة من مدينة الثورة أو ( مدينة الصدر ) حاليا ..!
في 9 نيسان ، دخلت قوات الأمن العراقية ، مدينة النجف حيث ألقي القبض على محمد الصدر وشقيقته أمينة ، ثم قُتلا في بغداد .. حيث بدأت الإضطرابات في النجف وكربلاء وجنوب العراق المحادد لإيران ..!
بدأ صدام بالإتصال بالسعودية وبقية الدول الخليجية للحصول على تأييدهم بخصوص وقوفه ضد الخميني .. وشملت إتصالاته أيضا الإتحاد السوفياتي ، وأخيرا قام بزيارة الى الملك حسين ملك الأردن وأجتمع به وكان في عمان في نفس الوقت ممثل عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وسواء إجتمع صدام به أم لا .. إلا أنه من المؤكد أن كلاهما إجتمع مع الملك حسين وناقشا الوضع المتأزم بين العراق وإيران ..
أظهر صدام حسن نواياه بالتعامل مع إدارة الرئيس رونالد ريغان ، وتعاقد مع شركة ( بووينغ ) الأمريكية على شراء خمس طائرات تجارية من نوع 747 العملاقة ، كما وافقت إدارة ريغان على بيع العراق محركات ( جنرال موتوروز ) لسفن حربية يمتلكها العراق ، كما بدأت المجلات التجارية الأمريكية تعلن عن الفرص التجارية في العراق ...!
في 5 أب 1980 ، هبط صدام في مطار الرياض في السعودية ، بعد زيارة قصيرة الى الأردن .. وكان يرتدي الملابس العسكرية .. إجتمع هناك خلال بقائه لمدة عشر ساعات ، مع الأمير فهد بن عبد العزيز ( الملك فهد لاحقا ) ، وتمت مناقشة خططه للهجوم على إيران .. ويقال أن الملك فهد قد وعد صدام بالدعم المالي ، وبإمكانية إستخدام الموانيء السعودية في حالة تعذر إستخدام ميناء البصرة العراقي ..
مع إستمرار المناوشات العسكرية الحدودية بين العراق وإيران ، إعلن صدام في 17 سبتمبر إلغائه لإتقاقية الجزائر التي كان قد وقّعها مع الشاه ..
وفي فجر 22 سبتمبر ، قامت المقاتلات الجوية العراقية بقصف مفاجيء لعشرة قواعد جوية وعسكرية إيرانية من ضمنها القاعدة العسكرية في مطار طهران الدولي ...! قام الإيرانيين بضرب منشآت الغاز والنفط العراقية الجنوبية وأصابوهما ببعض الأضرار .. إلا أنه في اليوم التالي تقدمت داخل إيران ست فرق مدرعة عراقية ..
لقد بدأت الحرب العراقية ـ الإيرانية والتي إستمرت ثماني سنوات .. قتل وجرح خلالها الملايين من الجانبين .. وكانت بحق أسوأ حرب شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية ...!
كانت المساعدات والدعم الأمريكي مستمر لصدام ... ولكن كان هناك أيضا دعم عسكري إسرائيلي لإيران ( الإسلامية ) ، فيما كشف لاحقا وعرف بفضيحة ( إيران كيت ) ...!
كانت اللعبة الدولية في أعلى مداها .. ولم يكن بالحسبان أن المؤامرة الدولية هي إتحاد إسرائيلي ـ أمريكي ، وبشكل غير مباشر إشراك كل من العراق وإيران .. للوصول الى هدف إسرائيلي توراتي عمره الآف السنين وفي وقت وخطط لاحقة .. ألا وهو بابل والفرات ... أي العراق ..!
1980 ـ 1990 : صــدام ـ الخسارة والعناد ـ ...!
العقد الزمني الذي إبتدأ بالحرب العراقية ـ الإيرانية ، والنصر والزهو من قبل صدام ، إنتهى ذلك العقد بخسارة كبيرة له وتراجع بعد مغامرة حرب الكويت ...! ولكن هناك حقيقة سجلت وهي فشل المخابرات الأمريكية وبالتالي الإدارة الأمريكية بخصوص طهران .. حيث ظهر نوع من التقارب الإيراني ـ السوفياتي إنطلاقا من مصالح تجارية ، والتأثير الإيراني في أفغانستان .. هذا من جهة ، ومن الجهة الثانية .. فشل التحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي في إشعال الحرب العراقية الإيرانية .. لاسيما الخطأ الإسرائيلي التي وقعت به في غزو لبنان عام 1982 ، خلال سنوات الحرب ، والذي أفرز التحالف السوري ـ الإيراني لاسيما في إنشاء ( حزب الله ) في لبنان ، والذي يخضع في ولائه بالكامل لإيران ...!
أما فضيحة ( ايران كيت ) وهي تجهيز إيران بالسلاح الإسرائيلي وعجلات لطائرات الفانتوم الأمريكية المقاتلة التي تمتلكها إيران وذلك خلال حربها مع العراق ، فقد إنعكست سلباً على الإدارة الأمريكية أيضا ، وعلى حلفائها وحلفاء العراق في نفس الوقت ، ونعني بهم السعودية ودول الخليج
لو عدنا الى السنوات الأولى من الحرب العراقية ـ الإيرانية ، نرى أن صدام بدأ يواجه الصعوبات العسكرية منذ عام 1982 ، بالهجومات الإيرانية المضادة بواسطة الموجات البشرية ، خصوصا من شباب الحرس الثوري الإيراني ، ( حواري ) الخميني العقائديين ..! عندها شعرت إدارة ريغان أن النصر الإيراني سوف لن يكون في مصلحة أميركا .. فقررت أن ترمي بثقلها وراء صدام ولاسيما عن طريق المخابرات وطائرات التجسس لرصد تحركات الجيش الإيراني ، إضافة الى الدعم العسكري والمالي ، والأخير كانت قد تكفلت به السعودية ودول الخليج ..!
في تلك الفترة حضر الى بغداد للقاء صدام ( دونالد رامسفيلد ) الذي كان وزير الدفاع الأمريكي عند مهاجمة إدارة بوش للعراق عام 2003 ، وما بعدها ...! قدم رامسفيلد موفدا من الإدارة الأمريكية في 26 نوفمبر وفي 16 ديسمبر 1983 .. وتم عقد صفقات مع صدام تضمنت بيعه ( أسلحة كيمياوية ) ، وهي مابدأت تطلق عليه لاحقا إدارة بوش ( أسلحة الدمار الشامل ) .. ! وكانت هذه الخطوة لاحقة لقصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في 1981 ، وإزدياد الحقد العراقي على إسرائيل ..!
يبدو من سير الأحداث .. أنه كان هناك تقاطع بين المصالح الأمريكية الآنية .. والمصالح الإسرائيلية الإستراتيجية بخصوص العراق .
الأولى تتطلع الى مصالحها في المنطقة وخصوصا مع الدول الغنية بالنفط كدول الخليج والعراق .. ومحاولة إعادة إيران الإسلامية كما كانت إيران الشاهنشاهية الى الحضيرة الأمريكية وذلك لأهمية وعظم المصالح الأمريكية في إيران سواء من ناحية موقعها الجغرافي او ثرواتها النفطية أو تأثيرها السياسي مع وجود مشاكل أفغانستان والحرب الباردة الأمريكية ـ السوفياتية ...!
أما الثانية ، وهي إسرائيل .. فكان هدفها يتجاوز هذه المكتسبات التي لاتعني الكثير بالنسبة لها ، وأن هدفها هو .. هو ، الثابت والعقائدي ، ألا وهو العراق .. وتاريخ معاناة اليهود خلال السبي البابلي والآشوري للقبائل اليهودية .. وحلم الفرات الى النيل ..! ومثل هذه التطلعات أوالإستراتيجية البعيدة لايمكن أن تتم في ظل نظام كنظام صدام حسين ، أو أي نظام يعتمد الحس القومي العربي ، أو لايمكن الوثوق به كليا بالنسبة للأمن الإسرائيلي ووجود إسرائيل ....!!
لكن هذا التقاطع المصلحي بين إسرائيل وأميركا .. ماكان إلا بعمر الحدث العراقي ـ الإيراني .. وسرعان ماتبلور في إتحاد قوي ومؤكد ضد العراق ، وكان مقود القيادة هذه المرة بيد إسرائيل والصهيونية العالمية وحلفائها من المحافظين الجدد في إدارة جورج بوش ... وهو موضوعنا للقسم التالي ...
lalhamdani@yahoo.com
No comments:
Post a Comment