Tuesday, March 18, 2008

النفط مقابل البقـــاء ...!

علي الحمــداني

تعودنا نحن العراقيون خلال السنوات العجاف التي مررنا ولانزال نمر بها على سماع مصطلحات جديدة في لغة السياسة والإقتصاد .. لعل من أبرزها مصطلح ( النفط مقابل الغذاء ) ..!
أي لكي يأكل الشعب ويستطيع العيش لابد له من أن يقايض نفطه بالسعر الذي يفرض عليه ليحصل مقابل ذلك على لقمة العيش لكي توزع على أفراد الأسرة العراقية وفق بطاقات تموينية ، ويتم توزيعها وفق المتاح منها وحسب النوعية الموجودة ، ولاإعتراض على أي منهما .. وكيف يمكن لجائع معدم أن يعترض على قضاء البنوك الدولية وساسة الدول المانحة ..!

وبين هؤلاء المساكين .. وأولئك المانحين .. يجلس تجار الحروب ، أزلام الحكام لكي يديروا عمليات المقايضة ويورّدوا الغذاء حسب أمزجتهم بما يكفل لهم هامش ربحية عال يدخل الى الجيوب والكروش .. بعضهم قد أنشأ بنك خاص لهذا الغرض يقال أن حصته فيه تبلغ 52 % ومقره في باريس .. ثم عندما سقط النظام السابق ، ورث وغيره المليارات من الدولارات ، ولايزال يعيش في لندن ، عيشة السلاطين في قصص الخيال ، إنه تاجر الحرب ومعتمد الحاكم ( ن . أ ) ...! ومثله أناس آخرين من المنتفعين من قوت المساكين في فرنسا ، والمانيا ، والأردن ، والشرق الأقصى .. ولاتزال أسماءهم محفورة في الذاكرة كما يحفر الصخر ...!!

ودارت الأيام .. ودخل الساسة الأمريكان تجار النفط الى العراق ، كمحتلين هذه المرة ، يجرّون وراءهم جيش من المنتفعين الجياع ، ومعهم المتخمين بالملايين ، يسألون هل من مزيد ..؟ إنهم أبطال المعارضة العائدين من وراء البحار .. ومن إجتماعات صالات فندق الهيلتون .. جاءوا ، كما قالوا ليحرروا العراق من الدكتاتور .. ويقطعوا دابر الفساد المالي والسرقات .. ويبنوا الديمقراطية ويحرروا الأرض والإنسان ...!

ومرت الأيام .. وبقيت الحصة التموينية .. وبقي قانون النفط مقابل الغذاء .. ولكن تغيّر شيء واحد ، وهو أن حلّ تجار جدد محل التجار القدامى ، كما تغيرت سياسة المقايضة وإنماء الأرباح التجارية .. فقد تقرر هذه المرة أن تدار العمليات بصورة مباشرة من قبل المسؤولين والوزراء والساسة الجدد ومن مقر الإدارة العامة للشركة الواقع في المنطقة الخضراء في بغداد ، ولم تعد هناك حاجة لوكلاء في الخارج ... فما حكّ جلدك مثل ظفرك ...!!!
المنتفعين الجياع بحاجة الى الإسراع في الحصول على الأرباح ، فوضعهم لايحتمل التأخير .. والدنيا لاأمان لها كما يقال ..!
والمتخمين بالملايين ، يعرفون قواعد اللعبة التجارية ، كما كانوا يجيدون لعب ( الروليت ) و (البلاك جاك ) في كازينوات القمار اللندنية الفاخرة ..حتى أن أحدهم وهو ( ه. ز ) إلتحق بمنصبه الرفيع في العراق الجديد وهو لايزال مطلوب لحسابه المكشوف في كازينو " البالم بيج " في لندن مبلغ 90,000 باوند إسترليني تم تسديده على الفور بعد أن تسرب الخبر الى صحيفة بريطانية ...!

بدأ هؤلاء بمسك خيوط التجارة الجديدة على طريقة المحترفين كمن يمسك بخيوط الدمى يحركها كيف يشاء ولكل منهم أزلام من المنتفعين الجياع لم يمانعوا أن تربط بهم خيوط الدمى ، ويترك طرف الخيط بيد المتخمين بالملايين ، مادام هناك نفع ( عام ) من العملية ...! أو ليست العملية أصلاً هي لتوفير القوت للشعب العراقي ، فأي هدف ممكن أن يكون أسمى من ذلك ...؟؟

من المجموعة الأولى ، أذكر : ( ع . ص ) و ( ح . ص ) و ( ف . ن ) و ( ح . ش ) و ( ط . ر ) و ( م . م ) وغيرهم ...
ومن المجموعة الثانية هناك ( أ . ج ) و ( أ . ج ) و ( إ . ق ) و ( ب . ص ) و ( م . ر ) و (ع .ح )
و ( أ . ب ) وغيرهم ..
ولكل من هؤلاء وأولئك أصبح لهم الآن عماراتهم وفيلاتهم في لندن وجنوب فرنسا وجنوب إسبانيا ودبي ، عناوين بعضها على الأقل في متناول اليد في الوقت الحاضر وحتى حين ...!

ولمن إختلط عليه فك الرموز من القراء الكرام .. أقول صبراً ، فسوف ينشر يوماً كل شيء وبالتفصيل ، وليس ذلك ببعيد ... أليس الصبح بقريب ..؟

وما دمنا نتحدث عن ( النفط مقابل الغذاء ) ، كعملية إقتصادية وتجارية فرضتها الظروف السياسية على العراق ، ولها فرسانها وأبناء بجدتها .. لابد أن نذكر شيئاً عن دور النفط في العملية السياسية في العراق ومنذ إحتلاله وحتى الآن ، وسنسمي العملية هذه المرة : ( النفط مقابل البقاء ) ...!
ولا مزاح ولا سخرية في ذلك ، لأن هذا هو واقع حالها ..!

تبدأ حكاية النفط بعد 2003 ، بوقف عدادات حساب كميات النفط المنتجة والتي تضخ للتصدير والتي موجودة على كل بئر للنفط ... السبب كما قيل لنا ، الحرب ومخلفاتها من دمار ، والعطل الفني وفساد العهد السابق ، وعدم توفر قطع الغيار .. فسكتنا ...!

لنتصور .. ولمجرد التصور فقط .. كم مليون برميل من النفط يعود للشعب العراقي الذي ينهشه الجوع والمرض ونقص الخدمات والدمار ، خرج من أرض العراق وبدون أن يحسب على الإنتاج أو المبيعات ليذهب الى السماسرة وتجار النفط .. ولنتصور .. ولمجرد التصورفقط .. كم من مئات الملايين من الدولارات دخلت الجيوب التي لاقاع لها واختفت ...!!!

هذه واحدة .. فما بالكم بتهريب النفط الى الجوار بالصهاريج .. والى الخارج بالبواخر الصغيرة عبر الخليج ..؟ ولحساب ( فلان الفلاني ) السيد الجليل ، أو وضع نسبة عمولته إذا ماسمح لغيره بالتجارة النفطية ...!!

الأخرى .. الدخول في عقود نفطية مع شركات مختلفة ، بعضها بواسطة وزراء النفط ، والبعض الآخر عن طريق ( وزارة ) النفط في كردستان ، وفي الحالتين تمت هذه العقود بدون إستحصال الموافقات الأصولية الرسمية ، أو عرضها على مجلس الوزراء أو مجلس النواب .. أو بإهمال الإثنين في السلطة المركزية في بغداد كما يحدث في ( إقليم ) كردستان .. وهذا الكلام حقيقة وليس من باب المبالغات الصحفية ، وأصبح معروفاً للجميع .. ولكل شيء ثمن .. فنحن نعيش عصر الإقتصاد الحر .. والعمولات جزء من بنية هذا الإقتصاد ..!!

أما الأخرى .. فهي بيع النفط ( للجارة ) إيران ، وبسعر رمزي بل خيالي للبرميل الواحد وهذا ليس من باب العمالة أو صلات القربى والرحم ..! بل أن الجارة تقوم بتكرير هذا النفط الخام لحساب العراق وتبيعه على شكل منتجات نفطية للإستخدام المحلي في العراق وبسعر ( متفق عليه ) .. وهذا قد حقق أرباحا عالية للطرفين ، فإيران تشتري النفط الخام العراقي بسعر .. وتبيعه بالسعر العالمي .. وتبيع للعراق منتجات نفطية .. وعمليات البيع كما هو معروف إقتصاديا لاتتم بدون ربح ..! والتجارة ( شطارة ) ...!!

أما العراق فهو بإشد الحاجة الى هذه المنتجات والمشتقات النفطية لإستمرار تشغيل آلة الحرب الأمريكية من طائرات ودبابات وآليات وغيرها من جهة .. ولتوفير سلعة لصغار السماسرة من أزلام أحزاب السلطة والطائفية السياسية وحسب مقامهم وحجمهم لكي يبيعوها في السوق السوداء ..

ولكن هناك ـ وللإنصاف ـ كميات تضخ الى محطات الوقود للمواطنين لكي ينتظروا ساعات طويلة قبل أن يتمكنوا من إملاء خزانات سياراتهم بالوقود ..!
السبب المقدم لهؤلاء المساكين على هذه الشحة وهذا التأخير .. هو عمليات التخريب التي يقوم بها المخربين والإرهابيين والصداميين لأنابيب النفط ومحطات الطاقة الكهربائية ويسببون المعاناة لشعب العراق ....!!

أما كيف أصبح ( النفط مقابل البقاء ) فهو ، وإضافة لما ذكر ، فلابد من أن ننتقل بالموضوع الى الجانب السياسي ، لاسيما ذلك الذي أخذته على عاتقها وتعهدت به ، حكومة الإحتلال الرابعة برئاسة السيد نوري المالكي .. واليكم الحكاية التي ربما تعرفونها ، ولكن لنذكّر لعل الذكرى تنفع المؤمنين !

يعمل السيد المالكي في كل زياراته الرسمية ، ولاسيما تلك التي تمت الى دول الجوار ، أن يكون بمعيته وزيري المالية والنفط ( صولاغي والشهرستاني ) ، لكي يجعل من موضوع النفط سلعة مساومة مقابل مكاسب سياسية ضيقة إن لم نقل تافهة ، منها على سبيل المثال تسليم معارضين عراقيين يقيمون في كل من الأردن وسوريا .. وهذا التصرف قد حدث مؤخراً من خلال القائمة التي حملها موفق (الربيعي ) الى الحكومة الأردنية وفي مقدمة القائمة رغد صدام .. وحدث نفس الشيء خلال مباحثاته الأخيرة في سوريا حول فتح خط كركوك ـ بانياس النفطي ، والطلب بتسليمه 13 شخصاً من نظام صدام يقول أنهم مقيمين في سوريا كلاجئين .. وقد نسي أنه نفسه كان لاجئاً في سوريا ولسنوات في عهد صدام ، وأن السلطات السورية رفضت تسليمه برغم كل المغريات التي قدمت لها .. !
هكذا إذن تريد حكومة العراق الرباعية إستخدام النفط كسلاح ، كما كنا نسمع أيام الصحوة القومية والحروب مع إسرائيل وإستخدام النفط العربي كسلاح في المعركة ..

تلك أمة قد خلت .. ولكن المالكي لايزال يفكر بعقلية التاجر السياسي ، ويريد أن يساوم على نفط العراق مقابل حفنة من الأشخاص لايدفعه في ذلك إلا رغبة الإنتقام بعد أن أفلس أمام العالم .. وهو بالمناسبة لايزال يصرح في نفس الوقت عن عزمه على تحقيق ( المصالحة الوطنية ) ..
لاندري حقيقة ماذا حل بمذكرات التوقيف القضائية بحق بعض الأشخاص الذين لايزالون في العراق لم يمسسهم سوء .. ولماذا لم تتم الإستعانه بالأنتربول لإستجلاب بعض اللصوص الذين خرجوا بالمليارات من العراق بحكم مناصبهم ، ويقيمون حالياً في لندن لغرض تقديمهم للقضاء العراقي النزيه والمستقل كما تمت الإستعانة بالأنتربول لجلب رغد صدام على سبيل المثال ...؟

الأدهى والأمر من كل ذلك ( مشروع قانون النفط والغاز العراقي الجديد ) الذي حمل رايته عاليا السيد المالكي ، وذلك بعد ، وكما يبدو تصديقه للوعود الأمريكية بإبقائه على كرسي الرئاسة إن هو حقق المصادقة على القانون ووضعه موضع التنفيذ .. وتحت الضغوط الأمريكية و ( نفاذ صبر الإدارة الأمريكية ) كما قال بوش وهو يتكلم عن الوضع في العراق ويحاول الإيحاء أنه يتكلم عن الوضع الأمني ومصالحة الأطراف العراقية ...فهم المالكي الرسالة وقام بالحصول على موافقة مجلس الوزراء على القانون وبقي موضوع عرضه على المجلس النيابي الذي تصدع كمجلس الوزراء .. ونذكر أنه في اليوم الذي حصلت فيه موافقة مجلس الوزراء على القانون بالتوقيع عليه ، صرح المالكي في إحدى أحاديثه ، ومن خلال ( جملة إعتراضية ) : أن هذه الحكومة باقية ...!

ولأن الرياح تأتي بما لاتشتهي السَفن .. لايزال القانون معلقاً .. ولايزال صبر بوش لم ينفد بالكامل ولايجب أن ينفد وأمر النفط لايزال لم ينجز بعد .. بل أن الرجل ظهر فقط في تصريحاته متناقضاً خلال أربعة وعشرون ساعة فقط ، وذلك مابين مهاجمة المالكي وإعلان تأييده له .. واستعرض المالكي عضلاته في الساعات الأخيرة من زيارته لسوريا بمهاجمة بوش أمام السوريين ، ووصف هجوم بوش عليه بسبب زيارته لإيران وسوريا ... هكذا ..! وكأن من أمامه لايفهم مايجري وهم من الساسة المخضرمين الذين يعرفون المالكي منذ أن كان لاجئاً في بلدهم ..!
وليته أسمعنا إعتراضه على أحمدي نجاد ، وهو يجلس الى جانبه ، حين وصف بعض أعضاء حكومته ( بالمفسدين ) ، على الأقل من باب الأعراف الدبلوماسية ..!

الحقيقة أن بوش وهو يستخدم سياسة العصا والجزرة ، يريد أن يحقق وضع قانون النفط والغاز الجديد موضع التنفيذ فقط لاغير .. وعلى الإثنين تبادل الأدوار على مسرح الدجل السياسي ..!

ولا يزال السيد رئيس حكومة الإحتلال الرابعة يناضل في سبيل البقاء رغم ظهور السراب أمامه ولكنه كالظمآن يحسبه ماءاً أو ربما ( نفطاً ) ..
والنفط مقابل البقاء .. وحتى إشعار آخر ...!!

lalhamdani@yahoo.com


No comments: