Thursday, March 6, 2008

الحرب على الحقيقة

ــ ترجمة مختصرة ــ علي الحمــداني (2)



يقول جون كولي وهو محرر شؤون الشرق الأوسط ومراسل شبكة أخبار ( أي بي سي ) : إن نشاطات اسامة بن لادن في افغانستان حظيت بتأييد مطلق من قبل وكالة ألإستخبارات المركزية الأمريكية والسعودية ، وتم بتمويل من شركته صرف بلايين الدولارات لبناء الكهوف في الجبال والتي عرفت بمجمع ( تورا بورا ) . كم بنى طرق توصل الى هذه الكهوف ومخازن للمجاهدين . وفي 1986 ، ساعد وكالة الأستخبارت الأمريكية في تمويل بناء انفاق تؤمن وصول الإمدادات والأسلحة الى المجاهدين تحت الجبال المحاددة لباكستان .
ويضيف كولي : أن اسامة بن لادن كان يتمتع بشخصية متدينة ومتحمسا ( للوهابية ) والتي عمل النظام السعودي على إيصالها ونشرها خصوصا بين الشباب لوضع التدين يصب في خانة مصلحة الحاكم السعودي وبالترويج لها من قبل علماء الدين هناك والذين يلقون آذانا صاغية من متبعي التيار السلفي داخل وخارج المملكة .
لقد رأت فيه السعودية والمخابرات الأمريكية الشخص المثالي ماليا ودينيا وتحمسا لأداء دور مهم يلعبه في القضية الأفغانية . وبدأ اسامة بن لادن يدفع من ماله الخاص وأرباح شركاته لتجنيد المتطوعين العرب ونقلهم الى بيشاور أولا لتلقي تدريباتهم ثم نقلهم الى أفغانستان . ومع حلول عام 1985 ، كان اسامة بن لادن قد بدأ فعلا بتأسيس تنظيم القاعدة . وتحت التاثيرالسعودي وزهوه بهذه الشخصية ، قامت المخابرات المركزية بمنحه زمام تسيير الأمور كما كانت تفعل المخابرات الباكستانية

يقول مدير قسم " الفيزة " في السفارة الأمريكية في جدة آنذاك مايكل سبرنغمان ، أن المخابرات المركزية والمملكة السعودية كانت تجمعهما سياسة مشتركة لتسهيل وصول مرشحي بن لادن من المجاهدين السعوديين أو عن طريق السعودية الى الولايات المتحدة لتلقي تدريبات خاصة على الهجمات الإرهابية وحرب العصابات . ويضيف : لقد أمرتُ من قبل أعلى السلطات في وزارة الخارجية الأمريكية لمنح تأشيرات الدخول الى الولايات المتحدة لكثير من الأشخاص السعوديين وغيرهم حتى لإولئك الذين لاتتوفر لديهم المستمسكات والوثائق المطلوبة لمنح تأشيرات الدخول . كنت أشعر بالضغط الشديد والتدخل في عملي ومخالفة التعليمات وبأمر من الخارجية الأمريكية ، وحين سافرت الى اميركا عملت على الإتصال بالمسؤوليين هناك ، ولكنني قوبلت بالصمت المطبق حول إعتراضاتي ، ثم أُفهمت أخيرا أن ماأفعله هو أوامر عليا لجلب المتطوعين المرشحين من قبل اسامة بن لادن الى أميركا لأغراض التدريب لمقاتلة السوفيات في أفغانستان .. وأن هذا من مصلحة الأمن القومي الأمريكي ...!

خلال نفس الفترة ، كان قلب الدين حكمتيار ، مفتاح رئيسي في أدارة العمليات الأفغانية ، وتسلم مبالغ ضخمة من ألأمريكان عن طريق المخابرات الداخلية الباكستانية ، تصل لحد نصف بليون دولار سنويا .كما تعهدت السعودية بدفوعات منتظمة ومستمرة ، في حين لعبت المخابرات الباكستانية دور الوسيط في هذه العمليات ، كما كانت المخابرات المركزية الأمريكية تقوم بتجهيز السلاح ووضع الخطط وتدريب المقاتلين . كانت نقطة إدارة هذه النشاطات هي مقر للمخابرات الباكستانية على الطريق العام قرب مدينة راولبندي ، حيث كان يلتقي خبراء المخابرات الامريكية والباكستانية ، بحيث أصبحت المخابرات الباكستانية أداة بيد المخابرات المركزية الأمريكية في المنطقة .
بحلول عام 1988 ، كان قد تم تهيئة وتدريب 10,000 من المجاهدين على حرب العصابات وسلّحوا بمختلف انواع الأسلحة . كان اسامة بن لادن يعمل على توسيع القاعدة من خلال خلايا توزعت في 26 دولة على الأقل ومع علم الإدارة الأمريكية بذلك ، إلا انها أغمضت عينيها عن هذا النشاط لخلايا إرهابية ..!

كانت كل من المملكة العربية السعودية وباكستان ، وتحت أنظار اميركا تعملان على قامة امبراطورية مالية إسلامية بالغة التعقيد . وقد لعب اسامة بن لادن دورا رئيسيا في إدارة هذه الشبكة والتي كانت تشبه الى حد بعيد شبكات ( المافيا ) . وقد اشار مراسل التلفزيون السويسري الصحافي ريتشارد لابيفير ، المختص بشؤون الشرق الأوسط وافريقيا الى أن الشبكة كانت ترتبط بجهات سعودية في واشنطن وتتوسع في نفوذها وميزانيتها ، وكانت تجهز المخابرات المركزية بالقدرات لتجهيز المقاتلين ودعمهم ماليا وتدريبهم في كل أنحاء العالم الإسلامي . كان الواجب الأول لهؤلاء هو تعطيل قدرات الحركات الشيوعية التي تهدد المصالح الأمريكية ، ومن أحد نشاطاتها مد العون الى حركة جماعة الإخوان المسلمين في مصر. دينيا كانت من الخط الوهابي وسياسيا كانت ضمن الخط الإستخباراتي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وتعمل تحت إمرتها ، خصوصا فيما يتعلق بعلاقات العالم العربي مع الإتحاد السوفياتي ..! كذلك استقطبت المتطرفين الدينيين في باكستان للعمل مع السعوديين على نشر أنشطتهم في باكستان وافغانستان والجزائر واليمن واندونوسيا والفلبين ، كما تم تأسيس مراكز تمويلية في كل من ماليزيا ومدغشقر وجنوب افريقيا ونايجيريا واميركا اللاتينية وسويسرا وبريطانيا وتركيا ، واجبها رصد التحركات الوطنية والتدخلات الشيوعية .

بعد إنسحاب السوفيات من أفغانستان ، ثم إنهيار الإتحاد السوفياتي في 1989 ، بدأ مناهضي السوفيات الأفغان بالإستعداد لإستلام القوة بالرغم من الإتفاق الأمريكي ـ الروسي في 1991 القاضي بوقف المساعدات الى أفغانستان في تلك المرحلة . تشير مصادر المخابرات الأوربية ، أن إتفاق ضمني بين السعوديين والأمريكان كان قائما بإستمرار التحالف بين الأفغان والأمريكان وعهد ذلك الى اسامة بن لادن .
في نفس السنة عقدت اجتماعات مكثفة بين بن لادن والمخابرات السعودية وبشكل سري . وكانت وجهة النظر السعودية ، والتي حظيت بالموافقة الأمريكية هي الحفاظ على علاقات بن لادن وتنظيمه في باكستان كحلفاء لأميركا وبأي ثمن لضمان منع اية تدخلات من قبل ايران الشيعية .

لقد عاد اسامة بن لادن الى السعودية بعد انسحاب الجيش السوفياتي من افغانستان عام 1989 ليتفرغ للإشراف على الأعمال التجارية لعائلته في مقر مجموعة شركاتهم في جدة . وحين تم ، وكما يبدو بتوجيه امريكي ، حجز جواز سفره عام 1991 من قبل السلطات السعودية لمنعه من السفر الى الخارج والإتصال بخلاياه وتنظيماته التي أنشأها اثناء فترة الجهاد في افغانستان ، بقيت علاقته مع العائلة المالكة السعودية متماسكة ، واستغل إحتلال العراق للكويت في تلك السنة في محاولة إقناع السعوديين اتنظيم دفاع مدني وخلق قوة مدربة داخل المملكة من المقاتلين العرب في افغانستان لغرض محاربة النظام العراقي . إلا أن هذا المقترح لم يلقى القبول لدى قمة الهرم السعودي ، رافقه قبولهم بدخول 30000 جندي أمريكي الى السعودية . كانت تلك نقطة البداية في الخلاف بين بن لادن والسلطة السعودية .

في نيسان / ابريل من تلك السنة ، واستنادا الى تقرير استخباراتي امريكي ، تم التوصل بين الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية وبينهم ، الى عقد صفقة مع بن لادن وهو تحت الإقامة الجبرية في منزله تقضي بأن يتبرا النظام السعودي علنا وأمام الرأي العام من بن لادن ، ومنحه في نفس الوقت الموافقة على مغادرة السعودية مع أمواله ومناصريه . والأكثر من ذلك تعهد النظام السعودي باستمرار تمويله على شرط عدم الإعتراض على سياسة المملكة أو مناوءتها .

على الرغم من إنتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والأمريكي ، إلا أن الأزمة في أفغانستان لم تنته ، واستمر تدفق السلاح الى أفغانستان من قبل الروس ، والى الإسلاميين من قبل باكستان واميركا والسعودية حيث كان الأمريكان يأملون الى إنهاء المشكلة الأفغانية وتعقيداتها بعد إتفاق السعودية ـ بن لادن ولصالحهم ، وهكذا وفي 1992 كان حكمتيار الذي تسانده اميركا وباكستان قد تمكن من تشريد نصف مليون لاجئ من كابل ، وقتل أكثر من 2000 شخص . وكذلك أبقي على ميليشيات احمد شاه مسعود ، وبرهان الدين رباني ، وعبد الرشيد دستم ، وعبد العلي مزاري ، وعبد الكريم خليلي .. وكانوا جميعا يعملون على إثارة الفتن ونشر العنف والقتل بين عامي 1992 ـ 1996 (( تعقيب : الموقف هنا يبدو متطابقا من حيث الإستراتيجية والتكتيك مع مايحدث الآن في العراق من إنتشار العنف والفوضى على يد عدة ميليشيات حزبية وطائفية حتى من ناحية المدة الزمنية ، حيث سيدخل قريبا سنته الرابعة في العراق ، واستثمار ذلك امريكيا ...!!)) .

ظهر آنذاك تجمع إتحاد الشمال ، الذي أطلق عليه عام 1996 اسم " الجبهة الموحدة " وكان يقوم بأعمال عنف تشابه تلك التي كانت تقوم بها طالبان خلال فترة حكمها ، وكان لقواته سيطرة كاملة على شمال أفغانستان ، وكانت ميليشياته تمثل منتهى العنف والقسوة بما فيها أعمال القتل والإغتصاب وحرق المنازل والإغتيالات ، وكانوا يستخدمون قبائل البشتون ومناصري طالبان . وعند إنهيار نظام نجيب الله الموالي للروس ، سيطرت طالبان على كابل في 1996 ودحرت الإتحاد الشمالي وبدعم من السعودية وباكستان .

في بداية التسعينات لم تكن طالبان معروفة برغم وجود نواة لها مثل " حركة الإسلام " وجماعة محمد نبي محمدي ، ولكنهما كانتا تعملان منفصلتين وبدون قيادة موحدة حتى عام 1994 حين توحدت الجماعتين لتنشأ ماسمي " حركة طالبان " ، والتي استطاعت إحتلال كابل بعد سنتين كما ذكرنا .

تشير تقارير المخابرات الى أن هذا الظهور ثم النصر تم بمساعدة المخابرات الباكستانية ودعم شركة النفط ( اونكال ) مع شريكتها السعودية ( دلتا ) . أونكال مقرها في تكساس وتمتلك اكبر الحصص فيها عائلة بوش ...! كما تم ايضا دعمهم على المستوى السعودي الخاص والمخابرات الأمريكية .

في مايو 1996 عرضت باكستان على بن لادن الحماية له ولجماعته مقابل أن يقف مع مقاتليه الى جانب حركة طالبان . وتمت الصفقة وتحرك بن لادن الى افغانستان . وبعد شهر من وصوله الى افغانستان إلتقى مع أحد مساعديه المدعو ابو زبيدة بعسكريين باكستانيين كان من ضمنهم مشاف علي مير الذي أصبح قائد القوة الجوية الباكستانية في عام 2000 بسنة واحدة قبل احداث سبتمبر 2001 . وعلى حد قول بن لادن فإن إتحاد القاعدة مع طالبان نال مباركة السعوديين الذين كانوا يقومون بتمويلهما بالأموال .

لقد تم اإعتراف بحكومة طالبان من قبل ثلاث دول فقط هي : السعودية ، والإمارات ، وباكستان . والدول الثلاث كما هو معروف حلفاء للولايات المتحدة التي لم تعترض على ذلك ولا على الدعم المالي لطالبان .
كانت الولايات المتحدة تظهررغبتها في إحلال السلام في افغانستان ... وفي نفس الوقت تظهر السياسة الأمريكية عداء تجاه ايران ، جعل الكثير يتصور أن أميركا تؤيد طالبان .. والحقيقة غير ذلك ، فلقد ارادت اميركا أن تخوض افغانستان حربا بالنيابة عنها وهذه المرة كان الهدف زيادة الضغط على ايران واستمالتها ، وبدأت بين الحين والآخر تصدر بيانات من الخارجية الآمريكية تدين بشكل او بآخر التدخل في شؤون افغانستان والمقصود طبعا وظاهريا هما السعودية وباكستان . الدعم الأمريكي كان يهدف الى أن تكون افغانستان العربة التي تحمل اميركا في المنطقة خصوصا بين عامي 1996 و1998 واستمر نوع من هذا التكتيك حتى عامي 1999 و 2000
(( تعقيب : يلاحظ هنا تشابه التكتيك الأمريكي ايضا في المسألة العراقية بإدانة التدخل الإيراني والعربي ، وإغماض الأعين عن ذلك قرابة اربع سنوات حتى الآن ))

تميل الكثير من التحليلات السياسية بعد هذا التاريخ ، اي عام 2000 ، أن الولايات المتحدة أغلقت إتصالاتها السياسية مع طالبان بشكل جزئي أولا ، ثم بشكل نهائي بعد سبتمبر 2001 .

تلي الحلقة الثالثة
lalhamdani@yahoo.com

No comments: