Tuesday, March 18, 2008

من أجل بابل والتلمود ... تمّ ذبح العراق ..!



علي الحمـــداني 5


صدام حسـين ، صفقات مع أمريكا .. وعداء مع إسرائيل ..!


قد يسأل المؤرخون أنفسهم : لماذا أخذ العداء لصدام حسين كل هذا الوقت الطويل بالنسبة لأميركا وإسرائيل لكي يظهر بالصورة التي ظهر عليها ...؟
منذ وقت مبكر ، كان كانت المصلحة الأمريكية والإسرائيلية في العراق كبيرة . ومنذ نشوء إسرائيل وبكلمة أدق ، منذ قيام ثورة 1958 ضد الحكم الملكي ، كان الهاجس الإسرائيلي حول العراق هو مايتعلق بأمنها الوطني من جهة ودفاعها ضد عدو إستراتيجي من جهة ثانية . وقد تضاعف هذا الهاجس في الستينات والسبعينات وخلال تسلم حزب البعث للسلطة في العراق ، خصوصا وأن صدام كان يؤكد في كل مناسبة على ( سحق الصهيونية ) وعلى ( تحرير فلسطين ) ..! في حين كانت الولايات المتحدة ترى في النفط والمصالح الأمريكية في العراق فرصة كبيرة لدعم نموها الإقتصادي وتوسيع نفوذها السياسي ..! ولكن عندما إتفق الطرفان ( أميركا وإسرائيل ) في بداية التسعينات على إزالة صدام وإحلال نظام عراقي محله أكثر موالاة لأميركا ومصالحها وبالتأكيد إسرائيل .. رأى الإثنان أن من تبعات ذلك سيكون القيام بإعادة البناء في العراق ، وهذا بحد ذاته هدف استراتيجي لتحقيق هيمنة الشركات الأمريكية والإسرائيلية وجني الأرباح الطائلة من وراء ذلك إضافة الى البعد السياسي الإستراتيجي لمجمل العملية ...!

كان التأييد الأمريكي لنظام البعث في إنقلاب عام 1968 ، وحسب المصادر والتقارير المتوفرة ، أكبر بكثير من تأييدها لإنقلاب البعث الأول عام 1963 . تاريخيا ، وضمن الحسابات السياسية المعلنه ، يظهر إسم ( روبرت أندرسون ) .. أحد ملوك النفط في تكساس .. والذي أصبح لاحقا وزير المالية الأمريكي في عام 1956 ، قبل العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر ، أو مايعرف بحرب السويس . حاول الرئيس الأمريكي آنذاك ( آيزنهاور ) وكذلك وزير خارجيته ( جون فوستر دلاس ) إرسال أندرسون في مهمة الى الشرق الأوسط في محاولة لإقناع كل من ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل والرئيس المصري جمال عبد الناصر بالإتفاق ومحاولة الوصول الى صفقة ما بهذا الخصوص .. ! كان بن غوريون مستعدا للقاء ناصر بشرط عدم البحث في أي موضوع يتعلق بمسالة الحدود الإسرائيلية ، ورأى عبد الناصر أنه سوف لن يخرج بنتيجة إيجابية من وراء ذلك .. وعليه فشلت المحاولة ولم يتحقق الإجتماع المقترح ...!

فشل أندرسون ، مرة ثانية ، في مهمة محاولة إحلال السلام ، وعن طريق تبادل تجاري هذه المرة وبالنيابة عن الرئيس الأمريكي القادم من تكساس أيضا ( لندون جونسون ) ، وذلك قبيل إندلاع حرب 1967 بين العرب وإسرائيل .. ففي 24 أيار ، تكلم الرئيس جونسون مع أندرسون لوقف التدهور الحاصل في العلاقة العربية الإسرائيلية والتي تشير الى قرب إشتعال الحرب بينهما . لهذا الغرض سافر أندرسون الى القاهرة في مهمة سرية ووصلها يوم 30 أيار ، حيث كان السفير الأمريكي هناك ( دك نولتي ) .. وصل أندرسون بعد ساعات فقط من قيام الملك حسين بتوقيع إتفاقية دفاع مشترك مع عبد الناصر ، الأمر الذي جعل إحتمالات الحرب تبدو أكثر حدوثاً .. كان أندرسون يؤمن بأن الصفقات التجارية لها مفعولها في حل المشاكل السياسية وإصلاح الوضع المتدهور في الشرق الأوسط ..! لهذا إقترح في لقائه مع عبد الناصر ، أن يرسل نائبه عبد الحكيم عامر في زيارة الى الولايات المتحدة . كان وراء ذلك المقترح هو إغراء مصر بالمساعدات المالية خصوصا بعد أن كانت أميركا في عهد ايزنهاور قد رفضت تمويل مشروع السد العالي في أسوان ، وهو أحد أسباب إشتعال حرب عام 1956 ، بعد أن قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس .. وحاول هذه المرة أن يبدي إستعداد أميركا للدخول في صفقات مجزية لمصر ، مما يمكن معه وقف ناصر لعدائه لإسرائيل وبالتالي نزع فتيل الحرب ...! أما عبد الناصر ، فقد أصر على أن قيام إسرائيل ببناء حشودها ضد سوريا لغرض مهاجمتها ، سوف يدفع بمصر الى مهاجمة إسرائيل لامحالة ..! وأقترح أن يقوم نائبه الآخر زكريا محي الدين بزيارة الى أميركا بدل عبد الحكيم عامر ، وتمت الموافقة على ذلك ... ولكن كانت إسرائيل قد أتمت خططها وإستعداداتها العسكرية والإستخباراتية للبدء بالهجوم .. وهذا ماكان في 5 حزيران 1967 ...!

المهمة الثالثة لأندرسون كلاعب أساسي ، حدثت هذه المرة ، في العراق ...! بعد تموز 1968 ووصول البعث الى السلطة .. هذه المرة كانت كل الحسابات مبنية على الأساس التجاري كما هي عادة أندرسون في مهماته السرية والعلنية ..!

كانت شركة النفط الوطنية العراقية ، قد أعطت ترخيصا للتنقيب عن النفط لشركة النفط الفرنسية كما أنها قد دعت السوفيات الى تطوير حقول نفط الرميلة الجنوبية قرب الحدود الكويتية .. كان كل من الفرنسيين والروس قد نجح في مهمته وفي تسويق النفط العراقي ..! مما دعى الى إهتمام جدي من قبل شركات النفط الأمريكية في تكساس وفي غيرها من الولايات ..
في نفس الوقت ، كان سعر الكبريت ، قد بدأ بالصعود في الأسواق العالمية ، وكانت فرنسا أيضا المستفيد الأول من ذلك من خلال عقد كان قد منح لها في عام 1966 من قبل الرئيس العراقي آنذاك عبد الرحمن عارف ..
بدأت الشركات النفطية الأمريكية ، وبمباركة البيت الأبيض ، بمحاولة كسر الإحتكار الفرنسي ـ السوفياتي لثروات العراق من النفط والكبريت ، فقام مجموعة من ممثلي هذه الشركات بقيادة (بول باركر ) المقرب من وزارة المالية والبيت الأبيض ، بزيارة الى بيروت للقاء السفير العراقي هناك ناصر الحاني ، ولطفي العبيدي ، المحامي العراقي المقيم هناك والذي على علاقة جيدة بكبار البعثيين العراقيين .. هذا في الوقت الذي بدأ أندرسون بجولات بين واشنطن وبغداد لتقديم (عروض مفتوحة ) للحكومة العراقية لشراء النفط والكبريت وتسويقهما . وأخيرا نجح باركر وبمساعدة العبيدي بترتيب لقاء بين أندرسون وأحمد حسن البكر لمناقشة موضوع النفط والكبريت والعروض الأمريكية بخصوصهما ..!


الحرب السرية الإسرائيلية ضد صدام ...!

كان لصعود نجم صدام حسين في الهيمنة السياسية في العراق ، يثير قلق المخابرات الإسرائيلية ، التي إعتبرت أن تهديد العراق لإسرائيل آخذُ في النمو .. واستندوا في ذلك على فرضية أن قوة العراق الإقتصادية بدأت تكبر ، ودخوله في إتفاقات مع كبريات الشركات العالمية وبناء قوته العسكرية سيمكنه من أن يتحدى إسرائيل ( بأسلحة دمار شامل ...!) في أي وقت ..! وكان القلق الأبرز في ذلك هو رغبة العراق في بناء مفاعل نووي ..!

وفعلا قامت إسرائيل في عام 1981 ، بضرب المفاعل النووي العراقي قيد الإنشاء بالقرب من بغداد بواسطة المقاتلات الإسرائيلية وتدميره ، في الوقت الذي كان العراق يخوض الحرب مع إيران وبتأييد أمريكي ...!

من بعد ظهر يوم غائم ، في بداية عام 2004 ، يقول الكاتب جون كولي ، إستقليت سيارة أجرة من الفندق الذي كنت أقيم فيه في تل أبيب ، وكانت وجهتي مقابلة أهم شخصية إسرائيلية عملت على التخطيط والتنفيذ لضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 ، حين كان برتبة عقيد في القوة الجوية الإسرائيلية ، ثم أصبح بعد ذلك ضابط في جهاز المخابرات الإسرائيلي ( الموساد ) ، ثم بعد تقاعده قفز الى طبقة اصحاب الملايين من خلال صفقات الأسلحة .. ذلك هو ( ياكوف نمرودي ) .. الذي وافق على مقابلتي بعد أن أخبرته أنني قمت بعدة زيارات الى طهران في عهد الشاه قبل عام 1979 حيث أن نمرودي كان على علاقة بالشاه وبكبار جنرالاته لأكثر من 25 عاماً ...! واليه تعزى كثير من الإرتباطات الإيرانية ـ الإسرائيلية المهمة والمعقدة ....!

بالقرب من قصره المنيف في ضاحية تل أبيب ( سابيون ) ، تقع منطقة ( أورا يهودا ) التي هي مقر اليهود العراقيين وجمعيتهم التي شكلها ( مردخاي بن بورات ) باعتبارهم من الناجين من عملية
( عزرا ـ ناحيميا ) في العراق والتي أتينا على ذكرها في حلقة سابقة ..
في حدائق القصر الذي تنتشر في مدخله السيارات الفارهة ، وكلاب الحراسة ، والحراس الشخصيين كان هناك إبنه ( أورين ) صاحب وناشر صحيفة ( معارييف ) الإسرائيلية ...!

قدم لي نمرودي في بداية اللقاء ، مذكراته في جزئين ، والتي مطبوعة بالعبرية ، معلقا ، أنه يتوجب علي إيجاد مترجم جيد لها .. ثم أخبرني كيف أنه وُلد في العراق عام 1926 ، وأنه حُمل الى القدس عندما كان سنه عشرة أيام فقط ...! وكان واحد من أحد عشر أخ وأخت في عائلة تتكلم العربية والعبرية .. وأنه كان عليه أن يعمل منذ كان صغيرا ، إضافة الى الدراسة ، وذلك لغرض دعم عائلته ماليا ... وعندما كان عمره 16 عاما ، إنخرط في الميليشيا الصهيونية . وبسبب نشاطه وإتقانه للعربية ، فقد كلف بعدة مهمات سرية وهو في العشرينات من عمره .. وبعد إعلان إسرائيل في 1948 ، عمل كضابط في المخابرات العسكرية الإسرائيلية في عمّان ..! في 1955 أُرسل مع زوجته الى طهران للمساعدة ، كممثلين للوكالة اليهودية ، في ترتيب ترحيل اليهود الإيرانيين الى إسرائيل .. وفي تموز 1958 ، وعند قيام الثورة في العراق وإنهاء العهد الملكي ، عاد بزيارة قصيرة الى إسرائيل .. وخلال عمله في طهران ، تمكن من بناء علاقة مع الشاه الذي كان يظهر التعاطف والتقرب الى إسرائيل ، وتمكن من دعوة الجنرال ( علي كيا ) رئيس المخابرات العسكرية الإيرانية في حينه لزيارة إسرائيل وقام شخصيا بضيافته ..! وقد إقترح كيا خلال زيارته لإسرائيل أن تقوم إسرائيل بتعيين ملحق عسكري إسرائيلي في طهران .. وقبل بن غوريون المقترح ، وتم تعيين نمرودي نفسه في ذلك المنصب ..! وخلال عقد من الزمن ، قامت كل من إسرائيل وإيران بالتحالف مع القيادات الكردية في العراق لخلق المشاكل للنظام العراقي الجديد .. ومن أبرز نشاطات نمرودي لاحقا ، وفي عام 1967 ، أنه قام بترتيب شحن كافة الأسلحة الروسية الصنع التي إستولت عليها إسرائيل في الحرب العربية ـ الإسرائيلية ذلك العام الى الأكراد في شمال العراق ...!!
في 1970 ، عاد الى إسرائيل ، وكان يطمح أن يعين حاكما على الضفة الغربية المحتلة . ذلك الطموح لم يتحقق من قبل الحكومة الإسرائيلية ، مما حدا به الى الإستقالة والتفرغ للعمل التجاري وخصوصا صفقات السلاح ، ويعلق على ذلك أن قرار الحكومة الإسرائيلية ذاك ، جعل منه مليونيراً....!
ونظرا لمكانته الجديدة كتاجر سلاح بارز ، إقترح قائد القوة الجوية الإسرائيلية ، إرسال نمرودي الى طهران للمرة الثالثة ، ولكن هذه المرة بصفته ممثلا لصناعة السلاح الإسرائيلية ..! وقد قام ببناء علاقات قوية مع العائلة المالكة الإيرانية ومنهم عم ( الشاهبانو فرح ديبا ) زوجة شاه إيران ... وتمكن من عقد صفقات سلاح إسرائيلي لإيران .. كما جهزهم بخمسين مشروع للمياه من الصناعة الإسرائيلية ، حققت خلالها إسرائيل مليارات الدولارات من الأرباح ...!

أما مايتعلق بالعراق ، فقد كانت اسرائيل قد وضعت إهتمامها على الطائرة الروسية الجديدة آنذاك وهي ( ميغ 21 ) والتي كان العراق قد إشترى بعضا منها لقوته الجوية ، وكذلك تمتلكها القوة الجوية المصرية ، وكانت تريد الحصول على أحدها لدراستها فنيا من الناحية القتالية والتكنيكية ..! وهنا بدأ دور المدعو ( جين توماس ) وهذا هو الإسم الذي كان يستخدمه المصري المولد ، الأمريكي الجنسية ، والذي ترك مصر في عام 1952 . كانت الموساد قد جندته للعمل في ألمانيا ( الغربية ) آنذاك .. وقد عرضت إسرائيل مبلغ مليون دولار للطيار المصري الذي يهرب بواحدة منها الى إسرائيل ، وحين تم العثور على هذا الطيار من قبل توماس والمدعو ( أديب حنا ) ، كانت المحاولة قد كشفت من قبل المخابرات المصرية وألقي القبض على توماس وحنا وآخرين وتم إعدامهم ..

إستمرت المحاولات الإسرائيلية ، ولكن هذه المرة بالتركيز على العراق .. حيث قام شخص يدعى (يوسف ) بالإتصال بنمرودي في إيران ، وأخبره أن أخت صديقته ، متزوجة من طيار عراقي مسيحي إسمه ( منير روفا ) وهو من المتخصصين بقيادة طائرة ( ميغ 21 ) وآمر للقاعدة الجوية قرب كركوك .. وأخبرهم أيضا أن روفا قد رفض طلبه بنقله الى بغداد ليكون قرب عائلته ، وأنه كان من غير الموثوق بهم من قبل السلطة ، حتى أنه لم يكن يسمح له بالطيران إلا لمسافات قصيرة ومحدودة وتحميل خزان طائرته بوقود قليل يكفي لمدة طيران محددة كضرب معاقل الأكراد المتمردين في جبال شمال العراق .. وأن روفا مستعد للقيام بمهمة خطف الطائرة وإيصالها الى إسرائيل ولكنه يحتاج لمساعدة الإسرائيليين .

تم لقاء روفا في بيت سري في أوربا ، من قبل ضابط إستخبارات القوة الجوية الإسرائيلية ويوسف في حين كان ( أميت ) رئيس الموساد الإسرائيلي يراقب اللقاء بسرية من غرفة مجاورة ...! وكانت شروط روفا أن تخرج زوجته وأطفاله وبعض أقربائه من العراق أولا ، إضافة الى مبلغ المليون دولار ثمن العملية يدفع عند إكمالها .
قام عملاء الموساد في بغداد .. بتسفير عائلة روفا الواحد بعد الآخر بحجج السياحة أو العلاج في أوربا .. ثم دعي روفا الى زيارة سرية لإسرائيل ليرى القاعدة الجوية التي سيهبط بطائرته فيها .. تمت سفرته من فرنسا الى إسرائيل بمرافقة عميلة للموساد أميركية الأصل وبواسطة وثائق سفر مزورة ، وهناك قابل الجنرال ( مردخاي هود ) قائد القوة الجوية الإسرائيلية والذي طمأنه بخصوص كافة الترتيبات له ولعائلته ، وكذلك النواحي الفنية ، ومنها تجهيز طائرته بالوقود الكافي لطيران 900 كيلومتر لكي يصل الى إسرائيل ...!
بدأت رحلته يوم 16 أب 1966 .. عبر أجواء شمال الأردن بمحاذاة الحدود السورية ، وحين إالتقط الرادار الأردني الطائرة وصل الخبر الى الملك حسين ، حيث طلب الإتصال بسوريا لعلها إحدى طائراتهم تقوم بطلعات تدريبية ...! ولكن هذا الوقت كان كافيا لمنير روفا كي يهبط بطائرة الميغ 21 العراقية في مطار إسرائيلي ....!!!

للحديث بقية ....
lalhamdani@yahoo.com

No comments: