لم تحظى اي دولة من دول الشرق الاوسط من الاهتمام الامبريالي سواء الغربي او الشرقي كما حظيت ايران
سواء من قبل بريطانيا زعيمة الامبرياليه القديمه او اميركا التي تزعمت الامبرياليه بلونها وشكلها الجديد بعد الحرب العالمية الثانيه ، وكذلك كان الحال مع الاطماع الامبرياليه الشرقيه والتي كانت تمثلها روسيا القيصريه قبل 1917 ثم الاتحاد السوفياتي على مدى سبعين عاما حتى سقوط النظام الشيوعي في اواخر الثمانينات من القرن الماضي وحتى بعد قيام الدولة الروسيه الحديثه ذات الاستراتيجيه الجديدة والعلاقات الدوليه المختلفه ابتداءا من غورباتشوف الذي عمل على هدم النظام الشيوعي التقليدي متحالفا مع الغرب والذي وصفته رئيسة الوزراء البريطانيه انذاك مارغريت تاتشر ( بالرجل الذي نستطيع التعامل معه ) الى يالستين الذي ذهب بعيدا في تطبيع علاقات بلاده مع الغرب خصوصا باعتماد نظرية الاقتصاد الحر او الرأسماليه نقيضة الاشتراكيه حتى وصول رجل المخابرات الروسي السابق فلاديمير بوتين الى رئاسة روسيا ولايزال رجلها القوي الذي اعاد الى الأذهان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ولكن باسلوب مختلف هذه المره .
لماذا هذا الأهتمام العالمي بايران ومحاولة الاستحواذ على الحصة الأكبر من بلد يعتبر من دول العالم الثالث عانى شعبه لفترات طويله من الفقر والجهل والتسلط ؟
لقد اوردنا في القسم الثاني من هذا المقال بعض العوامل المهمة وراء التكالب الامبريالي على ايران نذكر بها وباختصار : أن ايران بلد نفطي وانها تتمتع بموقع جغرافي متميز وانها ذات انتماء مذهبي اسلامي مغاير لمن حولها من الدول الاسلاميه والعربيه وبالتالي يمكن استثمار ذلك في تحقيق مكاسب آنيه او مرحليه ، واضيف هنا عاملا رابعا ربما له نفس الأهميه التي للعوامل السابقه الا وهو ان ايران وعلى مدى تاريخها القديم والمعاصر دولة ذات تعصب قومي يكاد يكون متطرف وهو القوميه الفارسيه وهذه نقطة مهمة يمكن اللعب عليها واستثمارها لضرب اي تيار قومي عربي وابقائها البعبع الذي يخيم شبحه على الدول العربية القريبه ويكون فاعلا بصورة اقوى اذا ما امتزج مع التطرف المذهبي الشيعي بالنسبة للدول العربيه السنيه خصوصا منطقة الخليج والسعوديه . هذا العامل بالذات اعتقد انه كان الوتر الذي لعبت عليه اسرائيل لأنه يتطابق جملة وتفصيلا مع اهدافها ومخططاتها في المنطقه وكانت سباقة في استثماره زمن شاه ايران بحكم علاقاتها الطيبة معه وكثرة الجالية اليهوديه داخل ايران وتعاونها العسكري معه بشكل مباشر او من خلال جنوب افريقيا والاستفادة من النفط الايراني الذي كان يمثل عصب الحياة فيها . هذا التعاون لم يتغير ضمنيا ولكنه تغير شكليا بعد سقوط نظام الشاه و خصوصا خلال الحرب العراقية الايرانيه وانكشاف فضيحة صفقات الاسلحة الاسرائيليه لايران الخميني الاسلاميه والتي سميت بفضيحة ( ايران غيت ) في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة الامريكيه تمد نظام صدام حسين في العراق بكل احتياجاته العسكريه والاستخباراتيه واستخدام طائرات الاواكس التجسسيه الامريكيه من القواعد الامريكيه في المملكة العربيه السعوديه ونقل المعلومات عن تحركات الجيش الايراني الى القيادة العراقيه ، اضافة الى الامدادات الماليه السخية من قبل السعوديه والكويت للنظام العراقي . ظاهر الحال في هذه المعادله يتناقض مع المنطق ولكنه بالعمق لايشكل اي تناقض اذا ماعرفنا اسباب الحرب العراقيه الايرانيه الحقيقيه ضمن مخطط السياسة الدوليه والاهداف الصهيونيه واطماعها في المنطقه . وقبل ان نتطرق الى هذه النقطه لابد من الاشارة الى انه وللعوامل التي ذكرناها آنفا فيما يتعلق باهمية ايران للغرب وامريكا بالذات فانه يصبح من قبيل السذاجة السياسيه ان نتصور ان امريكا يمكن ان تتخلى عن ايران التي تعتبر حجر الزاويه في بناء المصالح الامريكيه في الشرق الاوسط . ولفهم ذلك يتوجب علينا العودة الى الوراء قليلا والى الفترة التي سبقت سقوط شاه ايران واقامة الجمهورية الاسلاميه في 1979.
لعب شاه ايران دور رجل امريكا المهم في منطقة الشرق الاوسط واصبح يطلق عليه شرطي الخليج وحين قام باحتلال الجزر العربيه الثلاث في الخليج والتابعة جغرافيا وسكانيا لدولة الامارات العربيه المتحدة وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى لم تحرك امريكا ساكنا بالرغم من العلاقات السياسية والاقتصاديه والمصالح المشتركة التي تربطها بالامارات او السعوديه وبقية دول الخليج العربيه وكأنما قد تم ذلك بمباركة امريكيه واتفاق مع الشاه ، وحين شعرت الولايات المتحدة انها قد استنفذت طاقات الشاه وان ابقائه في عرشه هو من قبيل المغامرة خصوصا وقد بدأ الشارع الايراني بالتململ وازداد الشاه غرورا وعنجهية بحيث اصبح يتصور نفسه انه يمكنه التصرف بما تحت يديه من قوة اقتصادية وعسكرية بمعزل عن اميركا ، قررت امريكا بدء العد التنازلي لنظامه وكانت الخطوة الاولى في هذا المجال مصالحته مع رجلها الثاني في العراق صدام حسين وانهاء حالة التوتر بين البلدين وايقاف التمرد الكردي في شمال العراق ضد نظام صدام والذي كان يتلقى عونا مستمرا من نظام الشاه ، فكانت اتفاقية شط العرب ومؤتمر الجزائر بين الرجلين قدم فيها العراق تنازلات من مياهه وحدوده وتعهد الشاه بوقف مساعدته للأكراد والتخلي عنهم ووضع خلال التفاوض امام صدام شرطا ارادته امريكا وكان الزعيمين متفقين عليه ضمنيا ، ذلك هو اخراج أية الله روح الله الخميني الموسوي الذي كان عدو الشاه اللدود والذي التجأ الى العراق وحماية صدام حسين واقام في مدينة النجف العراقيه لقرابة اربعة عشر عاما . وافق صدام ونفذ ذلك فور عودته الى العراق من الجزائر ، وخرج الخميني الى الكويت التي رفضت اقامته وهي غير مخيره او غيرها من دول المنطقه في قبوله من رفضه واتجه الى فرنسا الدولة الاوربيه الغربيه والعضو في حلف الناتو مع امريكا وبريطانيا واقام هناك في ضواحي باريس لعدة سنوات يدير خلالها الثورة الشعبيه ضد شاه ايران من خلال تعليماته وخطبه وفتاويه على اشرطة الكاسيت التي كانت توزع بالملايين على الشعب الايراني الذي كان ينظر اليه رمزا دينيا مقدسا ومرجعا اعلى واماما وقائدا يسعى الى تخليصه . السؤال المهم الذي يطرح هنا وهو من قبيل البديهيات : كيف ترك شاه ايران الخميني لسنوات عدة في النجف وفي فرنسا يقود انقلابا على نظامه دون ان تصل اليه يد السافاك ( المخابرات الايرانيه ) القويه والمتمرسه ؟ ثم ينتقل الخميني مع مجموعة من رجاله الذين شكلوا النواة الاولى لحكومة الجمهوريه الاسلاميه فيما بعد ، كيف ينتقل بالطائرة الى مطار طهران ومنها الى قم وشاه ايران لايزال موجودا في ايران على رأس السلطة والجيش والامن والسافاك ولا يستطيع ان يحرك ساكنا وهو على ماعرف عنه من مكابرة وغرور ودكتاتوريه على رأس امبراطوريه يقول انها تمتد لالاف السنين ؟ اسئلة كثيرة لم يفصح عنها بمنطق مقبول رغم ماكتب عن ذلك من كتب ومقالات وبحوث .. الجواب الاكثر قبولا وان كان غريبا لو طرح انذاك وربما الان ايضا هو أن خيوط هذه العملية المعقدة كانت بيد امريكا واسرائيل فقد حان الوقت لاخراج الشاه واسقاط الملكيه واحلال جمهوريه شيعيه ثوريه في المنطقه تنفذ من خلالها الصفحات التاليه في المخطط الشرق أوسطي والعالم الاسلامي ، تماما كما حدث بعد ذلك بثلاث عقود لصدام حسين في العراق ولكن ليس قبل ان يقوم بدوره كاملا .
خرج شاه ايران من طهران مع عائلته وكانت اول دولة رفضت اقامته فيها هي الولايات المتحدة الامريكيه ..! أليس ذلك دليل ظاهري ساطع لحسن النيه تجاه النظام الايراني الجديد امام الشعب الايراني وشعوب المنطقه وحيادية امريكا في هذا ( الحدث الداخلي ) في ايران ...!؟ المهم ان الايعاز صدر لرجل امريكا الاخر وهو الرئيس المصري انور السادات لقبول الشاه المريض لاجئا في ارض الكنانة حتى توفاه الله هناك.
كانت مشكلة الخميني تكمن في الموازنه بين مركزه الديني وموقعه السياسي الذي يتطلب منه اتخاذ القرارات السياسيه ، وقد حاول ان يلقي بثقل القرار السياسي على رئيس الجمهوريه الذي عينه وهو ابي الحسن بني صدر الليبرالي الى حد ما ولكن الشارع الذي كان يعيش بفوضى نشوة الانتصار منع الأخير من ان يتصرف في اتخاذ القرار فاقيل من منصبه خصوصا بعد ان دخل الغوغاء على الخط وقاموا باحتلال السفارة الايرانيه واحتجزوا داخلها الامريكان كرهائن . يعتقد الكثير من المحللين السياسيين ان الخميني لم يكن موافقا على هذا العمل ولكنه لم يكن باستطاعته التصريح ضده او بإنهائه وهو يجمع مركز اية الله ومرشد الثورة الديني من جهة وقائدها السياسي من جهة اخرى وقد سبق وان اطلق على امريكا لقب ( الشيطان الاكبر ) وتجاوب الشارع مع هذا الاعلان وقام باحتلال السفارة الامريكيه . كانت هذه الخطوة تمثل للأمريكان تراجعا من الخميني وجحودا لأفضالهم في التخلي عن الشاه وحماية الخميني طوال فترة وجوده في فرنسا وضمان عودته الى ايران دون ان يحرك الشاه ساكنا ضده ، كما انها الخطوة التي يبدو ان امريكا كانت تتوقعها وتنتظرها لكسر شوكة النظام المتطرف الجديد واضعافه والأكثر من ذلك ابقائه معتمدا على نفوذها وقوتها ولكن بشكل غير ظاهر كما كان في عهد الشاه باعتباره النظام الثوري المعادي لاميركا والمسير لخدمة مخططاتها في المنطقه تماما كما كان الحال مع نظام صدام وغيره من النظم ( الثوريه ) العربيه . ابتدأت اولا بالمشاورات بهذا الخصوص مع الرئيس الباكستاني ضياء الحق الذي لم تجد منه اذنا صاغيه وتجاوبا معها لضرب ايران عسكريا ، وبعد ان احترقت طائرة ضياء الحق به في ( حادث ) التفتت الى صدام الذي اعتقد انها فرصته ليصبح الشاه الجديد في المنطقه وليحقق حلمه في كسر شوكة غريمه الخميني الذي كان يواصل حملته الاعلاميه عليه متخذا من اخراجه من العراق عذرا وسببا لذلك ، اضافة الى نشر الدعاية الامريكيه لمخاوف تصدير الثورة الشيعيه الى العراق ودول الخليج والتي كان الخميني ايضا قد تبناها في تصريحاته وخطبه .
قامت الحرب العراقيه الايرانيه في سبتمبر / ايلول من عام 1980 بعد مناوشات عسكريه مفتعله لعدة اشهر واستمرت لمدة ثمان سنوات تبادلت خلالها كل من الولايات المتحدة واسرائيل الادوار في مساعدة هذا الطرف او ذاك كما اطلق خلالها سراح الاسرى الامريكان في السفارة الامريكيه في طهران بعد 444 يوما كبادرة حسن نيه من قبل الايرانيين عندما كانت كفة الحرب تميل بالنصر نحو صدام . انتهت الحرب عام 1988 وخرج صدام منتشيا وتجرع الخميني كما قال كأس السم حين وقع على ايقاف الحرب والاقرار بخسارته فيها وكانت حقيقة من ناحية عسكريه تعبويه واستراتيجيه حرب اللاخسارة ولا النصر لكلا الطرفين .
رأت ايران بعد كل هذه السنين بوجوب التحالف مع الولايات المتحدة بعد ان اكلت الطعم فبدأت اتصالاتها ولعبت اسرائيل دورها في هذا الصدد وتم حدوث نوع من الغزل السياسي والتماس البسيط بين الطرفين تحول لاحقا وبعد 1988 الى زواج سري غير معلن من طراز زواج المتعة او الزواج العرفي خصوصا بعد رحيل الخميني رمز الثورة الايرانيه . يبدو أن صدام لم يكن على علم بما يحدث وان ايران قد عادت لتكون شريك سياسي وحليف جديد لاميركا وعدو تقليدي مزمن ظاهريا .
بدأ العمل للوثوب الى المرحلة الثانية من المخطط الشرق اوسطي الجديد وذلك هو دفع صدام وخداعه باحتلال الكويت وهذا الكلام ليس من نسج الخيال وقد ورد على لسان السفيره الامريكية في العراق ابرل وكذلك روس بيرو مرشح الرئاسة الامريكيه المستقل ضد بوش الاب وكلنتون في المناظرة التلفزيونيه الشهيره بعد اخراج صدام مكسورا وذليلا من الكويت وبدء القصف الامريكي لبغداد وفرض العقوبات على نظام صدام وما تلاه من ارسال فرق التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل الوهميه في العراق والاهم من ذلك كسر شوكة الجيش العراقي وتحطيمه ماديا ومعنويا والتي بدأ معها العد التنازلي لنظام صدام والبعث في العراق واستمر ثلاثة عشر عاما حتى وقوع الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 بالرغم من كافة التنازلات التي اعطاها صدام للامريكان ، وكانت ايران تلعب دورا فاعلا في كل ذلك بموافقة امريكيه لجلب حلفائها من الاحزاب الشيعية العراقيه الى الحكم في العراق ومن ابرزها المجلس الاعلى للثورة الاسلاميه الذي كانة يتخذ من ايران مقرا له ويرأسه معمم من اصول ايرانيه
أود ان اخلص بهذه العجالة والاستعراض السريع للاحداث دون الدخول في تفاصيل اكثر الى ان ايران الدولة الشرق اوسطيه المهمة لم تكن يوما خارج اللعبه وانما كانت دائما الحليف المهم فيها .. كما ان الغرب ليس من الغباء ليترك دولة كايران حافظ على وجودها معه لأكثر من قرن لتكون خارج منظومة سيطرته وخططه و لتذهب لقمة سائغه لروسيا او الصين . وما نراه اليوم من اخذ ورد وشد وارخاء بين الطرفين فيما يتعلق بالانشطة النوويه الايرانيه ، وما نسمعه من تهديدات بالتلويح باستخدام القوة العسكريه من قبل اميركا واسرائيل ضد ايران لايتعدى على الاغلب الا ان يكون جزءا من تكتيك للوثوب الى الصفحة الجديدة من مشروع الشرق الاوسط الجديد خصوصا بعد ان اوصلت اميركا العراق الى ماهو عليه الان وما تقوم به من دور في الازمات الشرق اوسطيه الاخرى في سوريا او لبنان او فلسطين
هناك رأي مغاير لابد من التنويه اليه وهو ان شهر العسل الامريكي – الايراني قد انتهى وان المنطقة على حافة تغيرات جديده وتعديلات اقتضتها الظروف على خارطة الشرق الاوسط الجديد ، ومع اني لاأميل الى هذا الرأي الا انني سأناقش وفي القسم السادس والاخير من هذا البحث معطيات ومستلزمات واهداف الشرق الاوسط الجديد من زوايا مختلفه على ضوء مايجري في المنطقه التي اصبحت ساخنة جدا...!
سواء من قبل بريطانيا زعيمة الامبرياليه القديمه او اميركا التي تزعمت الامبرياليه بلونها وشكلها الجديد بعد الحرب العالمية الثانيه ، وكذلك كان الحال مع الاطماع الامبرياليه الشرقيه والتي كانت تمثلها روسيا القيصريه قبل 1917 ثم الاتحاد السوفياتي على مدى سبعين عاما حتى سقوط النظام الشيوعي في اواخر الثمانينات من القرن الماضي وحتى بعد قيام الدولة الروسيه الحديثه ذات الاستراتيجيه الجديدة والعلاقات الدوليه المختلفه ابتداءا من غورباتشوف الذي عمل على هدم النظام الشيوعي التقليدي متحالفا مع الغرب والذي وصفته رئيسة الوزراء البريطانيه انذاك مارغريت تاتشر ( بالرجل الذي نستطيع التعامل معه ) الى يالستين الذي ذهب بعيدا في تطبيع علاقات بلاده مع الغرب خصوصا باعتماد نظرية الاقتصاد الحر او الرأسماليه نقيضة الاشتراكيه حتى وصول رجل المخابرات الروسي السابق فلاديمير بوتين الى رئاسة روسيا ولايزال رجلها القوي الذي اعاد الى الأذهان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ولكن باسلوب مختلف هذه المره .
لماذا هذا الأهتمام العالمي بايران ومحاولة الاستحواذ على الحصة الأكبر من بلد يعتبر من دول العالم الثالث عانى شعبه لفترات طويله من الفقر والجهل والتسلط ؟
لقد اوردنا في القسم الثاني من هذا المقال بعض العوامل المهمة وراء التكالب الامبريالي على ايران نذكر بها وباختصار : أن ايران بلد نفطي وانها تتمتع بموقع جغرافي متميز وانها ذات انتماء مذهبي اسلامي مغاير لمن حولها من الدول الاسلاميه والعربيه وبالتالي يمكن استثمار ذلك في تحقيق مكاسب آنيه او مرحليه ، واضيف هنا عاملا رابعا ربما له نفس الأهميه التي للعوامل السابقه الا وهو ان ايران وعلى مدى تاريخها القديم والمعاصر دولة ذات تعصب قومي يكاد يكون متطرف وهو القوميه الفارسيه وهذه نقطة مهمة يمكن اللعب عليها واستثمارها لضرب اي تيار قومي عربي وابقائها البعبع الذي يخيم شبحه على الدول العربية القريبه ويكون فاعلا بصورة اقوى اذا ما امتزج مع التطرف المذهبي الشيعي بالنسبة للدول العربيه السنيه خصوصا منطقة الخليج والسعوديه . هذا العامل بالذات اعتقد انه كان الوتر الذي لعبت عليه اسرائيل لأنه يتطابق جملة وتفصيلا مع اهدافها ومخططاتها في المنطقه وكانت سباقة في استثماره زمن شاه ايران بحكم علاقاتها الطيبة معه وكثرة الجالية اليهوديه داخل ايران وتعاونها العسكري معه بشكل مباشر او من خلال جنوب افريقيا والاستفادة من النفط الايراني الذي كان يمثل عصب الحياة فيها . هذا التعاون لم يتغير ضمنيا ولكنه تغير شكليا بعد سقوط نظام الشاه و خصوصا خلال الحرب العراقية الايرانيه وانكشاف فضيحة صفقات الاسلحة الاسرائيليه لايران الخميني الاسلاميه والتي سميت بفضيحة ( ايران غيت ) في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة الامريكيه تمد نظام صدام حسين في العراق بكل احتياجاته العسكريه والاستخباراتيه واستخدام طائرات الاواكس التجسسيه الامريكيه من القواعد الامريكيه في المملكة العربيه السعوديه ونقل المعلومات عن تحركات الجيش الايراني الى القيادة العراقيه ، اضافة الى الامدادات الماليه السخية من قبل السعوديه والكويت للنظام العراقي . ظاهر الحال في هذه المعادله يتناقض مع المنطق ولكنه بالعمق لايشكل اي تناقض اذا ماعرفنا اسباب الحرب العراقيه الايرانيه الحقيقيه ضمن مخطط السياسة الدوليه والاهداف الصهيونيه واطماعها في المنطقه . وقبل ان نتطرق الى هذه النقطه لابد من الاشارة الى انه وللعوامل التي ذكرناها آنفا فيما يتعلق باهمية ايران للغرب وامريكا بالذات فانه يصبح من قبيل السذاجة السياسيه ان نتصور ان امريكا يمكن ان تتخلى عن ايران التي تعتبر حجر الزاويه في بناء المصالح الامريكيه في الشرق الاوسط . ولفهم ذلك يتوجب علينا العودة الى الوراء قليلا والى الفترة التي سبقت سقوط شاه ايران واقامة الجمهورية الاسلاميه في 1979.
لعب شاه ايران دور رجل امريكا المهم في منطقة الشرق الاوسط واصبح يطلق عليه شرطي الخليج وحين قام باحتلال الجزر العربيه الثلاث في الخليج والتابعة جغرافيا وسكانيا لدولة الامارات العربيه المتحدة وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى لم تحرك امريكا ساكنا بالرغم من العلاقات السياسية والاقتصاديه والمصالح المشتركة التي تربطها بالامارات او السعوديه وبقية دول الخليج العربيه وكأنما قد تم ذلك بمباركة امريكيه واتفاق مع الشاه ، وحين شعرت الولايات المتحدة انها قد استنفذت طاقات الشاه وان ابقائه في عرشه هو من قبيل المغامرة خصوصا وقد بدأ الشارع الايراني بالتململ وازداد الشاه غرورا وعنجهية بحيث اصبح يتصور نفسه انه يمكنه التصرف بما تحت يديه من قوة اقتصادية وعسكرية بمعزل عن اميركا ، قررت امريكا بدء العد التنازلي لنظامه وكانت الخطوة الاولى في هذا المجال مصالحته مع رجلها الثاني في العراق صدام حسين وانهاء حالة التوتر بين البلدين وايقاف التمرد الكردي في شمال العراق ضد نظام صدام والذي كان يتلقى عونا مستمرا من نظام الشاه ، فكانت اتفاقية شط العرب ومؤتمر الجزائر بين الرجلين قدم فيها العراق تنازلات من مياهه وحدوده وتعهد الشاه بوقف مساعدته للأكراد والتخلي عنهم ووضع خلال التفاوض امام صدام شرطا ارادته امريكا وكان الزعيمين متفقين عليه ضمنيا ، ذلك هو اخراج أية الله روح الله الخميني الموسوي الذي كان عدو الشاه اللدود والذي التجأ الى العراق وحماية صدام حسين واقام في مدينة النجف العراقيه لقرابة اربعة عشر عاما . وافق صدام ونفذ ذلك فور عودته الى العراق من الجزائر ، وخرج الخميني الى الكويت التي رفضت اقامته وهي غير مخيره او غيرها من دول المنطقه في قبوله من رفضه واتجه الى فرنسا الدولة الاوربيه الغربيه والعضو في حلف الناتو مع امريكا وبريطانيا واقام هناك في ضواحي باريس لعدة سنوات يدير خلالها الثورة الشعبيه ضد شاه ايران من خلال تعليماته وخطبه وفتاويه على اشرطة الكاسيت التي كانت توزع بالملايين على الشعب الايراني الذي كان ينظر اليه رمزا دينيا مقدسا ومرجعا اعلى واماما وقائدا يسعى الى تخليصه . السؤال المهم الذي يطرح هنا وهو من قبيل البديهيات : كيف ترك شاه ايران الخميني لسنوات عدة في النجف وفي فرنسا يقود انقلابا على نظامه دون ان تصل اليه يد السافاك ( المخابرات الايرانيه ) القويه والمتمرسه ؟ ثم ينتقل الخميني مع مجموعة من رجاله الذين شكلوا النواة الاولى لحكومة الجمهوريه الاسلاميه فيما بعد ، كيف ينتقل بالطائرة الى مطار طهران ومنها الى قم وشاه ايران لايزال موجودا في ايران على رأس السلطة والجيش والامن والسافاك ولا يستطيع ان يحرك ساكنا وهو على ماعرف عنه من مكابرة وغرور ودكتاتوريه على رأس امبراطوريه يقول انها تمتد لالاف السنين ؟ اسئلة كثيرة لم يفصح عنها بمنطق مقبول رغم ماكتب عن ذلك من كتب ومقالات وبحوث .. الجواب الاكثر قبولا وان كان غريبا لو طرح انذاك وربما الان ايضا هو أن خيوط هذه العملية المعقدة كانت بيد امريكا واسرائيل فقد حان الوقت لاخراج الشاه واسقاط الملكيه واحلال جمهوريه شيعيه ثوريه في المنطقه تنفذ من خلالها الصفحات التاليه في المخطط الشرق أوسطي والعالم الاسلامي ، تماما كما حدث بعد ذلك بثلاث عقود لصدام حسين في العراق ولكن ليس قبل ان يقوم بدوره كاملا .
خرج شاه ايران من طهران مع عائلته وكانت اول دولة رفضت اقامته فيها هي الولايات المتحدة الامريكيه ..! أليس ذلك دليل ظاهري ساطع لحسن النيه تجاه النظام الايراني الجديد امام الشعب الايراني وشعوب المنطقه وحيادية امريكا في هذا ( الحدث الداخلي ) في ايران ...!؟ المهم ان الايعاز صدر لرجل امريكا الاخر وهو الرئيس المصري انور السادات لقبول الشاه المريض لاجئا في ارض الكنانة حتى توفاه الله هناك.
كانت مشكلة الخميني تكمن في الموازنه بين مركزه الديني وموقعه السياسي الذي يتطلب منه اتخاذ القرارات السياسيه ، وقد حاول ان يلقي بثقل القرار السياسي على رئيس الجمهوريه الذي عينه وهو ابي الحسن بني صدر الليبرالي الى حد ما ولكن الشارع الذي كان يعيش بفوضى نشوة الانتصار منع الأخير من ان يتصرف في اتخاذ القرار فاقيل من منصبه خصوصا بعد ان دخل الغوغاء على الخط وقاموا باحتلال السفارة الايرانيه واحتجزوا داخلها الامريكان كرهائن . يعتقد الكثير من المحللين السياسيين ان الخميني لم يكن موافقا على هذا العمل ولكنه لم يكن باستطاعته التصريح ضده او بإنهائه وهو يجمع مركز اية الله ومرشد الثورة الديني من جهة وقائدها السياسي من جهة اخرى وقد سبق وان اطلق على امريكا لقب ( الشيطان الاكبر ) وتجاوب الشارع مع هذا الاعلان وقام باحتلال السفارة الامريكيه . كانت هذه الخطوة تمثل للأمريكان تراجعا من الخميني وجحودا لأفضالهم في التخلي عن الشاه وحماية الخميني طوال فترة وجوده في فرنسا وضمان عودته الى ايران دون ان يحرك الشاه ساكنا ضده ، كما انها الخطوة التي يبدو ان امريكا كانت تتوقعها وتنتظرها لكسر شوكة النظام المتطرف الجديد واضعافه والأكثر من ذلك ابقائه معتمدا على نفوذها وقوتها ولكن بشكل غير ظاهر كما كان في عهد الشاه باعتباره النظام الثوري المعادي لاميركا والمسير لخدمة مخططاتها في المنطقه تماما كما كان الحال مع نظام صدام وغيره من النظم ( الثوريه ) العربيه . ابتدأت اولا بالمشاورات بهذا الخصوص مع الرئيس الباكستاني ضياء الحق الذي لم تجد منه اذنا صاغيه وتجاوبا معها لضرب ايران عسكريا ، وبعد ان احترقت طائرة ضياء الحق به في ( حادث ) التفتت الى صدام الذي اعتقد انها فرصته ليصبح الشاه الجديد في المنطقه وليحقق حلمه في كسر شوكة غريمه الخميني الذي كان يواصل حملته الاعلاميه عليه متخذا من اخراجه من العراق عذرا وسببا لذلك ، اضافة الى نشر الدعاية الامريكيه لمخاوف تصدير الثورة الشيعيه الى العراق ودول الخليج والتي كان الخميني ايضا قد تبناها في تصريحاته وخطبه .
قامت الحرب العراقيه الايرانيه في سبتمبر / ايلول من عام 1980 بعد مناوشات عسكريه مفتعله لعدة اشهر واستمرت لمدة ثمان سنوات تبادلت خلالها كل من الولايات المتحدة واسرائيل الادوار في مساعدة هذا الطرف او ذاك كما اطلق خلالها سراح الاسرى الامريكان في السفارة الامريكيه في طهران بعد 444 يوما كبادرة حسن نيه من قبل الايرانيين عندما كانت كفة الحرب تميل بالنصر نحو صدام . انتهت الحرب عام 1988 وخرج صدام منتشيا وتجرع الخميني كما قال كأس السم حين وقع على ايقاف الحرب والاقرار بخسارته فيها وكانت حقيقة من ناحية عسكريه تعبويه واستراتيجيه حرب اللاخسارة ولا النصر لكلا الطرفين .
رأت ايران بعد كل هذه السنين بوجوب التحالف مع الولايات المتحدة بعد ان اكلت الطعم فبدأت اتصالاتها ولعبت اسرائيل دورها في هذا الصدد وتم حدوث نوع من الغزل السياسي والتماس البسيط بين الطرفين تحول لاحقا وبعد 1988 الى زواج سري غير معلن من طراز زواج المتعة او الزواج العرفي خصوصا بعد رحيل الخميني رمز الثورة الايرانيه . يبدو أن صدام لم يكن على علم بما يحدث وان ايران قد عادت لتكون شريك سياسي وحليف جديد لاميركا وعدو تقليدي مزمن ظاهريا .
بدأ العمل للوثوب الى المرحلة الثانية من المخطط الشرق اوسطي الجديد وذلك هو دفع صدام وخداعه باحتلال الكويت وهذا الكلام ليس من نسج الخيال وقد ورد على لسان السفيره الامريكية في العراق ابرل وكذلك روس بيرو مرشح الرئاسة الامريكيه المستقل ضد بوش الاب وكلنتون في المناظرة التلفزيونيه الشهيره بعد اخراج صدام مكسورا وذليلا من الكويت وبدء القصف الامريكي لبغداد وفرض العقوبات على نظام صدام وما تلاه من ارسال فرق التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل الوهميه في العراق والاهم من ذلك كسر شوكة الجيش العراقي وتحطيمه ماديا ومعنويا والتي بدأ معها العد التنازلي لنظام صدام والبعث في العراق واستمر ثلاثة عشر عاما حتى وقوع الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 بالرغم من كافة التنازلات التي اعطاها صدام للامريكان ، وكانت ايران تلعب دورا فاعلا في كل ذلك بموافقة امريكيه لجلب حلفائها من الاحزاب الشيعية العراقيه الى الحكم في العراق ومن ابرزها المجلس الاعلى للثورة الاسلاميه الذي كانة يتخذ من ايران مقرا له ويرأسه معمم من اصول ايرانيه
أود ان اخلص بهذه العجالة والاستعراض السريع للاحداث دون الدخول في تفاصيل اكثر الى ان ايران الدولة الشرق اوسطيه المهمة لم تكن يوما خارج اللعبه وانما كانت دائما الحليف المهم فيها .. كما ان الغرب ليس من الغباء ليترك دولة كايران حافظ على وجودها معه لأكثر من قرن لتكون خارج منظومة سيطرته وخططه و لتذهب لقمة سائغه لروسيا او الصين . وما نراه اليوم من اخذ ورد وشد وارخاء بين الطرفين فيما يتعلق بالانشطة النوويه الايرانيه ، وما نسمعه من تهديدات بالتلويح باستخدام القوة العسكريه من قبل اميركا واسرائيل ضد ايران لايتعدى على الاغلب الا ان يكون جزءا من تكتيك للوثوب الى الصفحة الجديدة من مشروع الشرق الاوسط الجديد خصوصا بعد ان اوصلت اميركا العراق الى ماهو عليه الان وما تقوم به من دور في الازمات الشرق اوسطيه الاخرى في سوريا او لبنان او فلسطين
هناك رأي مغاير لابد من التنويه اليه وهو ان شهر العسل الامريكي – الايراني قد انتهى وان المنطقة على حافة تغيرات جديده وتعديلات اقتضتها الظروف على خارطة الشرق الاوسط الجديد ، ومع اني لاأميل الى هذا الرأي الا انني سأناقش وفي القسم السادس والاخير من هذا البحث معطيات ومستلزمات واهداف الشرق الاوسط الجديد من زوايا مختلفه على ضوء مايجري في المنطقه التي اصبحت ساخنة جدا...!
No comments:
Post a Comment